آيات الصيام حكم وأحكام " دعوة للتأمل "

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,318
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
في هذا الشهر الكريم دعوة لأعضاء الملتقى لتدارس آيات الصيام واستنباط ما فيها من حكم وأحكام وسوف أذكرها تباعاً ان شاء الله , حيث سأذكر مقدمة مشتملة على بعض الفوائد المستنبطة من كل آية , وأدع المجال لإستنباط البقية :

الآية الأولى : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون "
ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره الفوائد المستنبطة من هذه الآية فقال :
1 ــــ من فوائد الآية: أهمية الصيام؛ لأن الله تعالى صدره بالنداء؛ وأنه من مقتضيات الإيمان؛ لأنه وجه الخطاب إلى المؤمنين؛ وأنّ تركه مخل بالإيمان.
2 ــــ ومنها: فرضية الصيام؛ لقوله تعالى: { كتب }.
3 ــــ ومنها: فرض الصيام على من قبلنا من الأمم؛ لقوله تعالى: { كما كتب على الذين من قبلكم }.
4 ــــ ومنها: تسلية الإنسان بما ألزم به غيره ليهون عليه القيام به؛ لقوله تعالى: { كما كتب على الذين من قبلكم
5 ــــ ومنها: استكمال هذه الأمة لفضائل من سبقها، حيث كتب الله عليها ما كتب على من قبلها لتترقى إلى درجة الكمال كما ترقى إليها من سبقها.
6 ــــ ومنها: الحكمة في إيجاب الصيام؛ وهي تقوى الله؛ لقوله تعالى: { لعلكم تتقون }.
7 ــــ ومنها: فضل التقوى، وأنه ينبغي سلوك الأسباب الموصلة إليها؛ لأن الله أوجب الصيام لهذه الغاية؛ إذاً هذه الغاية غاية عظيمة؛ ويدل على عظمها أنها وصية الله للأولين، والآخرين؛ لقوله تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} [النساء: 131] .
ويتفرع على هذه الفائدة اعتبار الذرائع؛ يعني ما كان ذريعة إلى الشيء فإن له حكم ذلك الشيء؛ فلما كانت التقوى واجبة كانت وسائلها واجبة؛ ولهذا يجب على الإنسان أن يبتعد عن مواطن الفتن: لا ينظر إلى المرأة الأجنبية؛ ولا يكلمها كلاماً يتمتع به معها؛ لأنه يؤدي إلى الفتنة، ويكون ذريعة إلى الفاحشة؛ فيجب اتقاء ذلك؛ حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر من سمع بالدجال أن يبتعد عنه حتى لا يقع في فتنته(1).
8- ومن فوائد الآية: حكمة الله سبحانه وتعالى بتنويع العبادات؛ لأننا إذا تدبرنا العبادات وجدنا أن العبادات متنوعة؛ منها ما هو مالي محض؛ ومنها ما هو بدني محض؛ ومنها ما هو مركب منهما: بدني، ومالي؛ ومنها ما هو كفّ ــــ ليتم اختبار المكلف؛ لأن من الناس من يهون عليه العمل البدني دون بذل المال؛ ومنهم من يكون بالعكس؛ ومن الناس من يهون عليه بذل المحبوب؛ ويشق عليه الكف عن المحبوب ومنهم من يكون بالعكس؛ فمن ثَم نوَّع الله سبحانه وتعالى بحكمته العبادات؛ فالصوم كف عن المحبوب قد يكون عند بعض الناس أشق من بذل المحبوب؛ ومن العجائب في زمننا هذا أن من الناس من يصبر على الصيام، ويعظمه؛ ولكن لا يصبر على الصلاة، ولا يكون في قلبه من تعظيم الصلاة ما في قلبه من تعظيم الصيام؛ تجده يصوم رمضان لكن الصلاة لا يصلي إلا من رمضان إلى رمضان ــــ إن صلى في رمضان؛ وهذا لا شك خطأ في التفكير؛ لكن الصلاة حيث إنها تتكرر كل يوم صار هيناً على هذا الإنسان تركها؛ والصوم يكون عنده تركه صعباً؛ ولهذا إذا أرادوا ذم إنسان قالوا: إنه لا يصوم، ولا يصلي ــــ يبدؤون بالصوم.
يتبع ...
 
الآية الثانية :
{)أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:184)

ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره الفوائد المستنبطة من هذه الآية فقال :

1 ــــ من فوائد الآية: أن الصوم أيامه قليلة؛ لقوله تعالى: { أياماً معدودات ].

2 ــــ ومنها: التعبير بكلمات يكون بها تهوين الأمر على المخاطب؛ لقوله تعالى: { أياماً معدودات }.

3 ــــ ومنها: رحمة الله عز وجل بعباده؛ لقلة الأيام التي فرض عليهم صيامها.

4 ــــ ومنها: أن المشقة تجلب التيسير؛ لقوله تعالى: { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر }؛ لأن المرض، والسفر مظنة المشقة.

5 ــــ ومنها: جواز الفطر للمرض؛ ولكن هل المراد مطلق المرض - وإن لم يكن في الصوم مشقة عليه؛ أو المراد المرض الذي يشق معه الصوم، أو يتأخر معه البرء؟ الظاهر الثاني؛ وهو مذهب الجمهور؛ لأنه لا وجه لإباحة الفطر بمرض لا يشق معه الصوم، أو لا يتأخر معه البرء؛ هذا وللمريض حالات:

الأولى: أن لا يضره الصوم، ولا يشق عليه؛ فلا رخصة له في الفطر.

الثانية: أن يشق عليه، ولا يضره؛ فالصوم في حقه مكروه؛ لأنه لا ينبغي العدول عن رخصة الله.

الثالثة: أن يضره الصوم؛ فالصوم في حقه محرم؛ لقوله تعالى: { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً } [النساء: 29] .

6 ــــ ومن فوائد الآية: جواز الفطر في السفر؛ لقوله تعالى: { أو على سفر فعدة من أيام أخر }؛ وللمسافر باعتبار صومه في سفره حالات ثلاث:

الأولى: أن لا يكون فيه مشقة إطلاقاً؛ يعني: ليس فيه مشقة تزيد على صوم الحضر؛ ففي هذه الحال الصوم أفضل؛ وإن أفطر فلا حرج؛ ودليله أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر، كما في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «خرجنا مع رسول الله (ص) في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحرّ؛ وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة»(1)؛ ولأن الصوم في السفر أسرع في إبراء ذمته؛ ولأنه أسهل عليه غالباً لكون الناس مشاركين له، وثقلِ القضاء غالباً؛ ولأنه يصادف شهر الصوم - وهو رمضان.

الحال الثانية: أن يشق عليه الصوم مشقة غير شديدة؛ فهنا الأفضل الفطر؛ والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فرأى زحاماً، ورجلاً قد ظُلل عليه، فسأل عنه، فقالوا: صائم؛ فقال (ص): «ليس من البر الصيام في السفر»(1)؛ فنفى النبي صلى الله عليه وسلم البر عن الصوم في السفر.

فإن قيل: إن من المتقرر في أصول الفقه أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ وهذا يقتضي نفي البر عن الصوم في السفر مطلقاً؟.

فالجواب: أن معنى قولنا: «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» يعني أن الحكم لا يختص بعين الذي ورد من أجله؛ وإنما يعم من كان مثل حاله؛ وقد نص على هذه القاعدة ابن دقيق العيد في شرح الحديث في العمدة؛ وهو واضح.

الحال الثالثة: أن يشق الصوم على المسافر مشقة شديدة؛ فهنا يتعين الفطر؛ ودليله: ما ثبت في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فشُكي إليه أن الناس قد شق عليهم الصيام وإنهم ينتظرون ما يفعل؛ فدعا بماء بعد العصر، فشربه، والناس ينظرون؛ ثم جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل له: إن بعض الناس قد صام فقال (ص): «أولئك العصاة! أولئك العصاة!»(2)؛ والمعصية لا تكون إلا في فعل محرم؛ أو ترك واجب.

7 ــــ ومن فوائد الآية: أن السفر الذي يباح فيه الفطر غير مقيد بزمن، ولا مسافة؛ لإطلاق السفر في الآية؛ وعلى هذا يرجع فيه إلى العرف: فما عده الناس سفراً فهو سفر؛ وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن تحديده بزمن، أو مسافة يحتاج إلى دليل.

8 ــــ ومنها: أن المتهيئ للسفر كالخارج فيه ــــ وإن كان في بلده؛ فإنه يجوز أن يفطر؛ وكان أنس بن مالك يفعل ذلك، ويقول: «السنة»(3)؛ لكن هذا الحديث فيه مقال؛ على ذلك.

9 ــــ ومن فوائد الآية: أن الظاهرية استدلوا بها على أن من صام في السفر لم يجزئه؛ لقوله تعالى: { فعدة من أيام أخر }، فأوجب الله سبحانه وتعالى على المريض، والمسافر عدة من أيام أخر؛ فمن صام وهو مريض، أو مسافر صار كمن صام قبل دخول رمضان، وقالوا: «إن الآية ليست فيها شيء محذوف»؛ وهذا القول لولا أن السنة بينت جواز الصوم لكان له وجه قوي؛ لأن الأصل عدم الحذف؛ لكن أجاب الجمهور عن هذا بأن الحذف متعين، وتقدير الكلام: فمن كان مريضاً، أو على سفر فأفطر فعليه عدة من أيام أخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام في رمضان في السفر والصحابة معه منهم الصائم، ومنهم المفطر، ولم يعب أحد على أحد(4)؛ ولو كان الصوم حراماً ما صامه النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنكر المفطر على الصائم.

10 ــــ ومن فوائد الآية: أنه لو صام عن أيام الصيف أيام الشتاء فإنه يجزئ؛ لقوله تعالى: { فعدة من أيام أخر وجهه: أن { أيام } نكرة.

11 ــــ ومنها: حكمة الله سبحانه وتعالى في التدرج بالتشريع، حيث كان الصيام أول الأمر يخير فيه الإنسان بين أن يصوم، ويطعم؛ ثم تعين الصيام كما يدل على ذلك حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

12 ــــ ومنها: أن من عجز عن الصيام عجزاً لا يرجى زواله فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً؛ ووجه الدلالة أن الله سبحانه وتعالى جعل الإطعام عديلاً للصيام حين التخيير بينهما؛ فإذا تعذر الصيام وجب عديله؛ ولهذا ذكر ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية في الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة لا يطيقان الصيام، فيطعمان عن كل يوم مسكيناً(1).

13 ــــ ومنها: أنه يرجع في الإطعام في كيفيته ونوعه إلى العرف؛ لأن الله تعالى أطلق ذلك؛ والحكم المطلق إذا لم يكن له حقيقة شرعية يرجع فيه إلى العرف.

14 ــــ ومنها: أنه لا فرق بين أن يملّك الفقير ما يطعمه، أو يجعله غداءً، أو عشاءً؛ لأن الكل إطعام؛ وكان أنس بن مالك حين كبر يطعم أدُماً، وخبزاً(2).

15 ــــ ومنها: أن ظاهر الآية لا يشترط تمليك الفقير ما يطعم؛ وهو القول الراجح؛ وقال بعض أهل العلم: إنه يشترط تمليكه؛ فيعطى مداً من البر؛ أو نصف صاع من غيره؛ وقيل: يعطى نصف صاع من البر، وغيره؛ واستدل القائلون بالفرق بين البر وغيره بما قاله معاوية في زكاة الفطر: «أرى المد من هذه - يعني البر - يعدل مدين من الشعير»(3) فعدل به الناس، وجعلوا الفطرة من البر نصف صاع(4)؛ واستدل القائلون بوجوب نصف صاع من البر، وغيره بحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه حين أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بحلق رأسه وهو محرم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له مبيناً المجمل في قوله تعالى: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196] ، فقال في الصدقة: «أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع»(5)؛ ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين طعام وآخر.

16 ــــ ومن فوائد الآية: أن طاعة الله ــــ تبارك وتعالى ــــ كلها خير؛ لقوله تعالى: { فمن تطوع خيراً فهو خير له }.

17 ــــ ومنها: ثبوت تفاضل الأعمال؛ لقوله تعالى: { وأن تصوموا خير لكم }؛ وتفاضل الأعمال يستلزم تفاضل العامل؛ فينبني على ذلك أن الناس يتفاضلون في الأعمال؛ وهو ما دل عليه الكتاب، والسنة، وإجماع السلف، والواقع؛ قال الله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلًّا وعد الله الحسنى} [الحديد: 10] ، وقال تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضَّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلًّا وعد الله الحسنى وفضَّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً * درجات منه ومغفرة ورحمة} [النساء: 95، 96] ؛ والنصوص في هذا كثيرة.

18 ــــ ومن فوائد الآية: التنبيه على فضل العلم؛ لقوله تعالى: { إن كنتم تعلمون }.
 
الآية الثالثة :
"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة:185)

ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره الفوائد المستنبطة من هذه الآية فقال :

1 ــــ من فوائد الآية: بيان الأيام المعدودات التي أبهمها الله عز وجل في الآيات السابقة؛ بأنها شهر رمضان.

2 ــــ ومنها: فضيلة هذا الشهر، حيث إن الله سبحانه وتعالى فرض على عباده صومه.

3 ــــ ومنها: أن الله تعالى أنزل القرآن في هذا الشهر؛ وقد سبق في التفسير هل هو ابتداء إنزاله؛ أو أنه نزل كاملاً؛ والظاهر أن المراد ابتداء إنزاله؛ لأن الله ــــ تبارك وتعالى ــــ يتكلم بالقرآن حين إنزاله؛ وقد أنزله جل وعلا مفرقاً؛ فيلزم من ذلك أن لا يكون القرآن كله نزل في هذا الشهر.

4 ــــ ومنها: أن القرآن كلام الله عز وجل؛ لأن الذي أنزله هو الله، كما في آيات كثيرة أضاف الله سبحانه وتعالى إنزال القرآن إلى نفسه؛ والقرآن كلام لا يمكن أن يكون إلا بمتكلم؛ وعليه يكون القرآن كلام الله عز وجل؛ وهو كلامه سبحانه وتعالى لفظه، ومعناه.

5 ــــ ومنها: ما تضمنه القرآن من الهداية لجميع الناس؛ لقوله تعالى: { هدًى للناس }.

6 ــــ ومنها: أن القرآن الكريم متضمن لآيات بينات واضحة لا تخفى على أحد إلا على من طمس الله قلبه فلا فائدة في الآيات، كما قال عز وجل: { وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } [يونس: 101] .

7 ــــ ومنها: أن القرآن الكريم فرقان يفرق بين الحق، والباطل؛ وبين النافع، والضار؛ وبين أولياء الله، وأعداء الله؛ وغير ذلك من الفرقان فيما تقتضي حكمته التفريق فيه.

8 ــــ ومنها: وجوب الصوم متى ثبت دخول شهر رمضان؛ وشهر رمضان يثبت دخوله إما بإكمال شعبان ثلاثين يوماً، أو برؤية هلاله؛ وقد جاءت السنة بثبوت دخوله إذا رآه واحد يوثق بقوله(1).

9 ــــ ومنها: لا يجب الصوم قبل ثبوت دخول رمضان.

ويتفرع على هذا أنه لو كان في ليلة الثلاثين من شعبان غيم، أو قتر يمنع من رؤية الهلال فإنه لا يصام ذلك اليوم؛ لأنه لم يثبت دخول شهر رمضان؛ وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم؛ بل ظاهر حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما أن من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم (ص)(2): أي أن صيامه إثم.

10 ــــ ومن فوائد الآية: التعبير بـ { شهر رمضان }؛ قال أهل العلم: «وهذا أولى»؛ ويجوز التعبير بـ «رمضان» - بإسقاط «شهر» ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً... ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً»(3)، وقوله (ص): «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة»(4)؛ ولا عبرة بقول من كره ذلك.

11 ــــ ومن فوائد الآية: تيسير الله - تبارك وتعالى - على عباده، حيث رخص للمريض الذي يشق عليه الصوم، وللمسافر مطلقاً أن يفطرا، ويقضيا أياماً أخر.

12 ــــ ومنها: إثبات الإرادة لله عز وجل؛ وإرادة الله تعالى تنقسم إلى قسمين:

إرادة كونية: وهي التي بمعنى المشيئة؛ ويلزم منها وقوع المراد سواء كان مما يحبه الله، أو مما لا يحبه الله؛ ومنها قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء} [الأنعام: 125] ؛ وهذه الآية، كقوله تعالى: {من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم} [الأنعام: 39] .

وإرادة شرعية: بمعنى المحبة؛ ولا يلزم منها وقوع المراد؛ ولا تتعلق إلا فيما يحبه الله عز وجل؛ ومنها قول الله تبارك وتعالى: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً * يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً} [النساء: 27، 28] .

13 ــــ ومن فوائد الآية: أن شريعة الله سبحانه وتعالى مبنية على اليسر، والسهولة؛ لأن ذلك مراد الله عز وجل في قوله تعالى: { يريد الله بكم اليسر }؛ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه»(1)؛ وكان (ص) يبعث البعوث، ويقول: «يسروا ولا تعسروا؛ وبشروا ولا تنفروا»(2)؛ «فإنما بعثتم ميسرين؛ ولم تبعثوا معسرين»(3).

14 ــــ ومنها: انتفاء الحرج والمشقة والعسر في الشريعة؛ لقوله عز وجل: { ولا يريد بكم العسر }.

15 ــــ ومنها: أنه إذا دار الأمر بين التحليل، والتحريم فيما ليس الأصل فيه التحريم فإنه يغلب جانب التحليل؛ لأنه الأيسر، والأحب إلى الله.

16 ــــ ومنها: الأمر بإكمال العدة؛ أي بالإتيان بعدة أيام الصيام كاملاً.

17 ــــ ومنها: مشروعية التكبير عند تكميل العدة؛ لقوله الله تعالى: { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم }؛ والمشروع في هذا التكبير أن يقول الإنسان: «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد» ؛ وإن شاء أوتر فقال: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد» ؛ وإن شاء أوتر باعتبار الجميع فقال: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد» ؛ فالأمر في هذا واسع - ولله الحمد.

18 ــــ من فوائد الآية: أن الله يشرع الشرائع لحكمة، وغاية حميدة؛ لقوله تعالى: { لعلكم تشكرون }.

19 ــــ ومنها: الإشارة إلى أن القيام بطاعة الله من الشكر؛ ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله} ؛ وقال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً}»(4)؛ وهذا يدل على أن الشكر هو العمل الصالح.

20 ــــ ومنها: أن من عصى الله عز وجل فإنه لم يقم بالشكر، ثم قد يكون الإخلال كبيراً؛ وقد يكون الإخلال صغيراً - حسب المعصية التي قام بها العبد.

تــنــبــيــه:

استنبط بعض الناس أن من كانوا في الأماكن التي ليس عندهم فيها شهور، مثل الذين في الدوائر القطبية، يصومون في وقت رمضان عند غيرهم عدة شهر؛ لأن الشهر غير موجود؛ وقال: إن هذا من آيات القرآن؛ فقد جاء التعبير صالحاً حتى لهذه الحال التي لم تكن معلومة عند الناس حين نزول القرآن؛ لقوله تعالى: { ولتكملوا العدة }.
 
شكر الله لك يا أخي الكريم أباخالد على هذه النقول النافعة .

وعندي سؤال حول قول الشيخ رحمه الله في الفائدة الرابعة : ومنها: أن القرآن كلام الله عز وجل؛ لأن الذي أنزله هو الله، كما في آيات كثيرة أضاف الله سبحانه وتعالى إنزال القرآن إلى نفسه؛ والقرآن كلام لا يمكن أن يكون إلا بمتكلم؛ وعليه يكون القرآن كلام الله عز وجل؛ وهو كلامه سبحانه وتعالى لفظه، ومعناه.


فمع صحة كون القرآن كلام الله - وهذا حق لا شك فيه - إلا أنه لا يظهر لي أن في الآية دليلاً عليه . وأكثر ما ذكر الشيخ هنا مستفاد من أدلة أخرى .

وكذلك قول الشيخ في الفائدة الرابعة عشر :
انتفاء الحرج والمشقة والعسر في الشريعة؛ لقوله عز وجل: { ولا يريد بكم العسر }.


هل هو على اطلاقه ؟
أرى أن هذه الآية وما في معناها لا تدل على انتفاء العسروالمشقة في الشريعة ؛ لأن الواقع يدل على وجود شيء من ذلك في بض التكاليف ، ولكن المعنى والله أعلم : أن الله لا يريد ذلك ، والإرادة هنا شرعية بمعنى المحبة ، ومعلوم أن نفي الإرادة الشرعية لا يلزم عدم وجود الشيء الذي لا يراد كما نبه الشيخ على ذلك .


فما تعليقكم وفقكم الله ؟
 
اليسر والعسر شيئان نسبيان
ما قد يكون عسيرا على انسان يكون يسيرا على آخر والعكس
وديننا دين اليسر بدلالة هذه الآية وآيات أخر

فإذا نظرنا إلى من كان قبلنا وبماذا كانوا يؤمرون تبين لنا ذلك وأذكر على ذلك مثالين:
1- صيام من قبلنا: اذا نام أحدهم وقت الافطار فإنه يؤمر بالامساك حتى يحين موعد الافطار من اليوم الثاني.
وفي ديننا الأمر مختلف كما هو واضح.
2- أمر بني إسرائيل بقتل أنفسهم طلبا للتوبة.
وفي ديننا يكفي الانسان الندم.
 
اعتذر منك أخي الكريم أبا مجاهد , في عدم الرد في حينه , لعدم اطلاعي عليه , وما سألت عنه سأفرد له موضوعاً مستقلاً إن شاء الله أتحدث فيه عن ملامح منهج الشيخ في استنباط الفوائد من الآيات .
 
بارك الله بك شيخنا الفاضل
يرفع لقرب شهر رمضان ..بلغنا الله إياه
 
تفسير آيات الصيام من سورة البقرة لعبد المالك رمضاني

تفسير آيات الصيام من سورة البقرة لعبد المالك رمضاني

لقد قام الشيخ عبد المالك رمضاني بتفسير آيات الصيام من سورة البقرة في الجزائر أيام الجمع من رمضان سنة 1413 بعد صلاة الجمعة، وبين فيها أحكام الصيام مع استنباطات فريدة ومناسبات سديدة، تجدها على هذا الرابط
الدرس1:
[MEDIA]http://tafsir.net/mlffat/files/1531.mp3[/MEDIA]
الدرس2:
[MEDIA]http://tafsir.net/mlffat/files/1532.mp3[/MEDIA]
 
عودة
أعلى