آية في سورة السجدة صعبت على المفسرين

نزار حمادي

New member
إنضم
25/06/2008
المشاركات
270
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الإقامة
تونس
بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أن في القرآن العظيم من المعاني ما يعجز البشر عن الوصول إليها بتمامها، وبعيدا عن قول البعض بأنه لا يجوز أن يكون في القرآن معنى من المعاني إلا علمه السلف الصالح بالتفصيل، فإنه قول لا مستند صحيح له، فإن في القرآن فعلا من المعاني دق على كثير من أهل التفسير فضلا عن غيرهم. فمثلا قوله تعالى في سورة السجدة:

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)

فقد نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: أيام سمّاها سبحانه، وما أدري ما هي، فأكره أن أقول فيها ما لا أعلم. (أخرجه عبد الرازق في تفسيره 2/ 108 ؛ والطبري 23/ 254 ؛ والقرطبي في الجامع 17/ 11.
في حين نجد كثيرا من المفسرين رضوان الله عليهم اجتهدوا في تفسير تلك الأيام ومحاولة بيان المقصود منها، وقد جاءت تفاسيرهم متفاوتة في القوة والضعف، فهل كانت تفاسيرهم من باب القول بغير علم؟ أم علموا ما لم يعلمه الحبر ابن عباس رضي الله عنه؟ وهل من تفسير جديد في هذا العصر لهذه الأيام والمقصود من العروج ومن عرج وإلى أين الخ؟ أسئلة مطروحة على المتدبرين في آيات القرآن العظيم، سيما وأن هذه الآيات التي دقت على كثير من الناس.
 
هذه المسألة كسابقتها مسألة الافسادتين في سورة الإسراء.

والذي يجب النظر فيه أولاً :

هي أقوال السلف في الآية من حيث الثبوت ومن حيث دليل كل قول.

ثانياً: الرجوع إلى المسألة الأصولية : إذا اختلف السلف على قولين هل يجوز إحداث قول ثالث؟

ثالثاً: هل يمكن أن يبقى جانب من جوانب دلالة النص لم يطلع عليه السلف يمكن أن يتكشف لمن يأتي من بعدهم؟
 
إذا كان اليوم عند ربك كألف سنة مما تعدون فأين هي المشكلة في تفسيرها
قال تعالى
وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [الحج : 47]
فالمسألة واضحة أن خلق السماوات والأرض كان في 6000 سنة من سنواتنا الشمسية وليس القمرية
أي ما يعادل 2191500 يوما
 
إذا كان اليوم عند ربك كألف سنة مما تعدون فأين هي المشكلة في تفسيرها
قال تعالى
وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [الحج : 47]
فالمسألة واضحة أن خلق السماوات والأرض كان في 6000 سنة من سنواتنا الشمسية وليس القمرية
أي ما يعادل 2191500 يوما

من قال بهذا يا صبري؟
وما هي أدلته؟
ولماذا الشمسية وليس القمرية؟
 
الأولى في لفظ "سنة" أن يكون مرتبط بالسنة الشمسية لأنه كلمة سنة تبدأ بحرف شمسي وهو السين وأما لفظ "عام" فهو مرتبط بالسنة القمرية لأنه يبدأ بحرف قمري وهو حرف العين
لذلك نستنتج من قوله تعالى
"(29:14)ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظلمون"
أنه لبث 951 سنة شمسية وبضعة أشهر
أما من قال بهذا فهو صبري
 
الأولى في لفظ "سنة" أن يكون مرتبط بالسنة الشمسية لأنه كلمة سنة تبدأ بحرف شمسي وهو السين وأما لفظ "عام" فهو مرتبط بالسنة القمرية لأنه يبدأ بحرف قمري وهو حرف العين
لذلك نستنتج من قوله تعالى
"(29:14)ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظلمون"
أنه لبث 951 سنة شمسية وبضعة أشهر
أما من قال بهذا فهو صبري

ما سمعت بهذا الاستدلال من قبل وما رأيته في كتاب ولا سنة!!

والأمر إلى الأفاضل في المنتدى إن وافقوك يا صبري....
 
بسم الله الرحمن الرحيم
استنتاج غريب واستدلال أغرب .
أطلب من الأخ صبري أن يوضح لنا هل هو مجرد ابتسامة للأخ محب القرآن أم جد في ما لا هزل فيه؟
 
[align=center]إن ابن عباس رضي الله عنهما كره أن يقول فيها مالا يعلم ولم يكره لغيره أن يقول فيها ماأدى إليه اجتهاده وقد يظهر للمفضول ما قد غاب عن الفاضل ولا يكون ذلك نقصاً في حق الفاضل 0[/align]
 
[align=center]قد يكون السبب في تورع ابن عباس رضي عنهما هو ما يبدوا من التعارض بين أية السجدة وأية المعارج00


وبالمناسبة أنقل فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله بهذا الخصوص 0

مكتبة الفتاوى : فتاوى نور على الدرب (نصية) : التفسير
السؤال: بارك الله فيكم هذه الرسالة من المستمع أبو مصعب محمد سليمان مقيم بالرياض يقول أرجو إيضاح معنى هاتين الآيتين وهل بينهما تعارض الآية الأولى من سورة السجدة يقول الله تعالى (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) والآية الثانية من سورة المعارج إذ يقول الله تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)؟
الجواب

الشيخ: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أنه ليس في كتاب الله ولا في ما صح عن رسول صلى الله عليه وسلم تعارض أبداً وإنما يكون التعارض فيما يبدو للإنسان ويظهر له إما لقصور في فهمه أو لنقص في علمه وإلا كتاب الله وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم ليس فيهما تعارضاً إطلاقاً قال الله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا) فإذا بدا لك أيها الأخ شيء من التعارض بين آيتين من كتاب الله أو حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بين آية وحديث فأعد النظر مرة بعد أخرى فسيتبين لك الحق ووجه الجمع فأن عجزت عن ذلك فأعلم أنه أما لقصور فهمك أو لنقص علمك ولا تتهم كتاب الله عز وجل و ما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم بتعارض وتناقض أبدا وبعد هذه المقدمة أقول أن الآيتين اللتين أوردهما السائل في سؤاله وهما قوله تعالى في سورة السجدة (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في كان مقداره ألف سنة مما تعدون) وقوله في سورة المعارج (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة إلى أخره) الجمع بينهما أن آية السجدة في الدنيا فأنه سبحانه وتعالى يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقدار هذا اليوم الذي يعرج إليه الأمر مقداره ألف سنة مما نعد لكنه يكون في يوم واحد ولو كان بحسب ما نعد من السنين لكان عن ألف سنة وقد قال بعض أهل العلم أن هذا يشير إلى ما جاء به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن بين السماء الدنيا والأرض خمسمائة سنة فإذا نزل من السماء ثم عرج الأرض فهذا ألف سنة وأما الآية التي في سورة المعارج فأن ذلك يوم القيامة كما قال تعالى (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح) فقول تعرج الملائكة والروح إليه هذه لقوله المعارج وقوله في يوم ليس متعلقاً بقوله تعالى بالملائكة والروح إليه لكنه متعلقاً بما قبل ذلك وقوله بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله بعذاب واقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فيكون هذا العذاب الذي يقع للكافرين في هذا اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة وقوله ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه هي جملة معترضة وبهذا تكون آية المعارج في يوم القيامة وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبو هريرة في قصة مانع الزكاة أنه يحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فتبين بهذا أنه ليس بين الآيتين شيء من التعارض لاختلاف محلهما والله أعلم.


[/align]
 
[align=center]قد يكون السبب في تورع ابن عباس رضي عنهما هو ما يبدوا من التعارض بين أية السجدة وأية المعارج00

وبالمناسبة أنقل فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله بهذا الخصوص 0

مكتبة الفتاوى : فتاوى نور على الدرب (نصية) : التفسير
السؤال: بارك الله فيكم هذه الرسالة من المستمع أبو مصعب محمد سليمان مقيم بالرياض يقول أرجو إيضاح معنى هاتين الآيتين وهل بينهما تعارض الآية الأولى من سورة السجدة يقول الله تعالى (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) والآية الثانية من سورة المعارج إذ يقول الله تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)؟
الجواب

الشيخ: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أنه ليس في كتاب الله ولا في ما صح عن رسول صلى الله عليه وسلم تعارض أبداً وإنما يكون التعارض فيما يبدو للإنسان ويظهر له إما لقصور في فهمه أو لنقص في علمه وإلا كتاب الله وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم ليس فيهما تعارضاً إطلاقاً قال الله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا) فإذا بدا لك أيها الأخ شيء من التعارض بين آيتين من كتاب الله أو حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بين آية وحديث فأعد النظر مرة بعد أخرى فسيتبين لك الحق ووجه الجمع فأن عجزت عن ذلك فأعلم أنه أما لقصور فهمك أو لنقص علمك ولا تتهم كتاب الله عز وجل و ما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم بتعارض وتناقض أبدا وبعد هذه المقدمة أقول أن الآيتين اللتين أوردهما السائل في سؤاله وهما قوله تعالى في سورة السجدة (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في كان مقداره ألف سنة مما تعدون) وقوله في سورة المعارج (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة إلى أخره) الجمع بينهما أن آية السجدة في الدنيا فأنه سبحانه وتعالى يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقدار هذا اليوم الذي يعرج إليه الأمر مقداره ألف سنة مما نعد لكنه يكون في يوم واحد ولو كان بحسب ما نعد من السنين لكان عن ألف سنة وقد قال بعض أهل العلم أن هذا يشير إلى ما جاء به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن بين السماء الدنيا والأرض خمسمائة سنة فإذا نزل من السماء ثم عرج الأرض فهذا ألف سنة وأما الآية التي في سورة المعارج فأن ذلك يوم القيامة كما قال تعالى (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح) فقول تعرج الملائكة والروح إليه هذه لقوله المعارج وقوله في يوم ليس متعلقاً بقوله تعالى بالملائكة والروح إليه لكنه متعلقاً بما قبل ذلك وقوله بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله بعذاب واقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فيكون هذا العذاب الذي يقع للكافرين في هذا اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة وقوله ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه هي جملة معترضة وبهذا تكون آية المعارج في يوم القيامة وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبو هريرة في قصة مانع الزكاة أنه يحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فتبين بهذا أنه ليس بين الآيتين شيء من التعارض لاختلاف محلهما والله أعلم.
[/align]

وما هو المانع من أن يكون اليوم ظرف لعروج الملائكة والروح؟
 
ذكر الإمام الطبري -رحمه الله- هذا الأثر المنسوب إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- بعد أن ذكر قوله هو واستدلاله، وبعد أن أورد أقوال المفسرين للآية، حيث قال: (وقد روي عن ابن عباس في ذلك غيرُ القول الذي ذكرنا عنه ...) ثم أورد الأثر.

وعليه لا يكون محل إشكال، فالقاعدة أن المعنى قد يخفى على آحاد السلف لكنه لا يخفى على مجموعهم، وإن كان قول الحَبر لا يدل على أن معنى الآية مما خفي عليه، بل قد يحمل على أمر آخر متعلق بالاستنباط.
 
السنة قمرية لا شمسية

السنة قمرية لا شمسية

فالمسألة واضحة أن خلق السماوات والأرض كان في 6000 سنة من سنواتنا الشمسية وليس القمرية

السلام عليكم
إذا تدبرت -حفظك الله من كل سوء وزلل- الآية التي في سورة الكهف ( ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ) لوجدت فيها عكس الذي قلته.
فرفع لبس وظن أن تكون السنين شمسية كان بإضافة ( وازدادوا تسعا ) فدل - والله أعلم- أن السنة المعتبرة في القرآن هي القمرية لا الشمسية
وهذا هو المستخدم عند العرب أصلا وهم الذين خُوطبوا بالقرآن
والسنة القمرية حقيقية لأنها تكون بمرور اثنا عشر شهرا نعرف بداية الشهر ونهايته
وأمّا السنة الشمسية فهي إلى وقت قريب تقديرية ولا يوجد لها ضابط إلاّ التحكم
وقد تستشكل العبارة الأخيرة فأقول -والله يعصمني وإياك والسامعين- انظر إلى الشهر الثاني في السنة الشمسية وكيف يختلف عن باقي الشهور في عدد الأيام.
وانظر إلى التحكم في جعل بعض الشهور 31 يوم وبعضها 30 من غير ضابط حسي مشاهد - بعكس الشهر العربي الذي يعتمد على مشاهدة القمر -
ولماذا لا يكون مثلا الشهر الثالث في السنة الشمسية 30 يوم ويكون الشهر الرابع 31
وما هو المانع إلاّ التحكم والهوى من غير ضابط.!!!!
والسلام عليكم
 
فرفع لبس وظن أن تكون السنين شمسية كان بإضافة ( وازدادوا تسعا ) فدل - والله أعلم- أن السنة المعتبرة في القرآن هي القمرية لا الشمسية
وهذا هو المستخدم عند العرب أصلا وهم الذين خُوطبوا بالقرآن.

وهذا هو الحق الذي يؤكده قول الله تعالى:
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) سورة التوبة(36)

وهنا كلام نفيس للطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى فإليكموه:

"والمراد بالشهور : الشهور القمرية بقرينة المقام ، لأنّها المعروفة عند العرب وعند أغلب الأمم ، وهي أقدم أشهر التوقيت في البشر وأضبطها لأنّ اختلاف أحوال القمر مساعد على اتّخاذ تلك الأحوال مواقيت للمواعيد والآجال ، وتاريخخِ الحوادث الماضية ، بمجرّد المشاهدة ، فإنّ القمر كرة تابعة لنظام الأرض . قال تعالى : { لتعلموا عدد السنين والحساب } [ يونس : 5 ] ولأنّ الاستناد إلى الأحوال السماوية أضبط وأبعد عن الخطأ ، لأنّها لا تتناولها أيدي الناس بالتغيير والتبديل ، وما حدثت الأشهر الشمسية وسَنتها إلاّ بعد ظهور علم الفلك والميقات ، فانتفع الناس بنظام سير الشمس في ضبط الفصول الأربعة ، وجعلوها حساباً لتوقيت الأعمال التي لا يصلح لها إلاّ بعض الفصول ، مثل الحرث والحصاد وأحوال الماشية ، وقد كان الحساب الشمسي معروفاً عند القبط والكلدانيين ، وجاءت التوراة بتعيين الأوقات القمرية للأشهر ، وتعيين الشمسية للأعياد ، ومعلوم أنّ الأعياد في الدرجة الثانية من أحوال البشر لأنّها راجعة إلى التحسين ، فأمّا ضبط الأشهر فيرجع إلى الحاجي . فألْهم الله البشر ، فيما ألهمهم من تأسيس أصول حضارتهم ، أن اتّخذوا نظاماً لتوقيت أعمالهم المحتاجة للتوقيت ، وأن جعلوه مستنداً إلى مشاهَدات بيّنة واضحة لسائر الناس ، لا تنحجب عنهم إلا قليلاً في قليل ، ثمّ لا تلبث أن تلوح لهم واضحة باهرة ، وألهمهم أن اهتدوا إلى ظواهر ممّا خلق الله له نظاماً مطرداً . وذلك كواكب السماء ومنازلها ، كما قال في بيان حكمة ذلك { هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلاّ بالحق } [ يونس : 5 ] ، وإن جعلوا توقيتهم اليومي مستنداً إلى ظهور نور الشمس ومغيبه عنهم ، لأنّهم وجدوه على نظام لا يتغيّر ، ولاشتراك الناس في مشاهدة ذلك ، وبذلك تنظم اليومُ والليلة ، وجعلوا توقيتهم الشهري بابتداء ظهور أول أجزاء القمر وهو المسمّى هلالاً إلى انتهاء محاقه فإذا عاد إلى مثل الظهور الأول فذلك ابتداء شَهْر آخر ، وجعلوا مراتب أعداد أجزاء المدّة المسمّاةِ بالشهر مرتّبة بتزايد ضوء النصف المضيء من القمر كلّ ليلة ، وبإعانة منازل ظهور القمر كلّ ليلة حذوَ شكل من النجوم سَمَّوه بالمنازل .

وقد وجدوا ذلك على نظام مطّرد ، ثم ألهمهم فرقبوا المدّة التي عاد فيها الثمَر أو الكلأ الذي ابتدأوا في مثله العَدّ وهي أوقات الفصول الأربعة ، فوجدوها قد احتوت على اثني عشر شهراً فسمّوا تلك المدّة عاماً ، فكانت الأشهر لذلك اثني عشر شهراً ، لأنّ ما زاد على ذلك يعود إلى مثل الوقت الذي ابتدأوا فيه الحساب أوّل مرّة ، ودعوها بأسماء لتمييز بعضها عن بعض دفعاً للغلط ، وجعلوا لابتداء السنين بالحوادث على حسب اشتهارها عندهم ، إن أرادوا ذلك وذلك واسع عليهم ، فلمّا أراد الله أن يجعل للناس عبادات ومواسم وأعياداً دورية تكون مرّة في كلّ سنة ، أمرهم أن يجعلوا العبادة في الوقت المماثل لوقت أختها ففرض على إبراهيم وبَنِيه حجّ البيت كلّ سنة في الشهر الثاني عشر ، وجعل لهم زمناً محترماً بينهم يأمنون فيه على نفوسهم وأموالهم ويستطيعون فيه السفر البعيد وهي الأشهر الحرم ، فلمّا حصل ذلك كله بمجموع تكوين الله تعالى للكواكب ، وإيداعه الإلهام بالتفطّن لحكمتها ، والتمكّن من ضبط مطرد أحوالها ، وتعيينه ما عين من العبادات والأعمال بمواقيتها ، كان ذلك كلّه مراداً عنده فلذلك قال : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض } .

فمعنى قوله : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً } : أنّها كذلك في النظام الذي وضَع عليه هذه الأرض التي جعلها مقرَّ البشر باعتبار تمايز كلّ واحد فيها عن الآخر ، فإذا تجاوزت الاثني عشر صار ما زاد على الاثني عشر مماثلاً لنظير له في وقت حلوله فاعتبر شيئاً مكرّراً .

و { عند الله } معناه في حكمه وتقديره ، فالعندية مجاز في الاعتبار والاعتداد ، وهو ظرف معمول ل { عدّة } أو حال من { عدّة } و { في كتاب الله } صفة ل { اثنا عشر شهراً } .

ومعنى { في كتاب الله } في تقديره ، وهو التقدير الذي به وُجدت المقدورات ، أعني تعلقّ القدرة بها تعلّقاً تنجيزياً كقوله : { كتابا مؤجلا } [ آل عمران : 145 ] أي قدرا محدّداً ، فكتاب هنا مصدر .

بيان ذلك أنّه لمّا خلق القمر على ذلك النظام أراد من حكمته أن يكون طريقاً لحساب الزمان كما قال : { وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب } [ يونس : 5 ] ولذلك قال هنا { يوم خلق السماوات والأرض } ف { يومَ } ظرف ل { كتاب الله } بمعنى التقدير الخاصّ ، فإنّه لما خلق السماوات والأرض كان ممّا خلَق هذا النظامُ المنتسب بين القمر والأرض .

ولهذا الوجه ذُكرت الأرض مع السماوات دون الاقتصار على السماوات ، لأنّ تلك الظواهر التي للقمر ، وكان بها القمر مجزَّءاً أجزاء ، منذُ كونِه هلالاً ، إلى رُبعه الأول ، إلى البدر ، إلى الربُع الثالث ، إلى المحاق ، وهي مقادير الأسابيع ، إنّما هي مظاهر بحسب سمته من الأرض وانطباع ضوء الشمس على المقدار البادي منه للأرض .

ولأنّ المنازل التي يحلّ فيها بعدد ليالي الشهر هي منازل فرضية بمرأى العين على حسب مسامتته الأرض من ناحية إحدى تلك الكُتل من الكواكب ، التي تبدو للعين مجتمعة ، وهي في نفس الأمر لها أبعاد متفاوتة لا تآلف بينها ولا اجتماع ، ولأنّ طلوع الهلال في مثل الوقت الذي طلع فيه قبلَ أحد عشر طلوعاً من أي وقت ابتُدىءَ منه العد من أوقات الفصول ، إنّما هو باعتبار أحوال أرضية .

فلا جرم كان نظام الأشهر القمرية وسنَتُها حاصلاً من مجموع نظام خلق الأرض وخلق السماوات ، أي الأجرام السماوية وأحوالها في أفلاكها ، ولذلك ذكرت الأرض والسماوات معاً .

وهذه الأشهر معلومة بأسمائها عند العرب ، وقد اصطلحوا على أن جعلوا ابتداء حسابها بعد موسم الحجّ ، فمبدأ السنة عندهم هو ظهور الهلال الذي بعد انتهاء الحجّ وذلك هلال المحرّم ، فلذلك كان أول السنة العربية شهر المحرم بلا شكّ ، ألا ترى قول لبيد :
حتى إذا سَلَخَا جمادَى سِتةً ... جَزْءا فطَال صيامُه وصِيامها
أراد جمادى الثانية فوصفه بستّة لأنّه الشهر السادس من السنة العربية .

وقرأ الجمهور { اثنا عشر } بفتح شين { عشر } وقرأه أبو جعفر { اثنا عْشَرَ } بسكون عين { عشر } مع مدّ ألف اثنا مُشْبَعاً .

والأربعة الحرم هي المعروفة عندهم : ثلاثة منها متوالية لا اختلاف فيها بين العرب وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ، والرابع فرد وهو رجب عند جمهور العرب ، إلاّ ربيعة فهم يجعلون الرابع رمضان ويسمّونه رَجَباً ، وأحسب أنّهم يصفونه بالثاني مثل ربيع وجمادى ، ولا اعتداد بهؤلاء لأنّهم شذّوا كما لم يعتدّ بالقبيلة التي كانت تُحلّ أشهر السنة كلَّها ، وهي قضاعة .

وقد بيّن إجمال هذه الآية النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجّة الوداع بقوله : { منها أربعة حرم } « ذو القعدة وذو الحجّة والمحرم ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان »."
أنتهى كلامه رحمه الله تعالى
 
عودة
أعلى