آفاق البحث العلمي في الدراسات الإسلامية

إنضم
02/03/2006
المشاركات
60
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
آفاق البحث العلمي في الدراسات الإسلامية
د فريد الأنصاري رحمه الله تعالى

هذا تفريغ لمحاضرة كان قد ألقاءها الشيخ الدكتور فريد الأنصاري رحمة الله تعالى، بمناسبة افتتاح النادي العلمي للطلبة الباحثين في الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – المغرب
اجتهدت في تفريغها واستغفر الله على اي تقصير أو سهو مني قد يؤثر في معنى أو مقصد الشيخ رحمه الله تعالى، ولا تنسوني من صالح دعئكم. أعدها للنشر محمد البويسفي.

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
في موضوع كهذا - آفاق البحث العلمي في الدراسات الإسلامية- يصعب على الإنسان أن يتحدث عن الموضوع بما يقتضيه عنوانه، لشساعة المجال الذي يحدده هذا الموضوع بهذه الصيغة، ثم لطبيعة هذه الكلمة لما فيها شيء من الارتجال، وشيء من التذكر وما رسخ في الذاكرة فيما يخص هذا الأمر، ولذلك ربما يكون أشبه بالخواطر منه بالقضايا بما في الكلمة من معنى، وهو فتح لآفاق النظر، مما يمكن أن ينتج عنه التفكير في آفاق البحث العلمي في الدراسات الإسلامية.
يمكن أن نقسم آفاق البحث في الدراسات الشرعية – على الإجمال- إلى قسمين:
- القسم الأول: تجديد الاستيعاب
- القسم الثاني: تجديد الإنتاج
وأغلب ما يمكن أن نقوله يندرج إما يكون في تجديد الإستيعاب أو تجديد الانتاج، ونبدأ بالحديث عن تجديد الاستيعاب.
أولا: تجديد الاستيعاب:
أحسب أن تجديد الاستيعاب يتضمن أمورا ثلاث في الدرس التراثي الإسلامي: لا بد أن نفهم ذاتنا وتراثنا، من نحن؟ وكيف كنا؟ والقول بالتجديد فيه ممكن، بل يجب أن نجدد فهم ذواتنا، لأنه يمكن أن يكون هناك فهوما كثيرة للتراث، حسب ظروف الناس وعبر مراحل، ولا بد لتجديد لطبيعة الفهم أيضا ومرتكزاته.
وتجديد الفهم يقوم على ثلاثة أمور: الأمر الأول يتعلق بالنصوص الشرعية، الأمر الثاني يتعلق بالعلوم الشرعية، والأمر الثالث يتعلق باللغة العربية.

أ‌--- ---- تجديد الاستيعاب على مستوى النصوص الشرعية
أما ما يتعلق بفهم نصوص الوحي، فلا بد من أن نشتغل بنصوص الوحي، لأننا كثيرا ما نتحدث عن القرآن والسنة، ولكن قلما نتحدث في القرآن والسنة، فلا بد من إعادة تداول القرآن من جديد، باعتباره نصا يتلى ويتدارس ويُتَدبّر ويُفسَّر، وكذلك النصوص الحديثية، وهذه الأزمة قديمة وليست حديثة، وهذا معروف في الفقه، باعتباره أساس الفهم، وقد مر الفقه بمراحل يمكن أن نقسمها إلى قسمين: كان الفقهاء الأوائل: كمالك أبو حنيفة والشافعي والليث ..، هؤلاء كانوا يشتغلون بالنصوص، فإذا رجعنا إلى كتب الفقه المالكي في بدايتها نجدها عبارة عن نصوص، وكتاب الموطا عبارة عن نصوص من الأحاديث النبوية، وتلك النصوص كانت تقدم على أنها الفقه، مثلا: ما نقل عن الموطأ ، كان الإمام مالك يدرس الفقه في مسجد المدينة، وتخرجت على يده أجيال منهم الإمام الشافعي، فنقلت تلك الأجيال فهم الإمام مالك لكن ليس في الموطأ، بل في المدونة، المدار بين الإمام مالك وبين تلامذته كان هو نصوص الوحي، وهذه النصوص كانت تخرج العقليات الاجتهادية، هناك فرق بين أن تعطيني حكما جاهزا، وبين أن تبين لي كيف توصلت إلى ذلك الحكم، هذا يمكن من الإبداع ومن التجديد في الفهم، فإذا لم تجدد النصوص من حيث هي نصوص، لكن جددت عقليات لها القدرة على الإنتاج من جديد، فما كان لإمام مالك أن يخرج على يده إمام مذهب آخر لو لم يشتغل بالنصوص نفسها، فكذلك كان الأمر بالنسبة للقرآن والسنة، وكذلك كان الأمر بالنسبة للدراسات الإسلامية عموما، كان العلماء يشتغلون في النص، يتوغلون داخل لغته وبنيته و سياقه، وهكذا العلم مشتغلا بالنصوص، واستمر الأمر كذلك في باقي العلوم الشرعية، في اللغة، في علوم القرآن في غريب القرآن في البلاغة، الدرس البلاغي القديم واللغوي، كان داخل النص، فكان يحصل فعلا نوع من التجديد نوع من الإنتاج، فالذين كانوا يتلقون عن السلف ما كانوا يتلقون النصوص وحدها، أو معزولة عن نتائجها، ولا يتلقون النتائج معزولة عن مصادرها، بل كانوا يتلقون المنهجية بالدرجة الأولى الطريقة التي بها يفهمون النصوص ويوظفونها، وهو ما كان يورث الناس مَلَكة العلم، حتى صارت لهم صناعة، أي صاحب اختصاص، صاحب ملكة، القدرة على الإنتاج، قدرة على الاستقلال عل الفهم كما فهم سلفه، ويكون له تأثير على زمانه ومكانه وأهله، لأنه يمتلك النصوص ويمتلك القدرة على فهمها، بما له من أدوات التعامل مع النص.
هذا الأمر هو الذي تميزت به الأمة في مراحلها الأولى، إلى حدود القرن السابع تقريبا، ثم حصل ما عُرف بعصور الانحطاط، انفصل الناس عن النصوص واشتغلوا بالفروع، فاشتهر التدوين في الفروع والحواشي والتلخيصات..، شيء حسن أن يشتغل الناس بشرح التراث ونظمه، لكنه كان ينتج نقلة العلم، ولم يكن ينتج العلماء، فرق كبير بين ناقل علم، والعالم، والحديث الصحيح المتداول بين الناس: " رب حامل فقه ليس بفقيه"، هذا يجب أن نتدبر فيه: كيف يمكن أن يحمل الإنسان الفقه وليس بفقيه؟ مثل أن يحمل الطب وليس بطبيب، أو يحمل الهندسة وليس بمهندس، ولفهم الحديث هناك دلالة الاقتضاء، أي هناك لفظة حذفت اقتضتها البلاغة، أي هناك حامل دليل الفقه، لأنه لو كان يحمل الفقه لكان فقيها، والحديث جاء في سياق التبيلغ والرواية، لأن بداية الحديث هي كما يلي: " نظر الله امرئ سمع مقالتي فوعاها فبلغها كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه لمن هو أفقه منه، حسب الروايات المختلفة، وهذا ما حصل للأمة فيما بعد للأسف، فتحمل نتائج الفقه ولا تحمل أدلته، فحصل هذا الانفصام بين الأصول والفروع، بين الأدلة باعتبارها منطلقات ومصادر، تشغل الذهن وتشغل قدرته الإنتاجية والاستنباطية، فصار الناس إلى نوع من الكسل والبقاء على ما كان عليه الأوئل، لا زيادة، رغم أن الظروف حتما تقتضي أن تكون هناك زيادة وإبداع وتجديد.
فمناط التجديد الاستيعابي أن نعود إلى الأصل الأول، نجتهد مرة أخرى للتعامل مع النصوص نفسها، ونزيل ذلك التردد والحرج عند كثير من الناس بلا مصوغ ولا مبرر، فنتعامل مع النصوص قرآنا وسنة، وعلى الأقل نتدرب على تلك اللغة الراقية العالية، ونتدرب أيضا على طرق الفهم والاستنباط، وطرق التنزيل والتطبيق في واقع جديد مغاير لواقع قديم.
هذا مجال أحببت أن أشير إليه بهذه الصيغة الإجمالية، رغما ما يحتاجه من تفصيل لما فيه من غموض وإشكالات، لما يقتضيه المقام.

ب‌- تجديد الاستيعاب على مستوى العلوم الشرعية.
نسمع في هذه الأيام دعوات لتجديد هذه العلوم: تجديد الفقه، تجديد أصول الفقه.. شيء حسن أن نجدد العلوم الشرعية، لكن بشروط العلم، لا أقل ولا أكثر، وأنا دائما أردد قول البهي الخولي رحمه الله تعالى:"أول التجديد قتل الماضي بحثا"، لأنه إذا أردت أن أجدد شيأ لا بد أن أستوعبه، والإمام الغزالي رحمه الله تعالى قبل أن ينتقد الفلسفة استوعبها أولها، فكتب مقاصد الفلاسفة، ثم بعد ذلك كتب تهافت الفلاسفة، ولتجاوز السلبيات في التراث لا بد من امتلاك القدرة على التمييز بين ما هو إيجابي وما هو سلبي، ودعوات التجديد اليوم كثيرا ما يتخللها هذا الخلل، وقفت بنفسي على بعض الكتابات التي تنادي بإحداث بعض القضايا التي يظن صاحبها أنها لم تكن، والمسألة أنها لا يعرفها، لا أقل ولا أكثر.
نفهم ونستوعب الدرس التراثي فما وافق عصرنا وظروفنا، فمرحبا، وما لا يوافقها نتجاوزه، لأن الدرس التراثي ما هو إلا نتاج بشري، نعم فيها قواعد كلية قطعية استقرائية، يشكل البعض منها زبدة النصوص الشرعية والحديثية، لأنها تحيلك على النصوص، هناك كثير من القضايا لا أقول يمكن بل يجب تجاوزها لكن بشروط العلم، فلا بد دائما من الاستيعاب أولا، لتحديد ما يصلح لهذا الزمن، وما لا يصلح.
في مجال العلوم الشرعية عندنا مشكلة تتعلق بمصطلحاتها وألفاظها ومناهجها، لا بد أنفهم حقائقها، لأن المصطلح كما هو معروف في الدرس اللساني وغيره يتطور، ومعروف أن هناك مصطلحات استعملت في مجال معين ثم انتقلت إلى مجالات أخرى فتغير معناها، وهناك ما يعرف بالمصطلحات المهاجرة، تهاجر من علم إلى علم، فتحتفظ ببعض دلالاتها في السياق القديم، لكنها تتخذ لها دلالات أخرى في السياق الجديد.
فمصطلحات العلم القديم لابد أن ندرسها في سياقها القديم وفي الظروف التي أنتجت فيه، حتى لا نقع في الإسقاط، نفهم التراث بعقلية العصر، لأن ذلك يؤدي إل الخطأ في الفهم، ووقع الخطأ عند بعضهم عندما استشهد على وجود المنطق الأرسطي في التراث العربي بقوله تعالى: " علمنا منطق الطير"، ولا علاقة بين هذه اللفظة وبين منطق الطير، لأنه مصدر ميمي، فيتعلق بنطق الطير، لا أقل ولا أكثر، ومثل هذه الزلات تقع، لأن الإنسان لا يدرب نفسه على مصطلحات التراث، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إنتاج أحكام فقهية خطيرة، قد تؤدي إلى الاقتتال في بعض الأحيان، من ذلك بعض الفهوم التي تروج في الساحة الإسلامية العالمية التي قد تؤدي الاقتتال بين المسلمين، من أسبابها الرئيسة عدم فهم النصوص في سياقها القديم، فلا بد أن نرحل إلى زمانها لنفهمها بظروفها، وهناك ما يعرف بالمعهود في زمن الرسالة، كيف كانت العرب تتكلم، ما هي طروقها التعبيرية؟ ما هي ظروفها النفسية؟
فأي عالم إما أن تصل إلى بنيته التفكيرية التعبيرية، ستكتشف أن هناك أسرارا تعبيرية، ومفاهم خاصة تُدولت وانقرضت، أو وقع سوء الفهم لها في التاريخ الذي جاء بعد، فهاهنا سيكون الباحث من مبدعا منتجا، وإلا سيقف عند الدرس المعجمي البسيط، فيشرح تلك الألفاظ بما شُرحَت به، وبما هو متداول، فلا يكون في ذلك تجديد، بل مفهوم البحث بما هو بحث لا ينطبق عليه، لذلك إما أن يدخل الباحث في ذلك بطول نفس وصبر وتحمل، وإلا فليبتعد ويسلك مسلكا آخر ينسجم مع نفسيته وقدرته العلمية.

ج- استيعاب اللغة
اللغة هي الحلقة الرابطة بين نصوص الوحي وبين العلوم الشرعية، هذه الأخيرة بما هي فهوم بشرية ونصوص الوحي بما هي نص لغوي، وها هنا أذكر إشكالا من الدقة بمكان، ويشكل تحد في التجديد، فكثيرا ما نقول نجدد التراث وفق القرآن والسنة وفهم الصحابة، هذا من الناحية المنهجية صحيح، لكن الذي يحدث هو أن يتم تقديم فهم الصحابة بفهم الباحث نفسه، لأنه ما هو فهم الصحابة؟ هو نصوص أيضا، أعمال الصحابة نفسها نقلت باللغة، وآل أمرها إلى نص لغوي، يفرقون بين السنة الفعلية وبين السنة القولية، فهذا تفريق منهجي صحيح، لكن السنة الفعلية لا تحل الإشكال الحل الكامل، لأن الذي يروي السنة صحابي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل كذا، فاللغة لغة الصحابي، ويحتمل أن تكون لغة التابعي، فيروي الحادثة كما فهمها هو، وليس كما وقعت بالضبط، هو يجتهد أن يرويها كما هي، لكن طبيعة اللغة هكذا، فلو أردت أن ترسل رسالة شفوية من الشمال إلى الجنوب، فلا تصل كما هي بالضبط كما هي ولو اشترطنا في الناقل العدالة والضبط، لأن اللغة لها جانب نفسي وجداني، واللغة أخطر القضايا لنقل النصوص الشرعية إلى العلوم الشرعية بما هي فهوم بشرية وإنتاجها للأحكام الشرعية.
نحن في حاجة لإتقان اللسان وليس فقط إتقان اللغة، وحتى النصوص الشرعية تحدثت عن اللسان وما تحدثها عن اللغة، " بلسان عربي مبين" لسان عربي"، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس إن الرب واحد ، و الأب واحد ، و ليست العربية بأحدكم من أب و لا أم ، و إنما هي اللسان ، فمن تكلم بالعربية فهو عربي"وحتى العلماء سموا اللغة لسان، فكان كتاب "لسان العرب"، وإنما كانت اللغة عندهم الصياغة التعبيرية للسان، أو طريقة من طرق الأداء لمعنى من المعاني فيقولون هذا لغة في هذا.
قواعد النحو رغم أهميتها لن تحل الإشكال ولا يجوز الوقوف عندها فقط، فلابد أن نرتقي إلى مستوى اللسان في التعامل مع القرآن والسنة.

ثانيا: تجديد عرض التراث
أعني به أنك لن تضيف جديد لذلك التراث، فمما تعانيه العلوم الشرعية أن كثيرا من قضاياها مشتتة، خذ مثالا على ذلك: علم التفسير، فإنك لا تجده مجموعا في اختصاص معين، لذلك يتحدثون عن العلوم التي يحتاجها المفسر، وتبحث عنها فتجدها هي كل العلوم الشرعية تقريبا، ينبغي للمفسر أن يتمكن من علم اللغة والبلاغة، وعلوم القرآن، أصول الفقه.. يشترطون التمكن منها، بمعنى أن يكون مختصا في كل شيء، وهذا أشبه ما يكون بما يسميه الأطباء بالأطباء الباطنيين، يعرفون كل شيء ولا يتقنون أي شيء، وهذا ما نجده في علم التفسير الذي يحتاج إلى ضم بعضه إلى بعض، ولم أجزائه، واستخراج كنوزه من العلوم الأخرى كعلم البلاغة، والمعاجم، كتاب " لسان العرب" فيه تفسير كامل للقرآن الكريم لمن تدبر وتأمل، نستخرجه أيضا، كتب أصول الفقه، من مقدمات كتب التفسير، من كثير من كتب الحديث، لا نتحدث عن الجانب التطبيقي فيه، بل في الجانب النظري أي أصول التفسير، هذا العلم موجود في التراث، لكنه موزع مشتت، فيحتاج إلى خبير لبنائه حتى يُعلم مقدمته من أواسطه من نتائجه، حتى إذا جاء الجيل القادم نستطيع أنقول له هناك علم إسمه علم التفسير، لا تحتاج إلى دراسة البلاغة، ولا علوم القرآن، ولا أصول الفقه، لماذا؟ لأن زبدة تلك العلوم موجودة في هذا العلم، علم التفسير.
ستلاحظون أن الإبداع في التفسير قل في العصور الأخيرة، لأن المفسر يحتاج إلى قدرة لجمع ما ما تفرق من علم التفسير في علوم أخرى، ولصعوبة جمعه واستيعابه، فصلت في مجال التفسير لأنه من أشكل وأصعب القضايا في الفكر الإسلامي، وإلا فالفقه يعاني مثل هذا وكذلك علم الكلام، كثير من الحقائق تجري على غير قصدها وعلى غير وجهها بسبب هذه المشكلة. مثل اللامذهبية في الفقه، ما معنى المذهب؟ ما معنى أصل المذهب؟ ما معنى الفقه؟ ما معنى العقيدة، من أسباب هذا أن بعض العلوم مشتتة، لكن البعض الآخر مبني مثل علم الحديث، وعلم أصول الفقه..، على الأقل من حيث طريقة العرض، ويحتاج إلى تجديد من نوع آخر.
نحتاج إلى تجديد عرض التراث، ليس العرض الإنشائي وإنما العرض البنائي: نعيد بناءه من جديد، نعيد تركيبه من جديد لنعرضه عرضا يناسب العصر ويسهل استيعاب قضاياه للجيل الجديد.
لابد من إعادة غربلة الحقائق العلوم الشرعية، مثلا الخلاف الفقهي في بعض القضايا، إما لتبين الحق فيها، أو لأنها ماتت وتم تجاوزها، فمن الخجل أن يعيد الإنسان مناقشتها من جديد، أمثلة كثيرة جدا في هذا المجال أعطي مثالا: عندما يتحدثون عن مدة الحمل فيتحدثون عن خمس سنوات احتياطا، الطب الآن حسم المشكلة، فطريقة العرض يجب أن تتجاوز مثل هذا، لأنه يضر التراث عن تعيد تجديد مثل تلك المسائل الآن.

القسم الثاني: تجديد الإنتاج
وهذا يكون بعد المراحل السابقة جميعها، إذا كان الإنسان اندرج في اللغة إلى درجة اللسانية واشغل بنصوص الوحي وصارت له دربة وملكة وقدرة على توظيفيها وإدراك مساقاتها، واستوعب لغة التراث من حيث هي مصطلحات وقواعد ومناهج، وهذا ما يسميه العلماء بالاجتهاد، ومثل هذا يؤهل الجيل للتجديد الإنتاجي، والأمة في حاجة ماسة لهذا التجديد في التراث الإسلامي، نستخرج منه القواعد والمناهج.. على أساس النظر في طرق إعمالها بنظر العصر يناسب الزمن والمكان والإنسان.

والتجديد الآن ينبغي أن يتجه إلى أمرين:
- تجديد الفهم لبعض الأشياء التي هي في التراث لكنها يقتضيها الزمن الجديد من حيث الفهم، وربما يخالف الأمور القديمة، من حيث هي فهوم، لا من حيث هي نصوص.
- تجديد الأحكام هناك أمور في الفقه لا أحد يستطيع أن يدخلها لأنها جديدة، وأوضحها بأمثلة: هناك أمور لو رجعت لها في التراث لوجدت لها أحكاما ولا مشكلة فيها، لكنها ليست على ماهي في واقعنا الآن، هي كثيرة جدا، وسأكفي بمثال واحد: القتل الخطأ، فحكمه معروف في التراث: تجب فيه الكفارة والدية، لأن فيه نص شرعي، أما الآن لا أجد جوابا لكثير من أنواع القتل الخطأ اليوم: كالقتل الخطأ الذي يقع في حوادث السير، هل يبنى على ذلك الميزان؟ كثير من العلماء يقولون يبنى عليه، ولو أن سيارتك متوقفة وانقطعت الفرامل، يُلزمونك بالكفارة والدية، وحتى الذي لم يحترم الضوء الأحمر فقتل غيره، حتى هو يدخل في القتل الخطأ، وليس هو القتل شبه العمد، لأن هذا فيه شرط هو قصد الإيذاء، ومن لم يحترم الإشارة الضوئية قصد الإيذاء، اتصل بي سائق قطار وقد حصد مئات الأرواح، كيف سأفتيه؟ كم تكفيه من كفارة؟ ما بقي له من عمره لن يكفيه لهذه الكفارات.
الطبيب حينما يقتل بالخطأ هل نفتيه بالكفارة والدية؟ قبل ايام راجعت كتب التراث في مسألة عُرضت علي، فلم أجد لها جواب: طبيب استدعي على وجه السرعة ليلا لإنقاذ طفل، فجاء في غير أوقات العمل المخصصة له حرصا على حياة هذا الطفل، فعوض أن يركب له الأوكسجين في درجة معينة تجاوزها بدرجة واحدة فثقب للطفل الرئة، فقتله، هل تلزمه بالكفارة والدية؟ لن يداوي بعد ذلك أي طفل. لا أستطيع أن أقول غير ما قاله القدمون، لكن لا أستطيع أن أقول: إن قول الأقدمين يحل المشكل الآن.
فنحتاج إلى تجديد الأحكام، في حاجة إلى جرأة علمية، لكن دائما بقواعد وشروط العلم.
وأقول قول هذا واستغفر الله العظيم.
 
رحم الله العلامة فريد الانصاري رحمة بسيطة. شكر الله لك أخي محمد.
هناك بعض الاخطاء المطبعية في التفريغ النصي لكن أين أستطيع الحصول على هذه المحاضرة؟
 
عودة
أعلى