آفة إهمال العلم النظري لطالب القرآن

إنضم
29/10/2023
المشاركات
50
مستوى التفاعل
2
النقاط
8
الإقامة
ليبيا
مصارحة ومعاتبة..
لا يليق بمن يتصدَّر لتعليمِ القرآنِ أن يكون خِلْوًا من العِلْمِ النظري بالتجويد والقراءات وما يتعلق بهما من العلوم التي لا يَسَعُه الجهلُ بها.
ومما يؤسَف له أن نَرى كثيرًا من المتصدرين للتعليم والتدريس لا يَعرفون من هذه العلومِ إلا النَّزْرَ والشيءَ القليل، الذي لا يَشفي العليل، ولا يَروي الغليل، ولا يُسمن ولا يغني من جوع، ولا يضيء طريقَ المعرفة والبحث والتفقُّه بَلْهَ الفتوى، وإنما هي مجرد معلومات متناثرة، اجتمعت لديهم عَرَضًا مِن هنا وهناك، لا يَعرِفُون أصْلَها ونَسبَها، ولا يميزون صوابَها من خطئها، ولا يدركون قيمتَها في ميزان العلم والتحقيق، فيصير الواحدُ منهم بتلك المعلومات نِصْفَ متعلِّم أو متعالِمًا، ومِن ثَمّ قد تعود عليه وعلى غيره بالضرر أكثر من النفع؛ فمِن أرحامِ بُنيَّاتِ أفكارِ هذه الفئةِ خرجَت أقوال شاذة ومُحدَثة، انتشرت في أوساط المتعلمين؛ وذلك لانقطاعِ وشائجِ الصلةِ بينهم وبين المنابع الأصيلة لهذه العلوم؛ إذْ ليس لهم قراءاتٌ في الكتب المعتمدة في هذه العلوم، وإنما أخذوا معلوماتهم من فلان وفلان، ونقلًا عن هَيّان بنِ بَيَّان، كحالِ حاطب الليل، حتى إنّ منهم مَن لا يعرف أكثرَ كُتُب علم القراءة، فلم يَقرأ شيئًا من (التحديد) ولا (الرعاية)، ولا (الموضح) ولا (سر الصناعة)، ولا يعرف من شروح الجزرية إلا شروحَ بعض المعاصرين، ولا يدري أن كتاب سيبويه من أهم الكتب التي تضمنت مباحثَ التجويد، بل تجده لم يقرأ من كتب التجويد إلا (تحفة الأطفال) و(البرهان) وبعضَ الكتب المعاصرة التي لم توضع إلا للمبتدئين، حتى إن منهم من يظن أن التحفة والجزرية خاصتان برواية حفص.
وكذلك حالهم في علم القراءات؛ تجد الواحد منهم لا يَعرف (التيسير) ولا (جامع البيان) ولا (السبعة) ولا (الكامل) ولا غيرَها من أصول (النشر)، بل منهم مَن لا يعرف مَن (النشر) إلا اسمَه، ولمّا يَقرأْ فيه، ومنهم من لم يَقرأ من (الشاطبية) إلا قليلًا، ولا يعرف من شروحها إلا بعض الشروح المعاصرة التي وضعت للمبتدئين.
وكأن المتقدمين أمةٌ قد خلت، وانقطعَت صلتُنا بها، وأغنتنا عنها كتبُ المعاصرين! ولا يَدري أمثالُ هؤلاء أن تلك الكتب هي المنبع الصافي الأصيل، وفيها العلم الغزير الذي يروي الغلبل، وهي المصباح المنير الذي نستضيء ونسترشد به في الغَياهب، ونعرف منه الصواب من مختلِف الآراءِ والأقوالِ والمذاهب.
وهلمّ جرًّا في سائر العلوم المتعلقة بالقراءة..
بل إنّ منهم مَن يجيز غيرَه وهو لا يعرف شروطَ الإجازة وضوابطَها وآدابَها، بل لا يعرف حتى كيفية تحرير الإجازة وسياق الإسانيد!
وإذا سمعت الواحد من هؤلاء يتحدث عن مسائل التجويد تجده يتكرر في كلامه: (قيل) و(يقال) و(بعضهم) و(سمعت)...
حتى علم الأصوات -الذي هو علمٌ حديثٌ- تجد منهم مَن لم يقرأ فيه ولَوْ كتابًا، فضلًا عن أن يَعرِف موضوعاته ومناهجه، بل منهم من إذا سألتَه عن عنوان كتابٍ في الأصوات لَمْ يَحِرْ جوابًا! مع أنه قد يقول: في علم الأصوات كذا وكذا!
هذه كلمةٌ كتبتُها في عَجَلةٍ من أمري، تحتاج إلى مزيدِ بسطٍ وإطالة، وإعادةِ تحريرٍ وصياغة، ولكن حسبُك منها بأصل الفكرة ومختصَر العبارة، فاللبيب الفَطِنُ -كما قالوا- تكفيه الإشارة.
فلتكن طالبَ علمٍ بحقّ، لا حاطبًا في الغَسَق يَجمَع المعلومات كيفما اتَّفق، واعلم أن العبرة هنا بالكيف لا بالكَمّ، واحرص على صفاء مصادرك وجودتها، وأصالةِ علمِك ورصانته؛ حتى تنفع الناس نفعًا حقيقيًّا، ولا تستعجل في التصدر للتعليم، لئلا تطيرَ ولَمَّا تُرَيِّش، ويكون تعليمك وبالًا عليك.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، وأنارَ طريقَنا وبصائرَنا، وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه!

✍️
علي المالكي
عضو الحفّاظ المجازين بالهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم
 
عودة
أعلى