هذا ملخص سريع لبحثي الموسوم ب(( أحاديث نسخ التلاوة رواية ودراية )) .
القسم الأول : أحاديث نسخ التلاوة رواية .
أولاً : بيان حال أحاديث نسخ التلاوة، وهذا يسلزم الكلام على أحاديث نسخ التلاوة جملة، ثم الكلام على كل حديث على الإفراد .
1 ) رويت الأحاديث التي فيها ذكر لنسخ التلاوة أو الكلام على آية نُسخت من قبل عدد كبير من الصحابة وصل إلى اثنين وعشرين صحابياً وهم ( عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وسهل بن حنيف ،وزيد بن ثابت ، وعبادة بن الصامت ، وعائشة ، والعجماء خالة سهل بن حنيف ، وعمرو بن العاص ، وأبي واقد اللثي ، وأنس بن مالك ، وحذيفة بن اليمان ، وأبي موسى الأشعري ، وأبي هريرة ، وزيد بن أرقم ، وابن مسعود ، وبريدة ،وابن الزبير ، وأبي أمامة ، وأبي سعيد الخدري ، وسمرة بن جندب ، وجابر بن عبد الله ، وكعب بن عياض ).
2 ) حديث الشيخ والشيخة بكافة ألفاظه رواه كل من : ( عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وسهل بن حنيف ،وزيد بن ثابت ، وعبادة بن الصامت ، وعائشة ، والعجماء خالة سهل بن حنيف ، وعمرو بن العاص )
3 ) حديث لو كان لابن آدم واديان من رواهما كل من : أنس ، وابن الزبر ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وبريدة ، وأبي سعيد ، وسمرة ، وعائشة ، وجابر ، وأبي أمامة ، وكعب بن عياض ) .
يتبين مما سبق أن أحاديث نسخ التلاوة وصلت إلى حد التواتر جملة ، بل ووصل حديثان على الإفراد منها إلى درجة التواتر ، ولهذا حكم العلاوة الوزبيدي في نظم المتناثر بتواتر حديث (( لو كان لابن آدم واديان من ذهب ... )) .
ثانياً وردت ألفاظ عن عدد من الصحابة تصب في هذا الاتجاه كقولهم ، نسخت أو رفعت ، كانت مما يقرأ من القرآن ، وهذه الألفاظ وردت عن عدد من الصحابة وصل إلى حد التواتر ، مما يفيدنا حضور هذا المعنى في أذهان الصحابة رضوان الله عليهم .
ثالثاً : إن هذه الأحاديث قد اشتملت عليها أمَّات كتب كالصحيحين ، والسنن والمسانيد ، ورواية أصحاب الكتب لهذه الأحاديث يفيد ارتضاؤهم لها وبخاصة صاحبي الصحيح الذين اشترطا الصحة ، ثم ما اشترطه سواهما من أنهما لم يرويا إلا مقبولاً أو معمولاً به .
وهذا كله يبين أن أهل الحديث ارتضوا هذه الأحاديث ورووها بكثرة وصلت إلى التواتر ، فما على من ينكر هذا إلا أن يقرع الحجة بالحجة ويثبت عدم التواتر بالدليل لا بالصياح والعويل ، والكلام العاري عن المنهج والدليل .
يتبع القسم الثاني أحاديث نسخ التلاوة دراية .... إن شاء الله تعالى .
الاخ لطفي حفظك الله تعالى
1- أرجو منك ان تذكر من قال بتواتر الاحاديث التي ذهبت اليها من علماء الحديث وممن هم حجة في الحديث
2- بعض كتب الاصول كالابهاج والمحصول لم تذهب الى ان حديث الشيخ والشيخة هو آية اصلا .. فهل كفرا بهذا الانكار؟
الأخ الكريم سيف الدين وفقه الله تعالى وكذا جميع الأخوة الذين يقرأون هذا الملخص المقتضب ، إن هذا الملخص هو في الأصل بحثٌ من ثلاثة مباحث ، أولها أحاديث النسخ رواية ، وثانيها أحاديث نسخ التلاوة دراية ، وثالثها في الرد على الشبهات وما يرد على هذا الموضوع ، ولسوف يكون التلخيص شديداً للمبحثين الأول والثاني ، أما فيما يتعلق بالرد على الشبهات وما يُثار حول نسخ التلاوة فلعلي أتناوله بتفصيل أكثر لكن باختصار لبعض الشبهات التي تناولتها في بحثي ، وفي المبحث الثالث إجابة عن بعض ما سألتم والله يحفظكم .
القسم الثاني : أحاديث نسخ التلاوة دراية
ملحوظة : القسم في هذا الملخص يُعادل المبحث ، في أصل البحث الذي أشرت إليه .
تناولت في هذا القسم ثلاثة أمور :
أولاً : إمكان نسخ التلاوة عقلاً ، وذلك من خلال التقسيم المنطقي للنسخ أولاً ، إذ إن الكاتبين في هذا الموضوع من أصوليين وعلماء قرآن قد ذكروا هذا التقسيم على سبيل الافتراض أولاً لأن العقل والمنطق لا يرفضه ، فالنسخ متعلق بالنص ، والنص له جانبان حكم ورواية ، فالنسخ قد يكون على أحدهما أو عليهما معاً ، فقد يكون نسخ للحكم ، أو نسخ للتلاوة ، أو للحكم والتلاوة معاً ، وقد ساق علماء الأصول والقرآن الأمثلة والأدلة على هذه الأقسام جميعاً ، بتفاوت في الكثرة والقلة بالترتيب الموجود ، فأكثر الأقسام عليه أدلة وأمثلة هو الأول ، ويليه نسخ التلاوة فقد ذكر عليه العلماء عدد من الأدلة ، ولم ينكره قديماً إلا قلة من الطوائف الأخرى ، والأمثلة التي ذكروها من الكثرة بمكان بحيث يطمئن الإنسان إلى وقوع هذا النوع من النسخ ، وليس من العقل والحكمة إنكار هذا والحكم على كل الأدلة التي استدل بها المثبتون بالإعدام ونفيها ، لا سيما وقد قدمت في القسم الأول تواتر أحاديث نسخ التلاوة ، ومن هنا تأتي فائدة التواتر لا لإثبات قرآنية هذه النصوص ، بل لتدعيم حجة من يقول بهذا النوع من النسخ كما سأبين ذلك في القسم الثالث إن شاء الله تعالى .
وقبل أن أنهي كلامي المختصر على هذه الجزئية أسوق كلاماً لأحد العلماء الذين ارتضوا العقل منهجاً وأخذوا بأحكامه في إثبات حصول نسخ التلاوة عقلاً ، ذلكم العلامة هو ابن عقيل الحنبلي ، فابن عقيل وإن كان حنبلياً في الفروع إلا أنه كان معتزلياً في الأصول وفي كلامه واستدلاله ردٌ على بعض علماء طائفته الذين أنكروا نسخ التلاوة ، وفي هذا الصدد يقول ( الواضح في أصول الفقه : 1/245) : والنسخ على ثلاثة أضرب : نسخ الحكم دون الرسم ، ونسخ الرسم دون الحكم ، ونسخ الرسم والحكم معاً .
فالأول : الوصية للوالدين والأقربين ، والاعتداد والتربص بعد وفاة الزوج حولاً ، وهما جميعاً يتليان في كتاب الله تعالى ، فنُسخت الوصية بآية المواريث ، ونُسخ الحول بالأربعة أشهر وعشراً .
والثاني : آية الرجم ، منسوخة الرسم من كتاب الله تعالى ،وهمَّ عمر بكتبها في حاشية المصحف ، وخاف أن الناس َ أن ينسبوا إليه الزيادة في المصحف ، وهي : ( لا ترغبوا عن آبائكم فإن ذلك كفر بكم ، الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) ، وهي ثابتة الحكم ، وهذا تعليق للحكم على الغالب ، وأن الشيخين يكونان محصنين ، وليس بتعليق على حقيقة السن ؛ لأن الشيخ والعجوز إذا لم يكونا تواطآ في نكاح صحيح جُلدا ، لكن هذا مما ذُكر فيه السن إحالة على غالب الحال معهما .
وكذلك ذكر التتابع في كفارة اليمين في قراءة ابن مسعود : (( ثلاثة أيام متتابعات )) نُسخ الرسم ، والحكم وهو التتابع باقٍ عندنا .
الثالث : مثل ما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كان فيما أنزل الله : عشر رضعات معلومات ، فنسخن بخمس معدودات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مما يُقرأ من القرآن ، فكانت العشر منسوخة الرسم إذ لم نقف لها على رسم ، ومنسوخة الحكم إذ لم يبق بالعشر عبرة ، ولا تعلق التحريم عليها.
ثم ذكر رحمه الله تعالى إنكار بعض الأصولين فقال : 1/249 : وأنكر هذا قوم من الأصوليين ، ولا وجه للإنكار إذا صحت الرواية بذلك ؛ لأنَّه إن كان القول بالأصلح ، فقد يكون الأصلح رفعها ، كما كان في الوقت الذي تليت ونزلت الأصلح نزولها وتلاوتها ، وإن كان القول بمطلق المشيئة ، فيرفع الله ما يشاء كما ينزِّل وقد أعلم نبينا ليلة القدر ، ثم أنساه ورفعها ، يعني رفع علم النبي صلى الله عليه وسلم بها ، بدليل أنه قال فاطلبوها ، ولو كان الرفع لعينها لما أمر بطلبها ، وكذلك رفع علمنا بالسورة والآية ، لا أنَّه أعدما وأزال ذاتها ، وما خلا إنزالها من فائدة وهي الإيمان بها حيث كانت متلوة ، والتسليم لحكم الله حيث رُفعت ، وفي رفعها بعد الإنزال نوع بلوى ، قال الله سبخانه : ( وإذا بدَّ لتا آيةً مكان آيةٍ والله أعلمُ بما يُنَزِّل قالوا إنَّما أنت مُفترٍ بل أكثرهم لا يعلمون ) فيكون رفع ما أنزله ونسخ ما أحكمه زيادة في إيمان المؤمن بتسليمه لله ، وفتنة للذين في قلوبهم مرض .
ونظير هذا ما ذكره الطوسي في العدة في الأصول : 2/36 : فصل : في ذكر جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم جميع ما ذكرناه جائز دخول النسخ فيه لأن التلاوة إذا كانت عبادة والحكم عبادة أخرى جاز وقوع النسخ في أحديهما مع بقاء الآخر كما يصح ذلك في كل عبادتين ، وإذا ثبت ذلك جاز نسخ التلاوة دون الحكم والحكم دون التلاوة ، فإن قيل : كيف يجوز نسخ الحكم مع بقاء التلاوة وهل ذلك إلا نقض لكون التلاوة دلالة على الحكم لأنها إذا كانت دلالة على الحكم فينبغي أن يكون دلالة ما دامت ثابتة والا كان نقضا على ما بيناه ؟ قيل له : ليس ذلك نقضاً لكونها دلالة لأنها إنما تدل على الحكم ما دام الحكم مصلحة ،وأما إذا تغير حال الحكم وخرج من كونه مصلحة إلى غيره لم يكن التلاوة دلالة عليه وليس لهم أن يقولوا لا فائدة في بقاء التلاوة إذا ارتفع الحكم ، وذلك أنه لا يمتنع أن يتعلق المصلحة بنفس التلاوة وإن لم يقتض الحكم وإذا لم يمتنع ذلك جاز بقائها مع ارتفاع الحكم وليس لهم أن يقولوا إن هذا المذهب يؤدى إلى أنه يجوز أن يفعل جنس الكلام بمجرد المصلحة دون الإفادة وذلك مما تأبونه لأنا إنما نمنع في الموضع الذي أشاروا إليه إذا خلا الكلام من فائدة أصلاً وليس كبقاء التلاوة مع ارتفاع الكلام لأنها إفادة في الابتداء تعلق الحكم بها و قصد بها ذلك ، وإنما تغيرت المصلحة في المستقبل في الحكم فنسخ وبقى التلاوة لما فيها من المصلحة وذلك يخالف ما سأل السائل عنه ، وأما نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فلا شبهة فيه ، لما قلناه من جواز تعلق المصلحة بالحكم دون التلاوة ، وليس لهم أن يقولوا إن الحكم قد ثبت بها فلا يجوز مع زوال التلاوة بقائه ، وذلك أن التلاوة دلالة على الحكم فليس في عدم الدلالة عدم المدلول عليه .
وبهذا يتبين أن إمكانية نسخ التلاوة عقلاً واقعة فعلاً ، والعقل لا يأباها ، ولقد تعمدت النقل عن عالمين من علماء الطوائف التي تميل إلى الإنكار أكثر ، وهم المعتزلة وورثتهم العقلانيون المحدثون ، والرافضة ، إذ استشهدت بنقل لابن عقيل ، وآخر للطوسي ، بل إن الطوسي يرى أن إثبات نسخ الحكم مع بقاء التلاوة أشد ، وتوسع في إثبات إمكانية ذلك ، وبناء على ذلك فنسخ التلاوة مع بقاء الحكم من باب تحصيل الحاصل كما تقدَّم عنه .
ثانياً : يمكن الاستئناس بمدى استشهاد العلماء بهذا النوع من النسخ وذكرهم له في مصنفاتهم ، وقد كفاني الدكتور أحمد نوفل في بحثه ( نسخ التلاوة بين النفي والإثبات) الذي الذي طبع في كتاب ( دراسات إسلامية وعربية ) ص 166 – 167 ، باستيعاب من ذكر هذا النوع ، وذكر العلماء له هو ارتضاء له ، وإلا فإن كل من نقل شيئاً من العلماء ولم يتبعه النقد فهو راضٍ عنه ، وإن قال قائل :ما هذا إلا متابعة من اللاحق للسابق فنقول :إنا بهذا ننفي عن هؤلاء العلماء الذين نعيش على نتاجهم صفة العلمية والتفكير والنقد ، وهذا ينزع الثقة من مؤلفاتهم وكتاباتهم ، وهنا أسجل نقدي لقول د . أحمد نوفل قبل أن أسرد بعض المصنفات التي ساقها وهي قوله ( ص165 ) : ومما يساعد على رواج هذه الروايات وجعلها مقبولة ومسنودة أنَّ المفسرين أو جلهم لم يُفسروا الآية الكريمة ( ما ننسخ من آية أو ننسسها ) إلا بما يوافق هذه الروايات ، فمعظمهم قائل إنَّ الإنساء أو النسيان إنما هو محو من الحافظة ، ومسخها من القلوب ومن صفحات العقول ، والنسخ نسخ حكم ، أو نسخ تلاوة وحكم . فكأن كل ما ذهب إله هؤلاء العلماء الأفذاذ لم يرض فضيلة الدكتور ، بل كأنه يراهم جميعاً مرددين لقول واحد كالببغاوات دون فقهٍ لما ينقلون ، وهذا إجحاف كبير بحق هؤلاء العلماء إذ إن ذكر واحد منهم قولاً فإنه يتبناه بعد دراسة وتمحيص لهذا القول ، وإن كان يعتقد خلافه فإنه يتعرض لهذا القول للنقض والنقد ، وما من عالم من هؤلاء العلماء إلا مارس ما أقول ف كتابه الذي نقل منه الدكتور الفاضل ، ولو أردت الاستدلال على ذلك لكثرت النقول وخرجت عن موضوع البحث .
و عند التدقيق في هذه القائمة نجدها لم تقتصر على علماء فن واحد فنجد العلماء من كل الفنون تقريباً ؛ علماء الأصول ، والفقه ، والقرآن ، والحديث ..... ، ثم إن لا نجد علماء طائفة واحدة قالوا بهذا النوع من النسخ ، فهناك أهل السنة وهم السواد الأعظم ، وهناك علماء المعتزلة ، وعلماء الشيعة ، والإباضية وغيرهم .
وهذا ذكر لأبرز من يمكن أن نذكره في هذه العجالة ممن قال بنسخ التلاوة : فمن المفسرين غالبيتهم العظمى بغض النظر عن الطائفة أو الانتماء ، ومنهم على سبيل المثال : ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن كثير ، ، والنسفي ، والبغوي ، وابن عطية ، والقرطبي ، والطوسي ، والطبرسي ، واطفيش في تيسير التفسير ، والزمخشري وووووو ... ومن علماء علوم القرآن الذين ذكروا ذلك : الزركشي في البرهان ، والسيوطي في الإتقان ،والزرقاني في المناهل ،... ومَنّ كَتَبّ في الناسخ والمنسوخ كالنحاس ، وابن حزم ، وابن سلامة البغدادي ، وابن الجوزي ، وغير هؤلاء كثير ، ومن الأصوليين كثير أيضاً : منهم الرازي في المحصول ، والغزالي في النخول ، والأصول للسرخسي ، وابن حزم ، والآمدي ، ومن المحدثين شُرَّاح الحديث الذين تعرضوا لشرح أحاديث نسخ التلاوة ومنهم على سبيل المثال : ابن حجر ،
وهذه القائمة سرد لنماذج ممن قالوا بهذا النوع من النسخ من علماء الفنون المختلفة ،لأبين أن منسوخ التلاوة جائز عقلاً ، ولو قلنا خلاف ذلك فإنَّا نتهم كل هؤلاء العلماء بمجافاة آرائهم لأحكام العقل وهذا ما لا يقول به عاقل .
ثالثاً : الاستدلال على نسخ التلاوة من خلال أقوال العلماء وتوجيهاتهم لقوله تعالى : ) ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها( وقوله تعالى : ) وإذا بدَّ لتا آيةً مكان آيةٍ والله أعلمُ بما يُنَزِّل قالوا إنَّما أنت مُفترٍ بل أكثرهم لا يعلمون ( ففيما يتعلق بالآية الأولى : قال الطبري 1/476 : اختلفت القراءة في قوله ذلك فقرأها قراء أهل المدينة والكوفة أو ننسها ولقراءة من قرأ ذلك وجهان من التأويل أحدهما أن يكون تأويله ما ننسخ يا محمد من آية فنغير حكمها أو ننسها وقد ذكر أنها في مصحف عبد الله ما ننسك من آية أو ننسخها نجيء بمثلها فذلك تأويل النسيان وبهذا التأويل قال جماعة من أهل التأويل ، ذكر من قال ذلك حدثنا بشر بن معاذ قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا سعيد عن قتادة قوله ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها كان ينسخ الآية بالآية بعدها ويقرأ نبي الله الآية أو أكثر من ذلك ثم تنسى وترفع حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله ما ننسخ من آية أو ننسها قال كان الله تعالى ذكره ينسي نبيه ما شاء وينسخ ما شاء حدثني المثنى قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كان عبيد بن عمير يقول ننسها نرفعها من عندكم حدثنا سوار بن عبد الله قال ثنا خالد بن الحرث قال ثنا عوف عن الحسن أنه قال في قوله أو ننسها قال إن نبيكم أقرىء قرآنا ثم نسيه وكذلك كان سعد بن أبي وقاص يتأول الآية إلا أنه كان يقروها أو تنسها بمعنى الخطاب لرسول الله كأنه عني أو تنسها أنت يا محمد ذكر الأخبار بذلك حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ثنا هشيم قال أخبرنا يعلى بن عطاء عن القاسم قال سمعت سعد بن أبي وقاص يقول ما ننسخ من آية أو ننسها قلت له فإن سعيد بن المسيب يقرؤها أو ننسها قال فقال سعد إن القرآن لم ينزل على المسيب ولا على آل المسيب قال الله سنقرئك فلا تنسى واذكر ربك إذا نسيت حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا هشيم قال ثنا يعلى بن عطاء قال ثنا القاسم بن ربيعة بن قانف الثقفي قال سمعت ابن أبي وقاص يذكر نحوه حدثنا محمد بن المثنى وآدم العسقلاني قالا جميعا عن شعبة عن يعلى بن عطاء قال سمعت القاسم بن ربيعة الثقفي يقول قلت لسعد بن أبي وقاص إني سمعت ابن المسيب يقرأ ما ننسخ من آيةوفي 1/477 : أو ننسها فقال سعد إن الله لم ينزل القرآن على المسيب ولا على ابنه إنما هي ما ننسخ من آية أو تنسها يا محمد ثم قرأ سنقرئك فلا تنسى واذكر ربك إذا نسيت حدثني المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله ما ننسخ من آية أو ننسها يقول ننسها نرفعها وكان الله تبارك وتعالى أنزل أمورا من القرآن ثم رفعها والوجه الآخر منهما أن يكون بمعنى الترك من قول الله جل تعالى .
ويحسن هنا أن أذكر أيضاً آراء علماء المعتزلة في تفسير هذه الآية ، قال الزمخشري ( الكشاف : 1/87 ) : ونسخ الآية إزالتها بإبدال أخرى مكانها ، وإنساخها الأمر بنسخها ، وهو أن يأمر جبريل عله السلام بأن يجعلها منسوخة بالإعلام بنسخها ، ونسؤها تأخيرها وإذهابها لا إلى بدل ، وإنساؤها أن يذهب بحفظها عن القلوب . والمعنى : أن كل آية يُذهب بها على ما توجبه المصلحة ، من إزالة لفظها وحكمها معاً ، أو من إزالة أحدهما إلى بدل أو غير بدل ( نأت بخير منها ) .
قال الطوسي في التبيان : 1/294 : واختلفوا في كيفية النسخ على أربعة أوجه: قال قوم: يجوز نسخ الحكم والتلاوة من غير إفراد واحد منهما عن الآخر. - وقال آخرون: يجوز نسخ الحكم دون التلاوة. - وقال آخرون: يجوز نسخ القرآن من اللوح المحفوظ، كما ينسخ الكتاب من كتاب قبله. - وقالت فرقة رابعة: يجوز نسخ التلاوة وحدها، والحكم وحده، ونسخهما معا - وهو الصحيح - وقد دللنا على ذلك، وأفسدنا سائر الأقسام في العدة في أصول الفقه. وذلك أن سبيل النسخ سبيل سائر ما تعبد الله تعالى به، وشرعه على حسب ما يعلم من المصلحة فيه فإذا زال الوقت الذي تكون المصلحة مقرونة به، زال بزواله. وذلك مشروط بما في المعلوم من المصلحة به، وهذا القدر كاف في إبطال قول من أبى النسخ - جملة - واستيفاؤه في الموضع الذي ذكرناه.
وقال الطبرسي ( مجمع البيان : 1/338) :والنسخ في القرآن على ضروب منها: أن يرفع حكم الآية وتلاوتها، كما روي عن أبي بكر أنه قال: كنا نقرأ (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم). ومنها: أن تثبت الآية في الخط، ويرفع حكمها كقوله (وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم) الآية. فهذه ثابتة اللفظ في الخط، مرتفعة الحكم. ومنها ما يرتفع اللفظ، ويثبت الحكم، كآية الرجم، فقد قيل: إنها كانت منزلة، فرفع لفظها. وقد جاءت أخبار كثيرة بأن أشياء كانت في القرآن، فنسخ تلاوتها. فمنها ما روي عن أبي موسى، أنهم كانوا يقرأون: " لو أن لابن آدم واديين من مال، لابتغى إليهما ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب " ثم رفع. وعن انس أن السبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونة، قرأنا فيهم كتابا. " بلغوا عنا قومنا إنا لقينا ربنا فرضي عنا، وأرضانا) ثم إن ذلك رفع.
على كل حال لو أردنا استيعاب أقوال العلماء في تفسير هذه الآية فإن ذلك يطول ، لكننا نقول باطمئنان إن جمهور علماء التفسير ، بل الجمهرة الغالبة منهم يرون أن هذه الآية يُفهم منها النص على منسوخ التلاوة ، فإذا ما أضفنا إليها قوله تعالى : ) وإذا بدَّلنا آيةً مكان آيةٍ والله أعلمُ بما يُنَزِّل قالوا إنَّما أنت مُفترٍ بل أكثرهم لا يعلمون ( ، وأقوال المفسرين فيها لا يختلف عن خلاصة أقوالهم في تفسير آية ما ننسخ ، قال الطبري في تقسيره : 14/176 ): وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ) وإذا بدلنا آية مكان آية ( قال أهل التأويل ، ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء وحدثني المثنى قال : ثنا أبو حذيفة قال : ثنا شبل وحدثني المثنى قال : أخبرنا إسحاق قال : ثنا عبد الله عن ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : وإذا بدلنا آية مكان آية :رفعناها فأنزل غيرها ، حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد : وإذا بدلنا آية مكان آية، قال : نسخناها بدلناها : رفعناها وأثبتنا غيرها ، حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله : وإذا بدلنا آية مكان آية هو كقوله ما ننسخ من آية أو ننسها ، حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : وإذا بدلنا آية مكان آية، قالوا : إنما أنت مفتر ،تأتي بشيء وتنقضه فتأتي بغيره قال : وهذا التبديل ناسخ ، ولا نبدل آية مكان آية إلا بنسخ .
ولا أريد أن أسترسل كثيراً في تفسير هذه الآية فهي برأيي أظهر في الدلالة على نسخ التلاوة من الآية الأولى .
ويمكن أخيراً أن ننظر في تفسير قوله تعالى : ) يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ( . إذ قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية ( الجامع لأحكام القرآن : 9/331 ) : وقال قتادة وابن زيد وسعيد بن جبير يمحو الله ما يشاء من الفرائض والنوافل فينسخه ويبدله ويثبت مايشاء فلا ينسخه وجملة محمود والمنسوخ عنده في أم الكتاب ونحوه ذكره النحاس والمهدوي عن ابن عباس قال النحاس وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يمحو الله مايشاء يقول يبدل الله من القرآن مايشاء فينسخه ويثبت مايشاء فلا يبدله وعنده أم الكتاب يقول جملة ذلك عنده في أم الكتاب محمود والمنسوخ ، وكذا ذكر الطبري في تفسيره 13/169 ، وتابعهما على هذا عدد من المفسرين .
إذاً فإمكان وقوع النسخ عقلاً كما بينت، وذكر العلماء من كافة الطوائف والتخصصات لهذا النوع من النسخ واستدلالهم على وقوعه ، ثم ما قاله المفسرون في تفسير قوله تعالى : ) ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها( وقوله تعالى : )وإذا بدَّلنا آيةً مكان آيةٍ والله أعلمُ بما يُنَزِّل قالوا إنَّما أنت مُفترٍ بل أكثرهم لا يعلمون ( وقوله تعالى : ) يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ( . دليل على أن هذا النوع من النسخ واقع دراية ، بعدما استشهدت على ذلك رواية ، فإذا انضافت الرواية إلى الدراية أفادت يقيناً عند من يُقدر العلم والاستدلال ، ومن ينكر الأدلة ويتشبث بالأوهام فنسأل الله له العودة والإياب .
والمقصود التركيز على معنى الإنساء الوارد في هذه الآية إذ إنه من أقوى الأدلة على هذا النوع من النسخ ، ولسوف آخذ عينة من أقوال علماء الشأن في كل مرحلة زمنية ، وما هي توجيهاتهم لهذا ، وحرصت على أن لا يكون عملي انتقائياً فسأذكر الموافق والمخالف .
يتبع القسم الثالث والأخير الرد على الشبهات إن شاء الله تعالى .....
السلام عليكم ورحمة الله
ارجو من الاخ الكريم الدكتور لطفي ان يرسل البحوث المتعلقة بنسخ التلاوة كاملة الى عنواني البريدي المرفق فان هذا الموضوع مما شغلني امره زمنا طويلا ولم اجد الى الان من يشفي غلتي في البحث والملخص الذي ذكره لا يكفيني وهذا رجاء