الدعاء بسني يوسف
نتناول في هذا المحور الاحاديث التي تتمحور حول دعاء الرسول على قريش بقوله: "اللهم أعني عليهم بسنين كسني يوسف...."
نبدأ المحور باستعراض الاحاديث الواردة في صحيح البخاري ثم في صحيح مسلم ثم نعقب ذلك بتعليق وتحليل:
اولا: ما جاء في صحيح البخاري:
1- حدثنا قتيبة حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله قال ابن أبي الزناد عن أبيه هذا كله في الصبح (البخاري)
2- حدثنا محمد بن كثير عن سفيان حدثنا منصور والأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال أتيت ابن مسعود فقال إن قريشا أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام فجاءه أبو سفيان فقال يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وإن قومك هلكوا فادع الله فقرأ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون يوم بدر قال أبو عبد الله وزاد أسباط عن منصور فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقوا الغيث فأطبقت عليهم سبعا وشكا الناس كثرة المطر قال اللهم حوالينا ولا علينا فانحدرت السحابة عن رأسه فسقوا الناس حولهم (البخاري)
3- حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن ابن ذكوان عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في القنوت اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم سنين كسني يوسف (البخاري)
4- حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف (البخاري)
5- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف يجهر بذلك وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب حتى أنزل الله ليس لك من الأمر شيء الآية (البخاري)
6- حدثنا أبو نعيم حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج الوليد بن الوليد اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف (البخاري)
7- حدثنا الحميدي حدثنا سفيان عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه أن قريشا لما أبطئوا على النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام قال اللهم اكفنيهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا العظام حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها مثل الدخان قال الله فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين قال الله إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة وقد مضى الدخان ومضت البطشة (البخاري)
8- حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثنا منصور والأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال بينما رجل يحدث في كندة فقال يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزكام ففزعنا فأتيت ابن مسعود وكان متكئا فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين وإن قريشا أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان فجاءه أبو سفيان فقال يا محمد جئت تأمرنا بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله فقرأ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين إلى قوله عائدون أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى يوم بدر و لزاما يوم بدر الم غلبت الروم إلى سيغلبون والروم قد مضى (البخاري)
9- حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال دخلنا على عبد الله بن مسعود قال يا أيها الناس من علم شيئا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين وسأحدثكم عن الدخان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا إلى الإسلام فأبطئوا عليه فقال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة فحصت كل شيء حتى أكلوا الميتة والجلود حتى جعل الرجل يرى بينه وبين السماء دخانا من الجوع قال الله عز وجل فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم قال فدعوا ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون أفيكشف العذاب يوم القيامة قال فكشف ثم عادوا في كفرهم فأخذهم الله يوم بدر قال الله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون (البخاري)
10- حدثنا يحيى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال قال عبد الله إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد فأنزل الله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم قال فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت قال لمضر إنك لجريء فاستسقى لهم فسقوا فنزلت إنكم عائدون فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية فأنزل الله عز وجل يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون قال يعني يوم بدر (البخاري)
11- حدثنا يحيى حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال دخلت على عبد الله فقال إن من العلم أن تقول لما لا تعلم الله أعلم إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن قريشا لما غلبوا النبي صلى الله عليه وسلم واستعصوا عليه قال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع قالوا ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون فقيل له إن كشفنا عنهم عادوا فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر فذلك قوله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين إلى قوله جل ذكره إنا منتقمون (البخاري)
12- حدثنا سليمان بن حرب حدثنا جرير بن حازم عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال دخلت على عبد الله ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشا كذبوه واستعصوا عليه فقال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة حصت يعني كل شيء حتى كانوا يأكلون الميتة فكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع ثم قرأ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم حتى بلغ إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون قال عبد الله أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة قال والبطشة الكبرى يوم بدر(البخاري)
13- حدثنا بشر بن خالد أخبرنا محمد حدثنا شعبة عن سليمان ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق قال قال عبد الله إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وقال قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى قريشا استعصوا عليه فقال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم السنة حتى حصت كل شيء حتى أكلوا العظام والجلود فقال أحدهم حتى أكلوا الجلود والميتة وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان فأتاه أبو سفيان فقال أي محمد إن قومك قد هلكوا فادع الله أن يكشف عنهم فدعا ثم قال تعودون بعد هذا في حديث منصور ثم قرأ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين إلى عائدون أنكشف عنهم عذاب الآخرة فقد مضى الدخان والبطشة واللزام وقال أحدهم القمر وقال الآخر والروم (البخاري)
14- حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف (البخاري)
15- حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن هلال بن أسامة أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر وابعث عليهم سنين كسني يوسف (البخاري)
16- قالا وقال أبو هريرة رضي الله عنه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد يدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم فيقول اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له (البخاري)
17- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَنُحِرَتْ جَزُورٌ بِنَاحِيَةِ مَكَّةَ فَأَرْسَلُوا فَجَاءُوا مِنْ سَلَاهَا وَطَرَحُوهُ عَلَيْهِ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَلْقَتْهُ عَنْهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ لِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ قَتْلَى قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَنَسِيتُ السَّابِعَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَقَالَ شُعْبَةُ أُمَيَّةُ أَوْ أُبَيٌّ وَالصَّحِيحُ أُمَيَّةُ (البخاري) (رجوع الى رقم 18)
ثانيا: ما جاء في صحيح مسلم:
1- حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنهما سمعا أبا هريرة يقولا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسني يوسف اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون و حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد قالا حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي إلى قوله واجعلها عليهم كسني يوسف ولم يذكر ما بعده (مسلم)
2- حدثنا محمد بن مهران الرازي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن أبا هريرة حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في صلاة شهرا إذا قال سمع الله لمن حمده يقول في قنوته اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد فقلت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم قال فقيل وما تراهم قد قدموا و حدثني زهير بن حرب حدثنا حسين بن محمد حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يصلي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد اللهم نج عياش بن أبي ربيعة ثم ذكر بمثل حديث الأوزاعي إلى قوله كسني يوسف ولم يذكر ما بعده (مسلم)
3- حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقولا والله لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو هريرة يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح ويدعو للمؤمنين ويلعن الكفار (مسلم)
4- حدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق قال كنا عند عبد الله جلوسا وهو مضطجع بيننا فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن إن قاصا عند أبواب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام فقال عبد الله وجلس وهو غضبان يا أيها الناس اتقوا الله من علم منكم شيئا فليقل بما يعلم ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا فقال اللهم سبع كسبع يوسف قال فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان فأتاه أبو سفيان فقال يا محمد إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم قال الله عز وجل فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم إلى قوله إنكم عائدون قال أفيكشف عذاب الآخرة يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون فالبطشة يوم بدر وقد مضت آية الدخان والبطشة واللزام وآية الروم (مسلم)
5- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع ح و حدثني أبو سعيد الأشج أخبرنا وكيع ح و حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير كلهم عن الأعمش ح و حدثنا يحيى بن يحيى وأبو كريب واللفظ ليحيى قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال جاء إلى عبد الله رجل فقال تركت في المسجد رجلا يفسر القرآن برأيه يفسر هذه الآية يوم تأتي السماء بدخان مبين قال يأتي الناس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام فقال عبد الله من علم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به الله أعلم إنما كان هذا أن قريشا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد وحتى أكلوا العظام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله استغفر الله لمضر فإنهم قد هلكوا فقال لمضر إنك لجريء قال فدعا الله لهم فأنزل الله عز وجل إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون قال فمطروا فلما أصابتهم الرفاهية قال عادوا إلى ما كانوا عليه قال فأنزل الله عز وجل فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون قال يعني يوم بدر(مسلم)
دراسة وتحليل:
كمدخل لمعالجة هذا المحور, سنضع نقاطا عامة للافكار الواردة في الاحاديث اعلاه :
1- الرسول يدعو ربه ان ينجي عياش بن ابي ربيعة, سلمة بن هشام, والوليد بن الوليد اضافة ثم يعمّم الرسول فيدعو لجميع المستضعفين من المؤمنين بالنجاة, وواضح انه يدعو لهم النجاة من فتنة قريش.
2- الرسول يدعو على مضر ان يصيبها سنين كسني يوسف
3- الرسول كان يدعو لغفار واسلم
4- دعاء الرسول كان اثناء الصلاة
5- الرسول كان يلعن في صلاته احياء من العرب حتى نزل قوله تعالى: {ليس لك من الامر من شيء}. ذكر في صحيح مسلم اسماء هذه الاحياء وهي: ذكوان ورعل ولحيان وعصية. وجاء في صحيح مسلم انه ترك الدعاء وعندما سأله ابو هريرة عن ذلك أجابه الرسول: و ما تراهم قد قدموا؟
6- جاء في صحيح مسلم ان الرسول دعا على الذين قتلوا اصحاب بئر معونة يدعو على ذكوان ورعل ولحيان وعصية.
7- جاء في صحيح مسلم انه نزل قرآنا في الذين قتلوا في بئر معونة ثم نسخ.
8- ابن مسعود يعلّل دعاء الرسول على قريش بسبب ابطائهم عليه في الاسلام.
9- ان قريش اصابها قحط لمدة سنة حتى اكلت العظام وكانت ترى في السماء كأنه دخان ثم كشف الله عنهم العذاب فعادوا الى كفرهم
10- في صحيح مسلم ان حديث ابن مسعود جاء تعقيبا على تفسير آية قرآنية: {يوم تأتي السماء بدخان مبين}
11- ان ابا سفيان جاء الى الرسول مستشفعا لقومه كي يدعو الرسول ربه فيكشف عنهم العذاب. وفي رواية انهم طلبوا منه الاستسقاء لمضر, فيتعجب الرسول من ذلك لسبب او لآخر!
وسنبدأ بتحليل ما تقدّم خطوة خطوة معتمدين بشكل رئيسي على ما ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم ثم نتقدم من بقية الصحاح والسنن بحسب ما تمليه وضوح الرؤية واتساع الافق:
اولا: لقد فصل البخاري في روايته بين دعاء الرسول على مضر (اي قريش) ودعائه على رعل وذكوان ولحيان وعصية, بينما نرى ان مسلم قد مزج بين الدعاءين في الحديث الاول الوارد في صحيح مسلم, وفي نفس الرواية الموجودة في صحيح مسلم نقرأ ما نصه: و حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد قالا حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي إلى قوله واجعلها عليهم كسني يوسف ولم يذكر ما بعده فيبدو ان السند الاول في هذا الحديث في صحيح مسلم قد خلط بين المسألتين, فأشار مسلم الى ان هناك سند آخر للحديث لم يضف دعاء الرسول على رعل وذكوان ولحيان وعصية على دعائه على قريش او مضر. ان الروايات التي جاء في صحيح البخاري تفصل بين الامرين وحقيقة لا يوجد سوى الحديث الرابع الوارد في البخاري اعلاه يشير ولكن دون ان يبيّن الى ان الرسول دعا على قريش ودعا على احياء من العرب مما يوحي ان هذه الاحياء قد تكون هي الاحياء الاربعة المذكورة (رعل وذكوان ولحيان وعصية) غير انه لا يوجد تصريح بذلك. ونقرأ في صحيح البخاري جميع الروايات التي أتت على ذكر هذه الاحياء الاربعة مجتمعة:
1- حدثنا حفص بن عمر الحوضي حدثنا همام عن إسحاق عن أنس رضي الله عنه قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر في سبعين فلما قدموا قال لهم خالي أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا كنتم مني قريبا فتقدم فأمنوه فبينما يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ أومئوا إلى رجل منهم فطعنه فأنفذه فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة ثم مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل قال همام فأراه آخر معه فأخبر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد لقوا ربهم فرضي عنهم وأرضاهم فكنا نقرأ أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ بعد فدعا عليهم أربعين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وبني عصية الذين عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (البخاري 2591 – كتاب الجهاد والسير – باب من ينكب في سبيل الله)
2- حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين غداة على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله قال أنس أنزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآن قرأناه ثم نسخ بعد بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه (البخاري 2603 كتاب الجهاد والسير باب فضل قوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا...)
3- حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي وسهل بن يوسف عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان فزعموا أنهم قد أسلموا واستمدوه على قومهم فأمدهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين من الأنصار قال أنس كنا نسميهم القراء يحطبون بالنهار ويصلون بالليل فانطلقوا بهم حتى بلغوا بئر معونة غدروا بهم وقتلوهم فقنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وبني لحيان قال قتادة وحدثنا أنس أنهم قرءوا بهم قرآنا ألا بلغوا عنا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم رفع ذلك بعد (البخاري 2836 كتاب الجهاد والسير باب العون بالمدد)
4- حدثني محمد بن غرير الزهري حدثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح حدثنا نافع أن عبد الله أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وعصية عصت الله ورسوله (البخاري 3251 كتاب المناقب باب ذكر اسلم وغفار ومزيدة وجهينة واشجع)
5- حدثني عبد الأعلى بن حماد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقنت شهرا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان قال أنس فقرأنا فيهم قرآنا ثم إن ذلك رفع بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا وعن قتادة عن أنس بن مالك حدثه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرا في صلاة الصبح يدعو على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان زاد خليفة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة حدثنا أنس أن أولئك السبعين من الأنصار قتلوا ببئر معونة قرآنا كتابا نحوه (البخاري 3781 كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة ...)
6- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال حدثني أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله أخ لأم سليم في سبعين راكبا وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل خير بين ثلاث خصال فقال يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر أو أكون خليفتك أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف فطعن عامر في بيت أم فلان فقال غدة كغدة البكر في بيت امرأة من آل فلان ائتوني بفرسي فمات على ظهر فرسه فانطلق حرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج ورجل من بني فلان قال كونا قريبا حتى آتيهم فإن آمنوني كنتم وإن قتلوني أتيتم أصحابكم فقال أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدثهم وأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه قال همام أحسبه حتى أنفذه بالرمح قال الله أكبر فزت ورب الكعبة فلحق الرجل فقتلوا كلهم غير الأعرج كان في رأس جبل فأنزل الله علينا ثم كان من المنسوخ إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ثلاثين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (البخاري 3782 – كتاب المغازي – باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة....)
7- حدثنا محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس رضي الله عنه قال قنت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا يدعو على رعل وذكوان ويقول عصية عصت الله ورسوله (البخاري 3785 كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة ...)
8- حدثنا يحيى بن بكير حدثنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا يعني أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحا حين يدعو على رعل ولحيان وعصية عصت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال أنس فأنزل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في الذين قتلوا أصحاب بئر معونة قرآنا قرأناه حتى نسخ بعد بلغوا قومنا فقد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه (البخاري 3786 كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة...)
9- حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأحوص عن عاصم عن أنس رضي الله عنه بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية يقال لهم القراء فأصيبوا فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وجد على شيء ما وجد عليهم فقنت شهرا في صلاة الفجر ويقول إن عصية عصوا الله ورسوله (البخاري 5915 كتاب الدعوات باب الدعاء على المشركين)
نخلص من هذه النقطة الاولى الى ان دعاء الرسول على قريش او مضر كان مختلفا وله مناسبة اخرى غير دعائه على ذكوان ورعل ولحيان وعصية... وسنركّر في هذا المحور على دعاء الرسول على قريش وسيكون لدعائه على الاحياء الاربعة محور لاحق. انّ التأكيد على الفصل هنا هو فقط من باب توضيح الامور لكي يسهل دراستها والوقوف عليها.
ثانيا: ان بنى بعض الاحاديث الواردة اعلاه بحاجة الى امعان النظر حيث انها تحوي حقيقة على شقّين: احدهما متعلّق بوجهة نظر الراوي والاخر متعلق بالنص المنقول حرفيا عن الرسول عليه السلام. فلو اخذنا مثلا الاحاديث: (البخاري 2- 7- 8- 9- 10- 11 – 12 -13) و(مسلم 4- 5) نجد ان راوي الحديث يدخل وجهة نظره من حيث الاسباب التي حدت بالرسول صلى الله عليه وسلم الى الدعاء على قريش وحقيقة ان الراوي هو عبد الله بن مسعود كما نقلوا وهو يرد سبب الدعاء الى ان قريش ابطؤوا على الرسول صلى الله عليه وسلم. وان مناقشة هذه النقطة بالذات لا تعد مناقشة للفظ النبوي وانما هي مناقشة للراوي ووجهة نظره. وهنا نسأل: هل حقا استبطأ الرسول عليه الصلاة والسلام اسلام قريش فدعا عليهم؟ وهل يتوافق هذا مع سنته صلى الله عليه وسلم؟ نكتفي هنا بذكر الحديث التالي الذي ورد في صحيح البخاري: عن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا قال كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون" (البخاري 3343 كتاب المناقب باب علامات النبوة في الاسلام) يضاف الى هذا الحديث عشرات الاحاديث التي توصي بالصبر, ويضاف الى ذلك الكثير من الايات التي تدعو الرسول صلى الله عليه وسلم الى الصبر, ومنها الايات التي تذكر صبر الانبياء على اقوامهم: فنوح لبث في قومه الفا الا خمسين عاما فلا ييأس حتى يوحي اليه الله انه لن يؤمن الا من كان قد آمن, ويونس عليه السلام يذهب مغاضبا بعد ان يعيل صبره من قومه فينبّه القرآن الكريم الرسول صلى الله عليه وسلم ان يحذو حذو يونس في هذا الامر فيقول القرآن الكريم :{ فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت اذ نادى وهو مكظوم (48) لولا ان تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم (49) فاجتباه ربه فجعله من الصالحين (50)} (سورة القلم) يضاف الى ذلك ايضا قوله تعالى: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}
ومما يتعلق ايضا بالراوي تعلقا مباشرا قوله: " ثم عادوا إلى كفرهم", " قال فكشف ثم عادوا في كفرهم", "فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية", " فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر", " قال فمطروا فلما أصابتهم الرفاهية قال عادوا إلى ما كانوا عليه". ان هذه الاضافات من قبل الراوي توحي بأن قريش آمنت ثم كفرت غير ان هذا الاحتمال مستبعد جدا فلو كان حصل ذلك لاشتهر في كتب الحديث والسير والتاريخ؛ ثم ان الالفاظ المنقولة قد تحمل على وجه اكثر منطقية اذا رأينا الامور من وجهة نظر اخرى غير تلك التي نظر فيها الراوي الى الرواية. ونشير هنا الى ان الراوي هنا لا يقصد به عبد الله بن مسعود فحسب بل جميع رجال سلسلة السند حيث قد يعدّل فيها كل راوي من السند بحسب ما يرى ملائما من المعنى الذي فهمه لذا نرى ان هناك اكثر من صيغة وردت عن ابن مسعود في صحيح البخاري ومسلم.
ويبقى هناك جزء ثالث في الرواية والذي يعود للراوي ايضا وهو ما جاء في الحديث من ذكر للعذاب والقحط الذي اصاب قريش: " فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام", " فأصابتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا العظام حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها مثل الدخان", " فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان", " فأخذتهم سنة فحصت كل شيء حتى أكلوا الميتة والجلود حتى جعل الرجل يرى بينه وبين السماء دخانا من الجوع", "فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد", " فأخذتهم سنة أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع", " فأصابتهم سنة حصت يعني كل شيء حتى كانوا يأكلون الميتة فكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع", " فأخذتهم السنة حتى حصت كل شيء حتى أكلوا العظام والجلود فقال أحدهم حتى أكلوا الجلود والميتة وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان", " فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان".
ففي هذا الجزء وصف لما اصاب قريش بجريرة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش بسنين كسني يوسف عليه السلام.
ثالثا: بالانتقال الى ما نقل رواية عن الراوي وليس عن الرسول فان الراوي يخبر – كما جاء في النقطة الثانية – ان قريش اصابها قحط شديد لمدة سنة الامر الذي حدا بهم الى اكل العظام واكل الجلود. ان هذا الكلام ايضا بحاجة الى امعان نظر. فنسأل اولا: من اين كانت مكة تحصل على كفايتها الزراعية؟ هل كانت مكة ارضا زراعيا بحيث لو تعطّل المطر يكون مصيرهم ان تهلك مزروعاتهم؟
حقيقة ان هذه الرواية التي نقلت عن ابن مسعود لا تتوافق مع طبيعة ارض مكة التي لم تكن ارضا زراعية, قال تعالى: {بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم}, يضاف الى ذلك ان الله سبحانه وتعالى اخبر عن عصب حياة قريش ومقوّماتها الاقتصادية فقال: {لايلاف قريش (1) ايلافهم رحلة الشتاء والصيف(2)} لقد كانت قريش تعتمد على رحلاتها كمورد اقتصادي كما انها كانت تعتمد على الاراضي الزراعية التي حولها في الحصول على قوتها كأرض اليمامة وغيرها. (نصوص عن زراعة العرب)
رابعا: قال تعالى: {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (32) سورة الأنفال جاء في تفسير الطبري والقرطبي ان الله عذّبهم يوم بدر بأيدي المسلمين
خامسا: قال تعالى: {وما كان الله ليعذّبهم وانت فيهم} وقد ذكرت بعض الاحاديث ان القحط اصاب قريش والرسول كان بين اظهرهم, فكيف يستقيم ذلك؟ جاء في تفسير الامام الطبري: عن عكرمة والحسن البصري, قالا: قال في الانفال: {وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فنسختها الاية التي تليها: {وما لهم الا يعذبهم الله} الى قوله: {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} فقوتلوا بمكة, واصابهم فيها الجوع والحصر. وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال: تأويله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم يا محمد وبين أظهرهم مقيم، حتى أخرجك من بين أظهرهم؛ لأني لا أهلك قرية وفيها نبيها. وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون من ذنوبهم وكفرهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك، بل هم مصرون عليه، فهم للعذاب مستحقون، كما يقال: ما كنت لأحسن إليك وأنت تسيء إلي، يراد بذلك: لا أحسن إليك إذا أسأت إلي ولو أسأت إلي لم أحسن إليك، ولكن أحسن إليك لأنك لا تسيء إلي؛ وكذلك ذلك. ثم قيل: {ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} بمعنى: وما شأنهم وما يمنعهم أن يعذبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فيؤمنوا به، وهم يصدون المؤمنين بالله ورسوله عن المسجد الحرام.
وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن القوم - أعني مشركي مكة - كانوا استعجلوا العذاب، فقالوا: اللهم إن كان ما جاء به محمد هو الحق، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم! فقال الله لنبيه: ما كنت لأعذبهم وأنت فيهم وما كنت لأعذبهم لو استغفروا، وكيف لا أعذبهم بعد إخراجك منهم وهم يصدون عن المسجد الحرام! فأعلمه جل ثناؤه أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل، وأعلمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد إخراجه إياه من بين أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذاب في الآخرة، وهم مستعجلوه في العاجل، ولا شك أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون، بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر الدليل الواضح على أن القول في ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول من وجه قوله: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} إلى أنه عنى به المؤمنين، وهو في سياق الخبر عنهم وعما الله فاعل بهم، ولا دليل على أن الخبر عنهم قد تقضى، وعلى أن ذلك به عنوا، ولا خلاف في تأويله من أهله موجود. وكذلك أيضا لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ بقوله: {وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام}... الآية، لأن قوله جل ثناؤه: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} خبر، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ، وإنما يكون النسخ للأمر والنهي. أ.هـ.
جاء في صحيح البخاري: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أبو جهل اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزلت وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام الآية (البخاري 4281 كتاب تفسير القرآن باب قوله واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك...)
سادسا: لنقم بعملية استعراض جديدة للأحاديث الواردة نأخذ فيها الاحداث الرئيسية دون وجه الترتيب والسببية التي ذكرها الرواة, اي ان نفكّك بنيتها ثم نعيد صياغتها من جديد لنكوّن صورة. فواضح ان الاحاديث بما هي عليه كما رويت لا تساعد في رسم صورة واضحة.
هناك ثلاث محاور رئيسية في هذه الاحاديث:
1- ان الرسول دعا على اهل مكة.
2- ان قريش اصابها الجوع.
3- ان قريش طلبت من الرسول ان يعينها في تجاوز محنتها.
اعتقد ان الدخيل في هذا الموضوع برمته هو دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم حيث رتبّت الاحداث بناء على دعائه فكان ما اصاب قريش هو بسبب دعائه كما ان قريش ونتيجة لدعائه جاءت تطلب من الرسول ان يدعو الله ليكشف عنها ما اصابها من الجوع.
اذا استعرضنا اولا نكبات الجوع التي اصابت قريش, نجد ان قريش – كما جاء في كتب السير والحديث – قد اجمعت بشكل تقريبي على حادثتين:
الاولى: المجاعة التي اصابت قريش عقب اسلام ثمامة بن اثال سيد بني حنيفة والذي هدّد قريش بأن لا ينالها حبة من قمح حتى يأذن به الرسول صلى الله عليه وسلم, ونفّذ ثمامة تهديده, فجاءت قريش الرسول تسأله صلة الرحم: جاء في صحيح مسلم:
عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي يا محمد خير إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة قال ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل أصبوت فقال لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسلم)
ونقرأ في السيرة الحلبية ما نصّه: فلما قدم بطن مكة لبى فكان أول من دخل مكة ملبيا فأخذته قريش فقالوا لقد اجترأت علينا أنت صبوت يا ثمامة قال أسلمت وتبعت خير دين محمد والله لا يصل اليكم حبة من حنطة أي من اليمامة من أرض اليمن وكانت ريفا لأهل مكة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموه ليضربوا عنقه فقال قائل منهم دعوه فإنكم تحتاجون الى اليمامة فخلوا سبيله فخرج ثمامة الى اليمامة فمنعهم أن يحملوا الى مكة شيئا حتى أضربهم الجوع وأكلت قريش العلهز وهو الدم يخلط بأوبار الإبل فيشوى على النار كما تقدم فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قطعت أرحامنا فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة رضي الله تعالى عنه أن يخلي بينهم وبين الجمل وفي لفظ خل بين قومي وبين ميرتهم ففعل فأنزل الله تعالى ولقد أخذناهم بالعذاب الآية هذا والذي في الاستيعاب أن ثمامة لما دخل مكة وقد سمع المشركون خبره فقالوا يا ثمامة صبوت وتركت دين أبائك قال لا أدري ما تقولون إلا أني أقسمت برب هذه البنية يعني الكعبة لا يصل إليكم من اليمامة شيء مما تنتفعون به حتى تتبعوا محمدا من آخركم وكانت ميرة قريش ومنافعهم من اليمامة ثم خرج رضي الله تعالى عنه فمنع عنهم ما كان يأتي منها فلما أضرّ بهم ذلك كتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عهدنا بك وأنت تأمر بصلة الرحم وتحث عليها وإن ثمامة قد قطع عنا ميرتنا وأضر بنا فإن رأيت أن تكتب اليه أن يخلي بيننا وبين ميترنا فافعل فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خل بين قومي وبين ميرتهم (السيرة الحلبية 3/172-173)
وجاء في زاد المعاد: فلما قدم على قريش قالوا صبرت يا ثمامة قال لا والله ولكني أسلمت مع محمد ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله وكانت اليمامة ريف مكة فانصرف إلى بلاده ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش فكتبوا إلى رسول الله يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلى إليهم حمل الطعام ففعل رسول الله (زاد المعاد 3/277)
وجاء في السيرة النبوية لابن هشام: ثم خرج معتمرا فلما قدم مكة قالوا أصبوت يا ثمام فقال لا ولكنى اتبعت خير الدين دين محمد ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج الى اليمامة فمنعهم ان يحملوا الى مكة شيئا فكتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قد قطعت أرحامنا وقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل (السيرة النبوية ج6/ص52)
وجاء في صحيح البخاري: فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال لا ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم
والثانية: هو ما حدث لقريش بعد توقيع صلح الحديبية حيث ان قريش عانت الجوع بسبب الغارات التي كان يشنّها ابو بصير ومن هرب معه من مكة على قوافل قريش.
جاء في صحيح البخاري: لمقتول فجاء أبو بصير فقال يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم قال النبي صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده بالله والرحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم (البخاري 2529)
وجاء في تاريخ الطبري: فقال رسول الله يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصلح لنا في ديننا الغدر وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا قال فانطلق معهما حتى إذا كان بذي الحليفة جلس إلى جدار وجلس معه صاحباه فقال أبو بصير أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر قال نعم قال انظر إليه قال إن شئت فاستله أبو بصير ثم علاه به حتى قتله وخرج المولى سريعا حتى أتى رسول الله وهو جالس في المسجد فلما رآه رسول الله طالعا قال إن هذا رجل قد رأى فزعا فلما انتهى إلى رسول الله قال ويلك مالك قال قتل صاحبكم صاحبي فوالله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحا السيف حتى وقف على رسول الله فقال يا رسول الله وفت ذمتك وأدي عنك أسلمتني ورددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم فقال النبي ويل أمه مسعر حرب وقال ابن إسحاق في حديثه محش حرب لو كان معه رجال فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم قال فخرج أبو بصير حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش الذي كانوا يأخذون إلى الشام وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله لأبي بصير ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص وينفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلا منهم فكانوا قد ضيقوا على قريش فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلىالشأم إلا اعترضوا لهم فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلىالنبي ينشادونه بالله وبالرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن فآواهم رسول الله فقدموا عليه المدينة (الطبري ج2 ص 125)
اذا استقرأنا هاتين الحادثتين – اسلام ثمامة بن أثال وعصابة ابي بصير – وقارناهما مع الاحاديث التي وردت ان الرسول دعا على قريش بسنين كسني يوسف, لوجدنا ان الظن يتجه الى ان هناك لبس حدث من الرواة حيث جعلوا دعاء الرسول على اهل مكة مرتبطا بما حصل لقريش في هاتين الحادثتين, ونستطيع ان نؤكد ذلك بما يلي:
1- ان أبا سفيان وكبار زعماء قريش قد عادوا الرسول عداء مرة, وورد في السير ان قريش فرضت مقاطعة اقتصادية على المسلمين الاوائل قبل الهجرة, فبأي شيء نستطيع ان نبرّر لأبي سفيان طلبه من الرسول بأن يدعو لمضر – اي قريش – كما ورد في الاحاديث؟ اما اذا وضعنا هذا الطلب – اي طلب ابي سفيان من الرسول – بعد صلح الحديبية ونتيجة لما فعله ابو بصير من اعتراضه لقوافل قريش, لوجدنا ان الطلب مقبول جدا ومنطقي جدا حيث ان ما يربحه الرسول بالمقابل هو تنازل قريش عن شرط من شروط الحديبية لصالح المسلمين.
2- ان الرسول صلى الله عليه وسلم – وكما ورد في الاحاديث – استبطأ اسلام قريش فدعا عليهم فأصيبوا بالقحط فجاءه ابو سفيان يطلب منه كشف العذاب. والسؤال هنا: اذا كان الرسول قد استبطأ اسلام قريش فدعا عليهم, فلم لم يشترط على ابي سفيان الاسلام كشرط لكشف العذاب الالهي؟
3- متى سأل ابو سفيان الرسول ان يكشف عنهم العذاب؟ بالطبع لا يمكن القول بأن ابا سفيان جاء الى المدينة وان ذلك حصل بعد الهجرة لأن كتب التاريخ والسير والاحاديث تجمع ان ابا سفيان لم يقدم المدينة الا غازيا. فلا يمكن حمل ذلك اذا الا على ما كان قبل الهجرة. وهنا نسأل: اذا كان الرسول قد دعا على قريش قبل الهجرة فان ذلك يعني ان الجوع قد اصاب المسلمين كما اصاب غيرهم من كفار مكة! وهل يجوز ان يدعو الرسول بدعاء يكون فيه هلاك من آمن معه؟ ثم الا يكفي المؤمنين ما اصابهم من جوع على ايدي كفار قريش والذي تقول فيه الروايات انه بقي ثلاث سنوات حتى يزيده الرسول سنة اخرى على يدي السماء؟
وقد ذكر ابن حجر العسقلاني في فتح الباري مشكل قدوم ابي سفيان الى الرسول وسؤاله ان يدعو الله ليستسقي لهم: "قوله : ( فجاءه أبو سفيان ) يعني الأموي والد معاوية , والظاهر أن مجيئه كان قبل الهجرة لقول ابن مسعود " ثم عادوا , فذلك قوله : ( يوم نبطش البطشة الكبرى ) يوم بدر " ولم ينقل أن أبا سفيان قدم المدينة قبل بدر , وعلى هذا فيحتمل أن يكون أبو طالب كان حاضرا ذلك فلذلك قال " وأبيض يستسقى الغمام بوجهه " البيت , لكن سيأتي بعد هذا بقليل ما يدل على أن القصة المذكورة وقعت بالمدينة , فإن لم يحمل على التعدد وإلا فهو مشكل جدا والله المستعان ." (فتح الباري) وهكذا يقرّ ابن حجر العسقلاني بأن مجيء ابي سفيان الى الرسول عليه الصلاة والسلام هو مشكل جدا الاّ اذا حمل على التعدّد ومعنى ذلك ان يكون اصاب قريش قحط مرتين: مرة والرسول في مكة وأخرى والرسول في المدينة، وان ابا سفيان قد جاء الى الرسول وهو في مكة ولم يأت اليه وهو في المدينة. والحقيقة ان التعدّد هو مخرج لجأ اليه المحدّثين كي يقوموا بالتوفيق بين الاحاديث, غير ان هذه الطريقة في التوفيق ....
4- ان القضية – وكما اسلفنا - لم تتعلق بأي شكل من الاشكال بانقطاع المطر لسببين: الاول, ان قريش لم تكن ارض زرع وهذا لا يتناسب مع ما ذهبت اليه الروايات ان قريش اصابها قحط, وثانيا, لم يرد في السير وكتب التاريخ ان زمزم قد جفّت خلال الفترة التي عاشها الرسول عليه الصلاة والسلام في مكة والمدينة. ان ما اصاب قريش من جوع يتناسب اكثر مع ما ذكر من الاغارة على قوافل قريش التي كانت هي مصدر معيشة قريش (رحلة الشتاء والصيف) مما يتناسب بالتالي مع قصة ثمامة بن أثال او قصة ابي بصير التي اسلفنا ذكرهما.
اذا اردنا ان نلخص الامر اذا نقول:
ان ما تعرضت له قريش من مجاعة كان بسبب الضرر الذي لحق بتجاراتها وقوافلها التي كانت تنقل له الغذاء, وقد قام بعض الرواة بجعل ما حدث نتيجة لدعوة الرسول على قريش, وحقيقة الامر ان ابن مسعود في الروايات كان في مقام المفسّر بالدرجة الاولى لذا كان يلجأ الى تبريرات منطقية اثناء حديثه... ثم اننا نلاحظ ملاحظة مهمة في هذا الحديث، فاننا اذا اعتبرنا ان هذا الامر قد حدث في مكة كما يوحي بذلك الحديث فمعنى ذلك ان الضرر قد اصاب الكفار والمسلمين على حد سواء مما يعني ان ابا سفيان بدا كانسان مسالم جدا حريص على الضرر الذي اصاب قريش بمن فيهم المسلمين, كما ان الرسول بدى بمظهر المغلوب على الصعيد الحواري: جاء في ( صحيح مسلم - الحديث الرابع )"فأتاه أبو سفيان فقال يا محمد إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم" ان ابا سفيان يذكر الرسول بطاعة الله وكأن ما حدث لا يتناسب مع طاعة الله, والحديث لا يذكر ردّ الرسول الا بأنه دعا الله اي كأن الرسول قد أقرّ بالذنب الذي قام به. نعود فنقول بأن السياق يقبل اكثر اذا وضع في سياق ما ورد في قصة ثمامة بن أثال او قصة ابي بصير.
ولنزيد الامر وضوحا وتأكيدا نقول:
ان الرسول دعا في الاحاديث لبعض المسلمين الذين حبستهم – كما تقول الروايات – قريش في مكة ومنعتهم من أن يأتوا. وقرن الرواة هذا الدعاء بدعائه على قريش بالقحط, وفي احد الروايات : " قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد فقلت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم قال فقيل وما تراهم قد قدموا" (صحيح مسلم – الحديث الثاني) وهنا يسأل ابو هريرة عن سبب ترك الرسول الدعاء لهؤلاء المسلمين فيجاب: وما تراهم قد قدموا.
لكي تصبح هذه الصورة اكثر وضوحا نضيف ما حدث مع ابي بصير والنتائج التي ترتبت على ثورة ابي بصير من تنازل قريش عن احد شروطها المتعلق بمن يقدم من مكة مؤمنا فللرسول ان يحتفظ به وليس لقريش ان تردّه, اننا اذا اضفنا ذلك تصبح الصورة على الشكل التالي:
الرسول يدعو للمستضعفين من المؤمنين في مكة بعد ان عقد الصلح وبعد ان ردّ ابا جندل مع ابيه الى مكة وبعد ان ردّ ابا بصير ايضا... كل ذلك حدا بالرسول الى الدعاء للمستضعفين... بعد ذلك يقوم ابو بصير بثورته المشهورة والاغارة على قوافل قريش الغذائية والتجارية فيصيب قريش ضررا فادحا, غير ان قريش تصبر في بداية الامر اكراما لكبريائها حتى يصيبها من الجوع اشدّه, وتزداد قوة ابي بصير حتى يبلغ ما يقارب سبعين رجلا, عندها تبعث قريش الى الرسول راجية منه ان يقبل هو بأن تتنازل قريش عن احد شروط صلح الحديبية الذي يتعلق بمن يقدم من مكة الى المدينة مؤمنا فان قريش تعاهد الا تطالب به على ان يكفّ الرسول بأس ابي بصير وعصابته عن قوافل قريش. ويحتمل في مثل هذه الحالة ان يكون الذين كان الرسول يدعو لهم قد قدموا المدينة مع قوات ابي بصير او لاحقا. وبذلك يتضح قول الرسول: وما تراهم قد قدموا؟
ان عدم فهم الامر على هذا المنوال أدى بالبعض الى اقوال منكرة ..
لنقرأ ما ورد في كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر وابعث عليهم سنين كسني يوسف فتتابعت عليهم الجدوبة والقحط سبع سنين حتى أكلوا القد والعظام والعلهز فنال ذلك الجدب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبدعائه عوقبوا حتى شد وشد المسلمون على بطونهم الحجارة من الجوع قال أبو محمد وقد رأينا بعيوننا ما أغنى عن الأخبار فكم من بلد فيه الصالحون والأبرار والأطفال والصغار أصابته الرجفة فهلك به البر والفاجر والمسيء والمحسن والطفل والكبير ص250 – 251 وفاة المؤلف: 213 – 276
ان قراءة الاحاديث على النحو الذي قرأها ابن قتيبة ادّت الى تبرئة ساحة قريش من الحصار الغذائي الذي فرضته على مسلمي مكة في الشعب, وجعلت المسؤول عمّا اصاب المسلمين من المجاعة هو الرسول الذي دعا على قريش فأصاب المسلمين من الجوع ما اصابهم بجريرة دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام..
هذا الموضوع قد يفهم بصورة اوضح اذا تذكرنا ما تعنيه قريش قبل الاسلام وبعد الاسلام .. غير اني لا احبذ الخوض في هذا الموضوع على هذا الصعيد ...
ولننتقل الان الى سؤال مهم قد يطرح:
كيف غفل الرواة عن ان مكة لم تكن بأرض زرع؟
المثير حقا, هو ان هذا الامر قد غفل ايضا عنه شرّاح الحديث وتجاوزوه ولم يقفوا عنده فقد ورد في فتح الباري: قوله : ( فقيل : يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت ) إنما قال " لمضر " لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز , وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم فحسن أن يطلب الدعاء لهم أ.هـ.
وقد طلبنا الجواب عن هذا التساؤل فوجدناه في كتاب "اخبار مكة" حيث نقرأ: " ذكر ما أجري من العيون بمكة وحولها في الحرم سمعت بعض أشياخنا يذكر أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان أجرى بمكة عيونا واتخذ لها أخيافا وكانت فيها النخيل والزروع فمنها حائط عوف وموضعه من زقاق خشبة دار مبارك التركي ودار جعفر ودار مال الله وموضع الماجلين ماجل أمير المؤمنين هارون اللاحق بالحجون فهذا موضع حائط عوف إلى الجبل ويقال لهذا الموضع حوض الحمر وعوف كان قيما لمعاوية رضي الله عنه على ذلك الحائط فنسب إليه وكانت لهذا الحائط عين تسقيه وكان فيه النخيل وكان له مشرعة يردها الناس 2452 فحدثني أبو جبير محمد بن جبير النوفلي قال ثنا أبو أمية بن أبي الدهم النحوي المكي عن أبيه قال كانت لي سقيفة في السد الذي يطل على المجزرة اليوم في حائط عوف وحائط عوف فيه النخيل لا يتخلص طائره فسمعت خارفا في نخلة يخرفها ويتغنى قل لأسماء أنجزي الميعادا وانظري أن تزودي منك زادا وإذا ما حللت أرضا من الشام وجاورت حميراومرادا وإذا ما سمعت من نحو أرضي بمحب قد مات أو قيل كادا فارتجي أن أكون منك قريبا وسلي الصادرين والورادا ومنها حائط يقال له الصفي موضعه بين دار زينب بنت سليمان التي صارت لعمرو بن مسعدة والدار التي فوقها إلى دار العباس بن محمد التي بأصل نزاعة الشوي وكان له عين وكان فيه النخل وكان له مشرعة يردها الناس وفيه يقول الشاعر سكنوا الجزع جزع بيت أبي موسى الى النخل من صفي السباب ومنها حائط مقيصرة وكان موضعه نحو بركتي سليمان بن جعفر إلى نحو قصر أمير المؤمنين المنصور أبي جعفر يقال موضعه موضع دار لبابة بنت علي ومحمد بن سليمان بن علي إلى القرن الذي عليه بيوت المطبقي وكانت له عين ومشرعة وكان فيه النخل ومقيصرة قيم كان لمعاوية رضي الله عنه فنسب إليه ويقال عن العتبي قال دخل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه حائطا له بمكة ومعه إبن صفوان فقال كيف ترى هذا الحائط قال أراه على غير ما وصف الله تعالى به البلد فقال قال الله عز وجل بواد غير ذي زرع وأراك قد جعلت زرعا قال معاوية رضي الله عنه متى تعلمت هذه الآية فقال أما أنا فقد أوجعتك فقل ما شئت (أخبار مكة ج: 4 ص: 121 - 122)
ان هذه الروايات تفيد ان هناك تغيّرا حدث في مكة على الصعيد الزراعي, سواء كان على يد معاوية او غيره, ولمّا كان الحديث ينقل بالمعنى فان الرواة قد يكون التبس عليهم الامر حيث انهم كانوا يرون ما في مكة من النخيل والبساتين حين روايتهم للحديث الامر الذي حدا بهم الى القول بأن هناك قحطا حدث في مكة من جراء دعاء الرسول, فان اضافة لفظ القحط كان على سبيل نقل الحديث بالمعنى وقد نقل هذا المعنى بحسب ما كان يرى الراوي من واقع الزراعة في مكة.
وقد آنسني حين انتهيت من هذا البحث ما قرأته في كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ج: 21 ص: 151-154
- وقد ثبت في الصحيحين ايضا عن أبي هريرة أن النبي قنت بعد الركوع في صلاة الصبح شهرا إذا قال سمع الله لمن حمده يقولون في قنوته اللهم نج الوليد بن الوليد اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله قد ترك الدعاء لهم بعد فقلت أرى رسول الله قد ترك الدعاء لهم قال فقيل أو ما تراهم قد قدموا وهذا الحديث فيه أنواع من الفقه فان أبا هريرة لم يصل خلف النبي الا بعد خيبر وخيبر بعد الحديبية وكانت الهدنة التي بينه وبين المشركين في الحديبية على أن لا يدع أحدا منهم يهاجر إليه ولا يرد إليه من ذهب مرتدا منه إليهم فهؤلاء وأمثالهم كانوا من المستضعفين بمكة الذين قهرهم أهلوهم والمسلمون كلهم من بني مخزوم وهم بنو عبد مناف أشرف قبائل قريش وبنو مخزوم كانوا هم الذين ينادون عبد مناف والمحاسدة التي بينهم هي احدى ما منعت أشرافهم كالوليد وأبي جهل وغيرهما من الاسلام فلما قدم بعد الحديبية من قدم من المهاجرين ولحقوا بسيف البحر على الساحل كابي بصير وابي جندل بن سهيل بن عمرو فان النبي لم يجرهم بالشرط فصاروا بأيدي أنفسهم بالساحل يقطعون على اهل مكة حتى أرسل اهل مكة حينئذ الى النبي يسألونه أن يأذن لهم في المقام عنده ليأمنوا قطعهم فقدموا حينئذ أولئك المستضعفون فترك النبي القنوت وهذا القنوت بعد القنوت الذي رواه أنس أن النبي قنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وعصية ثم تركه فان ذلك القنوت كان في أوائل الأمر لما ارسل القراء السبعين أصحاب بئر معونة وذلك متقدم قبل الخندق التي هي قبل الحديبية كما ثبت ذلك في الصحيح فتبين ان تركه للقنوت لم يكن ترك نسخ إذ قد ثبت أنه قنت بعد ذلك وإنما قنت لسبب فلما زال السبب ترك القنوت كما بين في هذا الحديث أنه ترك الدعاء لهم لما قدموا وليس ايضا قوله في حديث أنس المتفق عليه أن رسول الله قنت شهرا بعد الركوع يدعو على احياء من أحياء العرب ثم تركه أنه ترك الدعاء فقط كما يظنه من ظن أن النبي كان مداوما على القنوت في الفجر بعد الركوع أو قبلة بل ثبت في أحاديث يروي التي في الصحيحين أنه لم يقنت بعد الركوع إلا شهرا وغير ذلك مما يبين ان المتروك كان القنوت وقد بسطنا هذا هذا الموضع وبينا ان من تأمل الأحاديث علم علما يقينا ان النبي لم يداوم على القنوت في شيء من الصلوات لا الفجر ولا غيرها ولهذا لم ينقل هذا أحد من الصحابة بل انكروه ولم ينقل احد عن النبي حرفا واحدا مما يظن انه كان يدعو به في القنوت الراتب وانما المنقول عنه ما يدعو به في العارض كالدعاء لقوم وعلى قوم فاما ما يدعو به من يستحب المداومة على قنوت الفجر من قول اللهم اهدنا فيمن هديت فهذا انما في السنن انه علمه للحسن يدعو به في قنوت الوتر
نتناول في هذا المحور الاحاديث التي تتمحور حول دعاء الرسول على قريش بقوله: "اللهم أعني عليهم بسنين كسني يوسف...."
نبدأ المحور باستعراض الاحاديث الواردة في صحيح البخاري ثم في صحيح مسلم ثم نعقب ذلك بتعليق وتحليل:
اولا: ما جاء في صحيح البخاري:
1- حدثنا قتيبة حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله قال ابن أبي الزناد عن أبيه هذا كله في الصبح (البخاري)
2- حدثنا محمد بن كثير عن سفيان حدثنا منصور والأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال أتيت ابن مسعود فقال إن قريشا أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام فجاءه أبو سفيان فقال يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وإن قومك هلكوا فادع الله فقرأ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون يوم بدر قال أبو عبد الله وزاد أسباط عن منصور فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقوا الغيث فأطبقت عليهم سبعا وشكا الناس كثرة المطر قال اللهم حوالينا ولا علينا فانحدرت السحابة عن رأسه فسقوا الناس حولهم (البخاري)
3- حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن ابن ذكوان عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في القنوت اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم سنين كسني يوسف (البخاري)
4- حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف (البخاري)
5- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف يجهر بذلك وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب حتى أنزل الله ليس لك من الأمر شيء الآية (البخاري)
6- حدثنا أبو نعيم حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج الوليد بن الوليد اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف (البخاري)
7- حدثنا الحميدي حدثنا سفيان عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه أن قريشا لما أبطئوا على النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام قال اللهم اكفنيهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا العظام حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها مثل الدخان قال الله فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين قال الله إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة وقد مضى الدخان ومضت البطشة (البخاري)
8- حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثنا منصور والأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال بينما رجل يحدث في كندة فقال يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزكام ففزعنا فأتيت ابن مسعود وكان متكئا فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين وإن قريشا أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان فجاءه أبو سفيان فقال يا محمد جئت تأمرنا بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله فقرأ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين إلى قوله عائدون أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى يوم بدر و لزاما يوم بدر الم غلبت الروم إلى سيغلبون والروم قد مضى (البخاري)
9- حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال دخلنا على عبد الله بن مسعود قال يا أيها الناس من علم شيئا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين وسأحدثكم عن الدخان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا إلى الإسلام فأبطئوا عليه فقال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة فحصت كل شيء حتى أكلوا الميتة والجلود حتى جعل الرجل يرى بينه وبين السماء دخانا من الجوع قال الله عز وجل فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم قال فدعوا ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون أفيكشف العذاب يوم القيامة قال فكشف ثم عادوا في كفرهم فأخذهم الله يوم بدر قال الله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون (البخاري)
10- حدثنا يحيى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال قال عبد الله إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد فأنزل الله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم قال فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت قال لمضر إنك لجريء فاستسقى لهم فسقوا فنزلت إنكم عائدون فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية فأنزل الله عز وجل يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون قال يعني يوم بدر (البخاري)
11- حدثنا يحيى حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال دخلت على عبد الله فقال إن من العلم أن تقول لما لا تعلم الله أعلم إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن قريشا لما غلبوا النبي صلى الله عليه وسلم واستعصوا عليه قال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع قالوا ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون فقيل له إن كشفنا عنهم عادوا فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر فذلك قوله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين إلى قوله جل ذكره إنا منتقمون (البخاري)
12- حدثنا سليمان بن حرب حدثنا جرير بن حازم عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال دخلت على عبد الله ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشا كذبوه واستعصوا عليه فقال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة حصت يعني كل شيء حتى كانوا يأكلون الميتة فكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع ثم قرأ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم حتى بلغ إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون قال عبد الله أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة قال والبطشة الكبرى يوم بدر(البخاري)
13- حدثنا بشر بن خالد أخبرنا محمد حدثنا شعبة عن سليمان ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق قال قال عبد الله إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وقال قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى قريشا استعصوا عليه فقال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم السنة حتى حصت كل شيء حتى أكلوا العظام والجلود فقال أحدهم حتى أكلوا الجلود والميتة وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان فأتاه أبو سفيان فقال أي محمد إن قومك قد هلكوا فادع الله أن يكشف عنهم فدعا ثم قال تعودون بعد هذا في حديث منصور ثم قرأ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين إلى عائدون أنكشف عنهم عذاب الآخرة فقد مضى الدخان والبطشة واللزام وقال أحدهم القمر وقال الآخر والروم (البخاري)
14- حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف (البخاري)
15- حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن هلال بن أسامة أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر وابعث عليهم سنين كسني يوسف (البخاري)
16- قالا وقال أبو هريرة رضي الله عنه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد يدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم فيقول اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له (البخاري)
17- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَنُحِرَتْ جَزُورٌ بِنَاحِيَةِ مَكَّةَ فَأَرْسَلُوا فَجَاءُوا مِنْ سَلَاهَا وَطَرَحُوهُ عَلَيْهِ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَلْقَتْهُ عَنْهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ لِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ قَتْلَى قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَنَسِيتُ السَّابِعَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَقَالَ شُعْبَةُ أُمَيَّةُ أَوْ أُبَيٌّ وَالصَّحِيحُ أُمَيَّةُ (البخاري) (رجوع الى رقم 18)
ثانيا: ما جاء في صحيح مسلم:
1- حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنهما سمعا أبا هريرة يقولا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسني يوسف اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون و حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد قالا حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي إلى قوله واجعلها عليهم كسني يوسف ولم يذكر ما بعده (مسلم)
2- حدثنا محمد بن مهران الرازي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن أبا هريرة حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في صلاة شهرا إذا قال سمع الله لمن حمده يقول في قنوته اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد فقلت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم قال فقيل وما تراهم قد قدموا و حدثني زهير بن حرب حدثنا حسين بن محمد حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يصلي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد اللهم نج عياش بن أبي ربيعة ثم ذكر بمثل حديث الأوزاعي إلى قوله كسني يوسف ولم يذكر ما بعده (مسلم)
3- حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقولا والله لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو هريرة يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح ويدعو للمؤمنين ويلعن الكفار (مسلم)
4- حدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق قال كنا عند عبد الله جلوسا وهو مضطجع بيننا فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن إن قاصا عند أبواب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام فقال عبد الله وجلس وهو غضبان يا أيها الناس اتقوا الله من علم منكم شيئا فليقل بما يعلم ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا فقال اللهم سبع كسبع يوسف قال فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان فأتاه أبو سفيان فقال يا محمد إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم قال الله عز وجل فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم إلى قوله إنكم عائدون قال أفيكشف عذاب الآخرة يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون فالبطشة يوم بدر وقد مضت آية الدخان والبطشة واللزام وآية الروم (مسلم)
5- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع ح و حدثني أبو سعيد الأشج أخبرنا وكيع ح و حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير كلهم عن الأعمش ح و حدثنا يحيى بن يحيى وأبو كريب واللفظ ليحيى قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال جاء إلى عبد الله رجل فقال تركت في المسجد رجلا يفسر القرآن برأيه يفسر هذه الآية يوم تأتي السماء بدخان مبين قال يأتي الناس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام فقال عبد الله من علم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به الله أعلم إنما كان هذا أن قريشا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد وحتى أكلوا العظام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله استغفر الله لمضر فإنهم قد هلكوا فقال لمضر إنك لجريء قال فدعا الله لهم فأنزل الله عز وجل إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون قال فمطروا فلما أصابتهم الرفاهية قال عادوا إلى ما كانوا عليه قال فأنزل الله عز وجل فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون قال يعني يوم بدر(مسلم)
دراسة وتحليل:
كمدخل لمعالجة هذا المحور, سنضع نقاطا عامة للافكار الواردة في الاحاديث اعلاه :
1- الرسول يدعو ربه ان ينجي عياش بن ابي ربيعة, سلمة بن هشام, والوليد بن الوليد اضافة ثم يعمّم الرسول فيدعو لجميع المستضعفين من المؤمنين بالنجاة, وواضح انه يدعو لهم النجاة من فتنة قريش.
2- الرسول يدعو على مضر ان يصيبها سنين كسني يوسف
3- الرسول كان يدعو لغفار واسلم
4- دعاء الرسول كان اثناء الصلاة
5- الرسول كان يلعن في صلاته احياء من العرب حتى نزل قوله تعالى: {ليس لك من الامر من شيء}. ذكر في صحيح مسلم اسماء هذه الاحياء وهي: ذكوان ورعل ولحيان وعصية. وجاء في صحيح مسلم انه ترك الدعاء وعندما سأله ابو هريرة عن ذلك أجابه الرسول: و ما تراهم قد قدموا؟
6- جاء في صحيح مسلم ان الرسول دعا على الذين قتلوا اصحاب بئر معونة يدعو على ذكوان ورعل ولحيان وعصية.
7- جاء في صحيح مسلم انه نزل قرآنا في الذين قتلوا في بئر معونة ثم نسخ.
8- ابن مسعود يعلّل دعاء الرسول على قريش بسبب ابطائهم عليه في الاسلام.
9- ان قريش اصابها قحط لمدة سنة حتى اكلت العظام وكانت ترى في السماء كأنه دخان ثم كشف الله عنهم العذاب فعادوا الى كفرهم
10- في صحيح مسلم ان حديث ابن مسعود جاء تعقيبا على تفسير آية قرآنية: {يوم تأتي السماء بدخان مبين}
11- ان ابا سفيان جاء الى الرسول مستشفعا لقومه كي يدعو الرسول ربه فيكشف عنهم العذاب. وفي رواية انهم طلبوا منه الاستسقاء لمضر, فيتعجب الرسول من ذلك لسبب او لآخر!
وسنبدأ بتحليل ما تقدّم خطوة خطوة معتمدين بشكل رئيسي على ما ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم ثم نتقدم من بقية الصحاح والسنن بحسب ما تمليه وضوح الرؤية واتساع الافق:
اولا: لقد فصل البخاري في روايته بين دعاء الرسول على مضر (اي قريش) ودعائه على رعل وذكوان ولحيان وعصية, بينما نرى ان مسلم قد مزج بين الدعاءين في الحديث الاول الوارد في صحيح مسلم, وفي نفس الرواية الموجودة في صحيح مسلم نقرأ ما نصه: و حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد قالا حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي إلى قوله واجعلها عليهم كسني يوسف ولم يذكر ما بعده فيبدو ان السند الاول في هذا الحديث في صحيح مسلم قد خلط بين المسألتين, فأشار مسلم الى ان هناك سند آخر للحديث لم يضف دعاء الرسول على رعل وذكوان ولحيان وعصية على دعائه على قريش او مضر. ان الروايات التي جاء في صحيح البخاري تفصل بين الامرين وحقيقة لا يوجد سوى الحديث الرابع الوارد في البخاري اعلاه يشير ولكن دون ان يبيّن الى ان الرسول دعا على قريش ودعا على احياء من العرب مما يوحي ان هذه الاحياء قد تكون هي الاحياء الاربعة المذكورة (رعل وذكوان ولحيان وعصية) غير انه لا يوجد تصريح بذلك. ونقرأ في صحيح البخاري جميع الروايات التي أتت على ذكر هذه الاحياء الاربعة مجتمعة:
1- حدثنا حفص بن عمر الحوضي حدثنا همام عن إسحاق عن أنس رضي الله عنه قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر في سبعين فلما قدموا قال لهم خالي أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا كنتم مني قريبا فتقدم فأمنوه فبينما يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ أومئوا إلى رجل منهم فطعنه فأنفذه فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة ثم مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل قال همام فأراه آخر معه فأخبر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد لقوا ربهم فرضي عنهم وأرضاهم فكنا نقرأ أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ بعد فدعا عليهم أربعين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وبني عصية الذين عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (البخاري 2591 – كتاب الجهاد والسير – باب من ينكب في سبيل الله)
2- حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين غداة على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله قال أنس أنزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآن قرأناه ثم نسخ بعد بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه (البخاري 2603 كتاب الجهاد والسير باب فضل قوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا...)
3- حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي وسهل بن يوسف عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان فزعموا أنهم قد أسلموا واستمدوه على قومهم فأمدهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين من الأنصار قال أنس كنا نسميهم القراء يحطبون بالنهار ويصلون بالليل فانطلقوا بهم حتى بلغوا بئر معونة غدروا بهم وقتلوهم فقنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وبني لحيان قال قتادة وحدثنا أنس أنهم قرءوا بهم قرآنا ألا بلغوا عنا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم رفع ذلك بعد (البخاري 2836 كتاب الجهاد والسير باب العون بالمدد)
4- حدثني محمد بن غرير الزهري حدثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح حدثنا نافع أن عبد الله أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وعصية عصت الله ورسوله (البخاري 3251 كتاب المناقب باب ذكر اسلم وغفار ومزيدة وجهينة واشجع)
5- حدثني عبد الأعلى بن حماد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقنت شهرا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان قال أنس فقرأنا فيهم قرآنا ثم إن ذلك رفع بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا وعن قتادة عن أنس بن مالك حدثه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرا في صلاة الصبح يدعو على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان زاد خليفة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة حدثنا أنس أن أولئك السبعين من الأنصار قتلوا ببئر معونة قرآنا كتابا نحوه (البخاري 3781 كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة ...)
6- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال حدثني أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله أخ لأم سليم في سبعين راكبا وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل خير بين ثلاث خصال فقال يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر أو أكون خليفتك أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف فطعن عامر في بيت أم فلان فقال غدة كغدة البكر في بيت امرأة من آل فلان ائتوني بفرسي فمات على ظهر فرسه فانطلق حرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج ورجل من بني فلان قال كونا قريبا حتى آتيهم فإن آمنوني كنتم وإن قتلوني أتيتم أصحابكم فقال أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدثهم وأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه قال همام أحسبه حتى أنفذه بالرمح قال الله أكبر فزت ورب الكعبة فلحق الرجل فقتلوا كلهم غير الأعرج كان في رأس جبل فأنزل الله علينا ثم كان من المنسوخ إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ثلاثين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (البخاري 3782 – كتاب المغازي – باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة....)
7- حدثنا محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس رضي الله عنه قال قنت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا يدعو على رعل وذكوان ويقول عصية عصت الله ورسوله (البخاري 3785 كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة ...)
8- حدثنا يحيى بن بكير حدثنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا يعني أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحا حين يدعو على رعل ولحيان وعصية عصت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال أنس فأنزل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في الذين قتلوا أصحاب بئر معونة قرآنا قرأناه حتى نسخ بعد بلغوا قومنا فقد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه (البخاري 3786 كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة...)
9- حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأحوص عن عاصم عن أنس رضي الله عنه بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية يقال لهم القراء فأصيبوا فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وجد على شيء ما وجد عليهم فقنت شهرا في صلاة الفجر ويقول إن عصية عصوا الله ورسوله (البخاري 5915 كتاب الدعوات باب الدعاء على المشركين)
نخلص من هذه النقطة الاولى الى ان دعاء الرسول على قريش او مضر كان مختلفا وله مناسبة اخرى غير دعائه على ذكوان ورعل ولحيان وعصية... وسنركّر في هذا المحور على دعاء الرسول على قريش وسيكون لدعائه على الاحياء الاربعة محور لاحق. انّ التأكيد على الفصل هنا هو فقط من باب توضيح الامور لكي يسهل دراستها والوقوف عليها.
ثانيا: ان بنى بعض الاحاديث الواردة اعلاه بحاجة الى امعان النظر حيث انها تحوي حقيقة على شقّين: احدهما متعلّق بوجهة نظر الراوي والاخر متعلق بالنص المنقول حرفيا عن الرسول عليه السلام. فلو اخذنا مثلا الاحاديث: (البخاري 2- 7- 8- 9- 10- 11 – 12 -13) و(مسلم 4- 5) نجد ان راوي الحديث يدخل وجهة نظره من حيث الاسباب التي حدت بالرسول صلى الله عليه وسلم الى الدعاء على قريش وحقيقة ان الراوي هو عبد الله بن مسعود كما نقلوا وهو يرد سبب الدعاء الى ان قريش ابطؤوا على الرسول صلى الله عليه وسلم. وان مناقشة هذه النقطة بالذات لا تعد مناقشة للفظ النبوي وانما هي مناقشة للراوي ووجهة نظره. وهنا نسأل: هل حقا استبطأ الرسول عليه الصلاة والسلام اسلام قريش فدعا عليهم؟ وهل يتوافق هذا مع سنته صلى الله عليه وسلم؟ نكتفي هنا بذكر الحديث التالي الذي ورد في صحيح البخاري: عن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا قال كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون" (البخاري 3343 كتاب المناقب باب علامات النبوة في الاسلام) يضاف الى هذا الحديث عشرات الاحاديث التي توصي بالصبر, ويضاف الى ذلك الكثير من الايات التي تدعو الرسول صلى الله عليه وسلم الى الصبر, ومنها الايات التي تذكر صبر الانبياء على اقوامهم: فنوح لبث في قومه الفا الا خمسين عاما فلا ييأس حتى يوحي اليه الله انه لن يؤمن الا من كان قد آمن, ويونس عليه السلام يذهب مغاضبا بعد ان يعيل صبره من قومه فينبّه القرآن الكريم الرسول صلى الله عليه وسلم ان يحذو حذو يونس في هذا الامر فيقول القرآن الكريم :{ فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت اذ نادى وهو مكظوم (48) لولا ان تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم (49) فاجتباه ربه فجعله من الصالحين (50)} (سورة القلم) يضاف الى ذلك ايضا قوله تعالى: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}
ومما يتعلق ايضا بالراوي تعلقا مباشرا قوله: " ثم عادوا إلى كفرهم", " قال فكشف ثم عادوا في كفرهم", "فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية", " فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر", " قال فمطروا فلما أصابتهم الرفاهية قال عادوا إلى ما كانوا عليه". ان هذه الاضافات من قبل الراوي توحي بأن قريش آمنت ثم كفرت غير ان هذا الاحتمال مستبعد جدا فلو كان حصل ذلك لاشتهر في كتب الحديث والسير والتاريخ؛ ثم ان الالفاظ المنقولة قد تحمل على وجه اكثر منطقية اذا رأينا الامور من وجهة نظر اخرى غير تلك التي نظر فيها الراوي الى الرواية. ونشير هنا الى ان الراوي هنا لا يقصد به عبد الله بن مسعود فحسب بل جميع رجال سلسلة السند حيث قد يعدّل فيها كل راوي من السند بحسب ما يرى ملائما من المعنى الذي فهمه لذا نرى ان هناك اكثر من صيغة وردت عن ابن مسعود في صحيح البخاري ومسلم.
ويبقى هناك جزء ثالث في الرواية والذي يعود للراوي ايضا وهو ما جاء في الحديث من ذكر للعذاب والقحط الذي اصاب قريش: " فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام", " فأصابتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا العظام حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها مثل الدخان", " فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان", " فأخذتهم سنة فحصت كل شيء حتى أكلوا الميتة والجلود حتى جعل الرجل يرى بينه وبين السماء دخانا من الجوع", "فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد", " فأخذتهم سنة أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع", " فأصابتهم سنة حصت يعني كل شيء حتى كانوا يأكلون الميتة فكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع", " فأخذتهم السنة حتى حصت كل شيء حتى أكلوا العظام والجلود فقال أحدهم حتى أكلوا الجلود والميتة وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان", " فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان".
ففي هذا الجزء وصف لما اصاب قريش بجريرة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش بسنين كسني يوسف عليه السلام.
ثالثا: بالانتقال الى ما نقل رواية عن الراوي وليس عن الرسول فان الراوي يخبر – كما جاء في النقطة الثانية – ان قريش اصابها قحط شديد لمدة سنة الامر الذي حدا بهم الى اكل العظام واكل الجلود. ان هذا الكلام ايضا بحاجة الى امعان نظر. فنسأل اولا: من اين كانت مكة تحصل على كفايتها الزراعية؟ هل كانت مكة ارضا زراعيا بحيث لو تعطّل المطر يكون مصيرهم ان تهلك مزروعاتهم؟
حقيقة ان هذه الرواية التي نقلت عن ابن مسعود لا تتوافق مع طبيعة ارض مكة التي لم تكن ارضا زراعية, قال تعالى: {بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم}, يضاف الى ذلك ان الله سبحانه وتعالى اخبر عن عصب حياة قريش ومقوّماتها الاقتصادية فقال: {لايلاف قريش (1) ايلافهم رحلة الشتاء والصيف(2)} لقد كانت قريش تعتمد على رحلاتها كمورد اقتصادي كما انها كانت تعتمد على الاراضي الزراعية التي حولها في الحصول على قوتها كأرض اليمامة وغيرها. (نصوص عن زراعة العرب)
رابعا: قال تعالى: {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (32) سورة الأنفال جاء في تفسير الطبري والقرطبي ان الله عذّبهم يوم بدر بأيدي المسلمين
خامسا: قال تعالى: {وما كان الله ليعذّبهم وانت فيهم} وقد ذكرت بعض الاحاديث ان القحط اصاب قريش والرسول كان بين اظهرهم, فكيف يستقيم ذلك؟ جاء في تفسير الامام الطبري: عن عكرمة والحسن البصري, قالا: قال في الانفال: {وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فنسختها الاية التي تليها: {وما لهم الا يعذبهم الله} الى قوله: {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} فقوتلوا بمكة, واصابهم فيها الجوع والحصر. وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال: تأويله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم يا محمد وبين أظهرهم مقيم، حتى أخرجك من بين أظهرهم؛ لأني لا أهلك قرية وفيها نبيها. وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون من ذنوبهم وكفرهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك، بل هم مصرون عليه، فهم للعذاب مستحقون، كما يقال: ما كنت لأحسن إليك وأنت تسيء إلي، يراد بذلك: لا أحسن إليك إذا أسأت إلي ولو أسأت إلي لم أحسن إليك، ولكن أحسن إليك لأنك لا تسيء إلي؛ وكذلك ذلك. ثم قيل: {ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} بمعنى: وما شأنهم وما يمنعهم أن يعذبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فيؤمنوا به، وهم يصدون المؤمنين بالله ورسوله عن المسجد الحرام.
وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن القوم - أعني مشركي مكة - كانوا استعجلوا العذاب، فقالوا: اللهم إن كان ما جاء به محمد هو الحق، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم! فقال الله لنبيه: ما كنت لأعذبهم وأنت فيهم وما كنت لأعذبهم لو استغفروا، وكيف لا أعذبهم بعد إخراجك منهم وهم يصدون عن المسجد الحرام! فأعلمه جل ثناؤه أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل، وأعلمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد إخراجه إياه من بين أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذاب في الآخرة، وهم مستعجلوه في العاجل، ولا شك أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون، بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر الدليل الواضح على أن القول في ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول من وجه قوله: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} إلى أنه عنى به المؤمنين، وهو في سياق الخبر عنهم وعما الله فاعل بهم، ولا دليل على أن الخبر عنهم قد تقضى، وعلى أن ذلك به عنوا، ولا خلاف في تأويله من أهله موجود. وكذلك أيضا لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ بقوله: {وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام}... الآية، لأن قوله جل ثناؤه: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} خبر، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ، وإنما يكون النسخ للأمر والنهي. أ.هـ.
جاء في صحيح البخاري: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أبو جهل اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزلت وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام الآية (البخاري 4281 كتاب تفسير القرآن باب قوله واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك...)
سادسا: لنقم بعملية استعراض جديدة للأحاديث الواردة نأخذ فيها الاحداث الرئيسية دون وجه الترتيب والسببية التي ذكرها الرواة, اي ان نفكّك بنيتها ثم نعيد صياغتها من جديد لنكوّن صورة. فواضح ان الاحاديث بما هي عليه كما رويت لا تساعد في رسم صورة واضحة.
هناك ثلاث محاور رئيسية في هذه الاحاديث:
1- ان الرسول دعا على اهل مكة.
2- ان قريش اصابها الجوع.
3- ان قريش طلبت من الرسول ان يعينها في تجاوز محنتها.
اعتقد ان الدخيل في هذا الموضوع برمته هو دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم حيث رتبّت الاحداث بناء على دعائه فكان ما اصاب قريش هو بسبب دعائه كما ان قريش ونتيجة لدعائه جاءت تطلب من الرسول ان يدعو الله ليكشف عنها ما اصابها من الجوع.
اذا استعرضنا اولا نكبات الجوع التي اصابت قريش, نجد ان قريش – كما جاء في كتب السير والحديث – قد اجمعت بشكل تقريبي على حادثتين:
الاولى: المجاعة التي اصابت قريش عقب اسلام ثمامة بن اثال سيد بني حنيفة والذي هدّد قريش بأن لا ينالها حبة من قمح حتى يأذن به الرسول صلى الله عليه وسلم, ونفّذ ثمامة تهديده, فجاءت قريش الرسول تسأله صلة الرحم: جاء في صحيح مسلم:
عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي يا محمد خير إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة قال ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل أصبوت فقال لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسلم)
ونقرأ في السيرة الحلبية ما نصّه: فلما قدم بطن مكة لبى فكان أول من دخل مكة ملبيا فأخذته قريش فقالوا لقد اجترأت علينا أنت صبوت يا ثمامة قال أسلمت وتبعت خير دين محمد والله لا يصل اليكم حبة من حنطة أي من اليمامة من أرض اليمن وكانت ريفا لأهل مكة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموه ليضربوا عنقه فقال قائل منهم دعوه فإنكم تحتاجون الى اليمامة فخلوا سبيله فخرج ثمامة الى اليمامة فمنعهم أن يحملوا الى مكة شيئا حتى أضربهم الجوع وأكلت قريش العلهز وهو الدم يخلط بأوبار الإبل فيشوى على النار كما تقدم فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قطعت أرحامنا فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة رضي الله تعالى عنه أن يخلي بينهم وبين الجمل وفي لفظ خل بين قومي وبين ميرتهم ففعل فأنزل الله تعالى ولقد أخذناهم بالعذاب الآية هذا والذي في الاستيعاب أن ثمامة لما دخل مكة وقد سمع المشركون خبره فقالوا يا ثمامة صبوت وتركت دين أبائك قال لا أدري ما تقولون إلا أني أقسمت برب هذه البنية يعني الكعبة لا يصل إليكم من اليمامة شيء مما تنتفعون به حتى تتبعوا محمدا من آخركم وكانت ميرة قريش ومنافعهم من اليمامة ثم خرج رضي الله تعالى عنه فمنع عنهم ما كان يأتي منها فلما أضرّ بهم ذلك كتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عهدنا بك وأنت تأمر بصلة الرحم وتحث عليها وإن ثمامة قد قطع عنا ميرتنا وأضر بنا فإن رأيت أن تكتب اليه أن يخلي بيننا وبين ميترنا فافعل فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خل بين قومي وبين ميرتهم (السيرة الحلبية 3/172-173)
وجاء في زاد المعاد: فلما قدم على قريش قالوا صبرت يا ثمامة قال لا والله ولكني أسلمت مع محمد ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله وكانت اليمامة ريف مكة فانصرف إلى بلاده ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش فكتبوا إلى رسول الله يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلى إليهم حمل الطعام ففعل رسول الله (زاد المعاد 3/277)
وجاء في السيرة النبوية لابن هشام: ثم خرج معتمرا فلما قدم مكة قالوا أصبوت يا ثمام فقال لا ولكنى اتبعت خير الدين دين محمد ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج الى اليمامة فمنعهم ان يحملوا الى مكة شيئا فكتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قد قطعت أرحامنا وقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل (السيرة النبوية ج6/ص52)
وجاء في صحيح البخاري: فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال لا ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم
والثانية: هو ما حدث لقريش بعد توقيع صلح الحديبية حيث ان قريش عانت الجوع بسبب الغارات التي كان يشنّها ابو بصير ومن هرب معه من مكة على قوافل قريش.
جاء في صحيح البخاري: لمقتول فجاء أبو بصير فقال يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم قال النبي صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده بالله والرحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم (البخاري 2529)
وجاء في تاريخ الطبري: فقال رسول الله يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصلح لنا في ديننا الغدر وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا قال فانطلق معهما حتى إذا كان بذي الحليفة جلس إلى جدار وجلس معه صاحباه فقال أبو بصير أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر قال نعم قال انظر إليه قال إن شئت فاستله أبو بصير ثم علاه به حتى قتله وخرج المولى سريعا حتى أتى رسول الله وهو جالس في المسجد فلما رآه رسول الله طالعا قال إن هذا رجل قد رأى فزعا فلما انتهى إلى رسول الله قال ويلك مالك قال قتل صاحبكم صاحبي فوالله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحا السيف حتى وقف على رسول الله فقال يا رسول الله وفت ذمتك وأدي عنك أسلمتني ورددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم فقال النبي ويل أمه مسعر حرب وقال ابن إسحاق في حديثه محش حرب لو كان معه رجال فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم قال فخرج أبو بصير حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش الذي كانوا يأخذون إلى الشام وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله لأبي بصير ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص وينفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلا منهم فكانوا قد ضيقوا على قريش فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلىالشأم إلا اعترضوا لهم فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلىالنبي ينشادونه بالله وبالرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن فآواهم رسول الله فقدموا عليه المدينة (الطبري ج2 ص 125)
اذا استقرأنا هاتين الحادثتين – اسلام ثمامة بن أثال وعصابة ابي بصير – وقارناهما مع الاحاديث التي وردت ان الرسول دعا على قريش بسنين كسني يوسف, لوجدنا ان الظن يتجه الى ان هناك لبس حدث من الرواة حيث جعلوا دعاء الرسول على اهل مكة مرتبطا بما حصل لقريش في هاتين الحادثتين, ونستطيع ان نؤكد ذلك بما يلي:
1- ان أبا سفيان وكبار زعماء قريش قد عادوا الرسول عداء مرة, وورد في السير ان قريش فرضت مقاطعة اقتصادية على المسلمين الاوائل قبل الهجرة, فبأي شيء نستطيع ان نبرّر لأبي سفيان طلبه من الرسول بأن يدعو لمضر – اي قريش – كما ورد في الاحاديث؟ اما اذا وضعنا هذا الطلب – اي طلب ابي سفيان من الرسول – بعد صلح الحديبية ونتيجة لما فعله ابو بصير من اعتراضه لقوافل قريش, لوجدنا ان الطلب مقبول جدا ومنطقي جدا حيث ان ما يربحه الرسول بالمقابل هو تنازل قريش عن شرط من شروط الحديبية لصالح المسلمين.
2- ان الرسول صلى الله عليه وسلم – وكما ورد في الاحاديث – استبطأ اسلام قريش فدعا عليهم فأصيبوا بالقحط فجاءه ابو سفيان يطلب منه كشف العذاب. والسؤال هنا: اذا كان الرسول قد استبطأ اسلام قريش فدعا عليهم, فلم لم يشترط على ابي سفيان الاسلام كشرط لكشف العذاب الالهي؟
3- متى سأل ابو سفيان الرسول ان يكشف عنهم العذاب؟ بالطبع لا يمكن القول بأن ابا سفيان جاء الى المدينة وان ذلك حصل بعد الهجرة لأن كتب التاريخ والسير والاحاديث تجمع ان ابا سفيان لم يقدم المدينة الا غازيا. فلا يمكن حمل ذلك اذا الا على ما كان قبل الهجرة. وهنا نسأل: اذا كان الرسول قد دعا على قريش قبل الهجرة فان ذلك يعني ان الجوع قد اصاب المسلمين كما اصاب غيرهم من كفار مكة! وهل يجوز ان يدعو الرسول بدعاء يكون فيه هلاك من آمن معه؟ ثم الا يكفي المؤمنين ما اصابهم من جوع على ايدي كفار قريش والذي تقول فيه الروايات انه بقي ثلاث سنوات حتى يزيده الرسول سنة اخرى على يدي السماء؟
وقد ذكر ابن حجر العسقلاني في فتح الباري مشكل قدوم ابي سفيان الى الرسول وسؤاله ان يدعو الله ليستسقي لهم: "قوله : ( فجاءه أبو سفيان ) يعني الأموي والد معاوية , والظاهر أن مجيئه كان قبل الهجرة لقول ابن مسعود " ثم عادوا , فذلك قوله : ( يوم نبطش البطشة الكبرى ) يوم بدر " ولم ينقل أن أبا سفيان قدم المدينة قبل بدر , وعلى هذا فيحتمل أن يكون أبو طالب كان حاضرا ذلك فلذلك قال " وأبيض يستسقى الغمام بوجهه " البيت , لكن سيأتي بعد هذا بقليل ما يدل على أن القصة المذكورة وقعت بالمدينة , فإن لم يحمل على التعدد وإلا فهو مشكل جدا والله المستعان ." (فتح الباري) وهكذا يقرّ ابن حجر العسقلاني بأن مجيء ابي سفيان الى الرسول عليه الصلاة والسلام هو مشكل جدا الاّ اذا حمل على التعدّد ومعنى ذلك ان يكون اصاب قريش قحط مرتين: مرة والرسول في مكة وأخرى والرسول في المدينة، وان ابا سفيان قد جاء الى الرسول وهو في مكة ولم يأت اليه وهو في المدينة. والحقيقة ان التعدّد هو مخرج لجأ اليه المحدّثين كي يقوموا بالتوفيق بين الاحاديث, غير ان هذه الطريقة في التوفيق ....
4- ان القضية – وكما اسلفنا - لم تتعلق بأي شكل من الاشكال بانقطاع المطر لسببين: الاول, ان قريش لم تكن ارض زرع وهذا لا يتناسب مع ما ذهبت اليه الروايات ان قريش اصابها قحط, وثانيا, لم يرد في السير وكتب التاريخ ان زمزم قد جفّت خلال الفترة التي عاشها الرسول عليه الصلاة والسلام في مكة والمدينة. ان ما اصاب قريش من جوع يتناسب اكثر مع ما ذكر من الاغارة على قوافل قريش التي كانت هي مصدر معيشة قريش (رحلة الشتاء والصيف) مما يتناسب بالتالي مع قصة ثمامة بن أثال او قصة ابي بصير التي اسلفنا ذكرهما.
اذا اردنا ان نلخص الامر اذا نقول:
ان ما تعرضت له قريش من مجاعة كان بسبب الضرر الذي لحق بتجاراتها وقوافلها التي كانت تنقل له الغذاء, وقد قام بعض الرواة بجعل ما حدث نتيجة لدعوة الرسول على قريش, وحقيقة الامر ان ابن مسعود في الروايات كان في مقام المفسّر بالدرجة الاولى لذا كان يلجأ الى تبريرات منطقية اثناء حديثه... ثم اننا نلاحظ ملاحظة مهمة في هذا الحديث، فاننا اذا اعتبرنا ان هذا الامر قد حدث في مكة كما يوحي بذلك الحديث فمعنى ذلك ان الضرر قد اصاب الكفار والمسلمين على حد سواء مما يعني ان ابا سفيان بدا كانسان مسالم جدا حريص على الضرر الذي اصاب قريش بمن فيهم المسلمين, كما ان الرسول بدى بمظهر المغلوب على الصعيد الحواري: جاء في ( صحيح مسلم - الحديث الرابع )"فأتاه أبو سفيان فقال يا محمد إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم" ان ابا سفيان يذكر الرسول بطاعة الله وكأن ما حدث لا يتناسب مع طاعة الله, والحديث لا يذكر ردّ الرسول الا بأنه دعا الله اي كأن الرسول قد أقرّ بالذنب الذي قام به. نعود فنقول بأن السياق يقبل اكثر اذا وضع في سياق ما ورد في قصة ثمامة بن أثال او قصة ابي بصير.
ولنزيد الامر وضوحا وتأكيدا نقول:
ان الرسول دعا في الاحاديث لبعض المسلمين الذين حبستهم – كما تقول الروايات – قريش في مكة ومنعتهم من أن يأتوا. وقرن الرواة هذا الدعاء بدعائه على قريش بالقحط, وفي احد الروايات : " قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد فقلت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم قال فقيل وما تراهم قد قدموا" (صحيح مسلم – الحديث الثاني) وهنا يسأل ابو هريرة عن سبب ترك الرسول الدعاء لهؤلاء المسلمين فيجاب: وما تراهم قد قدموا.
لكي تصبح هذه الصورة اكثر وضوحا نضيف ما حدث مع ابي بصير والنتائج التي ترتبت على ثورة ابي بصير من تنازل قريش عن احد شروطها المتعلق بمن يقدم من مكة مؤمنا فللرسول ان يحتفظ به وليس لقريش ان تردّه, اننا اذا اضفنا ذلك تصبح الصورة على الشكل التالي:
الرسول يدعو للمستضعفين من المؤمنين في مكة بعد ان عقد الصلح وبعد ان ردّ ابا جندل مع ابيه الى مكة وبعد ان ردّ ابا بصير ايضا... كل ذلك حدا بالرسول الى الدعاء للمستضعفين... بعد ذلك يقوم ابو بصير بثورته المشهورة والاغارة على قوافل قريش الغذائية والتجارية فيصيب قريش ضررا فادحا, غير ان قريش تصبر في بداية الامر اكراما لكبريائها حتى يصيبها من الجوع اشدّه, وتزداد قوة ابي بصير حتى يبلغ ما يقارب سبعين رجلا, عندها تبعث قريش الى الرسول راجية منه ان يقبل هو بأن تتنازل قريش عن احد شروط صلح الحديبية الذي يتعلق بمن يقدم من مكة الى المدينة مؤمنا فان قريش تعاهد الا تطالب به على ان يكفّ الرسول بأس ابي بصير وعصابته عن قوافل قريش. ويحتمل في مثل هذه الحالة ان يكون الذين كان الرسول يدعو لهم قد قدموا المدينة مع قوات ابي بصير او لاحقا. وبذلك يتضح قول الرسول: وما تراهم قد قدموا؟
ان عدم فهم الامر على هذا المنوال أدى بالبعض الى اقوال منكرة ..
لنقرأ ما ورد في كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر وابعث عليهم سنين كسني يوسف فتتابعت عليهم الجدوبة والقحط سبع سنين حتى أكلوا القد والعظام والعلهز فنال ذلك الجدب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبدعائه عوقبوا حتى شد وشد المسلمون على بطونهم الحجارة من الجوع قال أبو محمد وقد رأينا بعيوننا ما أغنى عن الأخبار فكم من بلد فيه الصالحون والأبرار والأطفال والصغار أصابته الرجفة فهلك به البر والفاجر والمسيء والمحسن والطفل والكبير ص250 – 251 وفاة المؤلف: 213 – 276
ان قراءة الاحاديث على النحو الذي قرأها ابن قتيبة ادّت الى تبرئة ساحة قريش من الحصار الغذائي الذي فرضته على مسلمي مكة في الشعب, وجعلت المسؤول عمّا اصاب المسلمين من المجاعة هو الرسول الذي دعا على قريش فأصاب المسلمين من الجوع ما اصابهم بجريرة دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام..
هذا الموضوع قد يفهم بصورة اوضح اذا تذكرنا ما تعنيه قريش قبل الاسلام وبعد الاسلام .. غير اني لا احبذ الخوض في هذا الموضوع على هذا الصعيد ...
ولننتقل الان الى سؤال مهم قد يطرح:
كيف غفل الرواة عن ان مكة لم تكن بأرض زرع؟
المثير حقا, هو ان هذا الامر قد غفل ايضا عنه شرّاح الحديث وتجاوزوه ولم يقفوا عنده فقد ورد في فتح الباري: قوله : ( فقيل : يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت ) إنما قال " لمضر " لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز , وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم فحسن أن يطلب الدعاء لهم أ.هـ.
وقد طلبنا الجواب عن هذا التساؤل فوجدناه في كتاب "اخبار مكة" حيث نقرأ: " ذكر ما أجري من العيون بمكة وحولها في الحرم سمعت بعض أشياخنا يذكر أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان أجرى بمكة عيونا واتخذ لها أخيافا وكانت فيها النخيل والزروع فمنها حائط عوف وموضعه من زقاق خشبة دار مبارك التركي ودار جعفر ودار مال الله وموضع الماجلين ماجل أمير المؤمنين هارون اللاحق بالحجون فهذا موضع حائط عوف إلى الجبل ويقال لهذا الموضع حوض الحمر وعوف كان قيما لمعاوية رضي الله عنه على ذلك الحائط فنسب إليه وكانت لهذا الحائط عين تسقيه وكان فيه النخيل وكان له مشرعة يردها الناس 2452 فحدثني أبو جبير محمد بن جبير النوفلي قال ثنا أبو أمية بن أبي الدهم النحوي المكي عن أبيه قال كانت لي سقيفة في السد الذي يطل على المجزرة اليوم في حائط عوف وحائط عوف فيه النخيل لا يتخلص طائره فسمعت خارفا في نخلة يخرفها ويتغنى قل لأسماء أنجزي الميعادا وانظري أن تزودي منك زادا وإذا ما حللت أرضا من الشام وجاورت حميراومرادا وإذا ما سمعت من نحو أرضي بمحب قد مات أو قيل كادا فارتجي أن أكون منك قريبا وسلي الصادرين والورادا ومنها حائط يقال له الصفي موضعه بين دار زينب بنت سليمان التي صارت لعمرو بن مسعدة والدار التي فوقها إلى دار العباس بن محمد التي بأصل نزاعة الشوي وكان له عين وكان فيه النخل وكان له مشرعة يردها الناس وفيه يقول الشاعر سكنوا الجزع جزع بيت أبي موسى الى النخل من صفي السباب ومنها حائط مقيصرة وكان موضعه نحو بركتي سليمان بن جعفر إلى نحو قصر أمير المؤمنين المنصور أبي جعفر يقال موضعه موضع دار لبابة بنت علي ومحمد بن سليمان بن علي إلى القرن الذي عليه بيوت المطبقي وكانت له عين ومشرعة وكان فيه النخل ومقيصرة قيم كان لمعاوية رضي الله عنه فنسب إليه ويقال عن العتبي قال دخل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه حائطا له بمكة ومعه إبن صفوان فقال كيف ترى هذا الحائط قال أراه على غير ما وصف الله تعالى به البلد فقال قال الله عز وجل بواد غير ذي زرع وأراك قد جعلت زرعا قال معاوية رضي الله عنه متى تعلمت هذه الآية فقال أما أنا فقد أوجعتك فقل ما شئت (أخبار مكة ج: 4 ص: 121 - 122)
ان هذه الروايات تفيد ان هناك تغيّرا حدث في مكة على الصعيد الزراعي, سواء كان على يد معاوية او غيره, ولمّا كان الحديث ينقل بالمعنى فان الرواة قد يكون التبس عليهم الامر حيث انهم كانوا يرون ما في مكة من النخيل والبساتين حين روايتهم للحديث الامر الذي حدا بهم الى القول بأن هناك قحطا حدث في مكة من جراء دعاء الرسول, فان اضافة لفظ القحط كان على سبيل نقل الحديث بالمعنى وقد نقل هذا المعنى بحسب ما كان يرى الراوي من واقع الزراعة في مكة.
وقد آنسني حين انتهيت من هذا البحث ما قرأته في كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ج: 21 ص: 151-154
- وقد ثبت في الصحيحين ايضا عن أبي هريرة أن النبي قنت بعد الركوع في صلاة الصبح شهرا إذا قال سمع الله لمن حمده يقولون في قنوته اللهم نج الوليد بن الوليد اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله قد ترك الدعاء لهم بعد فقلت أرى رسول الله قد ترك الدعاء لهم قال فقيل أو ما تراهم قد قدموا وهذا الحديث فيه أنواع من الفقه فان أبا هريرة لم يصل خلف النبي الا بعد خيبر وخيبر بعد الحديبية وكانت الهدنة التي بينه وبين المشركين في الحديبية على أن لا يدع أحدا منهم يهاجر إليه ولا يرد إليه من ذهب مرتدا منه إليهم فهؤلاء وأمثالهم كانوا من المستضعفين بمكة الذين قهرهم أهلوهم والمسلمون كلهم من بني مخزوم وهم بنو عبد مناف أشرف قبائل قريش وبنو مخزوم كانوا هم الذين ينادون عبد مناف والمحاسدة التي بينهم هي احدى ما منعت أشرافهم كالوليد وأبي جهل وغيرهما من الاسلام فلما قدم بعد الحديبية من قدم من المهاجرين ولحقوا بسيف البحر على الساحل كابي بصير وابي جندل بن سهيل بن عمرو فان النبي لم يجرهم بالشرط فصاروا بأيدي أنفسهم بالساحل يقطعون على اهل مكة حتى أرسل اهل مكة حينئذ الى النبي يسألونه أن يأذن لهم في المقام عنده ليأمنوا قطعهم فقدموا حينئذ أولئك المستضعفون فترك النبي القنوت وهذا القنوت بعد القنوت الذي رواه أنس أن النبي قنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وعصية ثم تركه فان ذلك القنوت كان في أوائل الأمر لما ارسل القراء السبعين أصحاب بئر معونة وذلك متقدم قبل الخندق التي هي قبل الحديبية كما ثبت ذلك في الصحيح فتبين ان تركه للقنوت لم يكن ترك نسخ إذ قد ثبت أنه قنت بعد ذلك وإنما قنت لسبب فلما زال السبب ترك القنوت كما بين في هذا الحديث أنه ترك الدعاء لهم لما قدموا وليس ايضا قوله في حديث أنس المتفق عليه أن رسول الله قنت شهرا بعد الركوع يدعو على احياء من أحياء العرب ثم تركه أنه ترك الدعاء فقط كما يظنه من ظن أن النبي كان مداوما على القنوت في الفجر بعد الركوع أو قبلة بل ثبت في أحاديث يروي التي في الصحيحين أنه لم يقنت بعد الركوع إلا شهرا وغير ذلك مما يبين ان المتروك كان القنوت وقد بسطنا هذا هذا الموضع وبينا ان من تأمل الأحاديث علم علما يقينا ان النبي لم يداوم على القنوت في شيء من الصلوات لا الفجر ولا غيرها ولهذا لم ينقل هذا أحد من الصحابة بل انكروه ولم ينقل احد عن النبي حرفا واحدا مما يظن انه كان يدعو به في القنوت الراتب وانما المنقول عنه ما يدعو به في العارض كالدعاء لقوم وعلى قوم فاما ما يدعو به من يستحب المداومة على قنوت الفجر من قول اللهم اهدنا فيمن هديت فهذا انما في السنن انه علمه للحسن يدعو به في قنوت الوتر