مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
لعلي لست بحاجة إلى تقرير تداخل بعض أنواع العلوم - أو مسائلها - في علوم متعددة ، وإذا كانت هذه حقيقة لا غبار عليها ، فإنه مما لا شكَّ فيه أن من سبق بالتصنيف والتأليف ، فإنه سيكون له أثر على من سيصنف في علم آخر يشترك مع علم هذا المصنِّف .
وانظر - على سبيل المثال - ما كتبه سيبويه ( ت : تقريبًا : 175 ) في (باب الإدغام) ، فهو أصل لكل من بعده في هذا الباب ، خصوصًا من كتب في باب المخارج والصفات من علماء القراءة والتجويد ، سواءٌ في ذلك من اطَّلع على كلامه مباشرة أو من نقل ممن تقدمه من المقرئين والمجودين .
وهذه الاستفادة ممن سبق في التأليف لا يخرج عنها علم من العلوم ، لكن قد يحصل تهذيب وتطوير لتلك المسائل ذلك العلم المنقول منه ليتناسب مع مادة العلم المنقول إليه .
وإذا كانت بعض أنواع العلوم تكون مشتركةً بين العلوم ، فلا يقال : إنها أصل في هذا العلم ، وهي دخيلة على هذا العلم ؛ كما هو الحال في ملاحظة بعض العلماء أن علم المنطق دخيل على علم أصول الفقه .
وإنما يقال - في مثل هذه الحال - : إن الفضل للمتقدِّم في التأليف ، ثم ننظر في المتأخِّر - إذا كتب في هذا النوع من العلم المشترك الذي قد سُبق إليه - لأمور :
1 - هل أدخل في هذا النوع ما لا يدخل في علمه أو لا ؟
مثال ذلك : إننا نجد في كتب التجويد في صفات الحروف ( الذلاقة ، وضدها الإصمات ) ، وهاتان الصفتان لا علاقة لهما بالتجويد ، ودليل ذلك قول الخليل بن أحمد ( ت : 170 تقريبَا ) في مقدمة كتابه ( العين ) ، قال الليث : (قال الخليل: فإن وَرَدَتْ عليك كلمة رباعيَّة أو خماسيَّة معرَّاة من حروف الذَلَق أو الشفوية ولا يكون في تلك الكلمة من هذه الحروف حرف واحد أو اثنان أو فوق ذلك فاعلم أنَّ تلك الكلمة مُحْدَثة مُبْتَدَعة، ليست من كلام العرب لأنك لست واجداً من يسمع من كلام العرب كلمة واحدة رباعيَّة أو خماسيَّة إلاَّ وفيها من حروف الذَلَق والشفوية واحد أو اثنان أو أكثر.
قال الليث: قلت: فكيف تكون الكلمة المولدة المبتدعة غير مشوبة بشيء من هذه الحروف؟ فقال: نحو الكَشَعْثج والخَضَعْثَج والكَشَعْطَج وأشباهِهِنَّ، فهذه مولَّدات لا تجوز في كلام العرب، لأنه ليس فيهن شيء من حروف الذَلَق والشفوية فلا تَقْبَلنَّ منها شيئاً، وإنْ أشبَهَ لفظهم وتأليفهم، فإن النحارير منهم ربَّما ادخلوا على الناس ما ليس من كلام العرب إرادة اللَّبس والتَعنُّيت) .
وإذا تأملت كلامه ؛ ظهر لك أن هاتين الصفتين لهما علاقة بمعرفة العربي من الأعجمي ، ولا علاقة له بالتجويد ، وذكرهما فيه فضلة لا تدعو الحاجة إليه .
2 - هل أضاف ما يحتاجه إليه علمه أو لا ؟
ومن الأمثلة السلبية في هذا أننا لا نجد المصنفين في علوم القرآن يذكرون في علم الناسخ والمنسوخ مصطلح النسخ عند المتقدمين ، ومن أسباب ذلك أنهم إنما نقلوا مادة بحثهم في الناسخ والمنسوخ من كتب علماء أصول الفقه ، وعلماء أصول الفقه لم يُعنوا بهذا ، فأغفلوه ، فأغفله من كتب في علوم القرآن .
وإضافة ما يتعلق بمبحث مفهوم النسخ عند السلف ، وما يترتب عليه من أهم موضوعات الناسخ والمنسوخ في كتب علوم القرآن لوقوع تطبيقات كثيرة جدًا في هذه المسألة .
ومن باب الفائدة ، فإن الشاطبي ( ت : 790 ) قد تنبه لهذا ، وعقد لهذا الموضوع المسألة الثالثة من ( الفصل الثاني : في الإحكام والنسخ ) ، فقال : (المسألة الثالثة : وذلك أن الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخا وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخا وعلى بيان المبهم والمجمل نسخا كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخا لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد ) ، ثم ذكر تفصيل هذه المسألة ، والأمثلة الواردة فيها ، وبينها بيانًا شافيًا .
والموضوع في هذا يطول ، لكن لعلي أنقل ثلاثة نصوص يتبين منها أصل الموضوع الذي ذكرته لك ، ثم أبين من خلال النقل ما وقع من تأثُّرٍ بتقسيم ذلك العلم على علوم القرآن .
قال الزركشي ( ت : 794 ) : (لما كانت علوم القرآن لا تحصى، ومعانيه لا تستقصى، وجبت العناية بالقدر الممكن، ومما فات المتقدمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه كما وضع الناس ذلك بالنسبة إلى علم الحديث، فاستخرت الله تعالى وله الحمد في وضع كتاب في ذلك جامع، ولما تكلم الناس في فنونه وخاضوا في نكته وعيونه، وضمنته من المعاني الأنيقة والحكم الرشيقة، ما بهر القلوب عجباً ليكون مفتاحاً لأبوابه، عنواناً في كتابه، معيناً للمفسر على حقائقه، مطلعاً على بعض أسراره ودقائقه، وسميته البرهان في علوم القرآن) .
وقال البلقيني ( ت : 824 ) في مواقع العلوم من مواقع النجوم : (قد اشتهرت عن الإمام الشافعي رضي الله عنه مخاطبة لبعض خلفاء بني العباس فيها ذكر بعض أنواع القرآن يحصل منها لمقصدنا الاقتباس، وقد صنف في علوم الحديث جماعة في القديم والحديث وتلك الأنواع في سنده دون متنه، أوفي مسنديه وأهل فنه وأنواع القرآن شاملة وعلومه كاملة، فأردت أن أذكر في هذا التصنيف ما وصل إلى علمي مما حواه القرآن الشريف من أنواع علمه المنيف)
وقال السيوطي ( ت : 911 ) في الإتقان : (ولقد كنت في زمان الطلب أتعجب من المتقدمين إذ لم يدونوا كتاباً في أنواع علوم القرآن كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث) .
فهؤلاء العلماء الثلاثة نظروا إلى علوم الحديث ، وهم يؤلفون في علوم القرآن ، لذا أثَّر عليهم هذا النظر ، ومن ذلك ما ورد في أسانيد القراءات :
قال البلقيني ( ت : 824 ) : ( الأمر الثاني: السند، وهو ستة أنواع: المتوتر، الآحاد، الشاذ، قراءات النبي صلى الله عليه وسلم، الرواة، الحفاظ).
وقال السيوطي ( ت : 911 ) : (الثاني والعشرون: معرفة المتواتر. الثالث والعشرون: في المشهور. الرابع والعشرون: في الآحاد. الخامس والعشرون: في الشاذ. السادس والعشرون: الموضوع. السابع والعشرون: المدرج) .
والقراءات لا تخرج عن وصفين : متواترة أو شاذة ، وهذا بغض النظر عن المصطلحات العلمية التي يطلقها العلماء على القراءة المقبولة ( مستفيضة ، مشهورة ، قراءة العامة ... الخ ) .
وما تراه من مصطلحات في تقسيم القراءات ( الآحاد ، والمدرج ) ، فإنه من أثر تقسيمات علماء الحديث ، ولا فائدة علمية أو عملية له في علم القراءة .
وإنا إذ أطرح هذه الفكرة بإيجاز ؛ أحب أن ألفت نظر إخواني إلى هذه المسألة ، وهي تداخل معلومات العلوم فيما بينها ، والنظر فيها بما يأتي:
متى تتفق في العلمين ؟
ومتى تتمايز عن بعضهما ؟
وكيف يمكننا أن نخلص من هذا التداخل إلى التعرف على ما نحتاج من هذا العلم وذاك ، وما لا نحتاج ؟
وما الإضافات الخاصة بهذا العلم حال كونه من أنواع علوم القرآن؟
هذا لكي نُلمَّ بأصول كلِّ علم ، ويكونَ عندنا القدرة على استيعاب مسائل النوع من علوم القرآن ، دون أن يكون نسخة منقولة من علم آخر ، ثم نغفل عن خصائص طرح مسائل ذلك النوع من خلال كونه من علوم القرآن الخاصة.
السبت 11 : 6 : 1432ﻫ
وانظر - على سبيل المثال - ما كتبه سيبويه ( ت : تقريبًا : 175 ) في (باب الإدغام) ، فهو أصل لكل من بعده في هذا الباب ، خصوصًا من كتب في باب المخارج والصفات من علماء القراءة والتجويد ، سواءٌ في ذلك من اطَّلع على كلامه مباشرة أو من نقل ممن تقدمه من المقرئين والمجودين .
وهذه الاستفادة ممن سبق في التأليف لا يخرج عنها علم من العلوم ، لكن قد يحصل تهذيب وتطوير لتلك المسائل ذلك العلم المنقول منه ليتناسب مع مادة العلم المنقول إليه .
وإذا كانت بعض أنواع العلوم تكون مشتركةً بين العلوم ، فلا يقال : إنها أصل في هذا العلم ، وهي دخيلة على هذا العلم ؛ كما هو الحال في ملاحظة بعض العلماء أن علم المنطق دخيل على علم أصول الفقه .
وإنما يقال - في مثل هذه الحال - : إن الفضل للمتقدِّم في التأليف ، ثم ننظر في المتأخِّر - إذا كتب في هذا النوع من العلم المشترك الذي قد سُبق إليه - لأمور :
1 - هل أدخل في هذا النوع ما لا يدخل في علمه أو لا ؟
مثال ذلك : إننا نجد في كتب التجويد في صفات الحروف ( الذلاقة ، وضدها الإصمات ) ، وهاتان الصفتان لا علاقة لهما بالتجويد ، ودليل ذلك قول الخليل بن أحمد ( ت : 170 تقريبَا ) في مقدمة كتابه ( العين ) ، قال الليث : (قال الخليل: فإن وَرَدَتْ عليك كلمة رباعيَّة أو خماسيَّة معرَّاة من حروف الذَلَق أو الشفوية ولا يكون في تلك الكلمة من هذه الحروف حرف واحد أو اثنان أو فوق ذلك فاعلم أنَّ تلك الكلمة مُحْدَثة مُبْتَدَعة، ليست من كلام العرب لأنك لست واجداً من يسمع من كلام العرب كلمة واحدة رباعيَّة أو خماسيَّة إلاَّ وفيها من حروف الذَلَق والشفوية واحد أو اثنان أو أكثر.
قال الليث: قلت: فكيف تكون الكلمة المولدة المبتدعة غير مشوبة بشيء من هذه الحروف؟ فقال: نحو الكَشَعْثج والخَضَعْثَج والكَشَعْطَج وأشباهِهِنَّ، فهذه مولَّدات لا تجوز في كلام العرب، لأنه ليس فيهن شيء من حروف الذَلَق والشفوية فلا تَقْبَلنَّ منها شيئاً، وإنْ أشبَهَ لفظهم وتأليفهم، فإن النحارير منهم ربَّما ادخلوا على الناس ما ليس من كلام العرب إرادة اللَّبس والتَعنُّيت) .
وإذا تأملت كلامه ؛ ظهر لك أن هاتين الصفتين لهما علاقة بمعرفة العربي من الأعجمي ، ولا علاقة له بالتجويد ، وذكرهما فيه فضلة لا تدعو الحاجة إليه .
2 - هل أضاف ما يحتاجه إليه علمه أو لا ؟
ومن الأمثلة السلبية في هذا أننا لا نجد المصنفين في علوم القرآن يذكرون في علم الناسخ والمنسوخ مصطلح النسخ عند المتقدمين ، ومن أسباب ذلك أنهم إنما نقلوا مادة بحثهم في الناسخ والمنسوخ من كتب علماء أصول الفقه ، وعلماء أصول الفقه لم يُعنوا بهذا ، فأغفلوه ، فأغفله من كتب في علوم القرآن .
وإضافة ما يتعلق بمبحث مفهوم النسخ عند السلف ، وما يترتب عليه من أهم موضوعات الناسخ والمنسوخ في كتب علوم القرآن لوقوع تطبيقات كثيرة جدًا في هذه المسألة .
ومن باب الفائدة ، فإن الشاطبي ( ت : 790 ) قد تنبه لهذا ، وعقد لهذا الموضوع المسألة الثالثة من ( الفصل الثاني : في الإحكام والنسخ ) ، فقال : (المسألة الثالثة : وذلك أن الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخا وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخا وعلى بيان المبهم والمجمل نسخا كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخا لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد ) ، ثم ذكر تفصيل هذه المسألة ، والأمثلة الواردة فيها ، وبينها بيانًا شافيًا .
والموضوع في هذا يطول ، لكن لعلي أنقل ثلاثة نصوص يتبين منها أصل الموضوع الذي ذكرته لك ، ثم أبين من خلال النقل ما وقع من تأثُّرٍ بتقسيم ذلك العلم على علوم القرآن .
قال الزركشي ( ت : 794 ) : (لما كانت علوم القرآن لا تحصى، ومعانيه لا تستقصى، وجبت العناية بالقدر الممكن، ومما فات المتقدمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه كما وضع الناس ذلك بالنسبة إلى علم الحديث، فاستخرت الله تعالى وله الحمد في وضع كتاب في ذلك جامع، ولما تكلم الناس في فنونه وخاضوا في نكته وعيونه، وضمنته من المعاني الأنيقة والحكم الرشيقة، ما بهر القلوب عجباً ليكون مفتاحاً لأبوابه، عنواناً في كتابه، معيناً للمفسر على حقائقه، مطلعاً على بعض أسراره ودقائقه، وسميته البرهان في علوم القرآن) .
وقال البلقيني ( ت : 824 ) في مواقع العلوم من مواقع النجوم : (قد اشتهرت عن الإمام الشافعي رضي الله عنه مخاطبة لبعض خلفاء بني العباس فيها ذكر بعض أنواع القرآن يحصل منها لمقصدنا الاقتباس، وقد صنف في علوم الحديث جماعة في القديم والحديث وتلك الأنواع في سنده دون متنه، أوفي مسنديه وأهل فنه وأنواع القرآن شاملة وعلومه كاملة، فأردت أن أذكر في هذا التصنيف ما وصل إلى علمي مما حواه القرآن الشريف من أنواع علمه المنيف)
وقال السيوطي ( ت : 911 ) في الإتقان : (ولقد كنت في زمان الطلب أتعجب من المتقدمين إذ لم يدونوا كتاباً في أنواع علوم القرآن كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث) .
فهؤلاء العلماء الثلاثة نظروا إلى علوم الحديث ، وهم يؤلفون في علوم القرآن ، لذا أثَّر عليهم هذا النظر ، ومن ذلك ما ورد في أسانيد القراءات :
قال البلقيني ( ت : 824 ) : ( الأمر الثاني: السند، وهو ستة أنواع: المتوتر، الآحاد، الشاذ، قراءات النبي صلى الله عليه وسلم، الرواة، الحفاظ).
وقال السيوطي ( ت : 911 ) : (الثاني والعشرون: معرفة المتواتر. الثالث والعشرون: في المشهور. الرابع والعشرون: في الآحاد. الخامس والعشرون: في الشاذ. السادس والعشرون: الموضوع. السابع والعشرون: المدرج) .
والقراءات لا تخرج عن وصفين : متواترة أو شاذة ، وهذا بغض النظر عن المصطلحات العلمية التي يطلقها العلماء على القراءة المقبولة ( مستفيضة ، مشهورة ، قراءة العامة ... الخ ) .
وما تراه من مصطلحات في تقسيم القراءات ( الآحاد ، والمدرج ) ، فإنه من أثر تقسيمات علماء الحديث ، ولا فائدة علمية أو عملية له في علم القراءة .
وإنا إذ أطرح هذه الفكرة بإيجاز ؛ أحب أن ألفت نظر إخواني إلى هذه المسألة ، وهي تداخل معلومات العلوم فيما بينها ، والنظر فيها بما يأتي:
متى تتفق في العلمين ؟
ومتى تتمايز عن بعضهما ؟
وكيف يمكننا أن نخلص من هذا التداخل إلى التعرف على ما نحتاج من هذا العلم وذاك ، وما لا نحتاج ؟
وما الإضافات الخاصة بهذا العلم حال كونه من أنواع علوم القرآن؟
هذا لكي نُلمَّ بأصول كلِّ علم ، ويكونَ عندنا القدرة على استيعاب مسائل النوع من علوم القرآن ، دون أن يكون نسخة منقولة من علم آخر ، ثم نغفل عن خصائص طرح مسائل ذلك النوع من خلال كونه من علوم القرآن الخاصة.
السبت 11 : 6 : 1432ﻫ