أبيبي الهكسوسي وفرعون موسى

إنضم
01/02/2016
المشاركات
754
مستوى التفاعل
29
النقاط
28
الإقامة
مصر
من الأخطاء عند بعض المفسرين المعاصرين تقليد الأجانب في تحديد الشخصية التاريخية لفرعون موسى، خصوصا عندما تعتمد تفسيراتهم على فهم سقيم لأبسط حقائق التاريخ المصري القديم، أو على محاولة التوفيق المتعسف بين القرآن والتوراة المحرفة.
يستحيل أن يكون فرعون المقصود هو رعمسيس الثاني أو مرنبتاح أو أشباههما، والملك المصري المناسب للسرد القرآني هو أبوفيس (أبيبي) الهكسوسي.
حكم أبيبي شمال مصر لـ 40 سنة على الأقل، في القرن الـ 16 الميلادي (الأسرة 15). وفي نفس الوقت كان الجنوب تحت سيطرة أسرة مصرية تريد طرد الهكسوس واستعادة مصر من يد "الملوك الرعاة الأجانب" (معنى كلمة هكسوس، والتي تنطق :حقا خاسوت). كان أبيبي يشعر بالتهديد ويخشى ضياع سلطة قبيلته الحاكمة.
من القرآن نعلم أن آثار وممتلكات فرعون دمرت، بينما آثار رمسيس لا زالت إلى اليوم. من القرآن نعلم أن مؤمن آل فرعون ذكر للطبقة الحاكمة أن يوسف جاءهم من قبل. هذا يعني أن القبيلة الحاكمة أيام موسى كانت حاكمة أيام يوسف عليه السلام أيضا. فلو كانت إحداهما هكسوسية فالأخرى مثلها بالتبعية.
من القرآن نعلم أن فرعون طلب بناء صرح بالطين المشوي، بينما كانت أبنية المصريين من الحجارة. عاصمة الهكسوس كانت في الدلتا الطينية (أواريس) فطبيعي أن يطلب أبيبي بناء طينيا.
تميز الهكسوس بتفوقهم التكنولوجي بالنسبة للمصريين، حيث استخدموا الخيل والعربات الحربية، وكان المصريون يجهلون هذه الأساليب قبل قدوم الهكسوس. فأساليب الشعبين مختلفة.
تزعم التوراة أن فرعون الذي ربى موسى مختلف عن فرعون الذي كفر وغرق، بينما في القرآن هو شخص واحد. وامرأة فرعون، آسيا، قالت لزوجها أن يربي الطفل، وبعد 40 سنة على الأقل (عندما بعث الله موسى بالدعوة، بعد عودته من مدين) آمنت به آسيا. إذن فقد عاشت وزوجها على الأقل 40 سنة في السلطة.
ملخص محتمل لتسلسل الأحداث:
هاجرت قبائل سورية كنعانية إلى مصر. بالتدريج صعدوا لكرسي الحكم وبدأ عصر الهكسوس. بعد فترة جاءت أسرة يوسف أيضا وانضمت للهكسوس، حيث أن تاريخهم ولغتهم متقاربة، وكلاهما من فلسطين في الأصل. عاش أبناء سيدنا إسرائيل يعقوب في رخاء، وآمن الهكسوس بيوسف، لكن بعد موته عادوا لمعتقداتهم القديمة وتبنوا أيضا المعبود المصري الصحراوي (ست)، وفقد بنو إسرائيل مكانتهم وتعرضوا للاضطهاد. زاد الاضطهاد في عصر أبيبي، لأنه خشى ضياع مصر منه وخشى أيضا صعود بني إسرائيل للسلطة مرة أخرى كما حدث أيام يوسف، فقتل أبناءهم ليقلل عددهم. ونلاحظ في خطابه أنه يكرر خشيته أن موسى يريد أن يخرج قوم فرعون من أرضهم، أي أنه يرى مصر ملكا له وقبيلته ويعلم أنه حاكم أجنبي يمكن إخراجه من مصر بتأليب الشعب المصري ضده، خصوصا مع وجود مقاومة مصرية في الصعيد الجنوبي (طيبة).
لما غرق جيش فرعون وخرج موسى بالإسرائيليين للصحراء حدث فراغ في السلطة، فانتهز الجنوبيون الفرصة واستعادوا الشمال تحت قيادة أحمس. وقد دمر أحمس عاصمة الهكسوس انتقاما، وأبنيتهم الطينية ذابت في طين الدلتا مع الزمن. والآن نجد صعوبة في دراسة تاريخ الهكسوس لأن آثارهم تدمرت لدرجة أننا نستدل على أسمائهم بمجرد نقوش على جعارين صغيرة مبعثرة هنا وهناك!

تأثر المصريون بالهكسوس وفرعون على الرغم من كرههم لهم، لدرجة أنهم مزجوا بين اسمه الكنعاني (فرعون) وبين كلمة القصر الهيروغليفية (بر عا = البيت العظيم)، فصار حكام مصر فيما بعد يطلقون على أنفسهم لقب فرعون. في روما كان قيصر الأول مجرد اسم لشخص معين، ثم تشبه به من جاءوا بعده وجعلوا اسمه لقبا للحاكم وصاروا قياصرة.
يوجد تقارب لغوي بين العبرية ولغة الهكسوس، ولهذا نجد أن وزير فرعون (هامان) يشبه اسمه اسم الثري الإسرائيلي (قارون). بينما أسماء المصريين كانت مختلفة لأنها من عائلة لغوية حامية مختلفة تماما عن اللغات السامية.
بعد غرق أبيبي وجيشه لم يستمر حكم الهكسوس سوى سنة واحدة، وانهزم رئيسهم المسمى خامودي. فقد الهكسوس مكانتهم السياسية وجنودهم والطبقة الحاكمة (البلاط)، لكن ربما بقي بعض أفراد قبيلتهم (خصوصا النساء والأطفال) تحت الحكم المصري.

هذا التفسير يحل كثير من الإشكالات التاريخية. وقد انتهى حكم أبوفيس سنة 1540 ق م، أي أن بني إسرائيل دخلوا فلسطين بعد أربعين سنة من التيه، أي سنة 1500 تقريبا. ويمكننا استخدام هذا التاريخ كقاعدة نبني عليها باقي الأحداث، ونترك التأريخ المستمد من التوراة لأنها غير دقيقة.

ملاحظة: فيما بعد أعاد رعمسيس الثاني بناء عاصمة الهكسوس أورايس، في موقع قريب من الموقع الأصلي، وأسماها (برعمسيس). وربما هذا ما جعل مؤلفي التوراة يخلطون بين الاثنين.

ما لا أعرفه هو جنسية سحرة فرعون، هل كانوا من قبيلته الهكسوسية أم مصريين مثل الكهنة المصريين المشهورين بمزاولة السحر؟ الإجابة تتوقف على تفسير "طريقتكم المثلى": هل كانوا يخشون أن يصبح موسى ساحرا شهيرا فينافسهم في مهنتهم، أم أن الكلمة تعني زوال ملك مصر منهم ومن أقاربهم الهكسوس؟ الله أعلم. لكن لو كانوا من الهكسوس أيضا فإن هذا سيعني أن قصة موسى كلها تكاد تخلو من أية شخصيات مصرية!! ففرعون هكسوسي وجنوده ومؤمن آل فرعون وهامان، وموسى وقارون إسرائيليان. ومن هنا نفهم لماذا لم تذكر قصة موسى في التاريخ المصري القديم، حيث أنها حدثت لملوك اجانب. ربما كان صاحبا سجن يوسف مصريين لأنهما عبدا آلهو متفرقة ولأنهما كانا يخدمان الملك وليسا من الطبقة الحاكمة؟

ملاحظة أخيرة: عندما قال موسى لبني إسرائيل أن الله جعلهم ملوكا، (والتي تفسر عادة بأنها تعني أن كل من عنده زوجة وقوت وخادم فهو بمنزلة الملوك)، هل كان يشير لوصول يوسف للسلطة أيام الهكسوس ورفع أبويه "على العرش"؟

هذا كل ما عندي في الموضوع، فأعتذر عن عدم التعليق على أية ردود أو استفسارات، لكنه مفتوح لمن أراد التصحيح أو اقتراح تعديلات. وقد ناقشته مع أحد النصارى بالإنجليزية، تجدونه على ريديت في هذا الرابط
 
عودة
أعلى