آيَـــــــــــــــــــــة

محمد يزيد

Active member
إنضم
24/01/2012
المشاركات
534
مستوى التفاعل
26
النقاط
28
العمر
44
الإقامة
الجزائر
بسم1
{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (سورة الأَنعام 96 - 97)
{وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (سورة النحل 16)


مشاهدة المرفق 12105
https://www.timeanddate.com/astronomy/tell-time-by-stars.html
وللفائدة فإنَّ المعادلة التي ذكرها صاحب المقالِ:
الوقت = الوقت القطبي-2*عدد الأشهر منذ 6 مارس
يمكن استخدامها لمعرفة الشهر الحالي لمن كانت لديه ساعةٌ.
 
بسم1
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }
(سورة الرعد 28)
___​
لذكْر الله أثرٌ في النفسِ عجيبٌ لا يفيه بالوصف إلا الشارع الحكيمُ سبحانه، لعلمه جل شأنه بما خلق، وهو أحسن الخالقين.
وإذا نظرتَ إلى أحدث ما يتبارى فيه عمالقة التكنولوجيا والعلم في باب علومِ الإنسالة (الروبوت) والذكاء الاصطناعيِّ تملَّككَ انطباعٌ بتعظيم الخالقِ حينَ جعلَ كلماتٍ خفيفةً يلهج بها لسان المرءِ، يحرك بها شفتيهِ يكونُ لها من الأثر في النفس والمجتمع والكون بأسره ما لا تفعله الجيوش الجرارةُ والخزائنُ المكتنزة والألوف من أولي الألبابِ.

عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ: التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ، أَوْ لَا يَزَالَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ" [1]

يُحسُّ بذلكَ من تذوَّق حلاوة الإيمان وجرَّبَ، بينما تُخَصَّصُ أعقدُ الخوارزميَّاتِ المدمجة في الإنسالةِ لأعمالٍ على تقدمها في أنظارنا ليس لها إلا وظائفُ محدودةٌ ضيقةٌ غير منسجمةٍ فرادى ولا متناسقةٍ في مجموعها لخطةٍ تضاهي خطةَ العليم القديرِ سبحانهُ زمانًا عاجلا وآجلا، ومكانًا هاهنا وهناكَ فكيف بالأمكنة البعيدة السحيقة.

العدد غير المتناهي من خيارات الواحدِ منَّا معلومةٌ مآلاتها كلها لدى البديعِ الذي أحاطَ بكل شيء علمًا، اختر ما شئتَ من الخياراتِ، فالله عليمٌ أيَّها تختارُ، وهو حيٌّ قيُّومٌ لن يغيبَ عنكَ فتعجزه، وقويٌّ عزيزٌ لا يضعفُ فتتجاوزَ إرادته.

ويصنع ابنُ آدمَ آلاتٍ لا تعجزُ خالقها الأولَ جلَّ وعلا، لكنها خطرٌ على صانعها الإنسان الظلومِ الجهولِ، وسيكونُ عسيرًا على الإنسانِ تداركُ أخطاء تدميرية فادحةٍ لا يأبهُ لها اليومَ في خضم التنافس في صناعة ما يحاكيهِ.

فهل الإنسانُ قادرٌ على ضبطِ خيارات آلاته الذكية كثيرة العددِ صعبة المتابعة؟ هل نسي الإنسانُ أنه ضعيفٌ أمام آلتهِ التي كانتْ بسرعة حساباتها ودقةِ معاملاتها تبَعًا له قبلَ أن يقررَ إعطاءها مفاتيح السيطرة بمباحث الذكاء الاصطناعي، وأنه سيموتُ فتكونُ الآلةُ ذاتُ القدراتِ غير المحسوبة وبالًا على ذريَّتهِ.

عودًا على بدء..

ذكرُ اللهِ يُرْضِي عنكَ صانعكَ ويجعلك له وليًّا لا محاربا، فلا تتمرّدْ واتبعْ ما هو عالمٌ بخيريَّته لكَ ولنظام الكون برمَّته.
ويجعلُ الودَّ يتجلَّى عليكَ منهُ.
ويحيلُ النصرَةَ على من بغى عليكَ من بني جنسك أو سائر الخلق باديةً مددًا إثر مددٍ.
ممّن؟ من الخلاقِ العليمِ، {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (الأَنْفال 40).

هل تبيَّنتَ أخي جانبًا ممَّا يردُّ به على متحذلقة الزمانِ الطاعنينَ غيرَ آبهينَ لصحيح السنةِ وصريح القرآن المعظمَيْن لذكره سبحانهُ ويقولونَ أنَّى للخالقِ أن يجعَلَ لكليماتٍ هينةٍ جزاءً كبيرًا وأثرًا ذا قيمة؟.

عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ" [2]

___​
[1] سنن ابن ماجه - كتاب الأدب- باب فضل التسبيح - حديث:‏3807‏ وصححه الألبانى فى صحيح سنن ابن ماجة (3877) ، وصحيح الترغيب والترهيب (1568).
[2] صحيح مسلم، كتاب الآداب (2137).
 
خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ

خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ

بسم1
{ اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } (سورة الطَّلَاق 12)​

الآية الوحيدة التي تناولَتْ موضوعًا تحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرةٍ هو مسألةُ الأرضين السبْع.
كما ثبت في الصَّحيحينِ "مَنْ ظَلَمَ قَيْدَ شِبْرٍ مِنَ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرضِينَ" (1) وفي صحيح البخاري "خُسِف بِهِ إِلى سَبْعِ أَرضِينَ" (2)، وما عند الطَّبرانيّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكُرْسِيِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ عِنْدَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَةِ".


لن آتيَ على ذكْر صلة الأرضين السبْع الواردة في الآية الخاتمةِ لسورة الطلاقِ وما فيها من موضوع فكِّ رباط الزوجية المقدَّسِ والقدرِ وتصريف الأمورِ والتقوى والإرادةِ بالعوالِم المتوازية التي خاض فيها الفيزيائيون والرياضيون النظريُّونَ، لكن لنتحدَّث عن صلته بما ذكِرَ على إثره مباشرةً { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

أليس الله قادرًا أن يجعل الأرضين تلكَ بمخلوقات عاقلة ذكية مثلنا أو أشدَّ في ذَرَّةٍ أو أدنى من ذلك؟
بلى، شهدنا وعلمنا {أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
أليسَ الله قادرًا أن تكونَ هذه الأرضونَ على هيئة أرضنا وبحجم مثلها أو يقربُ، وهي تسبحُ خافيًا علينَا أمرهَا، على الرغم من المسح الفضائي الطويلِ بمسابرَ عملاقة دقيقة؟
وَهلْ وجدناها أو أحطنا بها علمًا؟
كلَّا، بلْ سلَّمنَا {أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}.


ثمَّ ما أدرانا أنها خُلِقَتْ أصلا.
ألم يخاطب إبراهيمُ قومَهُ وشبيهاتها في القرآن لخطابِ من لم يُخْلَقْ بعدُ فقال: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (سورة الصافات 96)؟ لأن الماضيَ يفيدُ الحديث عن مستقبل الزمانِ أيضا.
فإن كانَ الأمر كذلك، فــ{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} (سورة الروم 4).
يفرحونَ أن الإنسانَ الذي استطاع حينذاك أن يأْهُلَ كواكبَ غير مأهولةٍ ويعْمُرَها بالحياة بعدَ إيجادِ مقوماتها من هواءٍ وماء وغذاء، يفرحون أن الله علمَ ذلكَ من قبْلُ فسَطَرَ خبرَها في كتابهِ قبْلَ أن تُخْلَقَ أوْ قبْلَ أن تؤهَلَ.
ألا فليعْلم الإنسانُ الضعيف الجاهلُ أنَّه وإن استطاع أن يصنع كواكبَ بحجم الأرضِ بما آتاه الله من علمٍ، ثمَّ أسكنَ فيها من يشاءُ فلن يعدوَ قدرة اللهِ التي قررها اللهُ، ولن يتجاوزَ ستًّا أخرى غيرَ أرْضِنَا.


{سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (سورة البقرة 32).

ذكرَ ابن كثير عن مجاهد، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما في قوله:{سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ} قال: "لَوْ حَدَّثتكُمْ بتفسِيرهَا لكَفَرْتُمْ وكفركُمْ تكذيبكُمْ بهَا".
___​
(1) صحيح البخاري برقم (2453) وصحيح مسلم برقم (1612) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) صحيح البخاري برقم (5454) من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
 
"يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ": على منْ يعود ضمير الهاء؟

"يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ": على منْ يعود ضمير الهاء؟

بسم1​
{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }(الشورى 11).

ظاهرُ الآيةِ أَنَّ المفردَ الوحيدَ فيها الذي يمكن عودُ ضمير الهاء عليه في قوله عز وجل: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} هو {فَاطِرُ} والمعنى باطلٌ، وأما عوده على جمع المذكورينَ فلا يستقيمُ من جهة اللغة إلا بدليل.
قالَ الطنطاويُّ رحمه الله في تفسيره:
"قال بعض العلماء: فإن قيل: ما وجه إفراد الضمير المجرور في قوله {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} مع أنَّه على ما ذكرتم، يعود إلى الذكور والإناث من الآدميين والأنعام؟.
فالجواب: أن من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن، رجوع الضمير بصيغة الإفراد إلى المثنى أو الجمع باعتبار ما ذكر.
ومنه قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ، مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} أي: يأتيكم بما ذكر من سمعكم وأبصاركم وقلوبكم".


والله أعلمُ.
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا

بسم1​
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة البقرة 104).
نَهى الله المؤمنين عن قولِ رَاعِنَا، وذكرَ المفسِّرُون جملة من الحكَم لسبب النهي.
وأميلُ إلى أنَّ النهيَ بسبب اشتباه لفظي الفعل رَاعِنَا والاسم رَاعِنًا عند الوقفِ، فتُفهمُ بمعنى بعيدٍ سيءٍ أنها معمولٌ لمحذوفٍ، كمثل قول العرب: أَهلًا وسهْلًا، وإنما الأصلُ فيها حَلَلْتُمْ أهلًا وَنزلتمْ سَهْلا؛ وهذهِ الكلماتُ: رَاعنًا، أهلًا، وسَهْلا تعربُ كلٌّ منها حالًا.
فما الدَّليلُ على هذا؟
أَوَّلًا: كانَ هذا الاستخدامُ موجودًا في كلماتٍ ظاهرها حسنٌ وباطنها سيءٌ، لذا استدَلَّ ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما بشبيهة الكلمةِ تمامًا.
عن ابن عباس في قوله: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا}، قال: كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: رَاعِنَا سَمْعَك! وإنَّما "رَاعِنَا" كقولك "عَاطِنَا".
وهما تشتركانِ في كثرة الاستخدام للحاجة إلى المعنى الحسن فيهما، لأن راعنا من المراعاة وعاطنا من المعاطاة، ويرادُ منهما: أرعنا سمعك، حتى نفهمك وتفهم عنا.
وتشتركانِ في كونِهما نظيرتَيْ الراعن والعاطنِ السيئتَيْن حين الوقف عليهمَا معمولَيْن حالَين منصوبتَين: راعنا، عاطِنا.
ثَانيًا: القرآنُ يفسِّرُ بعضه بعضًا، والآية الوحيدةُ الأخرى، المشتملة على معنى الذَّمِّ لراعِنا، والمُفَسِّرَةُ لها قوله عز وجل: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} (سورة النساء 46).
وتأَمَلِ الوقوفَ على: وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا.
غَيْرَ مُسْمَعٍ: حالٌ، وراعنا فعلٌ إذا توقَّفْتَ عنده تبادرَ إلى الذهن توجيهه على أنَّهُ اسمٌ أيضا معطوف على "غَيْرَ مُسْمَعٍ"، بمعنى حال من الرعونة، والتقديرُ: وَاسْمَعْ رَاعِنًا.
وإذا رَجَعنَا إلى{وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} فهيَ على نفس الشاكلة، اسْمَعْ: أمرٌ من سَمِعَ، ومُسْمَع: مفعول أَسمَعَ.
ومعنى {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} لها معنيان قريبٌ وبَعيد.
وفي اللِّسان: "أَسمَعَه الحديثَ وأَسمَعَه أَي شتَمه".
فكأنَّما أحَبَّ الداعي بقوله "اسْمَعْ" أنْ يُذهِبَ ما قد يتبادرُ إلى ذهن السامع من هذا المعنى السيءٍ فزادَ غَيْرَ مُسْمَعٍ.
لكنَّهُ وَقَعَ في معنًى سيِّء متداولٍ آخرَ، فَمَن أسْمعتَهُ مُسْمَعٌ، ومنْ حيلَ بينه وبين أن تُسمِعَهُ بحمق أو جهل أو عِلَّة غَيْر مُسْمَعٍ.
وهو عينُ ما فسره ثعلب فقال: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ}: اسْمَعْ لا سَمِعْتَ.
ولذا نهى الله عز وجل عن ذلك جميعًا ودلَّنا على:
- الأصَحِّ في القول {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا}.
- بصيغة الإخبارِ في الماضي: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}.
-
وصيغة الإنشاء بالطلب {وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا}.
- مُثْبِتًا أنه خير {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ}.

والخُلاصَةُ:
- الله عز وجل بيَّنَ في كتابه كل شيء وفصَّلهُ، ومن ذلك المناهي اللفظية.
- إكرامُ اللهِ لحبيبه صلى الله عليه وسلم بإلزام النَّاس مخاطبته بأدب واجتناب الألفاظِ التي تشوِّشُ الخاطرَ.
- النبيُّ صلى الله عليه وسلم أذكى الخَلْقِ، وخُوطبَ في القرآن بأخْصَرِ ما يتصَوَّرُه بَشرٌ من الكلامِ والتعبيرِ الإشاريِّ فوعاهُ كمثل أول سورة البقرة المذكور فيها ذلك النهيُ، وأقصدُ قوله سبحانه وتعالى: {ألم}، فلذا وَجَبَ الوضوحُ معه صلى الله عليه وسلم وعدمُ تكدير صفْو جنانه.
- قدْ يَصِحُّ ما ذهبَ إليه الشيخ الطاهر بن عاشور من أنَّهُ احتراز من السحْرِ، واستدَلَّ أن آية النَّهي عن راعنا بعد الكلام عن السحر، وقال:
"وَمُنَاسَبَةُ نُزُولِ هَاتِهِ الْآيَةِ عَقِبَ الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي السِّحْرِ وَمَا نَشَأَ عَنْ ذَمِّهِ أَنَّ السِّحْرَ كَمَا قَدَّمْنَا رَاجِعٌ إِلَى التَّمْوِيهِ؛ وَأَنَّ مِنْ ضُرُوبِ السِّحْرِ مَا هُوَ تَمْوِيهُ أَلْفَاظٍ وَمَا مَبْنَاهُ عَلَى اعْتِقَادِ تَأْثِيرِ الْأَلْفَاظِ فِي الْمَسْحُورِ بِحَسَبِ نِيَّةِ السَّاحِرِ وَتَوْجِيهِهِ النَّفْسِيِّ إِلَى الْمَسْحُورِ، وَقَدْ تَأَصَّلَ هَذَا عِنْدَ الْيَهُودِ وَاقْتَنَعُوا بِهِ فِي مُقَاوَمَةِ أَعْدَائِهِمْ. وَلَمَّا كَانَ أَذَى الشَّخْصِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لَا يُعْلَمُ مَغْزَاهُمَا كَخِطَابِهِ بِلَفْظٍ يُفِيدُ مَعْنًى، وَمَقْصُودُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْهُ أَذًى، أَوْ كَإِهَانَةٍ صَوَّرَتْهُ أَوِ الْوَطْءِ عَلَى ظِلِّهِ كُلُّ ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَى الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ وَالتَّوَجُّهِ فِي حُصُولِ الْأَذَى كَانَ هَذَا شَبِيهًا بِبَعْضِ ضُرُوبِ السِّحْرِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ شِعَارِ مَنِ اسْتَهْوَاهُمُ السِّحْرُ وَاشْتَرَوْهُ نَاسَبَ ذِكْرَ هَاتِهِ الْحَالَةِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ عَقِبَ الْكَلَامِ عَلَى افْتِتَانِهِمْ بِالسِّحْرِ وَحُبِّهِ دُونَ بَقِيَّةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَهَاتِهِ الْمُنَاسَبَةُ هِيَ مُوجَبُ التَّعْقِيبِ فِي الذِّكْرِ" انتهى كلامه رحمه الله.

والله أعلم.
 
عودة
أعلى