محمد محمود إبراهيم عطية
Member
أثر الصحبة
فلا يستغني عاقل في حياته عن صداقة وصحبة ، فهي نافعة في الدنيا والآخرة إذا أسست على التقوى لله تعالى ، وأما إذا بنيت على غير ذلك فلا تنفع أصحابها يقينًا في الآخرة ، وإن أصابهم بعض نفع دنيوي من ورائها ؛ قال الله تعالى : ] الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [ [ الزخرف : 67 ] .
ولا تخفى حاجة الناس لهذه العلاقة المبنية على التقوى ، فإنها ضرورية لحياة طيبة ، موصولة بحياة أطيب منها ؛ أما في الحياة الدنيا ، فقد قيل : الأخوَّة قرابةٌ مستفادة ؛ ويقال : الرجل بلا أخ كشمال بلا يمين ؛ وقال الشاعر :
ومـا الـمرء إلا بإخوانه ... كما يقبض الكف بالمعصمِ
ولا خير في الكف مقطوعة ... ولا خير في الساعد الأجذمِ
فيجب على الإنسان أن لا يصحب إلا من له دين وتقوى ، فإن المحبة في الله تنفع في الدنيا والآخرة وما أحسن ما قال بعضهم :
وكل محبة في الله تبقى ... على الحالين من فرج وضيق
وكل محبة فيما سواه ... فكالحَلْفَاءِ في لهب الحـريق
وأما الاقتران بأهل السوء الذين لا يعرفون لله حقًّا ، ولا تجد لهم في معاملاتهم خُلُقًا ، ولا يُعرَف لهم في أنفسهم طيب الصفات ؛ فهم كالبهائم في قضاء شهواتهم ، أو كالسباع في الاعتداء على أعراض الناس وحرماتهم ، فهؤلاء أضر البشر على البشر ، وأفسد المخلوقات في الأرض ؛ وفسادهم يُعدي مقارنَهم وإن لم يفعل مثل أفعالهم ؛ فمن تعرض للتهمة بصحبتهم فلا يلومن من أساء به الظن .
وقد رأينا في واقع الناس شاهدًا على ذلك ، فمن خالط أهل الخيانة فإنه يصير خائنًا ؛ ذلك لأن القرين يقتدي بقرينه .
فالعاقل يحذر هؤلاء حذره من المرض الخبيث ، ويفر منهم فراره من الأسد ، ولله در القائل :
إذا لَمْ أجدْ خِلًّا تقيًّا فَوَحْدَتي ... أَلَذُّ وأَشَهَى مِنْ غَويٍّ أعاشرُه
وأَجلسُ وحدي للعبادةِ آمِنًا ... أَقَرُّ لعيني مِنْ جَليسٍ أحـاذرُه