آداب تتعلق بالمذياع والمسجل والرائي ( التلفاز والفيديو ) ، والحاسوب والهاتف

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
آداب تتعلق بالمذياع والمسجل والرائي ( التلفاز والفيديو ) ، والحاسوب والهاتف ( 1 )
هذه المقتنيات تتعلق بقلب وجوارح وحواس الإنسان ؛ فالتلفاز والفيديو والحاسوب والهاتف لها تعلق بحاستي السمع والبصر ، والمذياع والمسجل والحاسوب والهاتف لها تعلق بحاسة السمع ، والهاتف والحاسوب لهما تعلق باللسان .
وهذه المقتنيات كلها تتعلق بأركان الإنسان من يد ورجل وجسم ، إذ لابد من حركة لتشغيلها ، وكل ذلك له تعلق بالقلب ابتداء ، ويُؤَثِر عليه انتهاء .
من هنا وجب الحديث عن القلب والحواس والأركان وعمل كلٍّ ، ليقف المسلم على ما يجب وما يحرم وما يستحب وما يكره وما يباح لهذه الحواس والأركان .
 
آداب تتعلق بالمذياع والمسجل والرائي ( التلفاز والفيديو ) ، والحاسوب والهاتف ( 2 )
القلب
سُمِّيَ الْقَلْب قَلْبًا لِتَقَلُّبِهِ فِي الْأُمُور ، أَوْ لِأَنَّهُ خَالِص مَا فِي الْبَدَن ، وَخَالِص كُلِّ شَيْء قَلْبه ؛ والقلب إذا صلَح صلح الجسد ، والعكس بالعكس ، ففي حديث النعمان رضي الله عنه مرفوعًا : " أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً ، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ " متفق عليه ؛ فَبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ بِصَلَاحِ الْقَلْب يَصْلُح بَاقِي الْجَسَد ، وَبِفَسَادِهِ يَفْسُد بَاقِيه .
فما الذي يحرك الإنسان لاستخدام هذه الأشياء ، إنه ما يعزم عليه في قلبه من طاعة ، أو مباح ، أومعصية .
فمن قصد الطاعة ؛ كاتصال لصلة رحم ، أو مشاهدة درس علم عبر التلفاز أو الفيديو أو الحاسوب ... فهذا لا شك أنه مأجور إن أخلص نيته لله تعالى .
ومن قصد الاتصال بهاتفه ليجري لنفسه بعض المنافع من معرفة واستفسار عن شيء من أمور دنياه ؛ أو قصد مشاهدة برنامجًا ثقافيًّا خالٍ عن المحرمات ، أو اتصل عبر النت ببعض أصدقائه أو من يتعامل معهم في أمور حيايتة مباحة شرعًا .. فهذا لا يأثم بما يقوله من المباح ، ويأثم إن تخلل كلامه شيء من المحرمات .
وأما من قصد باتصاله تتبع عورات المسلمين ، والاتصال بما لا يحل له من النساء والفتيات ، أو تكلم عبر الهاتف بما هو محرم ، أو نقل صورًا محرمة إلى غيره ؛ وكذلك من قصد المحرمات من المشاهدات عبر الهاتف والفيديو والفضائيات والنت وغيرها ؛ فهذا آثم .. ويلزمه أن يتوب من ذلك ، ويستغفر الله تعالى ، ويندم على فعله ، ولا يعود لمثله .
وأما تأثر القلب بذلك بعد الوقوع فيه ، فقد روى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ ، فَإِنْ تَابَ مِنْهَا صُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهُ تَعِالَى : { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } " ، ولفظ النسائي : " إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ ، فَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعِالَى : { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } " ولفظ أحمد : " إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِه .. " بنحو لفظ النسائي ( ) ؛ وقال الحسن البصري - رحمه الله - في تفسير الآية : هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت ؛ وكذا قال مجاهد وقتادة وابن زيد وغيرهم .
فانظر كيف يتأثر القلب بالمعصية ؛ وكم من قلوب ماتت بدوام صاحبها على فعل المعصية عبر هذه المخترعات ؛ فليتق الله تعالى من رُزق من هذه المخترعات شيئا ، ولا يستخدمها إلا في طاعة الله تعالى .
 
آداب تتعلق بالمذياع والرائي والهاتف والحاسوب ( 3 )
الحواس
من المعلوم أن الحواس خمسٌ ، وهي : حاسة السمع ، وحاسة البصر ، وحاسة الشم ، وحاسة الذوق ، وحاسة اللمس ؛ وهذه الحواس نعم عظيمة من نعم الله تعالى ؛ وهبها الله تعالى الإنسان ليتمكن بها من إدراك ما حوله ، وليستعين بها على فهم الحق والعمل به .
وقد جعل الله - جلت قدرته - لهذه الحواس آلات مختلفة تعمل بكيفية لم يستطع العلم أن يصل إلى معرفة كنهها - على الحقيقة - إلى اليوم ، إنما هي نظريات تتوالى في محاولة لفهم سرِّ عمل أجهزة هذه الحواس ، وإذا كُشف للعاملين في حقل البحث عن هذه الأسرار عن سرٍّ منها ، وضعوا نظرية تهدم سابقتها أو تصحح بعض ما فيها ؛ فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى .
وآلة السمع هي الأذن ، وبها يدرك الإنسان الأصوات ويميز بينها ؛ وآلة البصر هي العين ، وبها يرى الإنسان ما حوله ويميز بين المرئيات ؛ وآلة الشم هي الأنف ، وبها يميز الإنسان بين المشمومات ؛ وآلة الذوق : اللسان ، وبه يميز الإنسان بين المطعومات والمشروبات ؛ وآلة اللمس هي الجلد ؛ وغالبًا ما تكون اليد ، وبها يميز الإنسان الليونة والخشونة والحرارة والبرودة ، والصلابة والرخاوة .. الخ ؛ وحقيقة هذه الحواس أنها أجهزة متكاملة داخل آلتها المعدة لها .
ومن قدرة الله سبحانه وتعالى أن جعل لكل حاسة من هذه الحواس آلية عمل تختلف عن غيرها ، فلكل عضو من هذه الآلات خلايا وأعصاب ومستقبلات خاصة به ، تتمايز فيما بينها ؛ كما أن لكل منها موقع ارتباط خاص بالدماغ ، لا يشارك الحاسة شيء فيه ، ولا تتأثر الحواس الأخرى في حالة إصابة موقع إحداها في الدماغ ، مع وجود ارتباط بين هذه الحواس ؛ فسبحان من خلق فسوى ، وقدًّر فهدى .
ولما كانت هذه الحواس جزء من الإنسان الذي هو عبد لله تعالى ، كان لكل حاسة من هذه الحواس حظها من العبودية ؛ ولما كان موضوعنا يتعلق بحاسة السمع والبصر ، فسنخص الحديث عن ذلك فيما يلي :
 
آداب تتعلق بالمذياع والرائي والهاتف والحاسوب ( 4 )
حاسة السمع وحظها من العبودية لله
السمع نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على الإنسان ؛ فبها يدرك الأصوات من حوله ويميز بينها ؛ وهذا أمر مهم جدًّا في حياة الناس ؛ إذ الناس إنما يتعاملون مع بعضهم البعض على أساس التفاهم بالمخاطبة ، وهذا يعتمد على نعمة السمع ، كما يعتمد على نعمة الكلام ؛ كما أن في الكون أصوات أخرى يدركها الإنسان بحاسة السمع ، لها دلالات تنذر الإنسان أو تبشره ؛ فصوت الرعد وصوت الانفجار ، وصوت السقوط القوي ، وصوت الحيوان الضاري ؛ هذه أصوات منذرة ؛ وهناك أصوات أخرى مبشرة ومطمئنة ؛ كصوت المطر ، وصوت خرير الماء ، وصوت الطيور ، وصوت الحيوانات الأليفة ... الخ ؛ ومن آيات الله تعالى في الإنسان أنه يميز بين هذه الأصوات وغيرها ، بل قد يسمع أصواتًا مختلطة فيميزها أيضًا ؛ فلله الحمد والمنة .
واعلم - علمني الله وإياك الخير - أن عملية السمع عملية معقدة ؛ فكل شيء يتحرك يحدث صوتًا ، ويتكون الصوت من اهتزازات لجزيئات الهواء التي تنتقل في موجات ، ثم تدخل هذه الموجات إلى الأذن التي هي آلة السمع ، حيث تتحول إلى إشارات عصبية ترسل إلى الدماغ ، الذي يقوم بدوره بترجمة هذه الموجات إلى أصوات يميز صاحبها بعضها عن بعض ؛ فهذا صوت عصفور ، وهذا صوت ماء ، وهذا صوت حركة ، وهذا صوت تلاصق ، وهذا صوت إنسان ، وهذا صوت حيوان ... الخ .. وأما كيف يتم تحويل هذه الموجات إلى أصوات مميزة عند كل شخص ؛ فهذا مما حار فيه العلماء ؛ فسبحان الذي خلق كل شيء بحكمة ولحكمة ، وتبارك الذي وسع علمه كل شيء .
وهذه النعمة العظيمة ( حاسة السمع ) لها عبادات خاصة بها - فكما يقول ابن القيم : على السمع وجوب الإنصات والاستماع لما أوجبه الله ورسوله عليه ؛ من استماع الإسلام والإيمان وفروضهما ، وكذلك استماع القراءة في الصلاة الجهرية ، واستماع الخطبة يوم الجمعة ، في أصح قولي العلماء .ا.هـ . فهذه واجبات السمع .
ويحرم عليه : استماع الكفر والبدع ، إلا حيث يكون استماعه مصلحة راجحة من رده أو الشهادة على قائله ؛ وكاستماع أسرار من يهرب عنك بسرِّه ولا يحب أن يطلعك عليه ، ما لم يكن متضمنًا لحق لله يجب القيام به ، أو لأذى مسلم يتعين نصحه وتحذيره منه ؛ وكذلك استماع أصوات النساء الأجانب التي تخشى الفتنة بأصواتهن ، إذا لم تدع إليه حاجة من شهادة ، أو معاملة ، أو استفتاء ، أو محاكمة ، أو مداواة .. أو نحوها ؛ وكذلك استماع المعازف وآلات الطرب واللهو ، ولا يجب سد أذنه إذا سمع الصوت وهو لا يريد استماعه ، إلا إذا خاف السكون والإنصات ، فحينئذٍ يجب ، لتجنب سماعها ، وجوبَ سد الذرائع .
وأما السمع المستحب : فكاستماع المستحب من العلم ، وقراءة القرآن ، وذكر الله ، واستماع كل ما يحبه الله ، وليس بفرض .
والمكروه : عكسه ، وهو : استماع كل ما يُكره ولا يعاقب عليه .
والمباح : ظاهر .ا.هـ .
قال مقيده - عفا الله عنه : كمباح الكلام - وهو الذي خلا من الواجب والمحرم والمستحب والمكروه - فهذا يباح استماعه ؛ كما يباح استماع أصوات المخلوقات الأخرى غير الإنسان .
 
آداب تتعلق بالمذياع والرائي والهاتف والحاسوب ( 5 )
تطبيق ما سبق ذكره على ما له تعلق بالسمع
قدمنا أن هذه الأجهزة – المذياع والرائي والهاتف والحاسوب – لها تعلق بحاسة السمع ، وعلى ما تبين من عبودية هذه الحاسة ، يحرم على مستخدم هذه الأجهزة أن يستمع أو يُسمع ما حرم عليه استماعه من الكفر والبدع والمعصية ، وأصوات النساء المحرمة ، والموسيقى ونحو ذلك مما لا يجوز له أن يسمعه .
وعليه أن يقصر سماعه على الواجب ، والمباح المفيد الذي يمكن أن ينتفع به ، ولا إثم فيه .
تنبيهات مهمة
هاهنا تنبيهات مهمة لابد من ذكرها .
1 – يغفل كثير من مستخدمي الهواتف عن أن الكلام بالهاتف يكون مقابل مال ، وأنه مسؤول أمام ربه غدًا عن هذا المال : " مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ " ، فإذا كان الكلام في لغو ، وهو ما لا فائدة فيه ... فماذا يقول لربه غدًا ؟
وأما إن كان مكروهًا أو حرامًا ... فالأمر أشدُّ .
2 – بعض مستخدمي الهواتف والحاسوب يتتبعون عورات المسلمين ، ويغازلون النساء ويعتدون على الأعراض ، وهذا من المحرمات .. وليحذر هؤلاء العقاب في الدنيا قبل الآخرة ، فقد روى أبو داود عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ " ؛ ورواه أبو يعلى عَنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قال : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ فِي بُيُوتِها - أَوْ قَالَ فِي خُدُورِهَا - فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ ؛ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحَهُ فِي جَوفِ بَيْتِهِ " ؛ ورواه الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَبَّعَ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ يَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ يَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ " ؛ قَالَ : وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ : مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ .
3 – يتباهى البعض ويفتخر بنوع الهاتف الذي يحمله ، أو بتعدد الهواتف التي يحملها ، وكذا بما يقتنيه من الأجهزة الأخرى ؛ وهذا - أيضًا - من المحرمات المرتبطة بكبر في قلب صاحبه ، والذي يظهر في افتخاره وخيلائه على من هو أقل منه مالا ، وفي ذلك مفاسد كثيرة على الفرد والمجتمع ، قال الله تعالى : { وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } [ الحديد : 23 ] .
4 – كثير من مستخدمي هذه الأجهزة يغفل عن قيمة الوقت ، وأنه حياته ، فيقضي غالب وقته مع الكلام في الهواتف أو الحاسوب ، أو السماع والمشاهدة للتلفاز والحاسوب ، وغالب ذلك مما لا فائدة منه ، أو محرم .. وينسيه الشيطان حساب الله له على عمره فيما أفناه وشبابه فيما أبلاه .... فكيف يكون حاله يوم القيامة ؟!
 
آدتب تتعلق بالمذياع والرائي والهاتف والحاسوب ( 6 )
حاسة النظر وحظها من العبودية لله
نعمة البصر من أعظم النعم المادية على الإنسان ، فبها يرى ما حوله ، فيحذر المحذور ، وينجو من الصدمات ، ويسلم من الحفر ؛ ويرى المحب والمبغض ، والصديق والعدو ، ويشاهد أمور حياته التي بها يعيش ؛ ويتأمل في مخلوقات ربه ؛ ويميز بين الجميل والقبيح ، والحسن والسيئ ، والنافع والضار ، والنازل والصاعد ، .. الخ .
وتعتبر حاسة البصر أكثر الحواس الخمس تعقيدًا في عملها ، فهي تجمع بين الاستقبال الحسِّي والتمييز الدقيق ؛ فإن أشعة الضوء التي تعبر حدقتي العينين إلى الشبكتين - في مؤخر العينين - تكوِّن صورتين مسطحتين ثنائيتي الأبعاد ، ثم يتم تحويل هاتين الصورتين إلى دفعات كهربائية ، تنتقل عبر العصب البصري لكل عينٍ إلى أجزاء من الدماغ ، حيث يتم تفسيرها على صورتها الواقعية ؛ فالمعلومات التي استقبلتها مستقبلات الرؤية تنتقل إلى الدماغ ، ثم تترجم في الدماغ إلى الصورة التي يراها صاحبها ؛ وكل ذلك لا يستغرق وقتًا زمنيًا ملموسًا أو محسوسًا ؛ وهي عملية تجري بكيفية حار فيها العلماء ، ولم يصلوا بعد إلى حقيقتها ، وإنما هي نظريات بعضها أقرب من بعض ، تتغير كلما كُشف لهم عن سرٍّ من أسرار هذه الحاسة ؛ فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى .
وهذه الحاسة أيضًا لها أعمال خاصة بها تشكل عبوديتها لربها ؛ وهي تجري عليها الأحكام الشرعية الخمسة : الواجب والمحرم والمستحب والمكروه والحرام .
فأما النظر الواجب - كما يقول ابن القيم : فالنظر في المصحف ، وكتب العلم عند تعيَّن تعلم الواجب منها ، والنظر إذا تعيَّن لتمييز الحلال من الحرام في الأعيان التي يأكلها أو ينفقها أو يستمتع بها ، والأمانات التي يؤديها إلى أربابها ليميز بينها .. ونحو ذلك .
والنظر الحرام : النظر إلى الأجنبيات بشهوة مطلقًا ، وبغيرها إلا لحاجة : كنظر الخاطب والمستام والمعامل والشاهد والحاكم والطبيب وذي المحرم ؛ وكذلك النظر إلى العورات وهي قسمان : عورة وراء الثياب ، وعورة وراء الأبواب .
ولو نظر في العورة التي وراء الأبواب فرماه صاحب العورة ففقأ عينه لم يكن عليه شيء ، وذهبت هدرًا بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : " مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ " ؛ وهذا إذا لم يكن للناظر سبب يباح النظر لأجله ، كعورة له هناك ينظرها ، أو ريبة هو مأمور أو مأذون له في الإطلاع عليها .
والمستحب : النظر في كتب العلم والدين التي يزداد بها الرجل إيمانًا وعلمًا ، والنظر في المصحف ، والنظر في آيات الله المشهودة ، ليستدل بها على توحيده ومعرفته وحكمته .
والمكروه : فضول النظر الذي لا مصلحة فيه ، فإن له فضولاً كما للسان فضولاً ، وكم قاد فضولهما إلى فضول أعيا دواؤها ، وقال بعض السلف : كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام .
والمباح : النظر الذي لا مضرة فيه في العاجل والآجل ، ولا منفعة .
 
آداب تتعلق بالمذياع والرائي والجوال والحاسوب ( 7 )
تطبيق ذلك على ما له تعلق بالبصر
الرائي والهاتف والحاسوب أجهزة لها تعلق بحاسة البصر ، وعلى ما تبين من عبودية هذه الحاسة ، يحرم على مستخدم هذه الأجهزة النظر إلى ما يعرض فيها من المحرمات .... وكثير تلك المحرمات التي تعرض في هذه الأجهزة من نساء كاسيات عاريات ، وعلاقات محرمة بين الجنسين ، وأكاذيب وافتراءات ... وغير ذلك .
ويجب عليه استخدام هذه الأجهزة فيما فيه فائدة ، أو فيما يكون مباحًا من غير تضييع للوقت في هذا المباح .

تنبيه مهم
بعض العابثين يستخدمون هذه الأجهزة في نقل الصور والبرامج المحرمة ، وهؤلاء عليهم إثمهم ومثل إثم من ينقلون إليهم ومن يُنقل إليه ممن نُقل إليهم ، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا ؛ فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا " .
 
آداب تتعلق بالمذياع والرائي والهاتف والحاسوب ( 8 )
اللسان وحظه من العبودية لله
للِّسان دور مهم في نجاة الإنسان ، وقد قال النبي e لمعاذ t : " وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ قَالَ : عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ " [SUP][1] [/SUP].
وحركة اللسان بالكلام – كما يقول ابن القيم رحمه الله - أعظم حركات الجوارح وأشدها تأثيرًا في الخير والشر ، والصلاح والفساد ، بل عامة ما يترتب في الوجود من الأفعال إنما ينشأ بعد حركة اللسان .ا.هـ [SUP][2] [/SUP]. ولذلك قال رسول الله e : " إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ أَعْضَاءَهُ تُكَفِّرُ لِلِّسَانِ ، تَقُولُ : اتَّقِ اللَّهَ فِينَا ، فَإِنَّكَ إِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وَأَنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا " [SUP][3][/SUP] .
والواجب على اللسان أن يشهد شهادة الحق ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ) ، وأن يقول الحق ، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وأن يتلو القرآن الواجب في الصلاة ، ويذكر الله تعالى الذكر الواجب في الصلاة ، وأن يكف عن المحرمات من القول .
ويستحب له تلاوة القرآن ، وذكر الله تعالى ، والكلام الطيب ، وأن يبتعد عن لغو الكلام .
ويحرم عليه كلمة الكفر ، والقول على الله تعالى بغير علم ، وفحش الكلام ، والقذف والسباب ، والكذب والبهتان ، وشهادة الزور ، وإيذاء المسلمين ، والتطاول على الناس .
ويكره له لغو الكلام ، وهو ما لا فائدة فيه ؛ والتدخل فيما لا يعنيه ، وفضول الكلام المباح الذي يمكن أن يدخله في المكروه .
ويباح له من الكلام ما انتفى عنه الحرمة والكراهة مما لا يجب ولا يستحب .


[1] رواه أحمد : 5 / 231 ، والترمذي ( 2616 ) وصححه ، والنسائي في الكبرى ( 11394 ) ، وابن ماجة ( 3973 ) ، والحاكم : 2 / 412 ، 413 وصححه على شرطيهما ، ووافقه الذهبي .

[2] انظر ( بدائع الفوائد ) : 2 / 121 .

[3] رواه أحمد : 3 / 95 ، 96 ، والترمذي ( 2407 ) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) : 4 / 309 ، وحسنه الألباني في ( صحيح الترمذي ) ، و( صحيح الترغيب والترهيب .
 
آداب تتعلق بالمذياع والرائي والهاتف والحاسوب ( 9 )
تطبيق ذلك على ما له تعلق باللسان
يتعلق باللسان استعمال الهاتف ، والكلام عبر النت عن طريق ( الماسينجر ) أو الشات .
فلا يجوز لمن يستعمل هذه الأجهزة أن يتكلم فيها بالحرام ، ولا بالمكروه ، وليعلم أن كل كلامه يسجل له أو عليه ، قال الله تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] ؛ وكثير من الناس يغفل عن المعنى العظيم لهذه الآية ، فيطلق للسانه العنان ، ويقع فيما لا تحمد عقباه .
فاحذروا من تبعات استخدام هذه الأجهزة ، فقد كثر كلام الناس بعد اختراعها ، والكلام إما للمتكلم أو عليه ، والمباح لا له ولا عليه ، غير أن الإكثار منه قد يوقع في المكروه ؛ ولله در عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال للأحنف : يا أحنف ! مَنْ كَثُرَ ضحكه قلت هيبته ، ومن مزح استخف به ، ومن أكثر من شيء عرف به ، ومن كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه قل حياؤه ، ومن قل حياؤه قل ورعه ، ومن قل ورعه مات قلبه .ا.هـ.
فتدبر - رحمك الله - هذه الموعظة البليغة ، وانظر في ترتيب منطقها ، وأجهد نفسك للعمل بها ، فإن فيها الفوز بإذن الله ، والله المستعان .
ولا يستهان بالكتابة ، فالقلم أحد اللسانين ، فالكتابة كلام - أيضا - يحاسب عليها المتكلم بها ( كاتبها ) كما يحاسب المتكلم بلسانه .
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ... آميين .
 
آداب تتعلق بالمذياع والرائي والجوال والحاسوب ( 10 )
حظ اليد والرجل من العبودية لله عز وجل
اليدان والرجلان من جوارح الإنسان وأركانه التي يعتمد عليها في أداء الغالب من أعماله وحركته وسعيه .
وهذه الجوارح هي من نعم الله تعالى العظيمة على الإنسان ؛ فلو فقد إنسان أحد هذه الأطراف لتأثرت بذلك حياته كلها ، وأصبح به نسبة من العجز العملي والكسبي .
ومن الحكمة في خلق هذه الأعضاء ، تيسير حركة الإنسان لأداء ما كلفه الله به من أعمال في هذه الدنيا ، وليقوم بعبادة ربه تعالى شكرًا لبعض نعمه عليه .
ولهذه الجوارح كغيرها من أعضاء الإنسان أعمال خاصة بها تكتمل بها عبوديته لله تعالى .
فالتكسب المقدور - كما يقول ابن القيم - للنفقة على نفسه وأهله وعياله واجب ، وكذلك لأداء دين على الصحيح ؛ ومنه إعانة المضطر ، ورمي الجمار ومباشرة الوضوء والتيمم ، وغير ذلك من العبادات .
والحرام : كقتل النفس التي حرم الله قتلها ، ونهب المال المعصوم ، وضرب من لا يحل ضربه ، ونحو ذلك ، وكأنواع اللعب المحرم بالنص ؛ كالنرد ؛ ونحو كتابة البدع المخالفة للسنة تصنيفًا أو نسخًا ، إلا مقرونًا بردِّها ونقضها ؛ وكتابة الزور والظلم ، والحكم الجائر ، والقذف والتشبيب بالنساء الأجانب ؛ وكتابة ما فيه مضرة على المسلمين في دينهم أو دنياهم ، ولاسيما إن كسبت عليه مالاً : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } [ البقرة : 79 ] ؛ وكذلك كتابة المفتي على الفتوى ما يخالف حكم الله ورسوله ، إلا أن يكون مجتهدًا مخطئًا فالإثم موضوع عنه .
وأما المكروه : فكالعبث واللعب الذي ليس بحرام ، وكتابة ما لا فائدة في كتابته ولا منفعة في الدنيا والآخرة .
والمستحب : كتابة كل ما فيه منفعة في الدين ، أو مصلحة لمسلم ، والإحسان بيده بأن يعين صانعًا ، أو يصنع لأخرق ، أو يفرغ من دلوه في دلو المستقي ، أو يحمل له على دابته ، أو يمسكها حتى يحمل عليها ، أو فيما يحتاج إليه ، ونحو ذلك ؛ ومنه لمس الركن بيده في الطواف .
والمباح : ما لا مضرة فيه ولا ثواب .
وأما المشي الواجب : فالمشي إلى الجمعات والجماعات ، في أصح القولين ؛ والمشي حول البيت للطواف الواجب ، والمشي بين الصفا والمروة بنفسه أو بمركوبه ، والمشي إلى حكم الله ورسوله إذا دعي إليه ، والمشي إلى صلة رحمه وبر والديه ، والمشي إلى مجالس العلم الواجب طلبه وتعلمه ، والمشي إلى الحج إذا قربت المسافة ولم يكن عليه فيه ضرر .
والحرام : المشي إلى معصية الله ، وهو من رَجْل الشيطان ، قال تعالى : { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } [ الإسراء : 64 ] ، قال مقاتل : استعن عليهم بركبان جندك ومشاتهم ؛ فكل راكب وماش في معصية الله فهو من جند إبليس .ا.هـ . ولم يذكر الشيخ - رحمه الله - المكروه والمستحب والمباح .
والمشي المستحب : ما كان في طاعة غير واجبة ، كالمشي لحضور مجالس الذكر والوعظ ، أو لزيارة غير واجبة .. ونحو ذلك .
وأما المشي المكروه : فالمشي في نعل واحدة أو خف واحد لغير عذر ؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ - في الصحيحين - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَا يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا " .
وأما المشي المباح : فإلى ما فيه منفعة دنيوية مباحة مستوية الطرفين ، فيكون حكمه حكم ذلك الفعل .
 
آداب تتعلق بالمذياع والرائي والجوال والحاسوب ( 11 )
تطبيق ذلك على ما له تعلق باليد والرجل
الحركة إلى الطاعة أو في الطاعة ، لها أجرها ؛ والحركة إلى المعصية أو في المعصية على صاحبها وزرها ، فالرجل تمشي إلى الجهاز الثابت ، واليد تحمل الجهاز المتحرك ، وتمسه ، وتتحرك عليه وعلى الجهاز الثابت ، بفتحه ، والكتابة عليه ، والإرسال والاستقبال .. وغير ذلك ؛ وكل هذه الحركات بحسب نية صاحبها وقصده ، له الأجر عليها ، أو عليه الإثم فيها .
فليحذر من اقتنى شيئًا من هذه الأجهزة أن تكون حركته إليها أو عليها في معصية الله تعالى .
فحركة اليد على هذه الأجهزة إن كانت في عمل مباح من كتابة أو كلام أو مشاهدة ، فلا حرج فيه ، وأما إن كانت هذه الحركة لكتابة أو عمل أو مشاهدة حرام ، فصاحبها آثم ، وسيحاسبه الله تعالى .
فعلى من يقتني شيئًا من هذه الأجهزة أن يتأدب في استخدامها ، فلا يستخدمها في معصية الله تعالى الذي أنعم عليه بها .
 
عودة
أعلى