محمد سلامة المصري
Member
قال الله: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج"
البقرة 189
لا يجزم المفسرون أن سؤال السائلين كان عن "الحكمة" من اختلاف أطوار القمر، إذ قيل: جائز أن سؤالهم كان سؤالا علميا فلكيا عن سبب تغير شكل القمر خلال الشهر، فصرف الله سؤالهم لمعنى مفيد شرعا.
محمد أبو زهرة:
"كان الناس من اليهود والمشركين وبعض المسلمين يسألون عن أمور ليست من الدين، وقد تكون عن الكون، وما يجري فيه أمر الوجود.
وما كانت الشريعة الإلهية لذلك، إنما هي لبيان ما يعبد الله تعالى به، وما يصلح به العباد في معاشهم..
فليس منها لماذا كانت الشمس مضيئة كحجمها، والقمر نور يتغير حجمه من هلال كالخيط، ثم يزيد، حتى يصير بدرا، ثم يأخذ مرة ثانية في الضيق حتى يكون المحاق.
كانوا يسألون هذه الأسئلة، وهي في موضوعها معقولة من حيث علم الخلق والتكوين والبحث في أسرار الوجود، ولكنها ليست من أحكام الدين وما يجب أن يبينه ويعلم الناس به..
بل أمره إليهم، يتعلمونه ويتعرفونه ويذاكرونه على أمور دنياهم، لا من أمور دينهم الذي به صلاح معاشهم ومعادهم.
ولذلك لما سألوا هذه الأسئلة التي لا تتعلق بعلم الدين صرف الله تعالى نظرهم، وأخذهم إلى الناحية الدينية التي يجب أن يعرفوها ويدركوها، فقال تعالى: (قل هي مواقيت للناس والحج) وهذا لفت لهم إلى أن الواجب أن يسألوا عن فوائدها في الدين والمعاملات.
وهذا يقال عنه في علوم البلاغة الأسلوب الحكيم، وذلك هو أن يكون السؤال في غير موضعه فيجيب المسئول عن أمر آخر هو الذي ينبغي أن يكون السؤال فيه.
(زهرة التفاسير) (2/ 572)
ابن عاشور:
"يحتمل السؤال عن الحكمة ويحتمل السؤال عن السبب، فإن كان عن الحكمة فالجواب بقوله: قل هي مواقيت للناس جار على وفق السؤال...
وإن كان السؤال عن السبب فالجواب بقوله (قل هي مواقيت) غير مطابق للسؤال، فيكون إخراجا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر بصرف السائل إلى غير ما يتطلب، تنبيها على أن ما صرف إليه هو المهم له،
لأنهم في مبدأ تشريع جديد والمسئول هو الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان المهم لهم أن يسألوه عما ينفعهم في صلاح دنياهم وأخراهم، وهو معرفة كون الأهلة ترتبت عليها آجال المعاملات والعبادات كالحج والصيام والعدة، ولذلك صرفهم عن بيان مسؤولهم إلى بيان فائدة أخرى، لا سيما والرسول لم يجيء مبينا لعلل اختلاف أحوال الأجرام السماوية"
(التحرير والتنوير) (2/ 194)
القاسمي:
"الجواب على الرواية الثانية في سبب نزول الآية من الأسلوب الحكيم. وهو تلقي السائل بغير ما يتطلب، بتنزيل سؤاله منزلة غيره، تنبيها للسائل على أن ذلك الغير هو الأولى بحاله أو المهم له.
فلما سألوا عن السبب الفاعلي للتشكلات النورية في الهلال، أجيبوا بما ترى من السبب الغائي. تنبيها على أن السؤال عن الغاية والفائدة هو أليق بحالهم. لأن درك الأسباب الفاعلية لتلك التشكلات مبني على أمور من علم الهيئة لا عناية للشرع بها.
فلو أجيبوا: بأن اختلاف تشكلات الهلال بقدر محاذاته للشمس، فإذا حاذاها طرف منه استنار ذلك الطرف، ثم تزداد المحاذاة والاستنارة حتى إذا تمت بالمقابلة امتلأ، ثم تنقص المحاذاة والاستنارة حتى إذا حصل الاجتماع أظلم بالكلية، لكان هذا الجواب اشتغالا بعلم الهيئة الذي لا ينتفع به في الدين، ولا يتعلق به صلاح معاشهم ومعادهم"
(تفسير القاسمي = محاسن التأويل) (2/ 54)
الشاطبي:
"إنا رأينا الشارع يعرض عما لا يفيد عملا مكلفا به؛ ففي القرآن الكريم: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج)
فوقع الجواب بما يتعلق به العمل؛ إعراضا عما قصده السائل من السؤال عن الهلال: "لم يبدو في أول الشهر دقيقا كالخيط، ثم يمتلئ حتى يصير بدرا، ثم يعود إلى حالته الأولى؟"
(الموافقات) (1/ 43)
فالقرآن يصرف السائل عن أن يبحث عن علوم الدنيا في نصوص الشرع!!
يرشدنا للحكمة من الظواهر الفلكية، لا للأسباب العلمية لهذه الظواهر.. على عكس أسلوب التفسير "العلمي" للقرآن.
التفكر في خلق السماوات والأرض يكون لأخذ العبرة والعظة، (ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها)، لا لتفسير الآيات علميا.
=====
إضافة:
اعترض على هذا التفسير محمد عبده ورشيد رضا في المنار، والسيوطي في الإتقان في علوم القرآن، والعثيمين في تفسيره لسورة البقرة.
البقرة 189
لا يجزم المفسرون أن سؤال السائلين كان عن "الحكمة" من اختلاف أطوار القمر، إذ قيل: جائز أن سؤالهم كان سؤالا علميا فلكيا عن سبب تغير شكل القمر خلال الشهر، فصرف الله سؤالهم لمعنى مفيد شرعا.
محمد أبو زهرة:
"كان الناس من اليهود والمشركين وبعض المسلمين يسألون عن أمور ليست من الدين، وقد تكون عن الكون، وما يجري فيه أمر الوجود.
وما كانت الشريعة الإلهية لذلك، إنما هي لبيان ما يعبد الله تعالى به، وما يصلح به العباد في معاشهم..
فليس منها لماذا كانت الشمس مضيئة كحجمها، والقمر نور يتغير حجمه من هلال كالخيط، ثم يزيد، حتى يصير بدرا، ثم يأخذ مرة ثانية في الضيق حتى يكون المحاق.
كانوا يسألون هذه الأسئلة، وهي في موضوعها معقولة من حيث علم الخلق والتكوين والبحث في أسرار الوجود، ولكنها ليست من أحكام الدين وما يجب أن يبينه ويعلم الناس به..
بل أمره إليهم، يتعلمونه ويتعرفونه ويذاكرونه على أمور دنياهم، لا من أمور دينهم الذي به صلاح معاشهم ومعادهم.
ولذلك لما سألوا هذه الأسئلة التي لا تتعلق بعلم الدين صرف الله تعالى نظرهم، وأخذهم إلى الناحية الدينية التي يجب أن يعرفوها ويدركوها، فقال تعالى: (قل هي مواقيت للناس والحج) وهذا لفت لهم إلى أن الواجب أن يسألوا عن فوائدها في الدين والمعاملات.
وهذا يقال عنه في علوم البلاغة الأسلوب الحكيم، وذلك هو أن يكون السؤال في غير موضعه فيجيب المسئول عن أمر آخر هو الذي ينبغي أن يكون السؤال فيه.
(زهرة التفاسير) (2/ 572)
ابن عاشور:
"يحتمل السؤال عن الحكمة ويحتمل السؤال عن السبب، فإن كان عن الحكمة فالجواب بقوله: قل هي مواقيت للناس جار على وفق السؤال...
وإن كان السؤال عن السبب فالجواب بقوله (قل هي مواقيت) غير مطابق للسؤال، فيكون إخراجا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر بصرف السائل إلى غير ما يتطلب، تنبيها على أن ما صرف إليه هو المهم له،
لأنهم في مبدأ تشريع جديد والمسئول هو الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان المهم لهم أن يسألوه عما ينفعهم في صلاح دنياهم وأخراهم، وهو معرفة كون الأهلة ترتبت عليها آجال المعاملات والعبادات كالحج والصيام والعدة، ولذلك صرفهم عن بيان مسؤولهم إلى بيان فائدة أخرى، لا سيما والرسول لم يجيء مبينا لعلل اختلاف أحوال الأجرام السماوية"
(التحرير والتنوير) (2/ 194)
القاسمي:
"الجواب على الرواية الثانية في سبب نزول الآية من الأسلوب الحكيم. وهو تلقي السائل بغير ما يتطلب، بتنزيل سؤاله منزلة غيره، تنبيها للسائل على أن ذلك الغير هو الأولى بحاله أو المهم له.
فلما سألوا عن السبب الفاعلي للتشكلات النورية في الهلال، أجيبوا بما ترى من السبب الغائي. تنبيها على أن السؤال عن الغاية والفائدة هو أليق بحالهم. لأن درك الأسباب الفاعلية لتلك التشكلات مبني على أمور من علم الهيئة لا عناية للشرع بها.
فلو أجيبوا: بأن اختلاف تشكلات الهلال بقدر محاذاته للشمس، فإذا حاذاها طرف منه استنار ذلك الطرف، ثم تزداد المحاذاة والاستنارة حتى إذا تمت بالمقابلة امتلأ، ثم تنقص المحاذاة والاستنارة حتى إذا حصل الاجتماع أظلم بالكلية، لكان هذا الجواب اشتغالا بعلم الهيئة الذي لا ينتفع به في الدين، ولا يتعلق به صلاح معاشهم ومعادهم"
(تفسير القاسمي = محاسن التأويل) (2/ 54)
الشاطبي:
"إنا رأينا الشارع يعرض عما لا يفيد عملا مكلفا به؛ ففي القرآن الكريم: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج)
فوقع الجواب بما يتعلق به العمل؛ إعراضا عما قصده السائل من السؤال عن الهلال: "لم يبدو في أول الشهر دقيقا كالخيط، ثم يمتلئ حتى يصير بدرا، ثم يعود إلى حالته الأولى؟"
(الموافقات) (1/ 43)
فالقرآن يصرف السائل عن أن يبحث عن علوم الدنيا في نصوص الشرع!!
يرشدنا للحكمة من الظواهر الفلكية، لا للأسباب العلمية لهذه الظواهر.. على عكس أسلوب التفسير "العلمي" للقرآن.
التفكر في خلق السماوات والأرض يكون لأخذ العبرة والعظة، (ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها)، لا لتفسير الآيات علميا.
=====
إضافة:
اعترض على هذا التفسير محمد عبده ورشيد رضا في المنار، والسيوطي في الإتقان في علوم القرآن، والعثيمين في تفسيره لسورة البقرة.