آداب تتعلق بوسائل النقل الحديثة

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
كانت وسائل النقل المعروفة - قبل اختراع وسائل النقل الحديثة بأنواعها المختلفة – هي تلك الدواب التي خلقها الله تعالى وسخرها للإنسان ، قال الله العظيم : { وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ . وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ . وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ } [ النحل : 5 – 8 ] .
وفي قوله تعالى : { وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ } ، إشارة لما اكتشف حديثًا من أمور سهلت صناعة وسائل النقل الحديثة من الدراجات الهوائية منها والبخارية ، والسيارات ، والقطارات ، والطائرات ، والسفن البخارية ... وغير ذلك ؛ مما حلَّ – غالبا – مكان تلكم الأنعام والدواب عند كثير من الناس ؛ وتبقى للأنعام والدواب خصوصيتها في الاستخدام في بعض الأماكن التي لم تدخلها تلك المخترعات ، أو لا يناسب المكان دخولها أصلا .
وينسحب ما جاء في الأدب مع وسائل النقل المخلوقة على وسائل النقل المصنوعة ، إذ الثانية من نعم الله تعالى على عباده - أيضًا - كما كانت الأولى ؛ ولولا أن الله يسر اكتشاف أسبابها وتصنيعها ما كان لها وجود ... وللحديث صلة .
 
آداب تتعلق بوسائل النقل الحديثة ( 2 )
فأول الآداب شكر نعمة الوهاب
النعم واجبها الشكر ، وقد قال الله تعالى : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [ إبراهيم : 7 ] .
والشُّكْرُ : هو الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف ، فهو عِرْفانُ الإِحسان ونَشْرُه ، ولا يكون إِلا عن يَدٍ ، أي : نعمة ، وقال ابن الأثير في ( النهاية ) : الشكرُ مُقابَلةُ النِّعمَة بالقَول والفِعل والنيَّة ؛ فيُثْنِي على المُنْعم بلِسانه ، ويُذِيب نفْسِه في طاعتِه ، ويَعْتَقِد أنه مُولِيها .
فالشكر يعم القلب واللسان والجوارح ؛ ومن هنا قال الله تعالى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [ سـبأ : 13 ] ، وقال الشاعر :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
فاليد للطاعة ، وهي كناية عن عمل الجوارح ، واللسان للثناء ، والضمير ، أي : القلب ، للحب والتعظيم والإقرار بالنعم .
فشكر نعمة وسائل النقل الحديثة ؛ بالإقرار بنعمة الله على مَنْ اقتناها أو انتفع بها ، واستخدامها في طاعة الله تعالى ، وعدم معصية الله تعالى بها أو فيها ، وكثرة شكر الله وحمده باللسان على ما أولى من النعم .
 

آداب تتعلق بوسائل النق الحديثة ( 3 )
ثاني الآداب : الذكر بعد شرائها
ذِكْرُ الله تعالى يُستحب عند كل عمل ، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشكر الله تعالى على ما يستجد لنا من نعم ؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا أَفَادَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ خَادِمًا أَوْ دَابَّةً فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا ، وَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهَا وَخَيْرِ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا ، وَشَرِّ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ " ، وفي رواية عند ابن ماجة : " إِذَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ الْجَارِيَةَ فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ ، وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ ؛ وَإِذَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ بَعِيرًا ، فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ ، وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ ، وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ " .
وقوله : ( وخير ما جبلتها ) أي : خلقتها وطبعتها عليه من الأخلاق ؛ وقوله : ( بذروة سنامه ) الذروة بالكسر والضم : أعلى السنام ؛ وسنام الإبل : الحدبة في ظهورها ؛ وقوله : ( وليدع بالبركة ) أي : يقول : اللهم بارك لي فيها .
قال الألباني - رحمه الله : وهل يشرع هذا الدعاء في شراء مثل السيارة ؟ وجوابي : نعم ؛ لما يرجى من خيرها ويخشى من شرها .
ولما كانت وسائل النقل الحديثة مصنوعة ، فيضع يده على أعلاها ، ويدع بالبركة ويقول : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهَا وَخَيْرِ مَا صُنعتْ لَهُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا ، وَشَرِّ مَا صُنعتْ لَهُ ) .
والعلم عند الله تعالى .
 
آداب تتعلق بوسائل النقل الحديثة ( 4 )
وثالث الآداب : ذكر الله تعالى عند ركوبها
وهذا الأدب يجري على كل ما يُركب من دابة ووسيلة نقل حديثة ؛ سواء أكانت سيارة أم طائرة أم باخرة ، أم أي وسيلة نقل أخرى .
والأصل في ذلك قوله تعالى : { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ . وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } [ الزخرف : 14 ، 15 ] .
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أذكارًا وأدعية عند ركوب الدابة ، منها :
1 – ما رواه أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجة عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ : شَهِدْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه وَأُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ : " بِسْمِ اللهِ " ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ : " الْحَمْدُ للهِ " ، ثُمَّ قَالَ : { سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } ثُمَّ قَالَ : " الْحَمْدُ للهِ " ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ : " اللهُ أَكْبَرُ " ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قَالَ : " سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ " ثُمَّ ضَحِكَ ، فَقِيلَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ ؟! قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَمَا فَعَلْتُ ثُمَّ ضَحِكَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ ؟! قَالَ : " إِنَّ رَبَّكَ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ : اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي " .
2 – وروى مسلم عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ : " { سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى ، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى ، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا ، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ " ، وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ : " آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ " .
 
آداب تتعلق بوسائل النقل الحديثة ( 5 )
ورابع الآداب : ألا يستخدمها في معصية الله تعالى
وهذا أدب مهم جدًّا في استخدام النعم ، فالنعمة من شكرها ألا تستخدم في معصية الله تعالى ، وإلا انقلبت على صاحبها نقمة .
ومن ذلك :
1 - ألا يسرف في شرائها أو تزيينها ، قال الله تعالى : { وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [ الأنعام : 141 ] .
2 - ألا يفتخر بها على عباد الله تعالى ، { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } [ لقمان : 18 ] .
3 – ألا يستخدم آلاتها من مذياع ومسجل وتلفاز ونحوها في ما لا يحل للمسلم أن يسمعه أو يراه ، من موسيقى وغناء ونساء ونحو ذلك .
4 – إن كانت وسيلة نقل ، فلا ينقل بها الحرام من الأشياء .. كالخمر ونحوها .
5 - ألا يرتكب فيها محرمًا مع النساء .
 
آداب تتعلق بوسائل النقل الحديثة ( 6 )
خامس الآداب : أن يتحلى بآداب الطريق في سيره
وهذا مما تميز به الإسلام أن جعل حقًّا للطريق ، يلتزمه من جلس عليه أو وقف أو سار به على قدميه أو على وسيلة ركوب أيًّا كانت .
فعلى السائق أن يغض البصر عن المحرمات ، ويرد السلام ، ولا يؤذي أحدًا بعلو مذياع ، ولا بقول ولا بفعل ، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قدر طاقته ، والأصل في ذلك ما في الصحيحين من حديث أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ " ؛ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ " ؛ قَالُوا : وَمَا حَقُّهُ ؟ قَالَ : " غَضُّ الْبَصَرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلاَمِ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ " .
 
آداب تتعلق بوسائل النقل الحديثة ( 7 )
وسادس الآداب : الحرص على نفسه وعلى أرواح الناس
فيلتزم قواعد السلامة والمرور ، ولا يتهور في سياقته ، ويحرص على غيره حرصه على نفسه ، والأصل في ذلك ، قول الله تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } [ الاسراء : 70 ] ؛ وهذا يقتضي الحرص على أرواح من كرمه الله تعالى .
كما أن في عموم قوله عز وجل : { وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [ البقرة : 195 ] ، إشارة إلى أنَّ السرعة الزائدة التي يمكن أن يكون بسببها الحوادث والقتل تدخل في ذلك ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ " ؛ يدخل فيه المنع من كل أسباب الضرر ، وهو قاعدة عامة في ذلك .. والعلم عند الله تعالى .
فهذا إجمال لآداب وسائل النقل الحديثة ، سواء استخدمت في الركوب خاصة ، أو في نقل البضائع ، أو في حرث الأرض وحصاد الزرع .. أو في غير ذلك .
والعلم عند الله تعالى .
 
عودة
أعلى