د. أبو عائشة
New member
4- أسلوب المدح والذم :
[line]
(1) ينظر : نظرية تشومسكي اللغوية 33 .
(2) ينظر : نظرية تشومسكي اللغوية 33 - 34 .
(3) ينظر :تفسير المنار 6 / 478 .
(4) تنوير الأذهان 4 / 610 .
(5) البحر المحيط 8 / 529 .
(6) ينظر : الكشف 2 / 390 .
(7) الإيضاح 75 ، وينظر : شروح التلخيص 1 / 479 ، ومعجم المصطلحات 1 / 201 .
(8) ينظر : التحرير والتنوير 30 / 98 .
(9) ينظر : المختار 1 / 139 .
(10) التحرير والتنوير 30 / 146 ، وينظر : تفسير القرطبي 20 / 234 ، والكشاف 4 / 222 ، وتفسير القاسمي 17 / 66 .
(11) تفسير القاسمي 17 / 67 .
(12) ينظر : التحرير والتنوير 30 / 282 ، وتفسير القرطبي 20 / 19 ، والكشاف 4 / 243 ، وتفسير القاسمي 17 / 129 - 130 .
(13) التحرير والتنوير 30 / 282 - 283 .
(14) الكتاب 1 / 92 .
(15) ينظر : التحرير والتنوير 30 / 42 .
(16) ينظر : الكشاف 4 / 210 .
(17) ينظر : التحرير والتنوير 30 / 42 - 43 .
(18) تفهيم الأمة 35 .
(19) تفسير ابن كثير 4 / 464 .
(20) ينظر : المختار 1 / 181 .
(21) في ظلال القرآن 8 / 523 .
(22) ينظر : المختار 1 / 181 .
قد يستخدم التعبير أنواعاً من التحويلات ولا سيما الاختيارية منها بحيث تصبح هذه التحويلات مميزاً أسلوبياً ؛ لأن هذا الاختيار دون غيره إنما هو في الأصل استغلالٌ لطاقات اللغة الكامنة في النظام اللغوي بتحويلات معينة (1)
فالعلاقة بين البنية السطحية والبنية العميقة فيما يتصل بالتراكيب يمكن استغلالها أسلوبياً ، وذلك في التراكيب المحوّلة عن بنية عميقة واحدة ، حيث نجد أن هذه التراكيب المحولة تظل تحتفظ بعلاقتها بالتراكيب العميقة ومن ثم نستطيع أن نفسر كيف تتحول عدة تراكيب سطحية إلى بدائل أسلوبية (2) .
يقول محمد رشيد رضا :وههنا قاعدة عامة قائمة في البلاغة … وهي أن ما يراد تنبيه السمع أو اللحظ إليه من المفردات أو الجمل يميز على غيره إما بتغير نسق الإعراب في مثل الكلام العربي مطلقا ً ..... (3).
وكأن هذا الكلام حديث عن مثل قوله تعالى : ( ... وامرأته حمالة الحطب)( اللهب : 4 ) فـ ( نصب ( حمالة ) على الشتم والذم أي : أذم حمالةَ الحطب … )(4) ، ( وحمالة في قراءة الجمهور خبر مبتدأ محذوف أو صفة …. وفي قراءة النصب انتصب على الذم … )(5) وهذه هي قراءة المصحف وقد خالفت قراءة الجمهور في الإعراب تبعاً لتغير أسلوبها من الخبر المحض إلى الذم وأما قراءة الجمهور فقد جاءت للإخبار عنها ، وقد ذكر مكي بن أبي طالب أن هذه المرأة كانت قد اشتهرت بالنميمة فجرت صفتها على الذم لها لا للتخصيص ، وفي الرفع ذمٌ ولكنه في النصب أبين ، لأنك إذا نصبت لم تقصد إلى أن تزيدها تعريفاً وتبيناً ، إذ لم تجرِ الإعراب على مثل إعرابها ، وإنما قصدت إلى ذمها لا لتخصيصها عن غيرها بهذه الصفة التي اختصتها بها وعلى هذا المعنى يقع النصب في غير هذا على المدح (6) ، ومن هذا قوله تعالى : ] والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين بالبأساء [ (البقرة: 177) فـ ( الصابرين ) كان حقها الرفع عطفاً على الموفون ولكن التحويل هنا ولدّ بديلاً أسلوبياً كان العامل في تحويل الأسلوب من الإخبار إلى المدح وفي هذه المغايرة التي يشي أسلوبها بتباينٍ ما بين المتعاطفين ( والموفون والصابرين ) ملحظ أدبي رائع ، وهو أن الذي يعاهد ويوفي لا فضيلة له لأنه إنما فعل واجباً عليه غير أن الصبر على البأساء موجب مدح لأنه صبر على ما لا يد له فيه فالمغايرة الأسلوبية هنا أدت إلى تغير الأسلوب وبما يتلائم مع الموقف المتحدث عنه .
5- العدول في الإجابة أو السؤال :
قد يؤتى أحياناً بما هو خلاف المقتضى لغاية بلاغية ولملحظ فني ما كان ليتحقق لو لم يستخدم هذا الأسلوب كما في قوله تعالى : ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشيةً أو ضحاها ) ( النازعات : 46 ) فالآية جواب عما تضمنه قوله تعالى : ] يسألونك عن الساعة أيان مرساها [ ( النازعات : 42 ) باعتبار ظاهر حال السؤال من طلب المعرفة بوقت حلول الساعة واستبطاء وقوعها الذي يرمون به إلى التكذيب بوقوعها فأجيبوا على طريقة ما سمّاه البلاغيون ( الأسلوب الحكيم ) وهو : ( تلقي المخاطب بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيهاً على أنه الأولى بالقصد ، أو السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيهاً على أنه الأولى بحاله أو المهم له )(7) أي إن طال تأخر حصولها فإنها واقعة وإنهم يوم وقوعها كأنهم ما لبثوا في انتظارٍ إلا بعض يومٍ (8) فهذا عدول عــن جواب لآخر أثبت ما سئل عنه من خلال تصوير حالة السائل بعد الوقوع ، فالجواب متضمن معنى السؤال وزيادة ، وقد يكون العدول في السؤال كما في قوله تعالى : ] وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنبٍ قتلت [ ( التكوير : 9 ) فالموؤدة تسأل ويقال لها ماذا عملت لدرجة أن أباكِ وأدكِ ؟ ليكون هذا السؤال تقريعاً للأب بأنه لا يصح أن يعتدي عليها أبداً إلا إذا ارتكبت ذنباً ، ففي تقريرها بالذنب الذي لم تعمله هي - وحيث لا ذنب - فسيكون المعنى أنه يقول له : إنك اجترأت عليها بدون ذنب تستحقه فيكون في هذا تقريع على اعنف صورة من صور المحاسبة أو استحضار الصورة المؤلمة للرجل الذي وأد ابنته وهي أمامه ، وبعد ذلك سألها الله وهو واقف فيعيد عليه الصورة ويعيد عليه المنظر (9) ( وإنما سألت عن تعيين الذنب الموجب قتلها دون أن تسأل عن قاتلها لزيادة التهديد لأن السؤال عن تعيين الذنب مع تحقق الوائد - الذي يسمع ذلك السؤال - أن لا ذنب لها إشعارٌ للوائد بأنه غير معذور فيما يصنع بها )(10) ، ومثل هذا قوله تعالى : ( وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) (المائدة : 116) ورأى بعض المفسرين في هذا الأسلوب استدراج عن طريق التعريض فـ ( المجني عليه إذا سأل بمحضر الجاني ونسبت إليه الجناية دون الجاني ، بعث ذلك الجاني على التفكر في حاله وحال المجني عليه فيرى براءة ساحته وأنه هو المستحق للعقاب والعذاب وهذا استدراج عن طريق التعريض وهو أبلغ من التصريح والمراد بالاستدراج سلوك طريق توصل إلى المطلوب بسؤال غير المذنب ونسبة الذنب له حتى يبين من صدر عنه ذلك .... وهو فن من البديع بديع )(11) .
6-أسلوب القلب :
قال تعالى : ( ونيسرك لليسرى)( الأعلى : 8 ) فقد ذهب أغلب المفسرين على حمل الآية على ظاهر النظم ، فالتيسير مقصود به التهيئة وتمكينه صلى الله عليه وسلم من اليسرى واللام للتعليل أي لأجل اليسرى أي لقبولها فالآية عندهم على شاكلة قوله تعـــالى : ( فسنيسره لليسرى ) (12) (الليل :7) غير أن الطاهر بن عاشور أجاز أن يجعل الكلام جارياً على خلاف مقتضى الظاهر بسلوك أسلوب القلب فيكون المعنى : ونيسر لك اليسرى أي نجعلها سهلة لك فلا تشقّ عليك فيبقى فعل ( نيسرك ) على حقيقته وإنما خولف عمله في مفعوله والمجرور المتعلق به على عكس الشائع في مفعوله والمجرور المتعلق به وقال : ( ويوجه العدول عن مقتضى ظاهر النظم إلى ما جاء النظم عليه بأن فيه تنزيل الشيء الميسر منزلة الشيء الميسر له والعكس للمبالغة في ثبوت الفعل للمفعول على طريقة القلب المقبول ، كقول العرب : ( عرضت الناقة على الحوض )(13) وليس من مانع من بناء التركيب بهذه الكيفية لإرادة المعنيين خاصة وإن المقصود تصوير تيسير الله تعالى وهذا أبلغ في ملائمة التيسير ولا سيما وأن سيبويه جعل أسلوب القلب من أساليب ( الإتساع في الكلام ) مثل قولهم : أدخلت في رأسي القلنسوة (14) .
7- تأكيد الشيء بما يشبه ضده :
قال تعالى : (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً)( النبأ : 30 ) فيجوز أن تكون الزيادة المنفية في الآية زيادة نوع أخر من العذاب يكون حاصلاً لهم كما في قوله تعالى : ] زدناهم عذاباً فوق العذاب [ (النحل: 88) ويجوز أن تكون زيادة من نوع ما هم فيه من العذاب بتكريره في المستقبل ، والمعنى : فسنزيدكم عذاباً زيادةً مستمرة في أزمنة المستقبل ، فصيغ التعبير عن هذا المعنى بهذا التركيب الدقيق،إذ ابتدأ بنفي الزيادة بحرف تأبيد النفي وأردف بالاستثناء المقتضي ثبوت نقيض حكم المستثنى منه للمستثنى فصارت دلالة الاستثناء على معنى سنزيدكم عذاباً مؤبداً وهذا من تأكيد الشيء بما يشبه ضده ، وهو أسلوب طريف من التأكيد(15) فترك الزيادة كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة بدلالة النفي بلن كما يقول الزمخشري وبمجيئها على طريقة الالتفات شاهد على أن الغضب قد تبالغ(16) وفي هذا الأسلوب ابتداءٌ مطمع بانتهاء مؤيس وذلك أشد حزناً وغماً بما يوهمه أن ما ألقوا فيه هو منتهى التعذيب حتى إذا ولج ذلك أسماعهم فحزنوا له اتبع بأنهم ينتظرهم عذاب أخر أشد فكان ذلك حزناً فوق حزنهم فهذا منوال وهو مؤذن بشدة الغضب كما يقول ابن عاشور (17) فهذا الخطاب لقطع طمعهم وأملهم في الانفراج والنجاة من هذا العذاب فأن في الأمل نوع راحــةٍ وفـرحٍ
فحرموا من هذا النعيم النفسي كحرمانهم من النعيم الجسمي ... (18). وبهذا نفهم قول ابن عمر : ( لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الآية )(19) فعظمة هذا الأسلوب إنه يصدر بالتصدير المطمع ثم ينتهي بالتيئيس المفجع وهذا النقل عملية نفسية مرادة للحق سبحانه (20) .
ومن هذا الأسلوب ما جاء في قوله تعالى : (.... والله أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم ) ( الانشقاق : 24 ) ( ويا لها من بشرى لا تسر ولا يودها متطلع إلى بشرى من بشير )(21) ، فالبشارة لا تكون إلا في الخير فتستشرف نفوسهم حين تسمع ( فبشرهم ) على أن هناك منقذاً وأن هناك مغيثاً وأن هناك منجياً ، فإذا استشرفت النفس إلى ذلك جاء الجواب مئيساً مفجعاً (22) ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه .... [ (الكهف : 29) وفي كل هذا نوع من المفارقة نجدها أيضاً في قوله تعالى : (فأمه هاوية)( القارعة : 9 ) .
فالعلاقة بين البنية السطحية والبنية العميقة فيما يتصل بالتراكيب يمكن استغلالها أسلوبياً ، وذلك في التراكيب المحوّلة عن بنية عميقة واحدة ، حيث نجد أن هذه التراكيب المحولة تظل تحتفظ بعلاقتها بالتراكيب العميقة ومن ثم نستطيع أن نفسر كيف تتحول عدة تراكيب سطحية إلى بدائل أسلوبية (2) .
يقول محمد رشيد رضا :وههنا قاعدة عامة قائمة في البلاغة … وهي أن ما يراد تنبيه السمع أو اللحظ إليه من المفردات أو الجمل يميز على غيره إما بتغير نسق الإعراب في مثل الكلام العربي مطلقا ً ..... (3).
وكأن هذا الكلام حديث عن مثل قوله تعالى : ( ... وامرأته حمالة الحطب)( اللهب : 4 ) فـ ( نصب ( حمالة ) على الشتم والذم أي : أذم حمالةَ الحطب … )(4) ، ( وحمالة في قراءة الجمهور خبر مبتدأ محذوف أو صفة …. وفي قراءة النصب انتصب على الذم … )(5) وهذه هي قراءة المصحف وقد خالفت قراءة الجمهور في الإعراب تبعاً لتغير أسلوبها من الخبر المحض إلى الذم وأما قراءة الجمهور فقد جاءت للإخبار عنها ، وقد ذكر مكي بن أبي طالب أن هذه المرأة كانت قد اشتهرت بالنميمة فجرت صفتها على الذم لها لا للتخصيص ، وفي الرفع ذمٌ ولكنه في النصب أبين ، لأنك إذا نصبت لم تقصد إلى أن تزيدها تعريفاً وتبيناً ، إذ لم تجرِ الإعراب على مثل إعرابها ، وإنما قصدت إلى ذمها لا لتخصيصها عن غيرها بهذه الصفة التي اختصتها بها وعلى هذا المعنى يقع النصب في غير هذا على المدح (6) ، ومن هذا قوله تعالى : ] والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين بالبأساء [ (البقرة: 177) فـ ( الصابرين ) كان حقها الرفع عطفاً على الموفون ولكن التحويل هنا ولدّ بديلاً أسلوبياً كان العامل في تحويل الأسلوب من الإخبار إلى المدح وفي هذه المغايرة التي يشي أسلوبها بتباينٍ ما بين المتعاطفين ( والموفون والصابرين ) ملحظ أدبي رائع ، وهو أن الذي يعاهد ويوفي لا فضيلة له لأنه إنما فعل واجباً عليه غير أن الصبر على البأساء موجب مدح لأنه صبر على ما لا يد له فيه فالمغايرة الأسلوبية هنا أدت إلى تغير الأسلوب وبما يتلائم مع الموقف المتحدث عنه .
5- العدول في الإجابة أو السؤال :
قد يؤتى أحياناً بما هو خلاف المقتضى لغاية بلاغية ولملحظ فني ما كان ليتحقق لو لم يستخدم هذا الأسلوب كما في قوله تعالى : ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشيةً أو ضحاها ) ( النازعات : 46 ) فالآية جواب عما تضمنه قوله تعالى : ] يسألونك عن الساعة أيان مرساها [ ( النازعات : 42 ) باعتبار ظاهر حال السؤال من طلب المعرفة بوقت حلول الساعة واستبطاء وقوعها الذي يرمون به إلى التكذيب بوقوعها فأجيبوا على طريقة ما سمّاه البلاغيون ( الأسلوب الحكيم ) وهو : ( تلقي المخاطب بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيهاً على أنه الأولى بالقصد ، أو السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيهاً على أنه الأولى بحاله أو المهم له )(7) أي إن طال تأخر حصولها فإنها واقعة وإنهم يوم وقوعها كأنهم ما لبثوا في انتظارٍ إلا بعض يومٍ (8) فهذا عدول عــن جواب لآخر أثبت ما سئل عنه من خلال تصوير حالة السائل بعد الوقوع ، فالجواب متضمن معنى السؤال وزيادة ، وقد يكون العدول في السؤال كما في قوله تعالى : ] وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنبٍ قتلت [ ( التكوير : 9 ) فالموؤدة تسأل ويقال لها ماذا عملت لدرجة أن أباكِ وأدكِ ؟ ليكون هذا السؤال تقريعاً للأب بأنه لا يصح أن يعتدي عليها أبداً إلا إذا ارتكبت ذنباً ، ففي تقريرها بالذنب الذي لم تعمله هي - وحيث لا ذنب - فسيكون المعنى أنه يقول له : إنك اجترأت عليها بدون ذنب تستحقه فيكون في هذا تقريع على اعنف صورة من صور المحاسبة أو استحضار الصورة المؤلمة للرجل الذي وأد ابنته وهي أمامه ، وبعد ذلك سألها الله وهو واقف فيعيد عليه الصورة ويعيد عليه المنظر (9) ( وإنما سألت عن تعيين الذنب الموجب قتلها دون أن تسأل عن قاتلها لزيادة التهديد لأن السؤال عن تعيين الذنب مع تحقق الوائد - الذي يسمع ذلك السؤال - أن لا ذنب لها إشعارٌ للوائد بأنه غير معذور فيما يصنع بها )(10) ، ومثل هذا قوله تعالى : ( وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) (المائدة : 116) ورأى بعض المفسرين في هذا الأسلوب استدراج عن طريق التعريض فـ ( المجني عليه إذا سأل بمحضر الجاني ونسبت إليه الجناية دون الجاني ، بعث ذلك الجاني على التفكر في حاله وحال المجني عليه فيرى براءة ساحته وأنه هو المستحق للعقاب والعذاب وهذا استدراج عن طريق التعريض وهو أبلغ من التصريح والمراد بالاستدراج سلوك طريق توصل إلى المطلوب بسؤال غير المذنب ونسبة الذنب له حتى يبين من صدر عنه ذلك .... وهو فن من البديع بديع )(11) .
6-أسلوب القلب :
قال تعالى : ( ونيسرك لليسرى)( الأعلى : 8 ) فقد ذهب أغلب المفسرين على حمل الآية على ظاهر النظم ، فالتيسير مقصود به التهيئة وتمكينه صلى الله عليه وسلم من اليسرى واللام للتعليل أي لأجل اليسرى أي لقبولها فالآية عندهم على شاكلة قوله تعـــالى : ( فسنيسره لليسرى ) (12) (الليل :7) غير أن الطاهر بن عاشور أجاز أن يجعل الكلام جارياً على خلاف مقتضى الظاهر بسلوك أسلوب القلب فيكون المعنى : ونيسر لك اليسرى أي نجعلها سهلة لك فلا تشقّ عليك فيبقى فعل ( نيسرك ) على حقيقته وإنما خولف عمله في مفعوله والمجرور المتعلق به على عكس الشائع في مفعوله والمجرور المتعلق به وقال : ( ويوجه العدول عن مقتضى ظاهر النظم إلى ما جاء النظم عليه بأن فيه تنزيل الشيء الميسر منزلة الشيء الميسر له والعكس للمبالغة في ثبوت الفعل للمفعول على طريقة القلب المقبول ، كقول العرب : ( عرضت الناقة على الحوض )(13) وليس من مانع من بناء التركيب بهذه الكيفية لإرادة المعنيين خاصة وإن المقصود تصوير تيسير الله تعالى وهذا أبلغ في ملائمة التيسير ولا سيما وأن سيبويه جعل أسلوب القلب من أساليب ( الإتساع في الكلام ) مثل قولهم : أدخلت في رأسي القلنسوة (14) .
7- تأكيد الشيء بما يشبه ضده :
قال تعالى : (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً)( النبأ : 30 ) فيجوز أن تكون الزيادة المنفية في الآية زيادة نوع أخر من العذاب يكون حاصلاً لهم كما في قوله تعالى : ] زدناهم عذاباً فوق العذاب [ (النحل: 88) ويجوز أن تكون زيادة من نوع ما هم فيه من العذاب بتكريره في المستقبل ، والمعنى : فسنزيدكم عذاباً زيادةً مستمرة في أزمنة المستقبل ، فصيغ التعبير عن هذا المعنى بهذا التركيب الدقيق،إذ ابتدأ بنفي الزيادة بحرف تأبيد النفي وأردف بالاستثناء المقتضي ثبوت نقيض حكم المستثنى منه للمستثنى فصارت دلالة الاستثناء على معنى سنزيدكم عذاباً مؤبداً وهذا من تأكيد الشيء بما يشبه ضده ، وهو أسلوب طريف من التأكيد(15) فترك الزيادة كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة بدلالة النفي بلن كما يقول الزمخشري وبمجيئها على طريقة الالتفات شاهد على أن الغضب قد تبالغ(16) وفي هذا الأسلوب ابتداءٌ مطمع بانتهاء مؤيس وذلك أشد حزناً وغماً بما يوهمه أن ما ألقوا فيه هو منتهى التعذيب حتى إذا ولج ذلك أسماعهم فحزنوا له اتبع بأنهم ينتظرهم عذاب أخر أشد فكان ذلك حزناً فوق حزنهم فهذا منوال وهو مؤذن بشدة الغضب كما يقول ابن عاشور (17) فهذا الخطاب لقطع طمعهم وأملهم في الانفراج والنجاة من هذا العذاب فأن في الأمل نوع راحــةٍ وفـرحٍ
فحرموا من هذا النعيم النفسي كحرمانهم من النعيم الجسمي ... (18). وبهذا نفهم قول ابن عمر : ( لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الآية )(19) فعظمة هذا الأسلوب إنه يصدر بالتصدير المطمع ثم ينتهي بالتيئيس المفجع وهذا النقل عملية نفسية مرادة للحق سبحانه (20) .
ومن هذا الأسلوب ما جاء في قوله تعالى : (.... والله أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم ) ( الانشقاق : 24 ) ( ويا لها من بشرى لا تسر ولا يودها متطلع إلى بشرى من بشير )(21) ، فالبشارة لا تكون إلا في الخير فتستشرف نفوسهم حين تسمع ( فبشرهم ) على أن هناك منقذاً وأن هناك مغيثاً وأن هناك منجياً ، فإذا استشرفت النفس إلى ذلك جاء الجواب مئيساً مفجعاً (22) ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه .... [ (الكهف : 29) وفي كل هذا نوع من المفارقة نجدها أيضاً في قوله تعالى : (فأمه هاوية)( القارعة : 9 ) .
[line]
(1) ينظر : نظرية تشومسكي اللغوية 33 .
(2) ينظر : نظرية تشومسكي اللغوية 33 - 34 .
(3) ينظر :تفسير المنار 6 / 478 .
(4) تنوير الأذهان 4 / 610 .
(5) البحر المحيط 8 / 529 .
(6) ينظر : الكشف 2 / 390 .
(7) الإيضاح 75 ، وينظر : شروح التلخيص 1 / 479 ، ومعجم المصطلحات 1 / 201 .
(8) ينظر : التحرير والتنوير 30 / 98 .
(9) ينظر : المختار 1 / 139 .
(10) التحرير والتنوير 30 / 146 ، وينظر : تفسير القرطبي 20 / 234 ، والكشاف 4 / 222 ، وتفسير القاسمي 17 / 66 .
(11) تفسير القاسمي 17 / 67 .
(12) ينظر : التحرير والتنوير 30 / 282 ، وتفسير القرطبي 20 / 19 ، والكشاف 4 / 243 ، وتفسير القاسمي 17 / 129 - 130 .
(13) التحرير والتنوير 30 / 282 - 283 .
(14) الكتاب 1 / 92 .
(15) ينظر : التحرير والتنوير 30 / 42 .
(16) ينظر : الكشاف 4 / 210 .
(17) ينظر : التحرير والتنوير 30 / 42 - 43 .
(18) تفهيم الأمة 35 .
(19) تفسير ابن كثير 4 / 464 .
(20) ينظر : المختار 1 / 181 .
(21) في ظلال القرآن 8 / 523 .
(22) ينظر : المختار 1 / 181 .