أبو سعد الغامدي
New member
- إنضم
- 26/02/2009
- المشاركات
- 1,878
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
وترى الجبال
(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) سورة النمل (88) [/align]
لقد أخبر تبارك وتعالى عن أحوال مختلفة للجبال يوم القيامه ، فأخبر تعالى أنها تُسير وأنها تكون كثيبا مهيلا وأنها توكن كالعهن وأنها تنسف وأنها تبس ، وأنها تدك .
وتعالوا نتأمل كل حال من هذه الأحوال قال تعالى :
(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) سورة الكهف (47)
والذي يظهر لي في معنى التسيير هنا والله أعلم أنه الإزالة فلا يبقى لها وجود وهذا هو نفس المعنى في قوله تعالى :
(وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ) سورة التكوير (3)
(وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ) النبأ(20)
أي سيرت وأصبحت كالسراب لا حقيقة لها ولا وجود .
أما قوله تعالى في سورة الطور (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)) فهذا والله أعلم أنها المرحلة الأولى في اختلال نظام الكون فتمور السماء وكلمة (مور موحية بالحركة الشديدة) وتسير الجبال وذلك والله أعلم يكون بانفصالها عن الأرض نتيجة الحركة الشديدة غير المعتادة ، ثم يتبع هذه الحركة الرجف والرج ثم النسف والبث ثم الدك كما هو في الآيات :
(يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا ) سورة المزمل(14)
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) سورة طه
(وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ) سورة المرسلات (10)
(إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)) سورة الواقعة
(وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ) سورة الحاقة(14) ،
وهذا يفسر لي مراحل تسيير الجبال الذي هو بمعنى إزالتها المذكروة في سورة الكهف والتكوير والنبأ.
أما وصفه تعالى للجبال بالعهن في قوله تعالى :
(يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) سورة المعارج
(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) سورة القارعة
فأعتقد والله أعلم أنه تصوير للحال المغاير لما هي عليه في الدنيا فتتحول السماء المحكمة البنيان إلى حالة واهنة لا تتماسك ، وتتحول الجبال الصلبة القاسية إلى حالة من النعومة والرقة.
ويتأكد هذا المعنى في صورة القارعة حيث صور الناس في كثرتهم وضعفهم واضطراب حركتهم كالفراش إذا انتثر، والجبال في تفكك أجزائها وتناثرها كالعهن المنفوش .
ولعل هذا الصورة أو الحالة هي نفسها المذكورة في سورة الواقعة والمعبر عنها في قوله تعالى : فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)
أما آية سورة النمل : (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) سورة النمل (88)
فكونها من أحوال يوم القيامة كما هو عليه أكثر المفسرين ففي النفس منه شيء ، وذلك للآتي:
أولاً: جاءت بعد قول الله تعالى :
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ) سورة النمل(87)
وهذا هي النفخة الثانية نفخة الفزع نفخة البعث من القبور ، وهي المذكورة في قوله تعالى في سورة الزمر:
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) سورة الزمر (68)
والبعث يكون على أرض ليس فيها جبال كما هو في قول الله تعالى :
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) سورة طه
وكما هو في قوله تعالى في سورة إبراهيم:
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) سورة ابراهيم (48)
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ"
أما ما يحدث من تغير للأرض والجبال فهو يكون مع النفخة الأولى نفخة الصعق وهي المذكورة في سورة الزمر وفي سورة الحاقة في قوله تعالى: ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16))
الأمر الثاني : أن الله قال : (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) وهو ما يبدو لنا في هذه الحياة أن الجبال جامدة ، أما ما أخبر به عنها في الآخرة فهو يصف لنا حقيقة ما يحدث من تسيير وحمل ونسف وبس ونفش ودك ، وهذه كلها وردت في سياق التخويف من هول ذلك اليوم والتأكيد على أن نظام هذا الكون سيختل يوما ما بأمر الله فلا نغتر ونظن أن هذا الثبات أزلي وأنه سيبقى كذلك.
الأمر الثالث: قوله تعالى : (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) وهذا فيه إشارة إلى طبيعة هذه الحركة وهي أنها ليست حركة ذاتيه لأن السحاب لا يتحرك حركة ذاتيه بل بواسطة دفع الرياح له ، ولو توقفت الرياح لبقي السحاب مكانه ، وفيه إشارة أخرى وهي أن مرور السحاب مهما بلغت سرعة مروره يمر بلطف لا يؤثر على حياة الإنسان على هذه الأرض وكذلك هي حركة الأرض حركة خفية لطيفة لا يشعر بها من يعيش على سطحها. ومثال على هذه الحركة اللطيفة راكب الطائرة فهو لا يشعر بسرعتها التي قد تبلغ الألف كيلومتر في الساعة حتى لو نظر من النافذة فإنه لا يشعر بسرعتها الهائلة.
الأمر الرابع : قوله تعالى : ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) فيه لفت للعقول إلى انتظام أمر الخلق وهذا ما يتناسب مع المطلوب من الإنسان في هذه الحياة الدنيا .
الأمر الخامس : قوله تعالى : (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) وهذا التذييل للآية فيه إشارة إلى خفاء هذا الأمر على الناس ، وإذا خفي هذا عليهم لكنه لا يخفى على الله الذي صنعه واتقنه ، بل لا يخفى عليه ما هو أقل شأنا من هذا وهو أفعالهم مهما دقت .
فالآية بجميع ألفاظها وموحياتها لا تتفق مع ما توحي به الآيات التي تصف التغير الذي سيحدث عند قيام الساعة حيث إنه يثير الرهبة والخوف في النفوس بخلاف هذه الآية.
وأما قول المعترض أنها جاءت في سياق الكلام على الآخرة فهذا لايمنع من أنها في الدنيا كما في قوله تعالى في الآية قبلها: ( أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) سورة النمل(86) ، فهي بمثابة الجمل المعترضة للتنبيه على أمر ما وهو كثير في القرآن.
بقي أن نقول : إذن إلى أي شيء تشير الآية ؟
والجواب :
أنها تشير إلى حركة الأرض التي تشير إليها الآيات الأخرى الأقوى دلالة وهي قول الله تعالى:
(وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) سورة النحل (15)
(وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) سورة ألنبياء (31)
(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) سورة لقمان (10)
والميد هو الحركة الشديدة المضطربة ، قال في تاج العروس: مَادَ الشيءُ يَمِيدُ مَيْداً ومَيَدَاناً محرَّكَةً : تَحَرَّكَ بِشِدَّة ومنه قوله تعالى " أَنْ تَمِيدَ بِكُم " أَي تَضْطَرِب بكم وتَدُور بكم وتُحَرِّككم حَرَكَةً شديدةً كذا في البصائر . تاج العروس - (ج 1 / ص 2283)
ولو كانت الأرض ساكنة في الأصل لما أحتاجت إلى تثبيت ، لكنها كانت متحركة والجبال هي التي تجعل حركتها منتظمة بقدرة الله تعالى.
وإذا كانت الأدلة على حركة الأرض ليست صريحة فكذلك الأدلة على عدم حركتها ليست صريحة ، وإذا ترجح عندنا أحد الطرفين فلا مانع من القول به . وقد ترجح دوران الأرض بما لا يدع مجال للشك من خلال الصور الفضائية ومن خلال الأقمار الصناعية المثبتة في الفضاء الخارجي بسرعة متناسبة مع دوران الأرض.
أما كون الأرض تدور حول الشمس فهذا مخالف لظاهر القرآن ، والأصل أن نتمسك بهذا الظاهر حتى يقوم الدليل على أن الظاهر غير مراد.
وكل ما توصل إليه في هذا الشأن من قبل العلم الحديث لا يزال في حيز النظريات ولم يبلغ الحقائق العلمية القاطعة .
وللكلام بقية.
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
كتبه محب القرآن الكريم
وترى الجبال
(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) سورة النمل (88) [/align]
لقد أخبر تبارك وتعالى عن أحوال مختلفة للجبال يوم القيامه ، فأخبر تعالى أنها تُسير وأنها تكون كثيبا مهيلا وأنها توكن كالعهن وأنها تنسف وأنها تبس ، وأنها تدك .
وتعالوا نتأمل كل حال من هذه الأحوال قال تعالى :
(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) سورة الكهف (47)
والذي يظهر لي في معنى التسيير هنا والله أعلم أنه الإزالة فلا يبقى لها وجود وهذا هو نفس المعنى في قوله تعالى :
(وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ) سورة التكوير (3)
(وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ) النبأ(20)
أي سيرت وأصبحت كالسراب لا حقيقة لها ولا وجود .
أما قوله تعالى في سورة الطور (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)) فهذا والله أعلم أنها المرحلة الأولى في اختلال نظام الكون فتمور السماء وكلمة (مور موحية بالحركة الشديدة) وتسير الجبال وذلك والله أعلم يكون بانفصالها عن الأرض نتيجة الحركة الشديدة غير المعتادة ، ثم يتبع هذه الحركة الرجف والرج ثم النسف والبث ثم الدك كما هو في الآيات :
(يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا ) سورة المزمل(14)
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) سورة طه
(وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ) سورة المرسلات (10)
(إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)) سورة الواقعة
(وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ) سورة الحاقة(14) ،
وهذا يفسر لي مراحل تسيير الجبال الذي هو بمعنى إزالتها المذكروة في سورة الكهف والتكوير والنبأ.
أما وصفه تعالى للجبال بالعهن في قوله تعالى :
(يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) سورة المعارج
(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) سورة القارعة
فأعتقد والله أعلم أنه تصوير للحال المغاير لما هي عليه في الدنيا فتتحول السماء المحكمة البنيان إلى حالة واهنة لا تتماسك ، وتتحول الجبال الصلبة القاسية إلى حالة من النعومة والرقة.
ويتأكد هذا المعنى في صورة القارعة حيث صور الناس في كثرتهم وضعفهم واضطراب حركتهم كالفراش إذا انتثر، والجبال في تفكك أجزائها وتناثرها كالعهن المنفوش .
ولعل هذا الصورة أو الحالة هي نفسها المذكورة في سورة الواقعة والمعبر عنها في قوله تعالى : فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)
أما آية سورة النمل : (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) سورة النمل (88)
فكونها من أحوال يوم القيامة كما هو عليه أكثر المفسرين ففي النفس منه شيء ، وذلك للآتي:
أولاً: جاءت بعد قول الله تعالى :
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ) سورة النمل(87)
وهذا هي النفخة الثانية نفخة الفزع نفخة البعث من القبور ، وهي المذكورة في قوله تعالى في سورة الزمر:
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) سورة الزمر (68)
والبعث يكون على أرض ليس فيها جبال كما هو في قول الله تعالى :
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) سورة طه
وكما هو في قوله تعالى في سورة إبراهيم:
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) سورة ابراهيم (48)
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ"
أما ما يحدث من تغير للأرض والجبال فهو يكون مع النفخة الأولى نفخة الصعق وهي المذكورة في سورة الزمر وفي سورة الحاقة في قوله تعالى: ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16))
الأمر الثاني : أن الله قال : (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) وهو ما يبدو لنا في هذه الحياة أن الجبال جامدة ، أما ما أخبر به عنها في الآخرة فهو يصف لنا حقيقة ما يحدث من تسيير وحمل ونسف وبس ونفش ودك ، وهذه كلها وردت في سياق التخويف من هول ذلك اليوم والتأكيد على أن نظام هذا الكون سيختل يوما ما بأمر الله فلا نغتر ونظن أن هذا الثبات أزلي وأنه سيبقى كذلك.
الأمر الثالث: قوله تعالى : (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) وهذا فيه إشارة إلى طبيعة هذه الحركة وهي أنها ليست حركة ذاتيه لأن السحاب لا يتحرك حركة ذاتيه بل بواسطة دفع الرياح له ، ولو توقفت الرياح لبقي السحاب مكانه ، وفيه إشارة أخرى وهي أن مرور السحاب مهما بلغت سرعة مروره يمر بلطف لا يؤثر على حياة الإنسان على هذه الأرض وكذلك هي حركة الأرض حركة خفية لطيفة لا يشعر بها من يعيش على سطحها. ومثال على هذه الحركة اللطيفة راكب الطائرة فهو لا يشعر بسرعتها التي قد تبلغ الألف كيلومتر في الساعة حتى لو نظر من النافذة فإنه لا يشعر بسرعتها الهائلة.
الأمر الرابع : قوله تعالى : ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) فيه لفت للعقول إلى انتظام أمر الخلق وهذا ما يتناسب مع المطلوب من الإنسان في هذه الحياة الدنيا .
الأمر الخامس : قوله تعالى : (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) وهذا التذييل للآية فيه إشارة إلى خفاء هذا الأمر على الناس ، وإذا خفي هذا عليهم لكنه لا يخفى على الله الذي صنعه واتقنه ، بل لا يخفى عليه ما هو أقل شأنا من هذا وهو أفعالهم مهما دقت .
فالآية بجميع ألفاظها وموحياتها لا تتفق مع ما توحي به الآيات التي تصف التغير الذي سيحدث عند قيام الساعة حيث إنه يثير الرهبة والخوف في النفوس بخلاف هذه الآية.
وأما قول المعترض أنها جاءت في سياق الكلام على الآخرة فهذا لايمنع من أنها في الدنيا كما في قوله تعالى في الآية قبلها: ( أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) سورة النمل(86) ، فهي بمثابة الجمل المعترضة للتنبيه على أمر ما وهو كثير في القرآن.
بقي أن نقول : إذن إلى أي شيء تشير الآية ؟
والجواب :
أنها تشير إلى حركة الأرض التي تشير إليها الآيات الأخرى الأقوى دلالة وهي قول الله تعالى:
(وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) سورة النحل (15)
(وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) سورة ألنبياء (31)
(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) سورة لقمان (10)
والميد هو الحركة الشديدة المضطربة ، قال في تاج العروس: مَادَ الشيءُ يَمِيدُ مَيْداً ومَيَدَاناً محرَّكَةً : تَحَرَّكَ بِشِدَّة ومنه قوله تعالى " أَنْ تَمِيدَ بِكُم " أَي تَضْطَرِب بكم وتَدُور بكم وتُحَرِّككم حَرَكَةً شديدةً كذا في البصائر . تاج العروس - (ج 1 / ص 2283)
ولو كانت الأرض ساكنة في الأصل لما أحتاجت إلى تثبيت ، لكنها كانت متحركة والجبال هي التي تجعل حركتها منتظمة بقدرة الله تعالى.
وإذا كانت الأدلة على حركة الأرض ليست صريحة فكذلك الأدلة على عدم حركتها ليست صريحة ، وإذا ترجح عندنا أحد الطرفين فلا مانع من القول به . وقد ترجح دوران الأرض بما لا يدع مجال للشك من خلال الصور الفضائية ومن خلال الأقمار الصناعية المثبتة في الفضاء الخارجي بسرعة متناسبة مع دوران الأرض.
أما كون الأرض تدور حول الشمس فهذا مخالف لظاهر القرآن ، والأصل أن نتمسك بهذا الظاهر حتى يقوم الدليل على أن الظاهر غير مراد.
وكل ما توصل إليه في هذا الشأن من قبل العلم الحديث لا يزال في حيز النظريات ولم يبلغ الحقائق العلمية القاطعة .
وللكلام بقية.
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
كتبه محب القرآن الكريم