سمير القدوري
New member
في هده الحلقة سننثر ردود ابن حزم على 11 اعتراضا لأهل الكتاب كانوا يجابهون بها المسلمين من بينها 7 مواضغ من القرأن وهي الأتية
1. سورة المائدة: 68.
2. سورة آل عمران: 93.
3. سورة المائدة: 44.
4. سورة المائدة: 47.
5. سورة المائدة: 66.
6. سورة النساء: 47.
7. سورة المائدة الآية 43.
فجاء ابن حزم فنقل القضية من حيز الجدال الدي يحوم حول المشكلة دون الغوص فيها أقصد النزاغ حول التحريف دون التعرض لمضمون الكتب المعنية.
وبعد أن أتى ابن حزم على تلك الكتب من داخلها أصبح الجدال السابق بدون فائدة. لكنه يتبرع على خصمه في بحثها معه ولينتزع من يده القشة الأخيرة.
ثم يكر ابن حزم على من اغتر من المسلمين بمغالطات ومراوغات الخصم فيوجه سهام النقد لهم لقلة مبالاتهم بفهم كتاب الله الدي حسم الأمر بالنسبة للمسلمين.
وقد حققت كلام ابن حزم ولم أعول على طبعات الفصل لأنها سقيمة.
وإليكم كلامه بنصه :
[ جواب عن اعتراضات لليهود وغيرهم في مسألة التحريف ]
قال أبو محمد: وقد اعترض بعضهم فيما كان يدعى عليهم من تبديل التوراة, وكتبهم المضافة إلى الأنبياء, قبل أن نبين لهم أعيان ما فيها من الكذب البحت, فقال:" قد كان في مدة دولتهم أنبياء, وبعد دولتهم, ومن المحال أن يقر أولئك الأنبياء على تبديلها ".
قال أبو محمد: فجواب هذا القول أن يقال له:
[ 1 ] إن كان يهودياً: كذبت, ما في شيءٍ من كتبكم أنه رجع إلى البيت مع زربابيل بن صلتيال بن صدقياً الملك نبي أصلاً, ولا كان معه في البيت نبي - بإقرارهم- أصلاً, وكان ذلك قبل أن يكتبها لهم عزرا بدهر. وقبل رجوعهم إلى البيت مع زربابيل مات دانيال آخر أنبيائهم في أرض بابل, وأما الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل بعد سليمان فكلهم كما بينا إما مقتول بأشنع القتل أو مخاف مطرود منفي لا يسمع منهم كلمة إلا خفيا, حاشا مدة الملوك المؤمنين الخمسة في بني يهوذا و بنيامين خاصة, وذلك قليل تلاه ظهور الكفر, وحرق التوراة, وقتل الأنبياء. وهو كان خاتمة الأمر, وعلى هذه الحال وافاهم انقراض دولتهم. وأيضاً, فليس كل نبي يبعث بتصحيح كتاب من قبله, فبطل اعتراضهم بكون الأنبياء فيهم جملة.
[ 2 ] وإن كان نصرانياً يقر بالمسيح وزكريا ويحيى عليهم السلام, قيل له: إن المسيح بلا شك كانت عنده التوراة المنزلة كما أنزلها الله تعالى, وكان عنده الإنجيل المنزل.
قال الله تعالى (( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولاً إلى بني إسرائيل)) سورة آل عمران 48- 49 , إلا أنه عرض في النقل عنه بعد رفعه عارض أشد وأفحش من العارض في النقل إلى موسى عليه السلام, فلا كافة في العالم متصلة إلى المسيح عليه السلام أصلاً, والنقل إليه راجع إلى خمسة فقط وهم متى, وباطره بن يونا, ويوحنا ابن سبذاي ,ويعقوب ويهوذا أبناء يوسف فقط.
ثم لم ينقل عن هؤلاء إلا ثلاثة فقط, وهم لوقا الطبيب الأنطاكي, ومارقش الهاروني, وبولش البنياميني. وهؤلاء كلهم كذابون قد صح عليهم الكذب جهاراً, على ما نوضحه بعد هذا إن شاء الله تعالى. وكل هؤلاء مع ما صح من كذبهم وتدليسهم في الدين, فإنما كانوا متسترين بإظهار دين اليهود ولزوم السبت بنص كتبهم كلها, ويدعون إلى التثليث سراً, وكانوا مع ذلك مطلوبين حيث ما ظفروا بواحد منهم ظاهراً قتل. فبطل الإنجيل والتوراة برفع المسيح عليه السلام بطلاناً كلياً.
وهذا الجواب إنما كان يحتاج إليه قبل أن يظهر من كذب توراتهم وكتبهم ما أظهرنا, وأما بعد ما أوضحنا من عظيم كذب هذه الكتب بما لا حيلة فيه, فاعتراضهم ساقط, لأن يقين الباطل لا يصححه شيءٌ أبدا, كما أن يقين الحق لا يفسده شيءٌ أبداً.
فاعلموا الآن أن كل ما عورض به الحق المتيقن ليبطل به, أو عورض به دون الكذب المتيقن ليصحح به, فإنما هو شغب وتمويه, وإيهام وتخييل وتحيل فاسد بلا شك, لأن يقينين لا يمكن البتة في البنية أن يتعارضا أبداً, وبالله تعالى التوفيق.
[ 3 ] فإن قيل: فإنكم تقرون بالتوراة والإنجيل, وتستشهدون على اليهود والنصارى بما فيهما من ذكر صفات نبيكم, وقد استشهد نبيكم عليهم بنصها في قصة الرجم للزاني المحصن, ورُويَ أن عبد الله بن سلام ضرب يد عبد الله بن صوريا إذ وضعها على آية الرجم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ التوراة وقال آمنت بما فيك.
وفي كتابكم:
[1] (( يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم )) سورة المائدة 68.
[2] وفيه أيضاً (( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين )) سورة آل عمران 93.
[3] وفيه أيضاً:(( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء )) سورة المائدة آية 44.
[4] وفيه (( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)) سورة المائدة 47.
[5] وفيه :(( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم )) سورة المائدة 66.
[6] وفيه (( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم )) سورة النساء 47.
[7] وفيه (( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله)) سورة المائدة الآية 43.
[ الجواب ]
قلنا وبالله تعالى التوفيق: كل هذا حق- حاشا قوله عليه السلام آمنت بما فيك فإنه باطل لم يصح قط- وكله موافق لقولنا في التوراة والإنجيل بتبديلهما وليس شيء منه حجة لمن ادعى أنهما بأيدي اليهود والنصارى كما أُنزلا, على ما نبين الآن إن شاء الله تعالى بالبرهان الواضح.
قال أبو محمد
[ أ ] أما إقرارنا بالتوراة والإنجيل, فنعم, وأي معنى لتمويهكم بهذا, ونحن لم ننكرهما قط بل نكفر من أنكرهما؟ إنما قلنا إن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام حقاً, وأنزل الزبور على داود عليه السلام حقاً, وأنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام حقاً, وأنزل الصحف على إبراهيم وموسى عليهما السلام حقاً, وأنزل كتباً لم تسم لنا على أنبياء لم يسموا لنا حقاً نؤمن بكل ذلك. قال الله تعالى(( صحف إبراهيم وموسى )) سورة الأعلى 19. وقال الله تعالى(( وإنه لفي زبر الأولين )) سورة الشعراء 196.
وقلنا ونقول: إن كفار بني إسرائيل بدلوا التوراة والزبور فزادوا ونقصوا, وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء (( لا معقب لحكمه )) سورة الرعد 41. وبدل كفار النصارى الإنجيل كذلك فزادوا ونقصوا, وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء, لا يسأل عما يفعل وهم يسألون, فدرس ما بدلوا من الكتب المذكورة, ورفعه الله تعالى, كما درست الصحف وكتب سائر الأنبياء جملة فهذا هو الذي قلنا.
وقد أوضحنا البرهان على صحة ما أوردنا من التبديل والكذب في التوراة والزبور ونورد إن شاء الله تعالى في الإنجيل أيضا, وبالله تعالى نتأيد, فظهر فساد تمويههم بأننا نقر بالتوراة والزبور والإنجيل, ولم ينتفعوا بذلك في تصحيح ما بأيديهم من الكتب المكذوبة المبدلة, والحمد لله رب العالمين.
[ ب ] وأما استشهادنا على اليهود والنصارى بما فيهما من الإنذار بنبينا صلى الله عليه وسلم فحق, وقد قلنا آنفاً أن الله تعالى أطلقهم على تبديل ما شاء رفعه من ذينك الكتابين, كما أطلق أيديهم على قتل من أراد كرامته بذلك من الأنبياء الذين قتلوهم بأنواع المُثَل, وكف أيديهم عما شاء إبقاءه من ذينك الكتابين حجة عليهم, كما كف أيديهم عمن أراد كرامته بالنصر من أنبيائه الذين حال بين الناس وبين أذاهم, وقد غَرَّق الله تعالى قوم نوح عليه السلام, وقوم فرعون نكالاً لهم, وغرق آخرين شهادة لهم, وأملى لقوم ليزدادوا إثما , وأملى لقوم آخرين ليزدادوا فضلاً. هذا ما لا ينكره أحد من أهل الأديان جملة, وكان ما ذكرنا زيادة في أعلام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الواضحة, وبراهينه اللائحة, والحمد لله رب العالمين. فبطل اعتراضهم علينا باستشهادنا عليهم بما في كتبهم المحرفة من ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم.
[ ج ] وأما استشهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوراة في أمر رجم الزاني المحصن وضرب بن سلام رضي الله عنه يد ابن صوريا إذ جعلها على آية الرجم فحق, وهو مما قلنا آنفاً أن الله تعالى أبقاه خزياً لهم وحجة عليهم , وإنما نحتج عليهم بهذا كله بعد ثبات رسالته صلى الله عليه وسلم بالبراهين الواضحة الباهرة بالنقل القاطع للعذر على ما قد بينا, ونبين إن شاء الله تعالى, ثم نورد ما أبقاه الله تعالى في كتبهم المحرفة من ذكره عليه السلام إخزاء لهم, وتبكيتاً وفضحا لضلالهم, لا لحاجة منا إلى ذلك أصلاً, والحمد لله رب العالمين.
[ د ] وأما الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ التوراة وقال: آمنت بما فيك, فخبر مكذوب, موضوع, لم يأت قط من طريق فيها خير, ولسنا نستحل الكلام في الباطل لو صح, فهو من التكلف الذي نهينا عنه, كما لا يحل توهين الحق ولا الاعتراض فيه.
[ 1 ] وأما قول الله عز وجل (( يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم )) المائدة 68. فحق لا مرية فيه, وهكذا نقول, ولا سبيل لهم إلى إقامتهما أبداً, لرفع ما أسقطوا منهما, فليسوا على شيء إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم, فيحصلون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل, لأنهم يؤمنون حينئذ بما أنزل الله منهما وُجد أو عُدم, ويكذبون بما بدل فيهما مما لم ينزله الله تعالى فيهما, وهذه هي إقامتهما حقاً, فلاح صدق قولنا موافقاً لنص الآية بلا تأويل, والحمد لله رب العالمين.
[ 2 ] وأما قوله تعالى (( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين )) آل عمران آية 93. فنعم, إنما هو في كذب كذبوه ونسبوه إلى التوراة على جاري عادتهم زائد على الكذب الذي وضعه أسلافهم في توراتهم, فبكتهم عليه السلام في ذلك الكذب المحدث بإحضار التوراة إن كانوا صادقين فظهر كذبهم. وكم عرض لنا هذا مع علمائهم في مناظراتنا معهم قبل أن نقف على نصوص التوراة, فالقوم لا مؤونة عليهم من الكذب حتى الآن إذا طعموا بالتخلص في مجلسهم ذلك بالكذب, وهذا خلق خسيس, وعار لا يرضى به مصحح, ونعوذ بالله من مثل هذا.
[ 3 ] وأما قوله تعالى(( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله)) المائدة 44. .
فنعم. هذا حق على ظاهره كما هو, وقد قلنا إن الله تعالى أنزل التوراة, وحكم بها النبيون الذين أسلموا كموسى وهارون وداود وسليمان ومن كان بينهم من الأنبياء عليهم السلام, ومن كان في أزمانهم من الربانيين والأحبار الذين لم يكونوا أنبياء لكن حكاماً من قبل الأنبياء عليهم السلام قبل حدوث التبديل, هذا هو نص قولنا, وليس في هذه الآية أنها لم تبدل بعد ذلك أصلاً, لا بنص ولا بدليل, وأما من ظن بجهله من المسلمين أن هذه الآية نزلت في رجم النبي صلى الله عليه وسلم لليهوديين اللذين زنيا وهما محصنان, فقد ظن الباطل, وقال بالكذب, وتأول المحال, وخالف القرآن, لأن الله تعالى قد نهى نبينا عليه السلام عن ذلك نصاً بقوله (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ َمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً )) المائدة 48.
وقال عز وجل(( ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )) المائدة 49 .
قال أبو محمد فهذا نص كلام الله عز وجل الذي ما خالفه فهو باطل.
[ 4 ] وأما قوله تعالى: (( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه )) المائدة 47. فحق على ظاهره لأن الله تعالى أنزل فيه الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم, واتباع دينه, فلا يكونون أبداً حاكمين بما أنزل الله تعالى فيه إلا باتباعهم دين محمد صلى الله عليه وسلم, فإنما أمرهم الله تعالى بالحكم بما أنزل في الإنجيل الذي ينتمون إليه فهم أهله, ولم يأمرهم قط تعالى بالحكم بما سمي إنجيلاً وليس إنجيلا, ولا أنزله الله تعالى- كما هو- قط. فالآية موافقة لقولنا, وليس فيها أن الإنجيل لم يبدل لا بنص ولا بدليل, إنما فيه إلزام النصارى الذين يسمون بأهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه, وهم على خلاف ذلك.
[ 5] وأما قوله تعالى: (( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم )) المائدة 66, فحق كما ذكرناه قبل, ولا سبيل لهم إلى إقامة التوراة والإنجيل المنزلين بعد تبديلهما إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم, فيكونون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل حقاً لإيمانهم بالمنزل فيهما , وجحدهم ما لم ينزل فيهما وهذه هي إقامتهما حقاً.
[ 6 ] وأما قوله تعالى(( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم )) النساء 47. فنعم, هذا عموم قام البرهان على أنه مخصوص, وأنه تعالى إنما أراد مصدقاً لما معكم من الحق لا يمكن غير هذا, لأننا بالضرورة ندري أن معهم حقاً وباطلاً, ولا يجوز تصديق الباطل أوالحكم به ألبتة, فصح أنه إنما أنزله تعالى مصدقاً لما معهم من الحق.
[7] وأما قوله تعالى ((وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله)) المائدة 43.
فإنما هو على الاستخفاف بهم والتوبيخ لهم, كقول القائل لآخر: أنا أعلم منك ثم يأتيه ثانية فيسأله فيقول المسؤول كيف تسأل وأنت أعلم مني؟ , وقد قلنا إن الله تعالى أبقى في التوراة والإنجيل حقاً ليكون حجة عليهم وزائداً في خزيهم, وبالله تعالى التوفيق, فبطل تعلقهم بشيءٍ مما ذكرنا والحمد لله رب العالمين.
[ الرد على بعض المسلمين من نفاة وقوع التحريف ]
قال أبو محمد: وبلغنا عن قوم من المسلمين ينكرون بجهلهم القول بأن التوراة والإنجيل اللذين بأيدي اليهود والنصارى محرفان, وإنما حملهم على هذا قلة اهتبالهم بنصوص القرآن والسنن, أترى هؤلاء ما سمعوا قول الله تعالى (( يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون)) آل عمران 71, وقوله تعالى: (( وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون )) البقرة : 146. وقوله تعالى :(( وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون )) آل عمران 78,
وقوله تعالى(( يحرفون الكلم عن مواضعه )) المائدة 13, ومثل هذا في القرآن كثير جداً. ونقول لمن قال من المسلمين " إن نقلهم نقل تواتر يوجب العلم وتقوم به الحجة ", لاشك في أنهم لا يختلفون في أن ما نقلوه من ذلك عن موسى وعيسى عليهما السلام لا ذكر فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم أصلاً, ولا إنذاراً بنبوته, فإن صدقهم هؤلاء الغافلون في بعض نقلهم, فواجب أن يصدقوهم في سائره, أحبوا أم كرهوا, وإن كذبوهم في بعض نقلهم فواجب أن يكذبوهم في سائره أحبوا أم كرهوا, وإن كذبوهم في بعض وصدقوهم في بعض فقد تناقضوا, وظهرت مكابرتهم, ومن الباطل أن يكون نقل واحدٌ جاء مجيئاً واحداً بعضه حق وبعضه باطل . وما ندري كيف يستسهل مسلم إنكار تحريف التوراة والإنجيل, وهو يسمع كلام الله عز وجل(( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار )) سورة الفتح 29. وليس شيءٌ من هذا فيما بأيدي اليهود والنصارى مما يدعون أنه التوراة والإنجيل, فلابد لهؤلاء الجهال من تصديق ربهم عز وجل أن اليهود والنصارى بدلوا التوراة والإنجيل, فيرجعون إلى الحق, أو يكذبوا ربهم ويصدقوا اليهود والنصارى, فيلحقوا بهم, ويكون السؤال عليهم كلهم حينئذ واحداً فيما أوضحناه من تبديل الكتابين, ومما أوردناه مما فيهما من الكذب المشاهد عياناً مما لم يأت نص بأنهم بدلوهما, لعلمنا بتبديلهما يقيناً, كما نعلم ما نشاهده بحواسنا مما لا نص فيه, فكيف وقد اجتمعت المشاهدة والنص.
حدثنا أبو سعيد الجعفري, حدثنا أبو بكر بن الأدفوي محمد بن علي المصري, ثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس, ثنا أحمد بن شعيب, عن محمد بن المثني, عن عثمان بن عمر, ثنا علي- هو ابن المبارك-, ثنا يحيى – هو بن أبي كثير-, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه , قال:" كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد".
قال أبو محمد هذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين. ما نزل القرآن والسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتصديقه صدقاه, وما نزل النص بتكذيبه, أو ظهر كذبه كذبنا به, وما لم ينزل نص بتصديقه أو بتكذيبه وأمكن أن يكون حقاً أو كذباً, لم نصدقهم ولم نكذبهم, وقلنا ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقوله كما قلنا في نبوة من لم يأتنا باسمه نص, والحمد لله رب العالمين.
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد, ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي, ثنا الفربري, ثنا البخاري محمد بن إسماعيل, ثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف, أنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود, قال, قال ابن عباس:" كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم أحدث تقرؤونه محضاً لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب و قالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ".
قال أبو محمد: هذا أصح إسناد عن ابن عباس رضي الله عنه, وهو نفس قولنا, وماله في ذلك من الصحابة مخالف, وقد روينا أيضاً أن عمر رضي الله عنه أنه أتاه كعب الحبر بسفر وقال له هذه التوراة أفأقرؤها؟ فقال له عمر بن الخطاب: " إن كنت تعلم أنها التي أنزلت على موسى, فاقرأها آناء الليل والنهار". فهذا عمر لم يحققها.
1. سورة المائدة: 68.
2. سورة آل عمران: 93.
3. سورة المائدة: 44.
4. سورة المائدة: 47.
5. سورة المائدة: 66.
6. سورة النساء: 47.
7. سورة المائدة الآية 43.
فجاء ابن حزم فنقل القضية من حيز الجدال الدي يحوم حول المشكلة دون الغوص فيها أقصد النزاغ حول التحريف دون التعرض لمضمون الكتب المعنية.
وبعد أن أتى ابن حزم على تلك الكتب من داخلها أصبح الجدال السابق بدون فائدة. لكنه يتبرع على خصمه في بحثها معه ولينتزع من يده القشة الأخيرة.
ثم يكر ابن حزم على من اغتر من المسلمين بمغالطات ومراوغات الخصم فيوجه سهام النقد لهم لقلة مبالاتهم بفهم كتاب الله الدي حسم الأمر بالنسبة للمسلمين.
وقد حققت كلام ابن حزم ولم أعول على طبعات الفصل لأنها سقيمة.
وإليكم كلامه بنصه :
[ جواب عن اعتراضات لليهود وغيرهم في مسألة التحريف ]
قال أبو محمد: وقد اعترض بعضهم فيما كان يدعى عليهم من تبديل التوراة, وكتبهم المضافة إلى الأنبياء, قبل أن نبين لهم أعيان ما فيها من الكذب البحت, فقال:" قد كان في مدة دولتهم أنبياء, وبعد دولتهم, ومن المحال أن يقر أولئك الأنبياء على تبديلها ".
قال أبو محمد: فجواب هذا القول أن يقال له:
[ 1 ] إن كان يهودياً: كذبت, ما في شيءٍ من كتبكم أنه رجع إلى البيت مع زربابيل بن صلتيال بن صدقياً الملك نبي أصلاً, ولا كان معه في البيت نبي - بإقرارهم- أصلاً, وكان ذلك قبل أن يكتبها لهم عزرا بدهر. وقبل رجوعهم إلى البيت مع زربابيل مات دانيال آخر أنبيائهم في أرض بابل, وأما الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل بعد سليمان فكلهم كما بينا إما مقتول بأشنع القتل أو مخاف مطرود منفي لا يسمع منهم كلمة إلا خفيا, حاشا مدة الملوك المؤمنين الخمسة في بني يهوذا و بنيامين خاصة, وذلك قليل تلاه ظهور الكفر, وحرق التوراة, وقتل الأنبياء. وهو كان خاتمة الأمر, وعلى هذه الحال وافاهم انقراض دولتهم. وأيضاً, فليس كل نبي يبعث بتصحيح كتاب من قبله, فبطل اعتراضهم بكون الأنبياء فيهم جملة.
[ 2 ] وإن كان نصرانياً يقر بالمسيح وزكريا ويحيى عليهم السلام, قيل له: إن المسيح بلا شك كانت عنده التوراة المنزلة كما أنزلها الله تعالى, وكان عنده الإنجيل المنزل.
قال الله تعالى (( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولاً إلى بني إسرائيل)) سورة آل عمران 48- 49 , إلا أنه عرض في النقل عنه بعد رفعه عارض أشد وأفحش من العارض في النقل إلى موسى عليه السلام, فلا كافة في العالم متصلة إلى المسيح عليه السلام أصلاً, والنقل إليه راجع إلى خمسة فقط وهم متى, وباطره بن يونا, ويوحنا ابن سبذاي ,ويعقوب ويهوذا أبناء يوسف فقط.
ثم لم ينقل عن هؤلاء إلا ثلاثة فقط, وهم لوقا الطبيب الأنطاكي, ومارقش الهاروني, وبولش البنياميني. وهؤلاء كلهم كذابون قد صح عليهم الكذب جهاراً, على ما نوضحه بعد هذا إن شاء الله تعالى. وكل هؤلاء مع ما صح من كذبهم وتدليسهم في الدين, فإنما كانوا متسترين بإظهار دين اليهود ولزوم السبت بنص كتبهم كلها, ويدعون إلى التثليث سراً, وكانوا مع ذلك مطلوبين حيث ما ظفروا بواحد منهم ظاهراً قتل. فبطل الإنجيل والتوراة برفع المسيح عليه السلام بطلاناً كلياً.
وهذا الجواب إنما كان يحتاج إليه قبل أن يظهر من كذب توراتهم وكتبهم ما أظهرنا, وأما بعد ما أوضحنا من عظيم كذب هذه الكتب بما لا حيلة فيه, فاعتراضهم ساقط, لأن يقين الباطل لا يصححه شيءٌ أبدا, كما أن يقين الحق لا يفسده شيءٌ أبداً.
فاعلموا الآن أن كل ما عورض به الحق المتيقن ليبطل به, أو عورض به دون الكذب المتيقن ليصحح به, فإنما هو شغب وتمويه, وإيهام وتخييل وتحيل فاسد بلا شك, لأن يقينين لا يمكن البتة في البنية أن يتعارضا أبداً, وبالله تعالى التوفيق.
[ 3 ] فإن قيل: فإنكم تقرون بالتوراة والإنجيل, وتستشهدون على اليهود والنصارى بما فيهما من ذكر صفات نبيكم, وقد استشهد نبيكم عليهم بنصها في قصة الرجم للزاني المحصن, ورُويَ أن عبد الله بن سلام ضرب يد عبد الله بن صوريا إذ وضعها على آية الرجم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ التوراة وقال آمنت بما فيك.
وفي كتابكم:
[1] (( يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم )) سورة المائدة 68.
[2] وفيه أيضاً (( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين )) سورة آل عمران 93.
[3] وفيه أيضاً:(( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء )) سورة المائدة آية 44.
[4] وفيه (( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)) سورة المائدة 47.
[5] وفيه :(( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم )) سورة المائدة 66.
[6] وفيه (( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم )) سورة النساء 47.
[7] وفيه (( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله)) سورة المائدة الآية 43.
[ الجواب ]
قلنا وبالله تعالى التوفيق: كل هذا حق- حاشا قوله عليه السلام آمنت بما فيك فإنه باطل لم يصح قط- وكله موافق لقولنا في التوراة والإنجيل بتبديلهما وليس شيء منه حجة لمن ادعى أنهما بأيدي اليهود والنصارى كما أُنزلا, على ما نبين الآن إن شاء الله تعالى بالبرهان الواضح.
قال أبو محمد
[ أ ] أما إقرارنا بالتوراة والإنجيل, فنعم, وأي معنى لتمويهكم بهذا, ونحن لم ننكرهما قط بل نكفر من أنكرهما؟ إنما قلنا إن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام حقاً, وأنزل الزبور على داود عليه السلام حقاً, وأنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام حقاً, وأنزل الصحف على إبراهيم وموسى عليهما السلام حقاً, وأنزل كتباً لم تسم لنا على أنبياء لم يسموا لنا حقاً نؤمن بكل ذلك. قال الله تعالى(( صحف إبراهيم وموسى )) سورة الأعلى 19. وقال الله تعالى(( وإنه لفي زبر الأولين )) سورة الشعراء 196.
وقلنا ونقول: إن كفار بني إسرائيل بدلوا التوراة والزبور فزادوا ونقصوا, وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء (( لا معقب لحكمه )) سورة الرعد 41. وبدل كفار النصارى الإنجيل كذلك فزادوا ونقصوا, وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء, لا يسأل عما يفعل وهم يسألون, فدرس ما بدلوا من الكتب المذكورة, ورفعه الله تعالى, كما درست الصحف وكتب سائر الأنبياء جملة فهذا هو الذي قلنا.
وقد أوضحنا البرهان على صحة ما أوردنا من التبديل والكذب في التوراة والزبور ونورد إن شاء الله تعالى في الإنجيل أيضا, وبالله تعالى نتأيد, فظهر فساد تمويههم بأننا نقر بالتوراة والزبور والإنجيل, ولم ينتفعوا بذلك في تصحيح ما بأيديهم من الكتب المكذوبة المبدلة, والحمد لله رب العالمين.
[ ب ] وأما استشهادنا على اليهود والنصارى بما فيهما من الإنذار بنبينا صلى الله عليه وسلم فحق, وقد قلنا آنفاً أن الله تعالى أطلقهم على تبديل ما شاء رفعه من ذينك الكتابين, كما أطلق أيديهم على قتل من أراد كرامته بذلك من الأنبياء الذين قتلوهم بأنواع المُثَل, وكف أيديهم عما شاء إبقاءه من ذينك الكتابين حجة عليهم, كما كف أيديهم عمن أراد كرامته بالنصر من أنبيائه الذين حال بين الناس وبين أذاهم, وقد غَرَّق الله تعالى قوم نوح عليه السلام, وقوم فرعون نكالاً لهم, وغرق آخرين شهادة لهم, وأملى لقوم ليزدادوا إثما , وأملى لقوم آخرين ليزدادوا فضلاً. هذا ما لا ينكره أحد من أهل الأديان جملة, وكان ما ذكرنا زيادة في أعلام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الواضحة, وبراهينه اللائحة, والحمد لله رب العالمين. فبطل اعتراضهم علينا باستشهادنا عليهم بما في كتبهم المحرفة من ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم.
[ ج ] وأما استشهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوراة في أمر رجم الزاني المحصن وضرب بن سلام رضي الله عنه يد ابن صوريا إذ جعلها على آية الرجم فحق, وهو مما قلنا آنفاً أن الله تعالى أبقاه خزياً لهم وحجة عليهم , وإنما نحتج عليهم بهذا كله بعد ثبات رسالته صلى الله عليه وسلم بالبراهين الواضحة الباهرة بالنقل القاطع للعذر على ما قد بينا, ونبين إن شاء الله تعالى, ثم نورد ما أبقاه الله تعالى في كتبهم المحرفة من ذكره عليه السلام إخزاء لهم, وتبكيتاً وفضحا لضلالهم, لا لحاجة منا إلى ذلك أصلاً, والحمد لله رب العالمين.
[ د ] وأما الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ التوراة وقال: آمنت بما فيك, فخبر مكذوب, موضوع, لم يأت قط من طريق فيها خير, ولسنا نستحل الكلام في الباطل لو صح, فهو من التكلف الذي نهينا عنه, كما لا يحل توهين الحق ولا الاعتراض فيه.
[ 1 ] وأما قول الله عز وجل (( يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم )) المائدة 68. فحق لا مرية فيه, وهكذا نقول, ولا سبيل لهم إلى إقامتهما أبداً, لرفع ما أسقطوا منهما, فليسوا على شيء إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم, فيحصلون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل, لأنهم يؤمنون حينئذ بما أنزل الله منهما وُجد أو عُدم, ويكذبون بما بدل فيهما مما لم ينزله الله تعالى فيهما, وهذه هي إقامتهما حقاً, فلاح صدق قولنا موافقاً لنص الآية بلا تأويل, والحمد لله رب العالمين.
[ 2 ] وأما قوله تعالى (( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين )) آل عمران آية 93. فنعم, إنما هو في كذب كذبوه ونسبوه إلى التوراة على جاري عادتهم زائد على الكذب الذي وضعه أسلافهم في توراتهم, فبكتهم عليه السلام في ذلك الكذب المحدث بإحضار التوراة إن كانوا صادقين فظهر كذبهم. وكم عرض لنا هذا مع علمائهم في مناظراتنا معهم قبل أن نقف على نصوص التوراة, فالقوم لا مؤونة عليهم من الكذب حتى الآن إذا طعموا بالتخلص في مجلسهم ذلك بالكذب, وهذا خلق خسيس, وعار لا يرضى به مصحح, ونعوذ بالله من مثل هذا.
[ 3 ] وأما قوله تعالى(( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله)) المائدة 44. .
فنعم. هذا حق على ظاهره كما هو, وقد قلنا إن الله تعالى أنزل التوراة, وحكم بها النبيون الذين أسلموا كموسى وهارون وداود وسليمان ومن كان بينهم من الأنبياء عليهم السلام, ومن كان في أزمانهم من الربانيين والأحبار الذين لم يكونوا أنبياء لكن حكاماً من قبل الأنبياء عليهم السلام قبل حدوث التبديل, هذا هو نص قولنا, وليس في هذه الآية أنها لم تبدل بعد ذلك أصلاً, لا بنص ولا بدليل, وأما من ظن بجهله من المسلمين أن هذه الآية نزلت في رجم النبي صلى الله عليه وسلم لليهوديين اللذين زنيا وهما محصنان, فقد ظن الباطل, وقال بالكذب, وتأول المحال, وخالف القرآن, لأن الله تعالى قد نهى نبينا عليه السلام عن ذلك نصاً بقوله (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ َمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً )) المائدة 48.
وقال عز وجل(( ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )) المائدة 49 .
قال أبو محمد فهذا نص كلام الله عز وجل الذي ما خالفه فهو باطل.
[ 4 ] وأما قوله تعالى: (( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه )) المائدة 47. فحق على ظاهره لأن الله تعالى أنزل فيه الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم, واتباع دينه, فلا يكونون أبداً حاكمين بما أنزل الله تعالى فيه إلا باتباعهم دين محمد صلى الله عليه وسلم, فإنما أمرهم الله تعالى بالحكم بما أنزل في الإنجيل الذي ينتمون إليه فهم أهله, ولم يأمرهم قط تعالى بالحكم بما سمي إنجيلاً وليس إنجيلا, ولا أنزله الله تعالى- كما هو- قط. فالآية موافقة لقولنا, وليس فيها أن الإنجيل لم يبدل لا بنص ولا بدليل, إنما فيه إلزام النصارى الذين يسمون بأهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه, وهم على خلاف ذلك.
[ 5] وأما قوله تعالى: (( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم )) المائدة 66, فحق كما ذكرناه قبل, ولا سبيل لهم إلى إقامة التوراة والإنجيل المنزلين بعد تبديلهما إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم, فيكونون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل حقاً لإيمانهم بالمنزل فيهما , وجحدهم ما لم ينزل فيهما وهذه هي إقامتهما حقاً.
[ 6 ] وأما قوله تعالى(( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم )) النساء 47. فنعم, هذا عموم قام البرهان على أنه مخصوص, وأنه تعالى إنما أراد مصدقاً لما معكم من الحق لا يمكن غير هذا, لأننا بالضرورة ندري أن معهم حقاً وباطلاً, ولا يجوز تصديق الباطل أوالحكم به ألبتة, فصح أنه إنما أنزله تعالى مصدقاً لما معهم من الحق.
[7] وأما قوله تعالى ((وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله)) المائدة 43.
فإنما هو على الاستخفاف بهم والتوبيخ لهم, كقول القائل لآخر: أنا أعلم منك ثم يأتيه ثانية فيسأله فيقول المسؤول كيف تسأل وأنت أعلم مني؟ , وقد قلنا إن الله تعالى أبقى في التوراة والإنجيل حقاً ليكون حجة عليهم وزائداً في خزيهم, وبالله تعالى التوفيق, فبطل تعلقهم بشيءٍ مما ذكرنا والحمد لله رب العالمين.
[ الرد على بعض المسلمين من نفاة وقوع التحريف ]
قال أبو محمد: وبلغنا عن قوم من المسلمين ينكرون بجهلهم القول بأن التوراة والإنجيل اللذين بأيدي اليهود والنصارى محرفان, وإنما حملهم على هذا قلة اهتبالهم بنصوص القرآن والسنن, أترى هؤلاء ما سمعوا قول الله تعالى (( يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون)) آل عمران 71, وقوله تعالى: (( وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون )) البقرة : 146. وقوله تعالى :(( وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون )) آل عمران 78,
وقوله تعالى(( يحرفون الكلم عن مواضعه )) المائدة 13, ومثل هذا في القرآن كثير جداً. ونقول لمن قال من المسلمين " إن نقلهم نقل تواتر يوجب العلم وتقوم به الحجة ", لاشك في أنهم لا يختلفون في أن ما نقلوه من ذلك عن موسى وعيسى عليهما السلام لا ذكر فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم أصلاً, ولا إنذاراً بنبوته, فإن صدقهم هؤلاء الغافلون في بعض نقلهم, فواجب أن يصدقوهم في سائره, أحبوا أم كرهوا, وإن كذبوهم في بعض نقلهم فواجب أن يكذبوهم في سائره أحبوا أم كرهوا, وإن كذبوهم في بعض وصدقوهم في بعض فقد تناقضوا, وظهرت مكابرتهم, ومن الباطل أن يكون نقل واحدٌ جاء مجيئاً واحداً بعضه حق وبعضه باطل . وما ندري كيف يستسهل مسلم إنكار تحريف التوراة والإنجيل, وهو يسمع كلام الله عز وجل(( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار )) سورة الفتح 29. وليس شيءٌ من هذا فيما بأيدي اليهود والنصارى مما يدعون أنه التوراة والإنجيل, فلابد لهؤلاء الجهال من تصديق ربهم عز وجل أن اليهود والنصارى بدلوا التوراة والإنجيل, فيرجعون إلى الحق, أو يكذبوا ربهم ويصدقوا اليهود والنصارى, فيلحقوا بهم, ويكون السؤال عليهم كلهم حينئذ واحداً فيما أوضحناه من تبديل الكتابين, ومما أوردناه مما فيهما من الكذب المشاهد عياناً مما لم يأت نص بأنهم بدلوهما, لعلمنا بتبديلهما يقيناً, كما نعلم ما نشاهده بحواسنا مما لا نص فيه, فكيف وقد اجتمعت المشاهدة والنص.
حدثنا أبو سعيد الجعفري, حدثنا أبو بكر بن الأدفوي محمد بن علي المصري, ثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس, ثنا أحمد بن شعيب, عن محمد بن المثني, عن عثمان بن عمر, ثنا علي- هو ابن المبارك-, ثنا يحيى – هو بن أبي كثير-, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه , قال:" كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد".
قال أبو محمد هذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين. ما نزل القرآن والسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتصديقه صدقاه, وما نزل النص بتكذيبه, أو ظهر كذبه كذبنا به, وما لم ينزل نص بتصديقه أو بتكذيبه وأمكن أن يكون حقاً أو كذباً, لم نصدقهم ولم نكذبهم, وقلنا ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقوله كما قلنا في نبوة من لم يأتنا باسمه نص, والحمد لله رب العالمين.
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد, ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي, ثنا الفربري, ثنا البخاري محمد بن إسماعيل, ثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف, أنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود, قال, قال ابن عباس:" كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم أحدث تقرؤونه محضاً لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب و قالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ".
قال أبو محمد: هذا أصح إسناد عن ابن عباس رضي الله عنه, وهو نفس قولنا, وماله في ذلك من الصحابة مخالف, وقد روينا أيضاً أن عمر رضي الله عنه أنه أتاه كعب الحبر بسفر وقال له هذه التوراة أفأقرؤها؟ فقال له عمر بن الخطاب: " إن كنت تعلم أنها التي أنزلت على موسى, فاقرأها آناء الليل والنهار". فهذا عمر لم يحققها.