د. جمال القرش
Member
ما توجيه علماء الوقف لعطف الجمل؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على المبعوث رحمه للعالمين
فإن دراسة عطف الجمل من المهارات المهمة والتي تستحق أن تكون مشروعا بحثيا في جميع القرآن الكريم للباحثين وقد كتبت سلسلة مقالات في عطف الجمل وأثرها على الوقف والابتداء في كتابي (مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء)
سائلا الله أن ينفع به هو ولي ذلك والقادر عليه ، وكتبه / جمال القرش .
مقدمة :
من المعلوم أن العطف نوعان :
الأول : عطف مفردات
الثاني: عطف جمال
فأما عطف المفردات فهو مما لا يجوز الوقف عليه لشدة التعلق اللفظي، فلا يفصل بين العطف والمعطوف، كقوله سبحانه : إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات .... إلخ )
وأما عطف الجمل فهو نوعان:
وهذا النوع يحتاج بعضها لبعض كأن تكون الجمل تنظر خبرا، أو جواب قسم، أو جواب شرط، أو أخبار، وهذا لا يبتدأ بما بعدها للتعلق اللفظي بين تلك الجمل واحتياج بعضها لبعض ، ومثالها قوله تعالى: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } البقرة:{3} فهذه الآية فيها عدة جمل (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ)، (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) كلها مرتبطة بعضها ببعض فهي إما أنها تعدد صفات المتقين في قوله تعالى ( هدى للمتقين) ما صفاتهم: الذين يؤمنون بالغيب ، ويقيمون الصلاة .. إلخ .
قال الأشموني: (بِالْغَيْبِ، والصَّلاةَ) جائزان: والأولى وصلهما لعطف يقيمون الصلاة على يؤمنون) [1] وإما أن تكون معطوفة على الجملة المستأنفة الذين يؤمنون بالغيب باعتبار أن ( الذين ) مبتدأ وخبره أولئك على هدى من ربهم فلا يفصل بين المبتدأ وخبره
قال الإمام الداني: {هدى للمتقين} تام إذا رفع ((الذين)) بالابتداء، وجعل الخبر في قوله: {أولئك على هدى من ربهم} [2].
ومن ذلك الوقف على:( هُوَ الْحَقُّ) ، و( هو الباطل) من قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }الحج62 ، فالمصدر المؤوّل (أنّ ما يدعون .)، (أنّ الله هو العليّ) في محلّ جرّ معطوف على المصدر المؤوّل (أنّ الله هو الحقّ) ، والمعنى: ذل بأن الله هو الله وبأن ما يدعون من دونه هو الباطل ، فلا يفصل بينهما
قال الأشموني: « ولا وقف من قوله، (ذلك بأن الله) إلى قوله: الكبير، فلا يوقف على هو الحق. لأن أنّ ما موضعها جرّ بالعطف على ما عملت فيه الباء ولا على الباطل، لأن وأنّ الله معطوفة على ما قبلها». [3]
ومن ذلك الوقف على:( وَعَلَى وَالِدَيَّ) من قوله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ }النمل19
قال الأشموني: « فتبسم إلى ترضاه، فلا يوقف على وَعَلى والِدَيَّ لأن أن الثانية معطوفة على أن الأولى » [4]
النوع الثاني: عطف بين جمل مستقلة :
وهي الجمل التي استقلت بنفسها عن الأخرى، وقائمة بذاتها، فيمكن حينئذ أن يوقف عليها ويبتدأ بما بعدها، وتكون برتبة الكافي،
قال الداني: ومن قرأ {يذرهم في طغيانهم} بالرفع وقف على ما قبله وابتدأ به لأنه مستأنف بتقدير عطف جملة تامة على جملة تامة)) [5]
وممن وضح ذلك المفهوم الأشموني، حيث قال: « {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} [89] كاف، وقيل: لا يوقف من قوله: «الذي خلقني» إلى قوله: «سليم»؛ لأنَّ هذه جمل معطوف بعضها على بعض ومتعلق بعضها ببعض، وإن جعل كل جملة فيها ذكر الدعاء مسألة قائمة بنفسها حسن الوقف على آخر كل آية من قوله: «ربِّ هبْ لي حكمًا» إلى قوله: «بقلب سليم».[6]
ومن العوامل المساعدة لاكتشاف هذه الجمل، هو اختلاف الموضوع، أو الحكاية، أو الأسلوب، كأن يبدأ بعدها بنفي، أو شرط، أو دعاء، وسنعرض بعض النماذج لعطف الجمل وبيان أراء علماء الوقف فيها.
[1] منار الهدى 1/ 78
[2] إعراب القرآن للنحاس: 1/ 26، والمكتفى 1/19 ومشكل إعراب القرآن 1/ 74، والتبيان: 1/ 18، الجدول 1/36
[3] منار الهدى بتلخيص ما في المرشد: 608
[4] منار الهدى بتلخيص ما في المرشد: 569
[5] المكتفى: 81
[6] منار الهدى مع المقصد: 560
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على المبعوث رحمه للعالمين
فإن دراسة عطف الجمل من المهارات المهمة والتي تستحق أن تكون مشروعا بحثيا في جميع القرآن الكريم للباحثين وقد كتبت سلسلة مقالات في عطف الجمل وأثرها على الوقف والابتداء في كتابي (مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء)
سائلا الله أن ينفع به هو ولي ذلك والقادر عليه ، وكتبه / جمال القرش .
مقدمة :
من المعلوم أن العطف نوعان :
الأول : عطف مفردات
الثاني: عطف جمال
فأما عطف المفردات فهو مما لا يجوز الوقف عليه لشدة التعلق اللفظي، فلا يفصل بين العطف والمعطوف، كقوله سبحانه : إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات .... إلخ )
وأما عطف الجمل فهو نوعان:
- عطف جمل غير مستقلة
- عطف جمل مستقلة
وهذا النوع يحتاج بعضها لبعض كأن تكون الجمل تنظر خبرا، أو جواب قسم، أو جواب شرط، أو أخبار، وهذا لا يبتدأ بما بعدها للتعلق اللفظي بين تلك الجمل واحتياج بعضها لبعض ، ومثالها قوله تعالى: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } البقرة:{3} فهذه الآية فيها عدة جمل (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ)، (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) كلها مرتبطة بعضها ببعض فهي إما أنها تعدد صفات المتقين في قوله تعالى ( هدى للمتقين) ما صفاتهم: الذين يؤمنون بالغيب ، ويقيمون الصلاة .. إلخ .
قال الأشموني: (بِالْغَيْبِ، والصَّلاةَ) جائزان: والأولى وصلهما لعطف يقيمون الصلاة على يؤمنون) [1] وإما أن تكون معطوفة على الجملة المستأنفة الذين يؤمنون بالغيب باعتبار أن ( الذين ) مبتدأ وخبره أولئك على هدى من ربهم فلا يفصل بين المبتدأ وخبره
قال الإمام الداني: {هدى للمتقين} تام إذا رفع ((الذين)) بالابتداء، وجعل الخبر في قوله: {أولئك على هدى من ربهم} [2].
ومن ذلك الوقف على:( هُوَ الْحَقُّ) ، و( هو الباطل) من قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }الحج62 ، فالمصدر المؤوّل (أنّ ما يدعون .)، (أنّ الله هو العليّ) في محلّ جرّ معطوف على المصدر المؤوّل (أنّ الله هو الحقّ) ، والمعنى: ذل بأن الله هو الله وبأن ما يدعون من دونه هو الباطل ، فلا يفصل بينهما
قال الأشموني: « ولا وقف من قوله، (ذلك بأن الله) إلى قوله: الكبير، فلا يوقف على هو الحق. لأن أنّ ما موضعها جرّ بالعطف على ما عملت فيه الباء ولا على الباطل، لأن وأنّ الله معطوفة على ما قبلها». [3]
ومن ذلك الوقف على:( وَعَلَى وَالِدَيَّ) من قوله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ }النمل19
قال الأشموني: « فتبسم إلى ترضاه، فلا يوقف على وَعَلى والِدَيَّ لأن أن الثانية معطوفة على أن الأولى » [4]
النوع الثاني: عطف بين جمل مستقلة :
وهي الجمل التي استقلت بنفسها عن الأخرى، وقائمة بذاتها، فيمكن حينئذ أن يوقف عليها ويبتدأ بما بعدها، وتكون برتبة الكافي،
قال الداني: ومن قرأ {يذرهم في طغيانهم} بالرفع وقف على ما قبله وابتدأ به لأنه مستأنف بتقدير عطف جملة تامة على جملة تامة)) [5]
وممن وضح ذلك المفهوم الأشموني، حيث قال: « {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} [89] كاف، وقيل: لا يوقف من قوله: «الذي خلقني» إلى قوله: «سليم»؛ لأنَّ هذه جمل معطوف بعضها على بعض ومتعلق بعضها ببعض، وإن جعل كل جملة فيها ذكر الدعاء مسألة قائمة بنفسها حسن الوقف على آخر كل آية من قوله: «ربِّ هبْ لي حكمًا» إلى قوله: «بقلب سليم».[6]
ومن العوامل المساعدة لاكتشاف هذه الجمل، هو اختلاف الموضوع، أو الحكاية، أو الأسلوب، كأن يبدأ بعدها بنفي، أو شرط، أو دعاء، وسنعرض بعض النماذج لعطف الجمل وبيان أراء علماء الوقف فيها.
[1] منار الهدى 1/ 78
[2] إعراب القرآن للنحاس: 1/ 26، والمكتفى 1/19 ومشكل إعراب القرآن 1/ 74، والتبيان: 1/ 18، الجدول 1/36
[3] منار الهدى بتلخيص ما في المرشد: 608
[4] منار الهدى بتلخيص ما في المرشد: 569
[5] المكتفى: 81
[6] منار الهدى مع المقصد: 560