جاسم آل إسحاق
New member
- إنضم
- 31/07/2007
- المشاركات
- 18
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
قال تعالى في سورة يس (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون)
وسورة القصص( لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك)
وسورة السجدة (لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك)
وسورة سبأ( وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير)
استدل خاتمة المفسرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بهذه الآيات على أنه لم يأت للعرب نذير ولم تقم عليهم الحجة، وهم من أهل الفترة.
وللعلماء أجوبة، وهي:
الأول:
أن النفي لأن الدعوة لم تباشر الذين بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأتهم نذير يشافههم بالنذارة ، فيكون النفي عن القوم المعاصرين له، وهذا قال به ابن عادل الحنبلي وابن عطية الأندلسي،وأبو حيان، والرازي، وابن جزي، و البقاعي، والألوسي ، وهذه سياق أقوالهم:
قال ابن عادل الحنبلي10/345:
لا يوجب أن يكون الرَّسُول حاضراً مع القوم ؛ لأنَّ تقدم الرسول لا يمنع من كونه رسُولاً إليهم ، كما لا يمنع تقدُّم رسولنا ، من كونه مبعوثاً إلينا إلى آخر الأبد.
وقال أيضا15/472:
وقوله: (وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ) أي إلى هؤلاء المحاضرين لك لم ترسل إليهم أي لم يأت العرب قبْلك نبي ولا نزل عليهم كتاب ولا أتاهم نذير يشافههم بالنّذارة غيرك ، فلا تعارض بينه وبين قوله : ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ) إذ المراد هناك آثار النذير ،ولا شك أن هذا كان موجوداً يذهب النبي وتبقى شريعته.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز 4 /412:
وقوله (ما أتاهم من نذير) أي لم يباشرهم ولا رأوه هم ولا آباؤهم العرب وقوله تعالى : (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) يعم من بوشر من النذر ومن سمع به فالعرب من الأمم التي خلت فيها النذر على هذا الوجه لأنها علمت بإبراهيم وبنيه ودعوتهم وهم ممن لم يأتهم نذير مباشر لهم سوى محمد صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس ومقاتل المعنى لم يأتهم نذير في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال أيضا 4/501:
وقوله تعالى (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) معناه أن دعوة الله تعالى قد عمت جميع الخلق وإن كان فيهم من لم تباشره النذارة فهو ممن بلغته لأن آدم بعث إلى نبيه ثم لم تنقطع النذارة إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم والآيات التي تتضمن أن قريشا لم يأتهم نذير معناه نذير مباشر وما ذكره المتكلمون من فرض أصحاب الفترات ونحوهم فإنما ذلك بالفرض لا أنه توجد أمة لم تعلم أن في الأرض دعوة إلى عبادة الله.
قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط 7/192:
والنذير ليس مخصوصاً بمن باشر، بل يكون نذيراً لمن باشره ، ولغير من باشره بالقرب ممن سبق لها نذير ، ولم يباشرهم نذير غير محمد صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس ، ومقاتل : المعنى لم يأتهم في الفترة بين عيس ومحمد ، عليهما السلام.
وأبو حيان يختار أن ما موصولة حيث قال: (مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ ) أن ما نافية،وعندي أن ما موصولة، والمعنى: لتنذر قوماً العقاب الذي أتاهم.
قال الرازي17/261:
لأن تقدم الرسول لا يمنع من كونه رسولاً إليهم ، كما لا يمنع تقدم رسولنا من كونه مبعوثاً إلينا إلى آخر الأبد. وتحمل الفترة على ضعف دعوة الأنبياء ووقوع موجبات التخليط فيها.
قال ابن جزي في التسهيل3/157:
كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله: (لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ) ؟فالجواب: أنهم لم يأتهم نذير معاصر لهم ، فلا يعارض ذلك من تقدم قبل عصرهم ، وأيضاً فإن المراد بقوله : (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ) أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ليست ببدع فلا ينبغي أن تنكر ، لأن الله أرسله كما أرسل من قبله والمراد بقوله : (لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ) أنهم محتاجون إلى الإنذار ، لكونهم لم يتقدم من ينذرهم فاختلف سياق الكلام فلا تعارض بينهما.
ونقل عنه البقاعي في نظم الدرر4/368.
قال الألوسي في تفسيره 15/145:
واختار البعض أن المراد بهؤلاء القوم العرب المعاصرون له صلى الله عليه وسلم إذ هم الذين يتصور إنذاره عليه الصلاة والسلام إياهم دون أسلافهم الماضين ولعله الأظهر.
ولما ذكر القول بأن نبوة إسماعيل انقطعت بموته، ذكر توجيه الآية على القول بأن النبوة لم تنقطع، قال : فالمراد بعدم إتيان النذير إياهم عدم وصول ما أتى به على الحقيقة إليهم ولا يمكن أن يراد بهؤلاء القوم العرب مطلقاً ويقال : بأنهم لم يرسل إليهم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أصلاً لظهور بطلانه ومنافاته لقوله تعالى : (وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ) والعرب أعظم أمة وكذا لقوله تعالى : (لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ) بناء على أن ما فيه ليست نافية وهو على القول بأن ما فيه نافية مؤول بحمل الآباء على الآباء الأقربين.
الثاني:
أن النفي لأجل تطاول المدة بين إسماعيل وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولانقطاع رسالة إسماعيل بعد موته. حكاه الألوسي، ولم ينسبه لأحد،15/145.
الثالث:
أن النفي معناه: أنه ما أتاهم نذير منهم، وتحمل آية (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) بأنه أتاها نذير منها أو من غيرها. ذكره الألوسي.
الرابع :
أن المراد بالأمة في الآيات المثبتة: الأمة العظيمة المعتنى بشأنها ، لذلك وردت في جميع الآيات منونة دلالة على هذا، والآيات التي فيها نفي النذير ورد النفي فيها على قوم وهم أقل من الأمة، حكاه الألوسي عن بعضهم حيث قال:
وأظن أنك تجعل التنوين في أمة للتعظيم أي وإن من أمة جليلة معتنى بأمرها إلا خلا فيها نذير ولقد بعثنا في كل أمة جليلة معتنى بأمرها رسولاً أو تعتبر العرب أمة وبني إسرائيل أمة ونحو ذلك أمة دون أهل عصر واحد وتحمل من لم يأتهم نذير على جماعة من أمة لم يأتهم بخصوصهم نذير ، ومما يستأنس به في ذلك أنه حين ينفي إتيان النذير ينفي عن قوم ونحوه لا عن أمة فليتأمل.
الخامس:
أنه لم يأتهم نذير وهو زمان فترة من الرسل لكن قامت عليهم الحجة، فالشرائع اندرست لكن تبقى أصول الدين.
قال شيخ الاسلام في جامع المسائل ـ طبعة عالم الفوائد ـ 5/ 52 : وأخبرَ سبحانَه أنَّ الرسالةَ عمَّتِ الأممَ كلَّهم بقوله سبحانَه وتعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) وقال سبحانَه: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) . وكما أخبرَ سبحانَه أنه لم يكن معذِّبًا أحدًا في الدنيا ولا في الآخرة حتى يبعث رسولا، أخبر سبحانَه أنه بعثَ في كل أمة رسولاً، لكن قد كان يَحصُلُ في بعض الأوقاتِ فَتَرات من الرسُل، كالفترةِ التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلَّم، كما قال سبحانه وتعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ). وزمان الفَترةِ زمان دَرَسَتْ فيه شريعةُ الرسول وأكثرُ الدُّعاةِ إليها إلاّ القليل، ولم يَدْرُسْ فيها علمُ أصولِ دينِ المرسلين، بل يَبقَى في الفترةِ من الدُّعاةِ من تقومُ به الحجةُ، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: "الحمد لله الذي جعل في كلِّ زمانِ فَتْرَةٍ من الرسلِ بَقَايَا من أهل العلم، يُحيُون بكتاب الله الموتَى، ويُبصِّرونَ بها أهل العَمَى". وكما قال علي بن أبي طالَب -رضي الله عنه- في حديث كُمَيْل بن زياد: "لن تَخلُوَ الأرضُ مِن قائمٍ لله بحجةٍ ، لئلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ الله وبيِّناتُه، أولئك الأقلون عددًا والأعظمون عند الله قدرًا" . فمن قامت عليه الحجةُ في الإيمان والشريعة التي جاء بها الرسولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجبَ عليه اتباعُ ذلك، ومَن دَرَسَتْ عنه شرائعُ الرسُلِ أو لم يكن رسولُه جاء بشريعة سوى القدر المشترك بين المرسلين ففرضُه ما تواطأتْ عليه دعوة المرسلين، من الإيمان بالله وباليوم الآخر والعمل الصالح، دونَ ما تميَّزَت به شريعةٌ عن شريعة. وهؤلاء -والله أعلم- هم الصابئون المحمودون في قوله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بالله وَالْيَوْمِ الآخر وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.
ولعل الجواب الأول أقوى الأجوبة، وكذا الجواب الرابع، والله تعالى أعلم
ومن عنده فائدة فليضفها هنا تكميلا للنفع.
وسورة القصص( لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك)
وسورة السجدة (لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك)
وسورة سبأ( وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير)
استدل خاتمة المفسرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بهذه الآيات على أنه لم يأت للعرب نذير ولم تقم عليهم الحجة، وهم من أهل الفترة.
وللعلماء أجوبة، وهي:
الأول:
أن النفي لأن الدعوة لم تباشر الذين بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأتهم نذير يشافههم بالنذارة ، فيكون النفي عن القوم المعاصرين له، وهذا قال به ابن عادل الحنبلي وابن عطية الأندلسي،وأبو حيان، والرازي، وابن جزي، و البقاعي، والألوسي ، وهذه سياق أقوالهم:
قال ابن عادل الحنبلي10/345:
لا يوجب أن يكون الرَّسُول حاضراً مع القوم ؛ لأنَّ تقدم الرسول لا يمنع من كونه رسُولاً إليهم ، كما لا يمنع تقدُّم رسولنا ، من كونه مبعوثاً إلينا إلى آخر الأبد.
وقال أيضا15/472:
وقوله: (وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ) أي إلى هؤلاء المحاضرين لك لم ترسل إليهم أي لم يأت العرب قبْلك نبي ولا نزل عليهم كتاب ولا أتاهم نذير يشافههم بالنّذارة غيرك ، فلا تعارض بينه وبين قوله : ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ) إذ المراد هناك آثار النذير ،ولا شك أن هذا كان موجوداً يذهب النبي وتبقى شريعته.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز 4 /412:
وقوله (ما أتاهم من نذير) أي لم يباشرهم ولا رأوه هم ولا آباؤهم العرب وقوله تعالى : (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) يعم من بوشر من النذر ومن سمع به فالعرب من الأمم التي خلت فيها النذر على هذا الوجه لأنها علمت بإبراهيم وبنيه ودعوتهم وهم ممن لم يأتهم نذير مباشر لهم سوى محمد صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس ومقاتل المعنى لم يأتهم نذير في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال أيضا 4/501:
وقوله تعالى (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) معناه أن دعوة الله تعالى قد عمت جميع الخلق وإن كان فيهم من لم تباشره النذارة فهو ممن بلغته لأن آدم بعث إلى نبيه ثم لم تنقطع النذارة إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم والآيات التي تتضمن أن قريشا لم يأتهم نذير معناه نذير مباشر وما ذكره المتكلمون من فرض أصحاب الفترات ونحوهم فإنما ذلك بالفرض لا أنه توجد أمة لم تعلم أن في الأرض دعوة إلى عبادة الله.
قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط 7/192:
والنذير ليس مخصوصاً بمن باشر، بل يكون نذيراً لمن باشره ، ولغير من باشره بالقرب ممن سبق لها نذير ، ولم يباشرهم نذير غير محمد صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس ، ومقاتل : المعنى لم يأتهم في الفترة بين عيس ومحمد ، عليهما السلام.
وأبو حيان يختار أن ما موصولة حيث قال: (مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ ) أن ما نافية،وعندي أن ما موصولة، والمعنى: لتنذر قوماً العقاب الذي أتاهم.
قال الرازي17/261:
لأن تقدم الرسول لا يمنع من كونه رسولاً إليهم ، كما لا يمنع تقدم رسولنا من كونه مبعوثاً إلينا إلى آخر الأبد. وتحمل الفترة على ضعف دعوة الأنبياء ووقوع موجبات التخليط فيها.
قال ابن جزي في التسهيل3/157:
كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله: (لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ) ؟فالجواب: أنهم لم يأتهم نذير معاصر لهم ، فلا يعارض ذلك من تقدم قبل عصرهم ، وأيضاً فإن المراد بقوله : (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ) أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ليست ببدع فلا ينبغي أن تنكر ، لأن الله أرسله كما أرسل من قبله والمراد بقوله : (لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ) أنهم محتاجون إلى الإنذار ، لكونهم لم يتقدم من ينذرهم فاختلف سياق الكلام فلا تعارض بينهما.
ونقل عنه البقاعي في نظم الدرر4/368.
قال الألوسي في تفسيره 15/145:
واختار البعض أن المراد بهؤلاء القوم العرب المعاصرون له صلى الله عليه وسلم إذ هم الذين يتصور إنذاره عليه الصلاة والسلام إياهم دون أسلافهم الماضين ولعله الأظهر.
ولما ذكر القول بأن نبوة إسماعيل انقطعت بموته، ذكر توجيه الآية على القول بأن النبوة لم تنقطع، قال : فالمراد بعدم إتيان النذير إياهم عدم وصول ما أتى به على الحقيقة إليهم ولا يمكن أن يراد بهؤلاء القوم العرب مطلقاً ويقال : بأنهم لم يرسل إليهم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أصلاً لظهور بطلانه ومنافاته لقوله تعالى : (وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ) والعرب أعظم أمة وكذا لقوله تعالى : (لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ) بناء على أن ما فيه ليست نافية وهو على القول بأن ما فيه نافية مؤول بحمل الآباء على الآباء الأقربين.
الثاني:
أن النفي لأجل تطاول المدة بين إسماعيل وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولانقطاع رسالة إسماعيل بعد موته. حكاه الألوسي، ولم ينسبه لأحد،15/145.
الثالث:
أن النفي معناه: أنه ما أتاهم نذير منهم، وتحمل آية (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) بأنه أتاها نذير منها أو من غيرها. ذكره الألوسي.
الرابع :
أن المراد بالأمة في الآيات المثبتة: الأمة العظيمة المعتنى بشأنها ، لذلك وردت في جميع الآيات منونة دلالة على هذا، والآيات التي فيها نفي النذير ورد النفي فيها على قوم وهم أقل من الأمة، حكاه الألوسي عن بعضهم حيث قال:
وأظن أنك تجعل التنوين في أمة للتعظيم أي وإن من أمة جليلة معتنى بأمرها إلا خلا فيها نذير ولقد بعثنا في كل أمة جليلة معتنى بأمرها رسولاً أو تعتبر العرب أمة وبني إسرائيل أمة ونحو ذلك أمة دون أهل عصر واحد وتحمل من لم يأتهم نذير على جماعة من أمة لم يأتهم بخصوصهم نذير ، ومما يستأنس به في ذلك أنه حين ينفي إتيان النذير ينفي عن قوم ونحوه لا عن أمة فليتأمل.
الخامس:
أنه لم يأتهم نذير وهو زمان فترة من الرسل لكن قامت عليهم الحجة، فالشرائع اندرست لكن تبقى أصول الدين.
قال شيخ الاسلام في جامع المسائل ـ طبعة عالم الفوائد ـ 5/ 52 : وأخبرَ سبحانَه أنَّ الرسالةَ عمَّتِ الأممَ كلَّهم بقوله سبحانَه وتعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) وقال سبحانَه: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) . وكما أخبرَ سبحانَه أنه لم يكن معذِّبًا أحدًا في الدنيا ولا في الآخرة حتى يبعث رسولا، أخبر سبحانَه أنه بعثَ في كل أمة رسولاً، لكن قد كان يَحصُلُ في بعض الأوقاتِ فَتَرات من الرسُل، كالفترةِ التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلَّم، كما قال سبحانه وتعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ). وزمان الفَترةِ زمان دَرَسَتْ فيه شريعةُ الرسول وأكثرُ الدُّعاةِ إليها إلاّ القليل، ولم يَدْرُسْ فيها علمُ أصولِ دينِ المرسلين، بل يَبقَى في الفترةِ من الدُّعاةِ من تقومُ به الحجةُ، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: "الحمد لله الذي جعل في كلِّ زمانِ فَتْرَةٍ من الرسلِ بَقَايَا من أهل العلم، يُحيُون بكتاب الله الموتَى، ويُبصِّرونَ بها أهل العَمَى". وكما قال علي بن أبي طالَب -رضي الله عنه- في حديث كُمَيْل بن زياد: "لن تَخلُوَ الأرضُ مِن قائمٍ لله بحجةٍ ، لئلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ الله وبيِّناتُه، أولئك الأقلون عددًا والأعظمون عند الله قدرًا" . فمن قامت عليه الحجةُ في الإيمان والشريعة التي جاء بها الرسولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجبَ عليه اتباعُ ذلك، ومَن دَرَسَتْ عنه شرائعُ الرسُلِ أو لم يكن رسولُه جاء بشريعة سوى القدر المشترك بين المرسلين ففرضُه ما تواطأتْ عليه دعوة المرسلين، من الإيمان بالله وباليوم الآخر والعمل الصالح، دونَ ما تميَّزَت به شريعةٌ عن شريعة. وهؤلاء -والله أعلم- هم الصابئون المحمودون في قوله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بالله وَالْيَوْمِ الآخر وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.
ولعل الجواب الأول أقوى الأجوبة، وكذا الجواب الرابع، والله تعالى أعلم
ومن عنده فائدة فليضفها هنا تكميلا للنفع.