آداب المزاح

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن وتقبل​
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فالمزاح حال من أحوال البشر ، يستروحون به النفوس ، ويستعينون به على الجدِّ ، وقد قال الله تعالى : { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } [ النجم : 43 ] .
والمباح من المزاح ما فيه تطييب النفوس واسترواحها ؛ فالنوادر رواحة ، وبها للمكدود استراحة ، لا سيما إذا أثقله عبءُ الجِدِّ ، وعاد باحتماله كليل الحدِّ ؛ وهي صادرة عن مزح قد رخص فيه ، ودعابة لم يخل منها كل شريف ونبيه ؛ ولا بأس بها ما لم تكن سفهًا ، ولا فيها إيذاء وخروج عن اللياقة في القول والفعل ، والله تعالى قد وعد في اللمم بالتجاوز والعفو ؛ فقال : { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } [ لنجم : 32 ] .
فالمزاح بما يَحْسُن مباح ، وقد مزح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل إلا حقًًّا ؛ ومزح أصحابه رضي الله عنهم ، ومن بعدهم من العلماء وأهل الفضل ، اتباعًا لرسولهم صلى الله عليه وسلم ، ولم يخرجوا عن حدِّ الأدب في مزاحهم ؛ وقد قيل : الناس في سجن ما لم يمازحوا .
قال ابن قتيبة - رحمه الله : وكان الناس يأتسون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقتدون بهديه وشكله ، لقول الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب : 21 ] ؛ فلو ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق الطلاقة والهشاشة والدماثة إلى القطوب والعبوس والزماتة أخذ الناس أنفسهم بذلك ، على ما في مخالفة الغريزة من المشقة والعناء ؛ فمزح e ليمزحوا ، ووقف على أصحاب الدركلة ( الحبشة ) وهم يلعبون ، فقال : " خُذُوا يَا بَنِي أَرْفِدَةَ ، لِيَعْلَمَ اليَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً "[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ يريد ما يكون في العرسات لإعلان النكاح ، وفي المآدب لإظهار السرور .
وأما قوله : " ما أنا مِنْ دَدٍ ، وَلاَ الدَدُ مِنِّى "[SUP] ( [2] ) [/SUP]، فإن الدد اللهو والباطل ؛ وكان يمزح ولا يقول إلا حقًّا ، وإذا لم يقل في مزاحه إلا حقًّا ، لم يكن ذلك المزاح ددًا ولا باطلا ؛ قال لعجوز : " إنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا العُجُزُ " ، يريد أنهن يعدن شوابًا ؛ وقال صلى الله عليه وسلم لأخرى : " زُوجُكِ فِي عَيْنَيهِ بَيَاضٌ " ، يريد ما حول الحدقة من بياض العين ، فظنت هي أنه البياض الذي يغشى الحدقة ؛ واستدبر رجلا من ورائه ، وقال : " مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي الْعَبْدَ " يعني أنه عبد الله ؛ ودين الله يسر ، ليس فيه - بحمد الله ونعمته - حرج ... إلى أن قال : وقد درج الصالحون والخيار على أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في التبسم والطلاقة والمزاح بالكلام ، المجانب للقدع والشتم والكذب ؛ فكان علي t يكثر الدعابة ، وكان ابن سيرين يضحك حتى يسيل لعابه ؛ وقال جرير في الفرزدق :
لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزًا ... ولو رضيت رمح إسته لاستقرت​
وقال الفرزدق ، وتمثل به ابن سيرين
نبئت أن فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول
أسنانها مائة أو زدن واحدة ... وسائر الخلق منها بعد مبطول​
وسأله رجل عن هشام بن حسان ، فقال : توفي البارحة ، أما شعرت ؟ فجزع الرجل واسترجع ؛ فلما رأى جزعه ، قرأ : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } [ الزمر : 42 ] ؛ وكان زيد بن ثابت من أزمت الناس إذا خرج ، وأفكههم في بيته ؛ وقال أبو الدرداء : إني لاستجم نفسي ببعض الباطل ، كراهة أن أحمل عليها من الحق ما يملها ؛ وكان شريح يمزح في مجلس الحكم ، وكان الشعبي من أفكه الناس ، وكان صهيب مزَّاحًا ؛ وكان أبو العالية مزَّاحًا .
وكل هؤلاء إذا مزح لم يفحش ، ولم يشتم ، ولم يغتب ، ولم يكذب ، وإنما يذم من المزاح ما خالطته هذه الخلال أو بعضها .ا.هـ [SUP]( [3] ) [/SUP].
وكان أصحاب رسول الله يمزحون بحضرته صلى الله عليه وسلم ، وكذلك مَنْ بعدهم من التابعين والعلماء والأئمة كانوا يمزحون .
قال أبو حاتم البستي في ( روضة العقلاء ) : الواجب على العاقل أن يستميل قلوب الناس إليه بالمزاح وترك التعبس ؛ والمزاح على ضربين : فمزاح محمود ، ومزاح مذموم ؛ فأما المزاح المحمود فهو الذي لا يشوبه ما كره الله عز وجل ، ولا يكون بإثم ولا قطيعه رحم .
وأما المزاح المذموم فالذي يثير العداوة ، ويذهب البهاء ، ويقطع الصداقه ، ويجريء الدنيء عليه ، ويحقد الشريف به[SUP] ( [4] ) [/SUP].
وقد صنف العلماء في المزاح وما يتعلق به ، ومن أقدم من صنف في ذلك الزبير بن بكار - رحمه الله - في كتاب ( الفكاهة والمزاح )[SUP] ( [5] ) [/SUP]، ومنهم ابن عبد البر - رحمه الله - في ( بهجة المجالس وأنس المجالس ) ، ومنهم الغزالي - رحمه الله - في ( الإحياء ) ، والماوردي - رحمه الله - في ( أدب الدنيا والدين ) , وللغزي الشافعي - رحمه الله - كتاب بعنوان : ( المراح في المزاح ) ، وغير هؤلاء كثير .
وفي هذه الرسالة ( آداب المزاح ) جمعٌ لعيون مسائله ونوادره ؛ والله الكريم أسأل العون والسداد ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، لا ربَّ غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت ، وإليه أنيب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية


[1] - رواية الإمام أحمد في قصة مشاهدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للعب الحبشة : إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e يَوْمَئِذٍ : " لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً ، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ " ، رواها في المسند : 6 / 116 ، 233 .

[2] - رواه البخاري في الأدب المفرد ( 785 ) بلفظ : " لَسْتُ مِنْ دَدٍ ، وَلاَ دَدٌ مِنِّى " ، وصححه الألباني .

[3] - انظر ( تأويل مختلف الحديث ) ص 292 – 295 .

[4] - روضة العقلاء ص 77 .

[5] - ذكره ابن حجر في ( فتح الباري ) : 12/ 65 .
 
معنى المزاح
المَزْحُ : الدُّعابةُ ، وفي ( المحكم ) : المَزْحُ نقيضُ الجِدِّ ؛ مَزَحَ يَمْزَحُ مَزْحًا ، ومِزاحًا ، ومُزاحًا ، ومُزاحةً ، والاسم : المُزاح ( بالضم ) والمُزاحة ؛ ونقل شارح القاموس : إن المزاح المباسطة إلى الغير على جهة التلطف والاستعطاف ، دون أذية ؛ قال الأَزهري : المُزَّحُ من الرجال : الخارجون من طَبْعِ الثُّقَلاء ، المتميزون من طبع البُغَضاء[SUP] ( [1] ) [/SUP].
ومن مرادفات المزاح : الدعابة ، والفكاهة .
فالدُّعَابَةُ : المزاح ، وقد دعب يدعب ، فهو دَعَّابٌ بالتشديد ، والمُدَاعَبةُ الممازحة ؛ فالدِّعابَةُ من المِزاحِ والمُضاحكة ؛ يُداعِبُ الرجل أخاه ، شبه المزاح ؛ تقول : يَدْعَبُ دَعْبًا ، إذا قَالَ قولاً يُستملح ؛ ويقال : في الرجل دعابة ، إذا كان فيه مزاح[SUP] ( [2] ) [/SUP].
والفُكَاهَةُ ( بالضم ) : المزاح ، والفاكِهُ المازِحُ ، والمُفاكَهَة : الممازحة ؛ والفَكَاهَةُ ( بالفتح ) مصدر فَكِهَ الرجل ، فهو فَكِهٌ ، إذا كان طيب النفس مزَّاحًا[SUP] ( [3] ) [/SUP].
قال ابن سيده في ( المخصص ) : وتَداعَب القَوم : داعب بعضهم بعضًا ، وأَدْعَب الرَّجُل : جاء بشيء يُستملَح ؛ والمِلْحة والمُلحة : الكلمة المَليحة ، والجمع مُلَح ، وأمْلَح : جاء بكلمة مليحة ؛ والفاكِه : المَزَّاح ، والتَّفاكُه : التّمازُح ، وفَكَهْتُ القوم بمُلَحِ الكلام ، والاسم : الفَكيهَة ، والفُكاهة ؛ والمصدر الفَكاهة[SUP] ( [4] ) [/SUP].
وفي ( تهذيب اللغة ) للأزهري : قال أبو زيد : رجل فَكِه ، وفَاكه ، وفَيْكَهان ، وهو الطيب النفس المزَّاح . وأنشد :
إذا فَيْكهان ذو ملاءٍ ولمة ... قليلُ الأذى فيما يرى الناس مسلمُ
قال : وفاكهت : مازحت ؛ قال أبو عبيد في حديث زيد بن ثابت : إنه كان من أفكه الناس إذا خلا مع أهله . قال : الفاكه ها هنا : المازح ، والاسم الفكاهة .
ويقال للمرأة : فَكِهة ، وللنساء فَكِهات ، وتصغر فُكَيْهة[SUP] ( [5] ) [/SUP].
فالْمُزاح ، وَالدُّعَابَةُ ، والفُكاهة : كلام يراد به المباسطة ، بحيث لا يفضي إلى أذى . وقيل : مباسطة لا تؤذي المخاطب ، ولا توجب حقارته ؛ بخلاف الهزل والسخرية ، أي : الاستهزاء .

[1] - انظر ( لسان العرب ) باب الحاء فصل الميم ، ومختار الصحاح ، والمصباح المنير ( مادة : م ز ح ) ؛ وانظر ( المحكم والمحيط الأعظم ) لابن سيده ( الحاء والزاي والميم ) .

[2] - انظر كتاب ( العبن ) للفراهيدي باب العين والدال والباء ، و( لسان العرب ) باب الباء فصل الدال ، ومختار الصحاح ، والمصباح المنير ( مادة : د ع ب ) .

[3] - انظر كتاب ( العبن ) للفراهيدي باب الهاء والكاف والفاء ، و( لسان العرب ) باب الهاء فصل الفاء ، ومختار الصحاح ، والمصباح المنير ( مادة : ف ك ه ) .

[4] - المخصص ( المزاح والفكاهة ) : 4 / 15 .

[5] - انظر ( تهذيب اللغة : ه ك ف ) : 6 / 19 ، 20 .
 
الفرق بين المزاح والاستهزاء ( السخرية ) والهزل
ذكر العسكري – رحمه الله – في ( الفروق اللغوية ) الفرق بين المزاح والاستهزاء والهزل ؛ فقال :
الفرق بين المزاح والاستهزاء : أن المزاح لا يقتضي تحقير من يمازحه ، ولا اعتقاد ذلك ؛ ألا ترى أن التابع يمازح المتبوع من الرؤساء والملوك ، ولا يقتضي ذلك تحقيرهم ، ولا اعتقاد تحقيرهم ؛ ولكن يقتضي الاستئناس بهم ؛ والاستهزاء يقتضي تحقير المستهزأ به ، واعتقاد تحقيره[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وقيل : المزاح الإبهام للشيء في الظاهر ، وهو على خلافه في الباطن ، من غير اغترار للإيقاع في مكروه ؛ والاستهزاء : الإيهام لما يجب في الظاهر ، والأمر على خلافه في الباطن ، على جهة الاغترار[SUP] ( [2] ) [/SUP].
والفرق بين الهزل والمزاح : أن الهزل يقتضي تواضع الهازل لمن يهزل بين يديه ، والمزاح لا يقتضي ذلك ، ألا ترى أن الملك يمازح خدمه ، وإن لم يتواضع لهم تواضع الهازل لمن يهزل بين يديه ؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يمازح ، ولا يجوز أن يقال : يهزل ، ويقال لمن يسخر : يهزل ، ولا يقال : يمزح[SUP] ( [3][/SUP] ) .

[1] - انظر ( الفروق اللغوية ) للعسكري ص 493 .

[2] - انظر ( الفروق اللغوية ) للعسكري ص 483 .

[3] - انظر ( الفروق اللغوية ) للعسكري ص 557 .
 
الْمُزاح المشروع والممنوع
روى أحمد والبخاري في ( الأدب المفرد ) والترمذي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا ! فَقَالَ : " إِنِّي لاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقًّا "[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وروى الطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنِّي لأَمْزَحُ ، وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا "[SUP] ( [2] ) [/SUP].
في هذين الحديثين دلالة واضحة على مشروعية المزاح إذا كان حقًّا ؛ ولذلك قال النووي – رحمه الله – في ( الأذكار ) : قال العلماء : المزاحُ المنهيُّ عنه ، هو الذي فيه إفراط ، ويُداوم عليه ، فإنه يُورث الضحك وقسوةَ القلب ، ويُشغل عن ذكر اللّه تعالى والفكر في مهمات الدين ، ويؤولُ في كثير من الأوقات إلى الإِيذاء ، ويُورث الأحقاد ، ويُسقطُ المهابةَ والوقارَ .
فأما ما سَلِمَ من هذه الأمور ، فهو المباحُ الذي كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يفعله ، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يفعله في نادر من الأحوال لمصلحة ، وتطييب نفس المخاطب ومؤانسته ، وهذا لا منعَ منه قطعًا ، بل هو سنَّةٌ مستحبةٌ إذا كان بهذه الصفة ، فاعتمدْ ما نقلناه عن العلماء وحقَّقناه في هذه الأحاديث وبيان أحكامها ، فإنه مما يَعظمُ الاحتياجُ إليه ، وباللّه التوفيق[SUP] ( [3] ) [/SUP].
وقد ذهب قوم إلى كراهة المزاح مطلقًا ، حتى قال قائلهم :
ولا تَمْزَح فإنَّ المَزْحَ جَهْلٌ ... وبَعضُ الشرِّ يبدَؤُه المُزاح
قال ابن عبد البر في ( بهجة المجالس وأنس المجالس ) : وقد كره جماعة من العلماء الخوض في المزاح ، لما فيه من ذميم العاقبة ، ومن التوصل إلى الأعراض ، واستجلاب الضغائن ، وإفساد الإخاء ؛ وقد قيل : لكل شيء بدء ، وبدء العداوة المزاح .ا.هـ . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من مزح استخف به[SUP] ( [4] ) [/SUP].
وروى الدينوري في ( المجالسة وجواهر العلم ) عن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أنه قَالَ لِابْنِهِ : لَا تُمَازِحِ الشَّرِيفَ ؛ فَيَحْقِدَ عَلَيْكَ ، وَلَا الدَّنِيءَ ؛ فَتَهُونَ عَلَيْهِ [SUP]( [5] ) [/SUP]؛ وفى رواية فيجترئ عليك [SUP]( [6] ) [/SUP]؛ ومن كلام عمر بن عبد العزيز t : وإياكم والمزاح ، فإنه يجر إلى القبيح ، ويورث الضغينة[SUP] ( [7] ) [/SUP].
قال مقيده – عفا الله عنه : هذا - ونحوه مما ورد عن بعض السلف في كراهة المزاح –يمكن سحبه على كثير المزاح ، وما يخرج عن اللياقة منه ؛ كما قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري :
لي صاحب ليس يخلو ... لسانه عن جراح
يجيد تمزيق عرضي ... على سبيل المزاح
وقال آخر :
فإياك إياك المزاح فإنه يجرى ... عليك الطفل والدنس النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد بهائه ... ويورثه من بعد عزته ذلاَّ
وقال محمود الوراق :
تلقى الفتى يلقى أخاه وخدنه ... في لحن منطقه بما لا يغفر
ويقول كنت ممازحًا وملاعبًا ... هيهات نارك في الحشا تتسعر
ألهيتنا وطفقت تضحك لاهيًا ... عما به وفؤاده يتفطر
أو ما علمت ومثل جهلك غالب ... أن المزاح هو السباب الأكبر
فهذا من المزاح لا يجوز ، لأنه خرج من الحق إلى الباطل ، بل والشتم والتجريح .
قال الغزالي - رحمه الله : فاعلم أن المنهي عنه الإفراط فيه ، أو المداومة عليه ؛ أما المداومة فلأنه اشتغال باللعب والهزل فيه ؛ واللعب مباح ، ولكن المواظبة عليه مذمومة ؛ وأما الإفراط فيه ، فإنه يورث كثرة الضحك ، وكثرة الضحك تميت القلب ، وتورث الضغينة في بعض الأحوال ، وتسقط المهابة والوقار ؛ فما يخلو عن هذه الأمور فلا يذم كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ : " إِنِّي لأَمْزَحُ ، وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا " ، إلا أن مثله يقدر على أن يمزح ولا يقول إلا حقًّا ، وأما غيره إذا فتح باب المزاح كان غرضه أن يضحك الناس كيفما كان ؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ يُضْحِكُ بِهَا جُلَسَاءَهُ يَهْوِي بِهَا مِنْ أَبْعَدِ مِنْ الثُّرَيَّا "[SUP] ( [8] ) [/SUP].
وصفوة القول ما قَاله الأَئمة : إن الإِكثارُ منه ، والخُرُوجُ عن الحدِّ ، مُخِلٌّ بالمرُوءَةِ والوَقَارِ ، والتنزُّهُ عنه بالمَرَّةِ والتقبُّضُ ، مُخِلٌّ بالسُّنَّةِ والسِّيرةِ النَّبَوِيّة ، المأْمُورِ باتّباعها والاقتداءِ بها ؛ وخيرُ الأُمور أَوْسطُها ، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه يُقصد به تطييب نفوس الأحباب ، وخلوص المودة ؛ لا التحقير والاستخفاف ؛ وقد قيل لسفيان بن عيينة : المزاح هجنة ؟ قال : بل سنةٌ ، ولكن الشأن فيمن يحسنه ، ويضعه مواضعه[SUP] ( [9] ) [/SUP]، وهجنة أي : مستنكر .
ولله درُّ القائل :
لا تمزحنَّ فإن مزحت فلا يكن ... مزحًا تضاف به إلى سوء الأدب
واحذر ممازحةً تعود عداوةً ... إن المزاح على مقدمة الغضب
فالمزاح مباح ، ولكن يُذم منه الإكثار ، وما فيه سوء أدب ؛ لأنه قد يؤدي إلى جرح مشاعر الآخرين أو أذيتهم ، ولا تجوز أذية المسلمين ؛ وقد أحسن من قال :
مازح صديقك ما أحب مزاحًا ... وتوق منه في المزاح جماحًا
فلربما مزح الصديق بمزحةٍ ... كانت لِبابِ عداوةٍ مفتاحًا


[1] - أحمد : 2 / 340 ، 360 ، والأدب المفرد ( 265 ) ، والترمذي ( 1990 ) وصححه .

[2] - رواه الطبراني في الصغير ( 779 ) ، والأوسط ( 995 ، 6764 ، 7322 ) ، والكبير : 12 / 391 ( 13443 ) ، وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 8 / 2 ) : رواه الطبراني في الصغير ، وإسناده حسن ا.هـ. وصححه الألباني .

[3] - انظر ( أذكار النووي ) باب ( المزاح ) .

[4] - رواه الطبراني في الأوسط ( 2259 ) ، وابن أبي الدنيا في ( الحلم ) رقم 126 .

[5] - انظر ( المجالسة وجواهر العلم ) : 3 / 245 ( 894 ) .

[6] - رواه ابن أبي الدنيا في ( الصمت ) رقم ( 395 ) ، وانظر ( البداية والنهاية ) : 8 / 86 .

[7] - رواه ابن أبي الدنيا في ( الصمت ) رقم ( 647 ) .

[8] - انظر ( إحياء علوم الدين ) 3 / 127 ، والحديث رواه أحمد : 2 / 402 ، وابن حبان ( 5716 ) عن أبي هريرة t .

[9] - انظر ( شرح السنة ) للبغوى : 13 / 184 .
 
مزاح النبي صلى الله عليه وسلم
تقدم حديث : " إِنِّي لأَمْزَحُ ، وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا " ؛ وقد جاءت أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمازح أهله وأصحابه رضي الله عنهم ؛ وإليك بعض ذلك :
في الصحيحين عن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيُخَالِطُنَا ، حَتَّى يَقُولَ لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ : " يَا أَبَا عُمَيْرٍ ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ "[SUP] ( [1] ) [/SUP]. وبوب له البخاري ( بَاب الِانْبِسَاطِ إِلَى النَّاسِ ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : خَالِطِ النَّاسَ ، وَدِينَكَ لَا تَكْلِمَنَّهُ ؛ وَالدُّعَابَةِ مَعَ الْأَهْلِ ) ؛ والنغير : تصغير نغر ، وهو طائر يشبه العصفور ، أحمر المنقار ؛ وفي الحديث جواز المزاح والدعابة بما ليس فيه إثم ؛ وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الخلق الحسن والعشرة الطيبة مع الصغير والكبير ، والانبساط إلى الناس .
وروى البغوي في ( شرح السنة ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ليدلع لسانه للحسن ابن علي ، فيرى الصبي حمرة لسانه ، فيبهش إليه .
يقال للإنسان إذا نظر إلى شيءٍ فأعجبه ، فأسرع إليه ، وتناوله : بهش إليه[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وروى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " يَا ذَا الأُذُنَيْنِ "[SUP] ( [3] ) [/SUP]؛ وفي رواية الترمذي : قال أبو أسامة ( أحد الرواة ) يعني : يمازحه ؛ وبوب عليه النسائي في ( عمل اليوم والليلة ) باب ( ممازحة الصبيان ) .
قال ابن الأثير في ( النهاية ) : وقيل : إن هذا القول من جملة مَزْحه صلى الله عليه وسلم ولطيف أخلاقه ، كما قال للمرأة عن زَوْجِها : " ذَاكَ الَّذِي فِي عَيْنِهِ بَيَاضٌ "[SUP] ( [4] ) [/SUP]؛ وكان مزح النبي صلى الله عليه وسلم مزحًا لا يدخله الكذب والتزيد ، وكل إنسان له أذنان ، فهو صادق في وصفه إياه بذلك .
وفي الصحيحين عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ رضي الله عنه قَالَ : عَقَلْتُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي - وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ - مِنْ دَلْوٍ[SUP] ( [5] ) [/SUP]. وعقلت ، أي : حفظت وعرفت ؛ قال النووي - رحمه الله : قال العلماء : المج طرح الماء من الفم بالتزريق ؛ وفي هذا ملاطفة الصبيان ، وتأنيسهم ، وإكرام آبائهم بذلك ؛ وجواز المزاح ؛ قال بعضهم : ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أن يحفظه محمود ، فينقله كما وقع ، فتحصل له فضيلة نقل هذا الحديث ، وصحة صحبته ؛ وإن كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مميزًا ، وكان عمره حينئذ خمس سنين ؛ والله أعلم [SUP]([/SUP] [6] [SUP])[/SUP] .
فهذا في ممازحة الصبيان ، وملاطفتهم ، وتأنيسهم ، وهو من كريم خلقه صلى الله عليه وسلم .

[1] - البخاري ( 5778 ) ، ومسلم ( 2150 ) .

[2] - شرح السنة : 13 / 180 ( 3603 ) ، وحسنه الألباني في ( الصحيحة ) رقم ( 70 ) .

[3] - أحمد : 3 / 117 ، 127 ، وأبو داود ( 5002 ) ، والترمذي ( 1992 ، 3828 ) وصححه ، والنسائي في اليوم والليلة ( 419 ) ؛ قال البغوى في (شرح السنة : 13 / 182 ) : وقد يحتمل أن يكون قصده به الحض والتنبيه على حسن الاستماع ، والتلقف لما يقوله ، لا المزاح ، لأن الاستماع يكون بحاسة الأذن ، ولذلك خلق الله الأذنين . والله أعلم.

[4] - انظر ( النهاية في غريب الحديث والأثر ) : حرف الهمزة ، باب الهمزة مع الذال .

[5] - البخاري ( 77 ، 186 ، 5993 ) ، ومسلم ( 33 ) .

[6] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 5 / 162 .
 
مزاح النبي صلى الله عليه وسلم
وروى أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً اسْتَحْمَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ " ؛ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ نَاقَةٍ ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ إِلاَّ النُّوقُ ؟ "[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وقول الرجل : ( مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ نَاقَةٍ ! ) توَهَمَ أن الولد لا يطلق إلا على الصغير ، وهو غير قابل للركوب ؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ " أي : جنس الإبل من الصغار والكبار ، " إِلاَّ النُّوقُ ؟ " جمع ناقة ، وهي أنثى الإبل ، والمعنى : إنك لو تدبرت لم تقل ذلك ؛ ففيه مع المباسطة له الإشارة إلى إرشاده ، وإرشاد غيره ، بأنه ينبغي لمن سمع قولا أن يتأمله ، ولا يبادر إلى ردِّه إلا بعد أن يدرك غوره .
وروى أحمد وابن حبان عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرًا ، كَانَ يُهْدِي لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْهَدِيَّةَ مِنْ الْبَادِيَةِ ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا ، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ " ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّهُ ، وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا ؛ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ ، وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ ؛ فَقَالَ الرَّجُلُ : أَرْسِلْنِي ، مَنْ هَذَا ؟ فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ عَرَفَهُ ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ ؟ " ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ " ، أَوْ قَالَ : " لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ "[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا " أي : ساكن باديتنا ، أو يهدي إلينا من صنوف نبات البادية وأنواع ثمارها ؛ فصار كأنه باديتنا ، أو إذا تذكرنا البادية سكن قلبنا بمشاهدته ، أو إذا احتجنا متاع البادية جاء به إلينا ، فأغنانا عن الرحيل ؛ " وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ " أي : نجهزه بما يحتاجه من الحاضرة ، أو أنه لا يقصد بالرجوع إلى الحاضرة إلا مخالطتنا[SUP] ( [3] ) [/SUP].
وروى أحمد وابن ماجة والحاكم عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : إِنَّ صُهَيْبًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ تَمْرٌ وَخُبْزٌ ، فَقَالَ : " ادْنُ فَكُلْ " ، قَالَ : فَأَخَذَ يَأْكُلُ مِنْ التَّمْرِ ؛ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ بِعَيْنِكَ رَمَدًا ! " ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّمَا آكُلُ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى ؛ قَالَ : فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ؛ ولفظ ابن ماجة عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ يَدَيْهِ خُبْزٌ وتَمْرٌ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " تَعْالَ فَكُلْ " ؛ فَأَخَذُتُ آكُلُ مِنَ التَّمْرَ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " تَأْكُلُ تَمْرًا وَبِكَ رَمَدٌ ؟! " ؛ قَالَ فَقُلْتُ : إِنِّي أَمْضَغُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى ؛ فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ؛ ولفظ الحاكم : فأقبلت آكل التمر ، وبعيني رمد ، فقال : " أَتَأْكُلُ تَمْرًا وَبِكَ رَمَدٌ ؟ " ؛ فقلت : إنما آكل على شقي الصحيح ، ليس به رمد . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم[SUP] ( [4] ) [/SUP]؛ قال الماوردي في ( أدب الدنيا والدين ) : وَإِنَّمَا اسْتَجَازَ صُهَيْبٌ أَنْ يُعَرِّضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَزْحِ فِي جَوَابِهِ ؛ لِأَنَّ اسْتِخْبَارَهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ يَتَضَمَّنُ الْمَزْحَ ، فَأَجَابَهُ عَنْ اسْتِخْبَارِهِ بِمَا يُوَافِقُهُ مُسَاعِدَةً لِغَرَضِهِ ، وَتَقَرُّبًا مِنْ قَلْبِهِ[SUP] ( [5] ) [/SUP].ا.هـ .
روى عبد بن حميد عن الحسن قال : أتت عجوز فقالت : يا رسول الله ! ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة ، فقال : " يا أُمَّ فلان ، إِنَّ الجنةَ لا تدخلها عجوزٌ " قال : فولَّت تبكي ، قال : " أَخبروها أَنها لا تدخلها وَهيَ عجوز ، إِنَّ اللهَ تعالى يقولُ : { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا } " [ الواقعة : 35 ، 36 ] ؛ وهكذا رواه الترمذي في ( الشمائل ) عن عبد بن حميد[SUP] ( [6] ) [/SUP].
وروى النسائي وأبو يعلى عَنْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - قَالَتْ : زَارَتْنَا سَوْدَةُ يَوْمًا ، فَجَلَسَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم بَيْنِي وَبَيْنَهَا ، إحْدَى رِجْلَيْهِ فِي حِجْرِي ، وَالأخْرَى فِي حِجْرِهَا ، فَعَمِلْتُ لَهَا حَريرَةً - أو قالت : خزيرَةً - فَقُلْتً : كُلِي ، فَأبَتْ ؛ فَقُلْتُ : لَتَأكُلِي أوْ لألْطِخَنَّ وَجْهَكِ ، فَأبَتْ ، فَأخَذْتُ مِنَ الْقَصْعَةِ شَيْئا ، فَلَطَخْتُ بِهِ وَجْهَهَا ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِّ صلى الله عليه وسلم رِجْلَهُ مِنْ حِجْرِهَا تَسْتَقِيدُ مِنِّىِ ، فَأخَذَتْ مِنَ الْقَصْعَةِ شَيْئًا ، فلطَخَتْ بِهِ وَجْهِي ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ ؛ فَإذَا عُمَرُ يَقُولُ : يَا عبد الله بْنَ عُمَرَ ، يَا عبد الله بْنَ عُمَرَ ؛ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِّ صلى الله عليه وسلم : " قُومَا فَاغْسِلا وُجُوهَكُمَا ، فَلا أحْسَبُ عُمَرَ إلا دَاخِلا "[SUP] ( [7] ) [/SUP].
هذا وما أشبهه من مزاح النبي صلى الله عليه وسلم كله حق ، وفيه تأنيس للمخاطب وتطيبٌ لنفسه .
قال ابن القيم – رحمه الله : عَرَّض صلى الله عليه وسلم بقوله : " إِنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ " ، وبقوله : " إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ " ، وبقوله : " مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ ؟ " يريد عبد الله ؛ وبقوله لتلك المرأة : " زَوجُكِ الَّذِي فِي عَيْنَيِهِ بَيَاضٌ " ؛ وإنما أراد به البياض الذي خلقه الله في عيون بني آدم ؛ وهذه المعاريض ونحوها من أصدق الكلام [SUP]( [8] ) [/SUP].
فقد اتفق في مزاحه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمور :
أحدها : كونه حقًّا .
والثاني : كونه مع الصبيان ، وقليل جدًّا مع من يحتاج إلى المؤانسة من الرجال والنساء ، كالعجوز ، ومن جاءت تشكو زوجها ( إن صح حديثها ) .
والثالث : كونه نادرًا ؛ فلا ينبغي أن يحتج به من يريد الدوام عليه ، فإن حكم النادر ليس كحكم الدائم ، فالإفراط بالمزاح والمداومة عليه مذموم ، لأنه يسقط الوقار ، ولما قد يجره من الضغائن والأحقاد ؛ وأما اليسير من نحو نوع مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن فيه انبساطًا ، وطيبَ نفسٍ .



[1] - أحمد : 3 / 267 ، والأدب المفرد ( 268 ) ، وأبو داود ( 4998 ) ، والترمذي ( 1991 ) وصححه .

[2] - عبد الرزاق ( 19688 ) وإسناده صحيح على شرط الشيخين ، وعنه أحمد : 3 / 161 ، ومن طريق عبد الرزاق رواه ابن حبان ( 5790 ) .

[3] - انظر ( فيض القدير ) : 2 / 452 .

[4] - أحمد : 4 / 61 ؛ 5 / 374 ، وابن ماجة ( 3443 ) ، والحاكم ( 5703 ) ، وصححه ، ووافقه الذهبي .

[5] - انظر ( أدب الدنيا والدين ) ص 285 – حققه مصطفى السقا – الطبعة الثالثة 1375 هـ - مصطفى البابي الحلبي - مصر .

[6] - الترمذي في الشمائل ( 240 ) ، وهو مرسل ؛ وله شاهد رواه هناد في الزهد ( 24 ) عن سعيد بن المسيب مرسلا نحوه ، وإسناده صحيح إليه ولفظه : عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال : قلت له : أكان رسول الله e يمازح ؟ قال : نعم ، أتته عجوز من الأنصار فقالت : ادع ربك يدخلني الجنة ، فقال رسول الله e : " لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ " ثم قام رسول الله e ، فما رجع أتى عائشة فقالت : يا رسول الله : لقد لقيت خالتك من كلمتك مشقة شديدة ، فقال رسول الله e : " إن ذلك كذلك إن شاء الله تبارك وتعالى ، إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارًا " ؛ فالحديث يتقوى بطريقيه ، والعلم عند الله تعالى . ورواه الطبراني في الأسط ( 5545 ) عن سعيد عن عائشة به ؛ قال الهيثمي في المجمع : 10 / 419 : وفيه مسعدة بن اليسع وهو ضعيف .

[7] - النسائي في الكبرى ( 8917 ) ، وأبو يعلى ( 4476 ) ، وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 4 / 365 ) : رواه أبو يعلى ، ورجاله رجال الصحيح ، خلا محمد بن عمرو بن علقمة ، وحديثه حسن .

[8] - انظر ( إعلام الموقعين عن رب العالمين ) : 3 / 270 .
 
مزاح الصحابة
قد كان الصحابة رضي الله عنهم يقتدون برسول الله صلى الله عليه وسلم في أمورهم كلها ، روى عبد الرزاق عن قتادة قال : سئل ابن عمر : هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون ؟ قال : نعم ، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وفي ( الأدب المفرد ) للبخاري عن بكر بن عبد الله المزني قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يَتَبَادَحُونَ بالبَّطِيخ ، فإِذا كَانَت الحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالُ [SUP]([/SUP] [2] [SUP])[/SUP] .
وروى ابن أبي شيبة وأبو نعيم عن بلال بن سعد قال : أدركتهم يشتدون بين الأغراض ، يضحك بعضهم إلى بعض ، فإذا كان الليل كانوا رهبانًا[SUP] ( [3] ) [/SUP].
وفي ( مكارم الأخلاق ) للخرائطي – رحمه الله : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أجموا هذه القلوب ، واطلبوا لها طُرَفَ الحكمة ؛ فإنها تمل كما تمل الأبدان[SUP] ( [4] ) [/SUP].
وفي ( حلية الأولياء ) عن قرة بن خالد قال : قلت لمحمد بن سيرين : هل كانوا يتمازحون ؟ فقال : ما كانوا إلا كالناس ، كان ابن عمر يمزح ، وينشد الشعر ، ويقول :
يحب الخمر من كيس الندامى ... ويكره أن تفارقه الفلوس [SUP]( [5] ) [/SUP].
وفي ( شرح السنة ) للبغوى : روي عن ابن عباسٍ أنه قال لقومٍ قعودٍ لديه : أحمضوا . ثم قال البغوي : يقال : أحمض القوم إحماضًا ، إذا أفاضوا فيما يؤنسهم من الكلام[SUP] ( [6] ) [/SUP].
وروى ابن أبي شيبة عن ثابت بن عبيد قال : كان زيد بن ثابت من أفكه الناس إذا خلا مع أهله ، وأرصنهم إذا جلس مع القوم[SUP] ( [7] ) [/SUP].
وإليك طائفة من مزاحهم ومداعباتهم رضي الله تعالى عنهم .
1 - روى عبد الرزاق أن رجلا أتى عليًّا رضي الله عنه برجل ، فقال : زعم هذا أنه احتلم بأمي ! فقال : اذهب فأقمه في الشمس ، فاضرب ظله[SUP] ( [8] ) [/SUP].
2 – وفي ( معرفة الرجال ) لابن معين عن نافع قال : كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يمازح مولاة له أعجمية ، فيقول : خلقني خالق الكرام ، وخلقك خالق اللئام ؛ فإذا قال ذلك غضبت ، فيضحك ابن عمر[SUP] ( [9] ) [/SUP].
3 – قال ابن عبد البر في ( الاستيعاب في معرفة الأصحاب ) في ترجمة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه : وقصته مع زوجته في حين وقع على أَمَتِهِ مشهورة ، رويناها من وجوه صحاح ؛ وذلك أنه مشى ليلة إلى أَمَةٍ له فنالها ، وفطنت له امرأته ، فلامته ، فجحدها ( يعني : أنكر ) ، وكانت قد رأت جِمَاعَهُ لها ، فقالت له : إن كنت صادقًا فاقرأ القرآن ، فالجنب لا يقرأ القرآن ؟ فقال :
شَهِدْت بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ... وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الْكَافِرِينَا
وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافٍ ... وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا
وَتَحْمِلُهُ مَلَائِكَةٌ كِرَامٌ ... مَلَائِكَةُ الْإِلَهِ مُسَوِّمِينَا
فقالت امرأته : صدق الله ، وكذبت عيني ؛ وكانت لا تحفظ القرآن ولا تقرؤه[SUP] ( [10] ) [/SUP]؛ وذكر القصة ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) ثم قال : فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضحك حتى بدت نواجذه[SUP] ( [11] )[/SUP] .
4 – وفي ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد عن أبي رافع قال : كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة ، فيركب حمارًا قد شد عليه برذعة ، وفي رأسه خُلْبَةٌ من ليف ، فيسير فيلقى الرجل ، فيقول : الطريق قد جاء الأمير ؛ وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب ، فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم ، ويضرب برجليه ؛ فيفزع الصبيان فيفرون ؛ وربما دعاني إلى عشائه بالليل ، فيقول : دع العراق ( قطع اللحم ) للأمير ، فأنظر فإذا هو ثريد بزيت[SUP] ( [12] ) [/SUP].
5 - وفي ( تاريخ دمشق ) لابن عساكر عن أبي بكرة أن أعرابيًا وقف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال :
يا عمرَ الخير جُزيت الجنه ... أُكسُ بُنياتي وأُمَّهُنَّه
وكن لنا من الزّمان جُنَّه ... أُقسم بالله لَتفعلنَّه
فقال عمر : وإِن لم أَفعل يكون ماذا ? فقال : إِذًا أَبا حفصٍ لأمضينَّه ؛ قال : فإِن مضيتَ يكون ماذا ؟ فقال :
والله عنهنَّ لتُسأَلنه ... يوم تكون الأعطيِات منَّه
وموقفُ المسؤول بينهنَّه ... إِما إِلى نارِ وإِمَّا جَنَّه
فبكى عمر حتى اخضَلَّت لحيتُه ، ثم قال لغلامه : يا غلام ، أَعطِه قميصي هذا لذلك اليوم ، لا لشِعْرِه ؛ ثم قال : والله ، لا أَملك غيره[SUP] ( [13] ) [/SUP].
6 - وفي ( بهجة المجالس وأنس المجالس ) لابن عبد البر : استعمل معاوية رضي الله عنه رجلاً من كلب ، فذكر المجوس يومًا ، فقال : لعن الله المجوس ينكحون أمهاتهم ، والله لو أعطيت عشرة آلاف درهم ، ما نكحت أميَّ ؛ فبلغ ذلك معاوية ، فقال : قبحه الله ! أترونه لو زيد فعل ؟!!


[1] - المصنف ( 20671 ، 20976 ) وإسناده صحيح ؛ ومن طريقه رواه أبو نعيم في ( حلية الأولياء ) : 1 / 311 .

[2] - الأدب المفرد ( 266 ) وصححه الألباني .

[3] - ابن أبي شيبة ( 26326 ) ، وحلية الأولياء : 5 / 224 .

[4] - وذكره البغوي في ( شرح السنة ) : 13 / 184 .

[5] - حلية الأولياء : 2 / 275 .

[6] - شرح السنة : 13 / 183 .

[7] - مصنف ابن أبي شيبة ( 25328 ) .

[8] - عبد الرزاق ( 11426 ) الاحتلام : رؤية الجماع ونحوه في النوم مع نزول المني غالبًا .

[9] - معرفة الرجال لابن معين : 1 / 165 .

[10] - ورواه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) : 28 / 114 ، وذكره ابن كثير في ( البداية والنهاية ) : 1 / 12 ، وغيره.

[11] - انظر ( إغاثة اللهفان ) : 1 / 382 .

[12] - انظر ( الطبقات الكبرى ) : 4 / 336 ، والخلبة .. نحو القلنسوة ، لكنها من ليف .

[13] - تاريخ دمشق لابن عساكر : 44 / 349 .
 
من نوادر محمد بن سيرين – رحمه الله
نقل الذهبي – رحمه الله في ( سير أعلام النبلاء ) عن يوسف بن عطية قال : رأيت ابن سيرين ، قصيرًا ، عظيم البطن ، له وفرة ، يفرق شعره ، كثير المزاح والضحك ، يخضب بالحناء [SUP]( [1] ) [/SUP]؛ وقال يونس : كان ابن سيرين صاحب ضحك ومزاح ؛ وعن منصور : كان محمد يضحك حتى تدمع عيناه ، وكان الحسن يحدثنا ويبكي [SUP]( [2] ) [/SUP].
1 - عن هشام بن حسان قال : قص رجل على ابن سيرين ، فقال : رأيت كأن بيدي قدحًا من زجاج فيه ماء ، فانكسر القدح ، وبقي الماء ؛ فقال له : اتق الله ! فإنك لم تر شيئًا ، فقال : سبحان الله ! قال ابن سيرين : فمن كذب ، فما عليَّ ، ستلد امرأتك وتموت ، ويبقى ولدها ؛ فلما خرج الرجل قال : والله ما رأيت شيئًا ؛ فما لبث أن ولد له وماتت امرأته [SUP]( [3] ) [/SUP].
2 – في ( حلية الأولياء ) عن ابن شوذب قال : كان ابن سيرين يمازح أصحابه ، ويقول : مرحبًا بالمدرفشين ، يعني : أنكم تشهدون الجنائز ، وتحملون الموتى [SUP]( [4] ) [/SUP].
3 - قال الأصمعي : حدثنا جويرية قال : قلت لمحمد بن سيرين : إني اشتريت جارية عظيمة الشفة ؛ فقال : ذاك أوثر لقبلتها [SUP]( [5] ) [/SUP].
4 - وروى أبو نعيم عن أبي بكر بن شعيب قال : كنت عند محمد بن سيرين ، فجاءه إنسان فسأله عن شيء من الشِعْر ، وذاك قبل صلاة العصر فأنشد هذه الأبيات :
كأن المدامة والزنجبيل ... وريح الخزامى وذوب العسل
يعدل برد أنيابها ... إذا النجم وسط السماء اعتدل
ثم دخل في الصلاة [SUP]( [6] ) [/SUP].
5 - وروى - أيضًا - عن خليف بن عقبة قال : سئل محمد ابن سيرين : أينشد الرجل الشِعْرَ وهو على وضوء ؟ فقال :
نبئت أن فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول
أسنانها مائة أو زدن واحدة ... وسائر الخلق منها بعد ممطول
ثم قال الله أكبر ( أي دخل في الصلاة ) [SUP]( [7] ) [/SUP].
6 – روى ابن سعد في ( الطبقات ) عن غالب قال : أتيت محمدًا - وذكر مزاحه - فسألته عن هشام ، فقال : توفي البارحة ، أما شعرت ؟ فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ! فضحك [SUP]( [8] ) [/SUP]؛ يشير إلى قوله تعالى : ] اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [ [ الزمر : 42 ] .


[1] - انظر ( سير أعلام النبلاء ) 4 / 607 ، 608 .

[2] - انظر ( سير أعلام النبلاء ) 4 / 613 .

[3] - انظر ( سير أعلام النبلاء ) 4 / 613 .

[4] - حلية الأولياء : 2 / 274 .

[5] - حلية الأولياء : 2 / 275 .

[6] - حلية الأولياء : 2 / 275 .

[7] - حلية الأولياء : 2 / 275 .

[8] - الطبقات الكبرى : 7 / 202 ، 203 .
 
من نوادر ابن أبي عتيق – رحمه الله
1 - وفد ابن أبي عتيق على عبد الملك بن مروان ، فلقي حاجبه فسأله أن يستأذن له عليه فسأله الحاجب : ما نزعه ؟ فذكر دَيْنًا فَدَحَهُ ، فاستأذن له ؛ فأمره عبد الملك بإدخاله ، فأدخله ، وعند رأس عبد الملك ورجليه جاريتان له وضيئتان ؛ فسلَّم وجلس ، فقال له عبد الملك : ما حاجتك ؟ قال : ما لي حاجة إليك ؛ قال : ألم تذكر للحاجب أنك شكوت إليه دَينًا عليك ، وسألته ذكر ذلك لي ؟! قال : ما فعلت ، وما علي دين ، وإني لأيسر منك ؛ قال : انصرف راشدًا ؛ فقام ، ودعا عبد الملك الحاجب ، فقال له : ألم تذكر لي ما شكا إليك ابن أبي عتيق من الدين ؟! قال : بلى ، قال : فإنه أنكر ذلك ، فخرج إليه الحاجب ، فقال : ألم تشك إلي دينك ، وذكرت انك خرجت إلى أمير المؤمنين فيه ، وسألتني ذكره له ؟! قال : بلى ، قال : فما حملك على إنكار ذلك عند أمير المؤمنين ؟ قال ابن أبي عتيق : دخلت عليه وقد أجلس الشمس عند رأسه ، والقمر عند رجليه ؛ ثم قال لي كن سؤَّالا ، لا والله ، ما كان الله تعالى ليرى هذا أبدًا ؛ فدخل الحاجب على عبد الملك فأخبره ، فضحك ؛ ووهب الجاريتين له ، وقضى دينه ، ووصله[SUP] ( [1] ) [/SUP].
2 – في ( تاريخ دمشق ) لابن عساكر : قال عبد الله بن عروة بن الزبير : قد اشتقت إلى حديث ابن أبي عتيق ، وأرسل إليه يقول : إني قد اشتقت إلى حديثك ، فأحب أن تزورني ؛ قال : فقال ابن أبي عتيق للرسول : نعم ، قال : فأين تعده ؟ قال : الحوض ؛ فرجع الرسول إلى عبد الله بن عروة فأخبره ، فقال : هذا موعد مُغَمَّس ! ارجع إليه فاسأله : أي حوض ؟ فرجع إليه ، فقال له : يقول لك : أي حوض ؟ قال : حوض القيامة ، فذكر ذلك الرسول لعبد الله بن عروة ، فضحك وقال : قل له : أتعدنا حوضًا لا تَرِدُهُ ؟![SUP]( [2] )[/SUP]
3 - وفي ( تاريخ دمشق ) - أيضًا - أن ابن أبي عتيق دخل على أم المؤمنين عائشة ، وهو مشتمل على قِرْدٍ ، فقال لها : يا أماه ، بركي في ؛ فقالت : بارك الله فيك ، قال : وفيما معي ، قالت : وفيما معك ، فكشف لها عنه ، فغضبت ، وقالت : لقد هممت أن أدعو عليك بدعوة تدخل معك قبرك [SUP]( [3] ) [/SUP].
4 - وفيه - أيضًا : كان لرجل على ابن أبي عتيق دين ، فتقاضاه فلما ألح عليه ، قال ائتني العشية في مجلس القلادة - وكان مجلس القلادة مجلسًا لقريش يتذاكرون الفقه وأصناف العلوم - فاسألني عن بيت قريش ؛ فأتاه الغريم في المجلس ، فقال : إنا تلاحينا في بيت قريش ، ورضيناك حَكَمًا ؛ فقال : اعفني من الكلام في هذا ، قال : لا بد من أن تقول ؛ قال : فإن بيت قريش آل حرب بن أمية ؛ قال : ثم ، قال : ثم آل أبي العاص ؛ قال : وعبد الله بن عباس حاضر ؛ فقال الرجل : فأين بنو عبد المطلب ، فقال : لم أظنك تسألني عن بيت الملائكة ومهبط جبريل ! إنما ظننتك تسألني عن بيت الآدميين ، فأما إذا صرت إلى بيت رسول رب العالمين ، وسيد كل شهيد ، وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والطيار في الجنة مع الملائكة ؛ فمن يسامي هؤلاء ، وأي فخر إلا وهو ينقطع دونهم ؛ قال : فجلا عن ابن عباس ما كان فيه ، فدعاه بعدما قام الناس ، فقال ألك حاجة ؛ قال : نعم ، عليَّ دين ؛ فقال : قد قضيناه عنك [SUP]( [4] ) [/SUP].


[1] - تاريخ دمشق : 32 / 237 ؛ وابن عتيق هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ؛ وكانت فيه دعابة .

[2] - تاريخ دمشق : 32 / 243 ، 244 ؛ وقوله : ( مغمس ) أي : ليس خالصًا .

[3] - تاريخ دمشق : 32 / 242 .

[4] - تاريخ دمشق : 32 / 243 ، 244 ؛ وقوله : ( مغمس ) أي ليس خالصًا .



[4] - تاريخ دمشق : 32 / 243 ، 244 ؛ وقوله : ( مغمس ) أي ليس خالصًا .
 
من أخبار شريح القاضي - رحمه الله
1 - عن أبي هاشم أن فقيهًا جاء إلى شريح ، فقال : ما الذي أحدثت في القضاء ؟ قال : إن الناس أحدثوا ، فأحدثت [SUP]( [1] )[/SUP].
2 - عن مجاهد قال : اختصم إلى شريح في ولد هرة ، فقالت امرأة : هو ولد هرتي ؛ وقالت الأخرى : بل هو ولد هرتي ؛ فقال شريح : ألقها مع هذه ، فإن هي قرَّت ، ودرَّت ، واسبطرت ، فهي لها ، وإن هي هرَّت ، وفرَّت ، واقشعرت ، فليست لها .
وفي رواية : وازبأرت ، أي : انتفشت ، وقوله : ( اسبطرت ) أي : امتدت للرضاع[SUP] ( [2] ) [/SUP].

[1] - أخبار القضاة : 2 / 318 ، وطبقات ابن سعد : 6 / 133 ، و سير أعلام النبلاء : 4 / 103 .

[2] - تاريخ ابن عساكر 8 / 25 ؛ وسير أعلام النبلاء : 4 / 105 .
 
ومن أخبار الشعبي : عامر بن شراحيل - رحمه الله
1 - كان الشعبي توءمًا ضئيلا ، فكان يقول : إني زوحمت في الرحم [SUP]([/SUP] [1] [SUP])[/SUP] .
2 - روى مجالد وغيره ، أن رجلا مغفلا لقي الشعبي ، ومعه امرأة تمشي ، فقال : أيكما الشعبي ؟ قال : هذه[SUP] ( [2] ) [/SUP].
3 - عن عامر بن يساف قال : قال لي الشعبي : امض بنا نَفِرُّ من أصحاب الحديث ، فخرجنا ، قال : فمر بنا شيخ ، فقال له الشعبي : ما صنعتك ؟ قال : رفَّاء ، قال : عندنا دَنٍّ مكسور ، ترفوه لنا ؟ قال : إن هيأت لي سلوكًا من رمل ، رفوته ؛ فضحك الشعبي حتى استلقى[SUP] ( [3] ) [/SUP].
4 - أتى رجلٌ الشعبي ، فقال : ما اسم امرأة إبليس ؟ قال : ذاك عرسٌ ما شهدته[SUP] ( [4] ) [/SUP].
5 - عن ابن يزيد التميمي قال : سأل رجل الشعبي عن المسح على اللحية ، فقال : خللها ؛ قال : أتخوف أن لا يبلغها الماء ! قال : فإن تخوفت فأنقعها من أول الليل [SUP]( [5][/SUP] ) .

[1] - سير أعلام النبلاء : 4 / 297 .

[2] - سير أعلام النبلاء : 4 / 311 .

[3] - سير أعلام النبلاء : 4 / 311 .

[4] - سير أعلام النبلاء : 4 / 312 .

[5] - انظر ( ذم الثقلاء ) ص : 53 ؛ لأبي بكر محمد بن خلف بن المرزبان - مؤسسة علوم القرآن - دمشق , ودار ابن كثير - الشارقة , الطبعة الأولى 1412 هـ – ت : د. مأمون محمود ياسين .
 
ومن نوادر الأعمش ، سليمان بن مهران – رحمه الله
1 – عن ابن إدريس قال لي الأعمش : أما تعجب من عبد الملك بن أبجر ! قال : جاءني رجل ، فقال : إني لم أمرض ، وأنا أشتهي أن أمرض ؛ قال : فقلت : احمد الله على العافية ؛ قال : أنا أشتهي أن أمرض ؛ قال : كل سمكًا مالحًا ، واشرب نبيذًا مريسًا ، واقعد في الشمس ، واستمرض الله ؛ فجعل الأعمش يضحك ، ويقول : كأنما قال له واستشف الله عز وجل[SUP] ( [1] ) [/SUP].
2 - قال الأعمش : بلغني أن الرجل إذا نام حتى يصبح - يعني لم يصل - توركه الشيطان فبال في أذنه ؛ وأنا أرى أنه قد سلح في حلقي الليلة ؛ وذلك أنه كان يسعل[SUP] ( [2] ) [/SUP].
3 - قال عيسى بن يونس : أتى الأعمش أضياف ، فأخرج إليهم رغيفين ، فأكلوهما ؛ فدخل فأخرج لهم نصف حبل قتٍ ، فوضعه على الخوان ، وقال : أكلتم قوت عيالي ، فهذا قوت شاتي ، فكلوه[SUP] ( [3] ) [/SUP].
4 - قال محمد بن عبيد : جاء رجل نبيل ، كبير اللحية ، إلى الأعمش ، فسأله عن مسألة خفيفة في الصلاة ، فالتفت إلينا الأعمش ، فقال : انظروا إليه ! لحيته تحتمل حفظ أربعة آلاف حديث ، ومسألته مسألة صبيان الكتاب[SUP] ( [4] ) [/SUP].
5 – وقيل : إن الأعمش كان له ولد مغفل ، فقال له : اذهب فاشتر لنا حبلا للغسيل . فقال : يا أبة ، طول كم ؟ قال : عشرة أذرع ؛ قال : في عرض كم ؟ قال : في عرض مصيبتي فيك[SUP] ( [5] ) [/SUP].
6 - عن العباس بن يزيد قال : أهدى رجل إلى الأعمش بطيخة ، فلما أصبح جلس الأعمش ؛ فقال له الرجل : يا أبا محمد ، كيف كانت البطيخة ؟ قال : طيبة ، ثم عاد ثانية ، فقال : طيبة ، ثم عاد الثالثة ، فقال الأعمش : إن كففت عني ، وإلا تقيأتها[SUP] ( [6][/SUP] ) .

[1] - سير أعلام النبلاء : 4 / 230 .

[2] - سير أعلام النبلاء : 4 / 231 ، وسلح : تبرز .

[3] - سير أعلام النبلاء : 4 / 237 .

[4] - سير أعلام النبلاء : 4 / 238 .

[5] - سير أعلام النبلاء : 4 / 239 .

[6] - انظر ( ذم الثقلاء ) ص 56 .
 
من نوادر أشعب
هو أشعب ( الطمع ) ابن جبير المدني ، يعرف بابن أم حميدة ، وبه يُضرب المثل في الطمع .
1 - قال أشعب : دخلت على سالم بن عبد الله ، فقال : حُمِل إلينا هريسة ، وأنا صائم ، فاقعد كُلْ ، قال : فأمعنت ، فقال : ارفق ، فما بقي يحمل معك ، قال : فرجعت ، فقالت المرأة : يا مشؤوم ، بعث عبد الله بن عمرو ابن عثمان يطلبك ، وقلت : إنك مريض ! قال : أحسنتِ ، فدخل حمامًا ، وتمرج بدهن وصفرة ، قال : وعصبت رأسي ، وأخذت قصبة أتوكأ عليها ، وأتيته ؛ فقال : أشعب ؟ قلت : نعم ، جعلت فداك ، ما قمت منذ شهرين ، قال : وعنده سالم ، ولم أشعر ، فقال : ويحك يا أشعب ، وغضب وخرج ، فقال عبد الله : ما غضب خالي سالم إلا من شيء ، فاعترفت له ، فضحك هو وجلساؤه ؛ ووهب لي ، فخرجت ، فلقيت سالما فقال : ويحك ، ألم تأكل عندي الهريسة ؟ قلت : بلى ، فقال : والله ، لقد شككتني[SUP] ( [1] )[/SUP] .
2 - حكى الأصمعي أن أشعب مر في طريق ، فعبث به الصبيان ، فقال : ويحكم ، سالم يقسم جوزًا أو تمرًا ، فمروا يَعْدُون ، فعدا أشعب معهم ، وقال : ما يدريني لعله حق [SUP]([/SUP] [2] [SUP])[/SUP] .
3 - قال أبو عاصم : حدثنا أشعب ، حدثنا عكرمة ، عن ابن عباس قال : لله على عبده نعمتان ، وسكت أشعب ، فقال : اذكرهما ؛ قال : واحدة نسيها عكرمة ، والأخرى أنا [SUP] ( [3] )[/SUP] .
4 – وقيل : إنه لقي دينارًا ، فاشترى به قطيفة ، ثم نادى : يا من ضاع منه قطيفة [SUP]([/SUP] [4] [SUP])[/SUP] .
5 – ويقال : دعاه رجل ، فقال : أنا خبير بكثرة جموعك ؛ قال : لا أدعو أحدًا ، فجاء ، إذ طلع صبي ، فقال أشعب : أين الشرط ؟ قال : يا أبا العلاء ، هو ابني ، وفيه عشر خصال : أحدها : أنه لم يأكل مع ضيف ؛ قال : كفى ، التسع لك ، أدخله [SUP]( [5] )[/SUP] .
6 - وعن أبي عاصم : أن أشعب مر بمن يعمل طبقًا ، فقال : وسِّعْه ، لعلهم يهدون لنا فيه . ومررت يومًا ، فإذا هو ورائي ، قلت : ما بك ؟ قال : رأيت قلنسوتك مائلة ، فقلت : لعلها تقع فآخذها ؛ قال : فأعطيته إياها[SUP] ( [6] ) [/SUP].
7 - قال أبو عبد الرحمن المقرئ : قال أشعب : ما خرجت في جنازة ، فرأيت اثنين يتسارَّان ، إلا ظننت أن الميت أوصى لي بشيء[SUP] ( [7] ) [/SUP].


[1] - سير أعلام النبلاء : 4 / 464 ، 465 .

[2] - سير أعلام النبلاء : 4 / 465 .

[3] - سير أعلام النبلاء : 7 / 66 .

[4] - سير أعلام النبلاء : 7 / 67 .

[5] - سير أعلام النبلاء : 7 / 67 .

[6] - سير أعلام النبلاء : 7 / 68 .

[7] - سير أعلام النبلاء : 7 / 68 .
 
مقتطفات أخرى
1 - قال الماوردي - رحمه الله - في ( أدب الدنيا والدين ) : وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ الْمَزْحِ وَمُسْتَسْمَحِ الدُّعَابَةِ مَا حَكَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ الْكِنْدِيِّ أَنَّ الْقُشَيْرِيَّ وَقَفَ عَلَى شَيْخٍ مِنْ الْأَعْرَابِ فَقَالَ : يَا أَعْرَابِيُّ مِمَّنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : مِنْ عَقِيلٍ .
قَالَ : مِنْ أَيِّ عَقِيلٍ ؟ قَالَ : مِنْ بَنِي خَفَاجَةَ .
فَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ : رَأَيْت شَيْخًا مِنْ بَنِي خَفَاجَةَ .
فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : مَا شَأْنُهُ ؟ قَالَ : لَهُ إذَا جَنَّ الظَّلَامُ حَاجَةٌ .
فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : مَا هِيَ ؟ قَالَ : كَحَاجَةِ الدِّيكِ إلَى الدَّجَاجَةِ .
فَاسْتَعْبَرَ الْأَعْرَابِيُّ ضَاحِكًا ، وَقَالَ : قَاتَلَك اللَّهُ ، مَا أَعْرَفَك بِسَرَائِرِ الْقَوْمِ .
فَانْظُرْ كَيْفَ بَلَغَ بِهَذَا الْمَزْحَ غَايَتَهُ ، وَلِسَانُهُ نَزِهٌ ، وَعِرْضُهُ مَصُونٌ .
وَهَذَا غَايَةُ مَا يَتَسَامَحُ بِهِ الْفُضَلَاءُ مِنْ الْخَلَاعَةِ ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَكْرَهَ الْفَحْوَى ، وَالنَّزَاهَةُ عَنْ مِثْلِهِ أَوْلَى[SUP] ( [1][/SUP] ) .ا.هـ .

[1] - انظر ( أدب الدنيا والدين ) ص 285 ، 286 .
 
2 – ذكر ابن عبد البر في ( بهجة المجالس وأنس المجالس ) أنه هاج بأبي علقمة الأعرابيِّ الدَّم ، فأتوه بحجَّام ، قال له : يا حجَّام ! اشدد قصبة الملزم ، وأرهف ظبة المشرط ، وأسرع الوضع ، وعجل النَّزع ، وليكن شرطك وخزًا ، ومصَّك نهزًا ؛ فقام الحجام ناهضًا ، وقال : انتظر حتى يأتيك ابن القريَّة فيحجمك .
وابن القرية هو أيوب بن زيد بن قيس بن زرارة الهلالي ، كان أحد بلغاء الدهر ؛ خطيبًا يضرب به المثل ؛ يقال : ( أبلغ من ابن القرية ) ، والقرية أمه .
 
3 – قال القيرواني في ( زهر الأداب وثمر الألباب ) : وروى يموت ابن المزرع قال : كان أحمدُ بن المدبر إذا مدحه شاعرٌ فلم يَرْضَ شِعْرَه ، قال لغلامه : امْض به إلى المَسْجِد الجامع فلا تفارِقْه حتى يُصلي مائةَ ركعة ، ثم خَلِّهِ ؛ فتحاماه الشعراء إلاَّ الأفراد المجيدون ، فجاءه أبو عبد الله الحسين بن عبد السلام المصري ، المعروف بالجمل ، فاستأذنه في النشيد ، فقال له : قد عرفت الشرط ؟ قال : نعم ، قال : فهات إذن ؛ فأنشده :
أرَدْنَا في أبي حَسَنٍ مَديحًا ... كما بالمدحِ تُنْتَجَعُ الولاةُ
فَقُلْنَا أَكْرَمُ الثَّقَلَيْنِ طُرًّا ... وَمَنْ كَفَّاهُ دجلةُ والفراتُ
فقالوا يَقْبلُ المدحاتِ لكنْ ... جَوائِزُهُ عَلَيهِنَّ الصَّلاةُ
فقلتُ لهم وما يُغني عيالي ... صَلاتي إنَّما الشَّأنُ الزكاةُ
فيأمرُ لي بكَسْرِ الصادِ منها ... فتضحى ليَ الصَلاةُ هي الصِّلاتُ
فضحك ابن المدبِّر ، وقال : مِنْ أين لك هذا ؟ قال : من قول أبي تمام الطائي :
هنَّ الْحَمام فإن كسرتَ عيافةً ... عن حائهنَّ فإنهنَّ حِمَامُ
فأعطاه مائة دينار[SUP] ( [1] ) [/SUP].


[1] - زهر الآداب وثمر الألباب : 1 / 438 ، 439 ؛ والقصة في آمالي ابن المزرع .
 
آداب المزاح
قد تبين أن المزاح من أوجه المعاملات في الحياة ، وأنه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن له آداب وضوابط لا بد من التقيد بها ، ليكون في حيز المباح المشروع .
قال الماوردي – رحمه الله - في ( أدب الدنيا والدين ) : وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَلَّمَا يَعْرَى مِنْ الْمِزَاحِ مَنْ كَانَ سَهْلًا ، فَالْعَاقِلُ يَتَوَخَّى بِمِزَاحِهِ إحْدَى حَالَتَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا :
إحْدَاهُمَا : إينَاسُ الْمُصَاحِبِينَ وَالتَّوَدُّدُ إلَى الْمُخَالِطِينَ ؛ وَهَذَا يَكُونُ بِمَا أَنِسَ مِنْ جَمِيلِ الْقَوْلِ ، وَبُسِطَ مِنْ مُسْتَحْسَنِ الْفِعْلِ ؛ وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ لِابْنِهِ : اقْتَصِدْ فِي مِزَاحِك ؛ فَإِنَّ الْإِفْرَاطَ فِيهِ يُذْهِبُ الْبَهَاءَ ، وَيُجَرِّئُ عَلَيْك السُّفَهَاءَ ؛ وَإِنَّ التَّقْصِيرَ فِيهِ يَفُضُّ عَنْك الْمُؤَانِسِينَ ، وَيُوحِشُ مِنْك الْمُصَاحِبِينَ .
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَنْفِيَ بِالْمِزَاحِ مَا طَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ سَأَمٍ ، وَأَحْدَثَ بِهِ مِنْ هَمٍّ ؛ فَقَدْ قِيلَ : لَا بُدَّ لِلْمَصْدُورِ أَنْ يَنْفُثَ .
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْزَحُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ[SUP] ( [1] ) [/SUP].ا.هـ.
مما تقدم يتضح أن للمزاح آدابٌ وضوابط ، نذكركها تباعا .

[1] - انظر ( أدب الدنيا والدين ) ص 283 ، 284 .
 
أول الآداب : أن يكون المزاح حقًّا ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنِّي لأَمْزَحُ ، وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا " .
ولا يصلح المزاح بالكذب ، فإن الكذب لا يجوز حتى في المزاح ؛ فروى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْكَذِبَ فِي الْمُزَاحَةِ ، وَيَتْرُكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا "[SUP] ( [1] ) [/SUP]، وروى - أيضًا - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ يُضْحِكُ بِهَا جُلَسَاءَهُ ، يَهْوِي بِهَا مِنْ أَبْعَدِ مِنْ الثُّرَيَّا "[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ وفي سنن أبى داود عَنْ أَبِى أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ ، لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ؛ وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ ، لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ؛ وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ "[SUP] ( [3] ) [/SUP]؛ وروى أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجة عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِى ، عَنْ أَبِيهِ ( معاوية بن حيدة ) ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ ، لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ ؛ وَيْلٌ لَهُ ، وَيْلٌ لَهُ "[SUP] ( [4] ) [/SUP]؛ فالكذب لا يصلح في جِدٍّ ولا هزل ولا مُزاح .



[1] - أحمد : 2 / 352 ، 364 ؛ وصححه الألباني لغيره في ( صحيح الترغيب ) رقم 2939 .

[2] - أحمد : 2 / 402 ؛ وصححه ابن حبان ( 5716 ) .

[3] - أبو داود ( 4800 ) وحسنه الألباني ؛ ورواه الطبراني في الكبير : 8 / 98 ( 7488 ) .

[4] - أحمد : 5 / 5 ، 7 ؛ وأبو داود ( 4490 ) ، والترمذي ( 2315 ) وقال : حسن ، والنسائي في الكبرى ( 11655 ) .
 
ثاني الآداب : ألا يخرج بمزاحه إلى ما لا يباح من القول أو الفعل ؛ أما القول فكالمشاتمة ، وسب الآباء ، وفحش الكلام وبذيئه ، والسخرية بالآخرين ، والتنابز بالألقاب ، والغيبة ؛ كل ذلك مما لا يجوز ، وبعضه من أكبر الكبائر ؛ ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ " ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟! قَالَ : " يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ "[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وروى أحمد والبخاري في ( الأدب ) والترمذي عَنْ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ ، وَلاَ اللَّعَّانِ ، وَلاَ الْفَاحِشِ ، وَلاَ الْبَذِىءِ "[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ وفيه بيان النهي عن الكلام القبيح في جميع الأحوال ، سواء في جِدٍّ أم مزاح .
وَذَكَرَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ الْمِزَاحَ ، فَقَالَ : يَصُكُّ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ بِأَشَدَّ مِنْ الْجَنْدَلِ ، وَيُنْشِقُهُ أَحْرَقَ مِنْ الْخَرْدَلِ ، وَيُفْرِغُ عَلَيْهِ أَحَرَّ مِنْ الْمِرْجَلِ ، ثُمَّ يَقُولُ : إنَّمَا كُنْتُ أُمَازِحُك[SUP] ( [3] ) [/SUP]! وقد قيل :
امزح بمقدار الطلاقة واجتنب ... مزحًا تضاف به إلى سوء الأدب
لا تغضبن أخًا إذا مازحته ... إن المزاح على مقدمة الغضب
وأما الفعل ، فلا يجوز لمسلم أن يروِّع أخاه بشيء من المزاح ؛ لما روى أحمد وأبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ ، فَفَزِعَ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا "[SUP] ( [4] ) [/SUP].
وروى أحمد والبخاري في ( الأدب ) وأبو داود والترمذي عَنْ يَزِيدَ بْنِ السَّائِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " لاَ يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لاَعِبًا وَلاَ جَادًّا - وَفي رواية : لَعِبًا وَلاَ جِدًّا - وَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا "[SUP] ( [5] ) [/SUP].
قال أبو حاتم البستي – رحمه الله : المزاح إذا كان فيه إثم ، فهو يسوِّد الوجه ، ويُدِمي القلب ، ويورث البغضاء ، ويحيي الضغينه ؛ وإذا كان من غير معصية ، يسلي الهمَّ ، ويرقع الخلة ، ويحيي النفوس ، ويذهب الحشمة ؛ فالواجب على العاقل أن يستعمل من المزاح ما ينسب بفعله إلى الحلاوة ، ولا ينوي به أذى أحدٍ ، ولا سرور أحد بمساءة أحد .ا.هـ[SUP] ([/SUP] [6] [SUP])[/SUP] .


[1] - البخاري ( 5628 ) واللفظ له ، ومسلم ( 90 ) .

[2] - أحمد : 1 / 404 ، والبخاري ، في الأدب المفرد ( 332 ) ، والتِّرمِذي ( 1977 ) وحسنه ، وصححه الألباني .

[3] - انظر ( البصائر والزخائر ) لأبي حيان التوحيدي : 5 / 31 – دار صادر - بيروت .

[4] - أحمد : 5 / 362 ؛ وأبو داود ( 5004 ) .

[5] - أحمد : 4 / 221 ؛ والبخاري في الأدب المفرد ( 241 ) ، وأبو داود ( 5003 ) ، والترمذي ( 2160 ) وحسنه .

[6] - انظر ( روضة العقلاء ) ص 80 .
 
ثالث الآداب : ألا يكون في المزاح استهزاء بشيء من الدين ، كالاستهزاء بالكتاب العزيز ، أو بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، أو بالملائكة , أو بالجنة والنار ، أو بعذاب القبر ، أو بما يتعلق بشيء من أمور العقيدة أو الأحكام الشرعية ؛ فإن ذلك مما لا يجوز ، وصاحبه على خطر عظيم ؛ لأن الله تعالى يقول : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } [ التوبة : 65 ، 66 ] .
 
رابع الآداب : عدم الإفراط في المزاح ؛ إنما هو كالملح للطعام ؛ قال الغزَّالي - رحمه الله : فإن قلت : قد نقل المزاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فكيف ينهى عنه ؟ فأقول : إن قدرت على ما قدر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهو أن تمزح ولا تقول إلا حقًّا ، ولا تؤذي قلبًا ، ولا تفرط فيه ، وتقتصر عليه أحيانًا على الندور ، فلا حرج عليك فيه ؛ ولكن من الغلط العظيم أن يتخذ الإنسان المزاح حرفة ، يواظب عليه ، ويفرط فيه ، ثم يتمسك بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ وهو كمن يدور نهاره مع الزنوج ينظر إليهم وإلى رقصهم ، ويتمسك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة في النظر إلى رقص الزنوج في يوم عيد ؛ وهو خطأ ، إذ من الصغائر ما يصير كبيرة بالإصرار ، ومن المباحات ما يصير صغيرة بالإصرار ؛ فلا ينبغي أن يغفل عن هذا [SUP] ( [1] ) [/SUP].
ويقال : أكثر أسباب القطيعة المزاح ؛ وإن كان لا غنى للنفس عنه للجمام ، فليكن بمقدار الملح في الطعام ؛ قال أبو الفتح البستي - رحمه الله :
أَفْدِ طَبْعَك الْمَكْدُودَ بِالْجِدِّ رَاحَةً ... يُجَمُّ وَعَلِّلْهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَزْحِ
وَلَكِنْ إذَا أَعْطَيْتَهُ الْمَزْحَ فَلْيَكُنْ ... بِمِقْدَارِ مَا تُعْطِي الطَّعَامَ مِنْ الْمِلْحِ
وقال الراغب : المزاح والمداعبة إذا كان على الاقتصاد محمود ، والإفراط فيه يذهب البهاء ، ويجرئ السفهاء ، ولا ينتج إلا الشر .ا.هـ .


[1] - انظر ( إحياء علوم الدين ) 3 / 128 ، 129 .
 
خامس الآداب : اجتناب ممازحة العدو ؛ إذ المزاح غالبًا ما يكون مع أهل المودة ، استئناسًا وتطيبًا لنفوسهم ؛ أما أهل العداوة فيحذر المرء من ممازحتهم ؛ قال الماوردي - رحمه الله - في ( أدب الدنيا والدين ) : وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَسْتَرْسِلَ فِي مُمَازَحَةِ عَدُوٍّ ، فَيَجْعَلَ لَهُ طَرِيقًا إلَى إعْلَانِ الْمَسَاوِئِ وَهُوَ مُجِدٌّ ، وَيُفْسِحَ لَهُ فِي التَّشَفِّي مَزْحًا وَهُوَ مُحِقٌّ ؛ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : إذَا مَازَحْت عَدُوَّك ظَهَرَتْ لَهُ عُيُوبُك[SUP] ( [1] ) [/SUP].ا.هـ .


[1] - انظر ( أدب الدنيا والدين ) ص 286 .
 
6 - اختيار الوقت المناسب للمزاح ؛ فلا يصلح المزاح في وقت جِدٍّ ، ولا في درس علم وموعظة ، ونحو ذلك .. فلكل مقام مقال ، ولكل حدث حديث ؛ والمداعبة مطلوبة محبوبة ، لكن في مواطن مخصوصة ، فليس في كل آن يصلح المزاح ، ولا في كل وقت يحسن الجدُّ ؛ ورحم الله من قال :
أهازل حيث الهزل يحسن بالفتى ... وإني إذا أَجَدَّ الرجال لذو جِدٍّ
وقيل :
ألا رُبَّ قول قد جرى من ممازح . . . فساق إليه الموت في طرف الحبل
فإن مزاح المرء في غير حينه . . . دليل على فرط الحماقة والجهل
 
7 – حسن الأدب في ممازحة العالم والكبير ؛ فلا يمازحه بما لا يليق بمقامه ؛ فقد ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا يعرف حق الكبير ، ومن لم يوقره ، فعند أحمد والترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرِ الْكَبِيرَ ، وَيَرْحَمِ الصَّغِيرَ ، وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ " [SUP]( [SUP][1][/SUP] )[/SUP] ، وروى أحمد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا ، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا ، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ " ، وروى أحمد والترمذي عَنِ ابنِ عَمْرِو رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا " ، وفي رواية : " وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا " [SUP]( [SUP][2][/SUP] )[/SUP] ؛ أَي : ما يستحقه من التعظيم والتبجيل والتوقير . وروى البخاري في الأدب المفرد والحاكم عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا ، فَلَيْسَ مِنَّا " [SUP]( [SUP][3][/SUP] )[/SUP] .


[1] - أحمد : 1 / 257 ، والترمذي ( 1921 ) وحسنه ، وصححه ابن حبان ( 458 ، 464 ) .

[2] - أحمد : 2 / 185 ، والترمذي ( 1920 ) ، ورواه أحمد : 2 / 268 ، والبخاري في الأدب المفرد ( 354 ) ، وأبو داود ( 4943 ) عن ابن عمرو من وجه آخر .

[3] - البخاري في الأدب المفرد ( 353 ) ، والحاكم ( 7353 ) وصححه .
 
خاتمة
هذا ما يسره الله الكريم المنان في كتابة هذه الرسالة ، وهو جهد مَنْ بضاعته مزجاة ، وعمل البشر محفوف بالنقص .
لكن قدرة مثلي غير خافية ... والنمل يعذر في القدر الذي حملا
ومع ذلك فإني أطمع في فضل الله تعالى وكرمه أن يتقبلها مني ، وأن يجعل لها القبول في الأرض ، فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه ، لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت ، وإليه أنيب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية
 
عودة
أعلى