آداب اللباس في الإسلام

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فيمكن القول بأن اللباس مما يتميز به الإنسان عن غيره من الحيوانات ؛ فيواري عورته ويتجمل به في الناس ؛ ولكن لما كان بعض الناس قد يخرج بلباسه عن إطار الحِلِّ أو اللياقة دون ضابط ؛ جاء الإسلام ليضع لأهله ضوابطَ وآدابًا ، تجعلهم يتميزون عن غيرهم من البشر في لباسهم ، كما تميزوا في عقيدتهم وشريعتهم .
إنه الدين العظيم الذي ربى أهله على العبودية لله وحده ، وأن يكونوا في جميع شئون حياتهم مرتبطين بتعاليم هذا الدين التي تربط العبد بخالقه ، وتجعله يعي أن كل شيء في حياته له ضوابط وآداب توفق بين الروح والبدن ، لتصله بربه ؛ فيعيش في حياته الدنيوية يرنو إلى الحياة الأبدية في جنات النعيم ؛ والتي جعلها الله U جزاءً للطائعين المستقيمين .
فكم هو شنيعٌ خطأُ فَهْمِ أولئك الذين يظنون أن مسألة اللباس في الإسلام مسألة شكلية ! وأي شكل في الوجود لا يعبِّر عن مضمون ؛ بدءًا بأبسط الأشياء حتى أعقدها ! ودونك العلوم والفلسفات والحضارات عبرالتاريخ ، فانظر وتأمل!
إن قضية اللباس مرتبطة بأصول العقيدة أساسًا ! سواء تعلق ذلك بالرجال أو بالنساء على السواء ، لكن لكل منهما صفاته الخاصة ؛ وغلط مَنْ يحصر ذلك في مجال التشريع فقط ! ومن هنا يتبين مدى الخطر الذي تؤدي إليه (حركة التعري) من تدمير عقدي لمن يعتقدها صوابًا .
ولما كان البشر يتميز لباسهم بحسب جنسهم ، كان للباس الذكور آداب ، وللباس الإناث آداب ؛ بل وللصغار - أيضًا - آداب للباسهم .
وسنتناول في رسالتنا هذه ( آداب اللباس ) المحاور التالية :
معنى اللباس .
قصة اللباس .
اللباس نعمة توجب الشكر .
أنواع اللباس .
آداب عامة للباس .
آداب تختص بالرجال .
آداب تختص بالنساء .
آداب تختص بالأطفال .
وليس من نافلة القول أن نقول : إن هذه الآداب دالة على عظمة هذا الدين ، وعنايته بأهله ؛ وأن منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب .
هذا والله الكريم أسأل أن ينفع بهذه الرسالة كاتبها وناشرها وقارئها والدال عليها ، إنه خير مسئول وأكرم مأمول ؛ وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
 
معنى اللباس
اللِّباس ما يستر الجسم ، جمعه ألبسة ولُبُس ؛ يقال : لبس الثَّوب لبسًا استتر به , وأصل اللبس : ستر الشيء ، ولباس كلِّ شيءٍ غشاؤُه , ولباس التّقوى : الإيمان ، أو الحياء ، أو العمل الصَّالح ، وفي التنزيل ] يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [ [ الأعراف : 26 ] .
وجُعِلَ اللباس لكل ما يغطي من الإنسان عن قبيح ، فجعل الزوج لزوجه لباسًا من حيث إنه يمنعها ويصدها عن تعاطي قبيح ؛ قال تعالى : ] هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [ [ البقرة : 187 ] ، فسماهن لباسًا ، وأما قوله : ] صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ [ [ الأنبياء : 80 ] ، فيعني به : الدرع ( [1] ) .
وأما الزِّينة فهي أعم من اللِّباس ؛ وهي في اللغة ما يُتزيَّن به , والزَّين : الحسن ، ضد الشّين وهو القبيح .

[1] - انظر مفردات الراغب ( مادة : لبس ) ، ولسان العرب باب السين فصل اللام .
 
قصة اللباس
لما عصى إبليس وأبى السجود لآدم وطرده الله تعالى من الجنة ، بيَّن عداوته للأبوين فقال  :  فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ  ، وحذرهما من محاولته إخراجهما من الجنة :  فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى  [ طـه : 117 ] ؛ وبيَّن لهما الحال في الجنة :  إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى . وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى  [ طـه : 118 ، 119 ] ؛ ثم أسكن الله تعالى الأبوين الجنة ، وأباح لهما أن يأكلا من ثمر كل شجرة فيها إلا شجرة واحدة .
وذكر القرآن أن وسوسة إبليس كانت لينزع عن الأبوين لباسهما ويريهما سوءاتهما ؛ قال تعالى :  فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا  [ الأعراف : 20 ] . ولحكمة أرادها الله تعالى عصى الأبوان ، فكان أن ظهر أول شؤم المعصية : انكشاف عورتهما :  فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ  [ لأعراف : 22 ] .
ولما شاء الله تعالى للأبوين أن يسكنا الأرض هيأ لهما ولذريتهما ما يحتاجونه في أمر دنياهم ودينهم ، ومن ذلك اللباس :  يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ  [ الأعراف : 26 ] ؛ وهذه الآية جاءت على سبيل الامتنان والتحذير من أن يقع بنو آدم فيما وقع فيه الأبوان فانكشفت عورتهما ، وأمرهما بالهبوط إلى الأرض وأعلمهما أنها لهما مستقرًا ومتاعًا إلى حين ؛ ثم بيَّن بعد ذلك أنَّهُ تعالى أنزل كلَّ ما يحتاجون إليه في الدُّنْيَا ، ومن جملة ما يُحتاج إليه في الدِّين والدُّنيا اللِّباس الذي يسترون به عَوْرَتَهُم ، ويزينون به هيئتهم أمام غيرهم .
ففي مواجهة مشهد العري الذي أعقب الخطيئة ، وكذلك في مواجهة العري الذي كان يزاوله المشركون في الجاهلية فقد كانوا يطوفون بالبيت عرايا ، يذكر السياق في هذا النداء نعمة الله على البشر وقد علمهم ويسر لهم ، وشرع لهم كذلك ، اللباس الذي يستر العورات المكشوفة ، ثم يكون زينة - بهذا الستر - وجمالاً ، بدل قبح العري وشناعته ( 1 ) .
وحذر الله  بني آدم من أن يفعل إبليس بهم ما فعل بالأبوين :  يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ  [ الأعراف : 27 ] . وفي الآية بيان بأن كشف العورات إنما هو من وساوس الشيطان وتزيينه .

( 1 ) انظر ( في ظلال القرآن ) لسيد قطب عند الآية ( 26 ) من سورة الأعراف ، بتصرف .
 
نعمة اللباس ووجوب شكرها​
امتن الله تعالى على خلقه بنعم كثيرة ، منها اللباس ، وقد جاء ذلك في آيات ذوات عدد ؛ ففي سورة النحل ، قال الله تعالى :{ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ  [ النحل : 5 ] ، وفيها ، قال سبحانه : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } [ النحل : 81 ] ؛ وفي سورة الأعراف قال سبحانه : { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } [ الأعراف : 26 ] .
فالآية الأولى فيها إشارة لملابس الشتاء : { لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} ، والآية الثاني واضحة في ملابس الصيف ، وملابس الحرب : { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ } ، والآية الثالثة فيها بيان للثياب التي تستر العورة : { لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ } ، والثياب التي يتزين بها { وَرِيشًا } ؛ ثم التنبيه على لباس التقوى وأنه خير .
قال الزمخشري : وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدو السوءات ، وخصف الأوراق عليها ، إظهارًا للمنة فيما خلق من اللباس ، ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة ، وإشعارًا بأن التستر باب عظيم من أبواب التقوى ( 1 ) .
فيا لها من نعمة توجب الشكر ؛ وقد أشار القرآن إلى ذلك في أحد أنواعها ، وهي لباس الحرب ، فقال  : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ } [ الأنبياء : 80 ] ؛ وقال تعالى في ختام آية سورة النحل : { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } ؛ ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك .
روى أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجة عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ إِمَّا قَمِيصًا أَوْ عِمَامَةً ، ثُمَّ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ ، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ " ( 2 ) .

( 1 ) انظر ( الكشاف ) للزمخشري عند الآية ( 26 ) من سورة الأعراف .
( 2 ) أحمد : 3 / 50 ، وأبو داود ( 4020 ) ، والترمذي ( 1767 ) وصححه ، والنسائي في الكبرى ( 10141 ) ، والحاكم ( 2408 ) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي .
 
أنواع اللباس
للباس أنواع يمكن أن تجمل تحت نوعين :
الأول : لباس البدن : وهو لباس حسي ظاهر ؛ ويتنوع بحسب الحال إلى : لباس يستر العورة وهو ضروري واجب ، ولباس يُتزين به وهو ما زاد على الضروري من اللباس ؛ ولباس للحرب وهو خاص بحالة الحرب ؛ كما يتنوع لباس البدن بحسب الزمن إلى : لباس للشتاء ، ولباس للصيف .
الثاني : لباس النفس : وهو لباس التقوى ، وهو اللباس المعنوي الباطن الذي يقي الإنسان من عذاب الله تعالى ؛ ولا فائدة من ستر البدن باللباس الحسي إن لم يستر الإنسان نفسه بلباس التقوى ؛ ولله در القائل :
إذا المرء لم يلبس لباسًا من التقى تقلب عريانًا ولو كان كاسيا
وخـير لباس المـرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصيا
وإليك بيان هذين النوعين بشيء من التفصيل :

النوع الأول : لباس البدن
يتميز الإنسان بلباس يواري سوأته ، وآخر يتجمل به في الناس ، وثالث لحال الحرب يقيه الطعنات والضربات ؛ وتختلف هذه الأنواع بحسب طبيعة الجو إلى ألبسة شتوية وألبسة صيفية ؛ تتميز الأولى بالثقل الذي يبعث على الدفء ، قال الله تعالى : { وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} والدفء اسم لما يدفأ به ، وهو ما يكون من اللباس المصنوع من أصواف الأنعام وأوبارها وأشعارها ، وتتميز الثانية بالخفة التي تقي الحر ، قال الله تعالى : { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } ؛ وتفصيل ذلك على النحو التالي :
أولا : لباس يستر العورة :
هذا النوع من اللباس هو المذكور في قوله تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ } ؛ فمع ما في الآية من دلالة على الإنعام ، فيها - أيضًا - دلالة على وجوب ستر العورة ؛ وفيه تنبيه على أَن جلَّ المقصود من اللباس ستر العورة ، وما زاد فتحسّن وتزيّن ، إلاَّ ما كان لدفع حَرٍّ وبرد .
وفي اللغة كل شيء يستره الإنسان أَنَفَةً وحياء فهو عورة ؛ فالعورة هي ما يسوء الإنسان إبداؤه والنظر إليه ؛ لأنها من العور وهو العيب .
وأما في الاصطلاح : فما يحرم كشفه والنظر إليه من الجسم ، سواء من الرجل أو المرأة ؛ أو هي ما يجب ستره وعدم إظهاره من الجسم .
وحَدُّها يختلف باختلاف الجنس ، وباختلاف العمر , كما يختلف من المرأة بالنسبة للمحرَم وغير المحرم .
ولا خلاف في تحريم النظر إلى العورة من الناس بعضُهم إلى بعض ، وأن سترها عنهم واجب ، إلا الرجل مع زوجته أو أمته ، لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } [ المؤمنون : 5 ، 6 ؛ والمعارج : 29 ، 30 ] .
وستر العورة من الآداب العظيمة التي أمر بها الإسلام ، ففي صحيح مسلم عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ : أَقْبَلْتُ بِحَجَرٍ أَحْمِلُهُ ثَقِيلٍ ، وَعَلَىَّ إِزَارٌ خَفِيفٌ ؛ قَالَ : فَانْحَلَّ إِزَارِي ، وَمَعِيَ الْحَجَرُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَضَعَهُ حَتَّى بَلَغْتُ بِهِ إِلَى مَوْضِعِهِ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " ارْجِعْ إِلَى ثَوْبِكَ فَخُذْهُ ، وَلاَ تَمْشُوا عُرَاةً " ( 1 ) ؛ ولا خلاف في تحريم كشف العورة بمحضر الناس ، فعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟ قَالَ : " احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ ؟ قَالَ : " إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلاَ يَرَيَنَّهَا " ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا ؟ قَالَ : " اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ " ( 2 ) .
بل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل أن ينظر إلى عورة الرجل ، والمرأة أن تنظر إلى عورة المرأة ، لما يترتب عليه من المفاسد ، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ ، وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ " ( 3 ) .
وعورة الرجل التي أُمر بسترها - إلا عن زوجته أو أمته - من السرَّة إلى الركبة ؛ والمرأة كلها عورة إلا عن زوجها ؛ وأما محارمها فلهم النظر إلى ما يظهر غالبًا كالوجه ، واليدين ، والشعر ، والرقبة .. ونحو ذلك مما يكون ظاهرًا في بيتها من غير تكلف ؛ وحُكم المرأة في الصلاة : ستر جميع جسدها إلا الوجه والكفين ؛ وأما المرأة مع المرأة ، فقال كثير من أهل العلم : عورتها كعورة الرجل على الرجل : من السرَّة إلى الركبة ؛ وقيل : لا يرى النساء منها إلا ما يراه ذو المحرم .
وهذا مع أمن الفتنة ، فإذا لم تؤمن الفتنة ، فلا تُظهر المرأة ما يمكن أن يكون مثيرًا لفتنة ولو في أوساط النساء .
ويجب ستر العورة بما يواريها من اللباس الذي يستر لون البشرة ولا يحددها ولا يظهر بعضها ، فلا يكون شفافًا يظهر ما تحته ، ولا ضيقًا يحدده ، ولا قصيرًا يظهر بعض العورة ؛ لأن الستر لا يحصل بذلك ؛ وهذا عام في لباس الرجل والمرأة .
وتتعمد بعض النساء لبس بعض الملابس التي تُظهر مفاتنها وزينتها الباطنة في مجتمع النساء ، كأن تُظهر ظهرها أو فخذها أو جزء منه ، أو تلبسُ لباسًا شفافًا يشفُ ما تحته من جسدها ، أو لباسًا ضيقًا يصف الجسد ؛ وقد يحتج بعضهن بأن العورة المأمور بسترها بين النساء تكون من السرة إلى الركبة ، وإنهن إنما يلبسن ذلك في مجامع النساء فقط .
وهذا الكلام فيه تجوز ؛ فإن من قال من العلماء : إن عورة المرأة مع المرأة تكون من السرَّة إلى الركبة ، اشترط الأمن من الفتنة ، وواقع كثير من النساء اليوم أنهن تجاوزن الحد في ستر عوراتهن ، بل أدى الحال إلى افتتان بعض النساء ببعض ، وهو أمر أصبح لا يخفى ؛ وليس مجمع النساء عذرٌ في لبس ما يحلو للمرأة لبسه ، بل متى كان داعيًا للفتنة ومحركاً للغرائز فإنه يحرم ولو كان ذلك بين أوساط النساء ؛ قال ابن عثيمين - رحمه الله : لبس الملابس الضيقة التي تبين مفاتن المرأة وتبرز ما فيه الفتنة محرم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ " ( 4 ) ؛ فقد فسر قوله : " كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ " بأنهن يلبسن ألبسة قصيرة لا تستر ما يجب ستره من العورة ، وفُسر بأنهن يلبسن ألبسة تكون خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة ، وفُسرت بأن يلبسن ملابس ضيقة فهي ساترة عن الرؤية لكنها مبدية لمفاتن المرأة ، وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تلبس هذه الملابس الضيقة إلا لمن يجوز لها إبداء عورتها عنده وهو زوجها ، فإنه ليس بين الزوج وزوجته عورة ، لقول الله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } ، وقالت عائشة : كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه ( 5 ) ؛ فالإنسان بينه وبين زوجته لا عورة بينهما ، وأما بين المرأة والمحارم فإنه يجب عليها أن تستر عورتها ؛ والضيِّق لا يجوز عند المحارم ولا عند النساء إذا كان ضيقًا شديدًا يبين مفاتن المرأة ( 6 ) .
وللحديث صلة .

( 1 ) - رواه مسلم (341) .
( 2 ) - رواه أبو داود ( 4017 ) والترمذي ( 2794 ) ، وابن ماجه ( 1920 ) ، والحاكم ( 7358 ) وصححه ووافقه الذهبي .
( 3 ) - رواه مسلم ( 338 ) .
( 4 ) - رواه مسلم ( 2128 ) عن أبي هريرة  .
( 5 ) - رواه البخاري ( 261 ) ، ومسلم ( 316 ) وغيرهما .
( 6 ) - فتاوى الشيخ ابن عثيمين : 2 / 825 ، 826 - دار عالم الكتب - الرياض- الطبعة الأولى 1411هـ .
 
ثانيًا : لباس للزينة

هو المذكور في قوله تعالى : { وَرِيشًا } على ما تقدم ؛ قال ابن كثير - رحمه الله : يمتن تعالى على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش ؛ فاللباس لستر العورات ، وهي السوءات ؛ والرياش والريش : ما يتجمل به ظاهرًا ؛ فالأول من الضروريات ، والريش من التكملات والزيادات ( [1] ) ؛ وقال تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } [ الأعراف : 31 ] ، وهو لباس الجمال والزينة الزائد عن اللباس الضروري .
وهذا النوع من اللباس هو من الزينة التي أخرج الله تعالى لعباده ، وأحلها لهم ، وأنكر على من يحرمها بدون برهان ، فقال عز وجل : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } [ الأعراف : 32 ] ؛ وفي إضافة هذه الزينة إلى الله سبحانه ، وبيان أنه تعالى هو الذي أخرجها للناس أكبر برهان على أنه ليس من حق أحد أن يحرَّم من هذه الزينة شيء ، إنما حكم ذلك إلى الذي أخرجها لعباده وحده ؛ وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك عند الحديث عن الآداب .

ثالثًا : لباس للحرب
المراد به الدروع ونحوها ، مما يقي لابسه وقع السلاح ، ويسلِّمَه من بأسه ، وهو المذكور في قوله تعالى : { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ } [ النحل : 81 ] ، والمراد بالبأس ها هنا الحرب ؛ وكذا في قوله تعالى : { وَعَلَّمْنَاهُ } أي : داود عليه السلام { صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ } أي : الدروع ، { لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ } أي : لتحرز وتقي بعضكم من بأس بعض ؛ وبين الله تعالى ذلك في قوله : { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ } أي : اصنع دروعًا سابغات من الحديد الذي ألناه لك ، { وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ } والسرد : نسج الدرع ، والمعنى : اجعل الحلق والمسامير في نسجك الدرع بأقدار متناسبة ؛ فلا تجعل المسمار دقيقًا لئلا ينكسر ، ولا يشد بعض الحلق ببعض ، ولا تجعله غليظًا غلظًا زائدًا فيفصم الحلقة ( [2] ) .
هذا والعلم عند الله تعالى ... وللحديث صلة .

[1] - انظر تفسير ابن كثير عند الآية ( 26 ) من سورة الأعراف .

[2]- انظر ( أضواء البيان ) للشنقيطي عند الآية من ( 11 ) من سورة سبأ .
 
النوع الثاني : لباس النفس​
هذا هو النوع المعنوي : لباس التقوى ؛ بامتثال أمر الله جل جلاله واجتناب نهيه ، وهذا اللباس خير من النوعين الحسيين ، قال الله تعالى : { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } ؛ ذلك لأنه يواري سوأة الإنسان في الدنيا والآخرة ، ويُجَمِّله فيهما :
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [ الطلاق : 2 ، 3 ] ، هذا في الدنيا ؛ { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } [ الطلاق : 4 ] ، هذا في الدنيا والآخرة ، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا } [ الطلاق : 5 ] ، هذا في الآخرة .
فأي لباس هو خير من هذا ؟
إذا المرء لم يلبس لباسًا من التقى ... تقلب عريانًا ولو كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه ... ولا خير فيمن كان لله عاصيا
 
آداب عامة
نذكر هاهنا الآداب العامة للباس الذكر والأنثى ، وهي كالتالي :
1 - لبس الحلال من الثياب ؛ والأصل في اللباس وزينته الحلُّ ؛ لأن الله تعالى يقول : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } [ البقرة : 29 ] ، واللباس مما خلق الله لنا في الأرض ، فهو حلٌّ لنا ، ولا يحرم منه إلا ما يقوم دليل على تحريمه ؛ قال عز وجل : { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ } [ النحل : 116 ] ؛ فمن حرم ما لم يحرمه الله ، أو أحل ما حرمه الله تعالى فقد افترى على الله كذبًا ؛ وقد حدد لنا الشرع المطهر ما يتعلق من اللباس نوعًا وكيفًا ، حِلًا وحرمة ، لئلا نتجاوز بها إلى حد لا يليق بنا ؛ وليس للمسلم أن يتجاوز ما حَدَّ له الشرع ، قال الله تعالى : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [ البقرة : 229 ] ، وقال جل جلاله : { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [ الطلاق : 1 ] ؛ وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ما يجوز وما لا يجوز لهم من اللباس بيانًا ظاهرًا ؛ وسيأتي بيان ما لا يجوز لبسه .

2 - يلبس المسلم ما شاء ما أخطأته اثنتان : سَرَفٌ أو مخيلة ؛ روى أحمد والنسائي وابن ماجة عَنْ عبد الله بن عَمْرٍو - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا ، فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلَا سَرَفٌ ؛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ " ( 1 ) ؛ وروى أبن أبي شيبة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كُلْ ما شئت ، والبس ما شئت ، ما أخطأتك خلتان : سَرَفٌ أو مخيلة ( 2 ) ؛ والمخيلة : الكبر ، يقال : خال الرجل خالا ، واختال اختيالا : إذا تكبر ؛ والسرف : الإسراف ؛ وكلاهما محرم .
4 - يُظهر المسلم أثر نعمة ربه عليه ؛ لحديث ابن عمرو المتقدم : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ " ؛ فيستحب لمن آتاه الله مالاً أن يظهر أثر نعمة الله عليه بلبس الجميل من الثياب إظهارًا لنعمة الله عليه ؛ وَعَنْ أَبِى الأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فِى ثَوْبٍ دُونٍ ، فَقَالَ : " أَلَكَ مَالٌ ؟ " ، قَالَ : نَعَمْ ؛ قَالَ : " مِنْ أَيِّ الْمَالِ ؟ " ، قَالَ : قَدْ أَتَانِيَ اللَّهُ مِنَ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ ؛ قَالَ : " فَإِذَا أَتَاكَ اللَّهُ مَالاً فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ " ( 3 ) .
ولا تعارض بين ذلك وبين النهي عن المخيلة ، فظهور أثر النعمة لا يعني أن يكون مظهرها متكبرًا ، ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ " ، قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ؛ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ " ( 4 ) ، وبطر الحق : دفعه وإنكاره ترفعًا وتجبرًا ؛ وغمط الناس : احتقارهم ؛ وفي الحديث بيان أن التجمل باللباس الحسن ليس من الكبر في شيء ، بل هو أمر مشروع ، لأن الله جميل يحب الجمال ؛ قال ابن القيم - رحمه الله : الجمال في الصورة واللباس والهيأة ثلاثة أنواع ؛ منه ما يحمد ، ومنه ما يذم ، ومنه مالا يتعلق به مدح ولا ذم ؛ فالمحمود منه ما كان لله ، وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له ، كما كان النبي  يتجمل للوفود ، وهو نظير لباس آله الحرب للقتال ، ولباس الحرير في الحرب ، والخيلاء فيه ؛ فإن ذلك محمود إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه . والمذموم منه ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيلاء والتوسل إلى الشهوات ، وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه ، فإن كثيرًا من النفوس ليس لها همة في سوى ذلك ؛ وأما مالا يحمد ولا يذم هو ما خلا عن هذين القصدين ، وتجرد عن الوصفين .ا.هـ ( 5 ) .
وصفوة القول أن من قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه ، مستحضرًا لها ، شاكرًا عليها ، غير محتقر لمن ليس له مثله ، لا يضره ما لبس من المباحات ولو كان في غاية النفاسة ( 6 ) .
هذا والعلم عند الله تعالى .... وللحديث صلة .

( 1 ) - أحمد : 2 / 181 ، 182 ، والنسائي ( 2559 ) ، وابن ماجة ( 3605 ) ، والحاكم : 4 / 135 ، وصححه ووافقه الذهبي .
( 2 ) ابن أبي شيبة ( 24878 ) ، وذكره البخاري تعليقا في أول كتاب اللباس .
( 3 ) رواه أحمد : 4 / 137 ، وأبو داود (4063) واللفظ له ، والنسائي ( 5223 ، 5224) ، وصححه الألباني ؛ والثوب الدون : الرث الرديء . وأبو الأحوص هو عوف بن مالك بن نضلة الجشمي .
( 4 ) مسلم ( 91 ) .
( 5 ) انظر الفوائد ) لابن القيم ص 185 ، 186 .
( 6) انظر ( فتح الباري ) : 10 / 271 .
 
آداب عامة

4 - يحرم على المسلم والمسلمة لبس ما يختص بالكفار ؛ ذلك لتميز الشخصية المسلمة ؛ فكل لباس يختص بالكفار ، ولا يلبسه غيرهم ، فإنه لا يجوز للمسلم لبسه ؛ سواء كان لباسًا شاملا للجسم كله أو لعضو منه ، لما روى أحمد وأبو داود عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " ( 1 ) ؛ وعلة ذلك أن التشبه بهم يقتضي إعجاب المتشبه بهم وبصنيعهم ؛ مما قد يؤدي به إلى إعجابه بعقائدهم وأعمالهم ؛ وفي صحيح مسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ – رضي الله عنهما – قَالَ : رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : " إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا " ( 2 ).

5 - لا يلبس الرجل ما يختص بالمرأة ، ولا تلبس المرأة ما يختص بالرجل ؛ فلكلٍ لباس يناسبه ؛ فيحرم على أحدهما أن يلبس ما يختص بالآخر ؛ فكل لباس يختص بالرجل ، فيحرم على المرأة أن تلبسه ، وكل لباس يختص بالمرأة فيحرم على الرجل لبسه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال ؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ ( 3 ) ؛ وروى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ : لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ ( 4 ) ، وفي لفظ : " الْمُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ " ( 5 ) ؛ يعني المتشبهات بالرجال في أزيائهن وأشكالهن ، كبعض نساء هذا الزمان ؛ والمخنثون من الرجال : هم المتشبهون بالنساء في لبسهم وحديثهم وغير ذلك ؛ فكلاهما ملعون .
6 – لا يلبس المسلم ولا المسلمة لباس الشهرة ؛ لما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ ، أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ " زاد ابن ماجه : " ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارًا " ( 6 ) ؛ والشُّهْرَةُ : ظهور الشيء في شُنْعَة حتى يَشْهَره الناس ؛ وقال الجوهري : الشُّهْرَة وُضُوح الأَمر ، وقد شَهَرَه يَشْهَرُه شَهْرًا وشُهْرَة فاشْتَهَرَ ؛ ورجل شَهِير ومشهور معروف المكان مذكور ، وسمي الشهر شهرًا لشهرته ، وذلك أن النّاس يشْهَرُونَ دُخوله وخُروجه ( 7 ) ؛ فثوب الشهرة هو الذي يلبسه الرجل أو المرأة افتخارًا وتيهًا ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : " أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ " أي : يَشْمله بالذُّل ، كما يَشْمل الثَّوبُ البَدَن ، بأن يُصَغِّره في العيون ويُحَقِّره في القلوب ؛ لأنه لبس شهوة الدنيا ليفتخر بها على غيره ، فيلبسه الله مثله ، ثم تلهب فيه النار ، عقوبة له بنقيض فعله ، والعلم عند الله تعالى . وفي الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ ، تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " ( 8 ) ؛ وروى أحمد والبخاري في ( الأدب المفرد ) عن ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ ، أَوْ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ " ( 9 ) .
ولا يختص ثوب الشهرة بنفيس الثياب ، بل كل ثوب - ولو كان رثًا - ولكنه يؤدي إلى الشهرة ، أو كان غرض اللابس اشتهار ذلك بين الناس فهو ثوب شهرة ، كمن يلبس رديء الثياب وحقيرها ليعتقد الناس فيه الزهد والورع ؛ قال ابن تيمية - رحمه الله : وتكره الشهرة من الثياب ، وهو المترفع الخارج عن العادة ، والمنخفض الخارج عن العادة ؛ فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين ، المترفع والمنخفض ، وفي الحديث : " مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ ، أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ " ، وخيار الأمور أوساطها ( 10 ) .
هذا والعلم عند الله تعالى ... وللحديث صلة .

( 1 ) جزء من حديث رواه أحمد : 2 / 50 ، 92 ، وأبو داود ( 4031 ) ، من حديث ابن عمر ، وإسناده حسن ، وله شاهد عن حذيفة عند الطبراني في الأوسط ( 8327 ) ، وفيه علي بن غراب وهو صدوق يدلس ، لكنه صرح بالتحديث من هشام بن حسان ، فصح الحديث والحمد لله ؛ وله شاهد آخر مرسل حسن عن طاووس عند ابن أبي شيبة ( 19437 ، 33010 ) ؛ وآخر موقوف صحيح عن عمر عند عبد الرزاق ( 20986 ) .
( 2 ) مسلم ( 2077 ) ، ورواه أحمد : 2 ، 162 ، 207 ، والنسائي ( 5316 ، 5317 ) .
( 3 ) أخرجه أحمد : 2 / 325 ، وأبو داود ( 4098 ) ، وابن حبان ( 5751 ) ، والحاكم : 4 / 215 ، وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .
( 4 ) أخرجه البخاري ( 5886 ) ، وأبو داود ( 4930 ) ، والترمذي ( 2785 ) .
( 5 ) البخاري ( 5885 ) ، وأبو داود ( 4097 ) ، والترمذي ( 2784 ) ، وابن ماجة ( 1904 ) .
( 6 ) أحمد : 2 / 92 ، 139 ، وأبو داود ( 4029 ) ، والنسائي في الكبرى ( 9560 ) ، وابن ماجة ( 3606 ، 3607 ) ، وحسنه المنذري في الترغيب : 3 / 83 ؛ وقال الألباني : حسن لغيره .
( 7 ) انظر النهاية في غريب الحديث ( مادة ش هـ ر ) ، ولسان العرب باب الراء فصل الشين .
( 8 ) البخاري ( 5452 ) ، ومسلم ( 2088 ) .
( 9 ) أحمد : 2 / 118 ، 217 ، والبخاري في الأدب المفرد ( 549 ) ، وصححه الألباني في صحيح الأدب ، والصحيحة ( 543 ) .
( 10 ) انظر ( مجموع الفتاوى ) : 22 / 138 .
 
آداب عامة
7 - من الواجب ستر العورة بلباس لا يشف ولا يجسم ، ولا يظهر بعضها ؛ فيحرم لبس الرقيق الشفاف الذي لا يستر لون البشرة ، والقصير الذي يظهر بعض العورة ، والضيق الشديد الذي يفصل جسم المرأة .
ففي أيام الصيف يلبس بعض الرجال سروايل قصيرة ( شورت ) يبدو منها بعض الفخذ ، وربما لبس قميصًا رقيقًا عليها لا يستر ؛ وهذا الثوب لا تصح الصلاة فيه .
وقد تلبس بعض النساء خمارًا رهيفًا ، وتخرج به لبعض حاجتها ، فلا يكون ساترًا لشعرها ونحرها .
فيجب ستر عورة الرجل وعورة المرأة بساتر كثيف واسع ، ولا يجزئ ما يشف وما يصف ، ولا ما يظهر بعض العورة ؛ وسواء أكان ذلك في الصلاة أو في خارج الصلاة .
8 - تحريم ارتداء الملابس التي عليها صورة صلبان ؛ ففي صحيح البخاري عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ ( 1 ) .
والتصاليب : تصاوير كالصليب ، يقال : ثوب مصلب ، أي : عليه نقش كالصليب ؛ وقولها : ( نقضه ) أي : غيَّره وأبطل صورته ؛ قال ابن بطال - رحمه الله : فدخل في ذلك جميع وجوه استعمال الصور في البسط واللباس وغيره ( 2 ) ؛ والحديث رواه أحمد بلفظ : لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ فِي بَيْتِهِ ثَوْبًا فِيهِ تَصْلِيبٌ إِلَّا نَقَضَهُ ( 3 ) .
فالصليب شعار النصارى ، وتتعلق به عقيدة باطلة وهي صلب المسيح عليه السلام ، فيحرم على المسلم ارتداء ثوب فيه صورة الصليب ، أو تعليق شيء فيه صورة الصليب ، ويجب تغيره بحك أو طمس ؛ وفي جواب للجنة الدائمة عن سؤال عن لبس الساعة ( أم صليب ) ؛ قالت : لا يجوز لبس الساعة ( أم صليب ) لا في الصلاة ولا غيرها ، حتى يزال الصليب بحك أو بوية تستره ، لكن لو صلى وهي عليه فصلاته صحيحة ؛ والواجب عليه البدار بإزالة الصليب ؛ لأنه من شعار النصارى ، ولا يجوز للمسلم أن يتشبه بهم ( 4 ) .
9 - تحريم ارتداء الملابس التي عليها صور فيها روح ؛ ففي الصحيحين عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ ، مَاذَا أَذْنَبْتُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ ؟" قُلْتُ : اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ " وَقَالَ : " إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ " ( 4 ) .
والنمرقة : الوسادة الصغيرة ؛ وتوسدها : تجعلها وسادة لك ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : " فَيُقَالُ لَهُمْ : أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ " أي : صورتم على هيئة خَلْقِ الله تعالى ؛ قال النووي - رحمه الله : قال العلماء : سبب امتناعهم [ أي : الملائكة ] من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة ، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى ، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى ( 5 ) ؛ واستدل العلماء بهذا الحديث وغيره - مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالصور والمصورين - على تحريم الصور ذات الأرواح في الثوب وغيره ؛ قال ابن عبد البر في ( الاستذكار ) : هذا قد صرح بأن الصورة في الثوب لا يجوز اتخاذها ، ولا استعمال الثوب الذي هي فيه ، وذكر فيه من الوعيد ما ترى ، وهو غاية في تحريم عمل الصور في الثياب وغيرها ( 6 ) . وقال ابن حجر - رحمه الله : ويستفاد منه أنه لا فرق في تحريم التصوير بين أن تكون الصورة لها ظل أو لا ، ولا بين أن تكون مدهونة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة ، خلافًا لمن استثنى النسج وادعى أنه ليس بتصوير ( 8 ) ؛ وبوب الإمام النووي في كتابه ( رياض الصالحين ) : باب تحريم تصوير الحيوان في بساط ، أو حجر ، أو ثوب ، أو درهم ، أو دينار ، أو مخدة ، أو وسادة ، وغير ذلك ؛ وتحريم اتخاذ الصورة في حائط ، وسقف ، وستر ، وعمامة ، وثوب ، ونحوها ؛ والأمر بإتلاف الصورة .ا.هـ .
فمن أُبتلي بشيءٍ من ذلك فليتق الله وليطمسها ويغير من حالها ؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى الْهَيَّاجِ الأَسَدِىِّ قَالَ : قَالَ لِي عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ رضي الله عنه : أَلاَّ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ " أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ ، وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ " ، وفي رواية : " وَلاَ صُورَةً إِلاَّ طَمَسْتَهَا " ، ورواه النسائي بلفظ : " لاَ تَدَعَنَّ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ ، وَلاَ صُورَةً فِي بَيْتٍ إِلاَّ طَمَسْتَهَا " ( 9 ) .
وقد قالت اللجنة الدائمة في إحدى فتاويها : لا يجوز له أن يصلي في ملابس فيها صور ذوات الأرواح من إنسان أو طيور أو أنعام أو غيرها من ذوات الأرواح ، ولا يجوز للمسلم لبسها في غير الصلاة ، وتصح صلاة من صلى في ثوب فيه صور مع الإثم في حق من علم الحكم الشرعي ( 10 ) .
وكما لا يجوز للمسلم أن يلبس ما فيه صورة ، فإنه لا يجوز له أن يُلبسها ولده الصغير ذكرًا كان أم أنثى .
هذا والعلم عند الله تعالى ؛ وللحديث صلة .

( 1 ) - البخاري ( 5608 ) .
( 2 ) انظر ( شرح صحيح البخارى ) لابن بطال : 9 / 176 .
( 3 ) رواه أحمد : 6 / 52 .
( 4 ) انظر ( فتاوى اللجنة الدائمة ) : 6 / 183 ، رقم ( 2615 ) .
( 5 ) رواه البخاري ( 1999 ، 3052 ، 4886 ، 5612 ) ، ومسلم ( 2107 ) .
( 6 ) انظر ( شرح مسلم ) : 14 / 69 .
( 7 ) انظر ( الاستذكار ) لابن عبد البر : 8 / 486 .
( 8 ) انظر ( فتح الباري ) : 10 / 390 .
( 9 ) مسلم ( 969 ) ، والنسائي ( 2031 ) .
( 10 ) انظر ( فتاوى اللجنة الدائمة ) : 6 / 179 ، رقم ( 5611 ) .
 
آداب عامة​
10 - من السنة التيامن في اللباس ونحوه ؛ لما في الصحيحين عن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ : فِي طُهُورِهِ ، وَتَرَجُّلِهِ ، وَنَعْلِهِ ( 1 ) ؛ قال النووي - رحمه الله : هذه قاعدة مستمرة في الشرع ، وهي إنما كانت من باب التكريم والتشريف ، كلبس الثوب ، والسراويل ، والخف ، ودخول المسجد ، والسواك ، والاكتحال ، وتقليم الأظافر ، وقص الشارب ، وترجيل الشعر وهو مشطه ، ونتف الإبط ، وحلق الرأس ، والسلام من الصلاة ، وغسل أعضاء الطهارة ، والخروج من الخلاء ، والأكل والشرب ، والمصافحة واستلام الحجر الأسود ، وغير ذلك مما هو في معناه يستحب التيامن فيه ؛ وأما ما كان بضده كدخول الخلاء ، والخروج من المسجد ، والامتخاط ، والاستنجاء ، وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك ؛ فيستحب التياسر فيه ، وذلك كله لكرامة اليمين وشرفها ؛ والله أعلم ( 2 ) .
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ ، وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ ، لِيَكُنْ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ " ( 3 ) .

11 - ومن الآداب أن لا يمشي المسلم في نعل واحدة ، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ ، لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا ، أَوْ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا " ، ولفظ مسلم : " لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا " ( 4 ) ؛ وفي صحيح مسلم عنه مرفوعًا : " إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَمْشِ فِي الأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا " ( 5 ) .
والشسع :أحد سيور النعال ؛ قال ابن حجر - رحمه الله : قال الخطابي : الحكمة في النهي أن النعل شرعت لوقاية الرجل عما يكون في الأرض من شوك أو نحوه ، فإذا انفردت إحدى الرجلين احتاج الماشي أن يتوقى لإحدى رجليه ما لا يتوقى للأخرى ، فيخرج بذلك عن سجية مشيه ، ولا يأمن مع ذلك من العثار . وقيل : لأنه لم يعدل بين جوارحه ، وربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأي أو ضعفه . وقال ابن العربي : قيل العلة فيها أنها مشية الشيطان ، وقيل : لأنها خارجة عن الاعتدال . وقال البيهقي : الكراهة فيه للشهرة فتمتد الأبصار لمن ترى ذلك منه . وقد ورد النهي عن الشهرة في اللباس ؛ فكل شيء صير صاحبه شهرة فحقه أن يجتنب ( 6 ) .
وما نقله الحافظ عن ابن العربي من أن العلة في كونها مشية الشيطان ؛ أخرجه الطحاوي في ( مشكل الآثار ) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا : " إن الشيطان يمشي في النعل الواحدة " ( 7 ) .
فائدة : من السنة الاحتفاء أحيانًا ؛ أي : أن يمشي الإنسان حافيًا في بعض الأحيان ، ففي مسند أحمد وسنن أبى داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَحَلَ إِلَى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ بِمِصْرَ ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ ؛ فَقَالَ : أَمَا إِنِّي لَمْ آتِكَ زَائِرًا ، وَلَكِنِّى سَمِعْتُ أَنَا وَأَنْتَ حَدِيثًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ ؛ قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : كَذَا وَكَذَا ؛ قَالَ : فَمَا لِي أَرَاكَ شَعِثًا وَأَنْتَ أَمِيرُ الأَرْضِ ؟ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الإِرْفَاهِ [ أي : تمشيط الشعر ] ؛ قَالَ : فَمَا لِي لاَ أَرَى عَلَيْكَ حِذَاءً ؟ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ  يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِىَ أَحْيَانًا ( 8 ) .

12 - من استجد ثوبًا فليحمد الله تعالى على نعمته ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد رضي الله عنه : كَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذَا اِسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ : عِمَامَةً ، أَوْ قَمِيصًا ، أَوْ رِدَاءً ، ثُمَّ يَقُول : " اللَّهُمَّ لَك الْحَمْد أَنْتَ كَسَوْتنِيهِ ، أَسْأَلك خَيْرَهُ وَخَيْر مَا صُنِعَ لَهُ ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّه وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ " ( 9 ) ، وَأَخْرَجَ أَبو داود وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث مُعَاذ بْن أَنَس رضي الله عنه رَفَعَهُ : " مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْر حَوْل مِنِّي وَلَا قُوَّة ، غَفَرَ اللَّه لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه " ( 10 ) .

13 - الدعاء لمن لبس ثوبًا جديدًا ؛ لما رواه أحمد وابن ماجة واللفظ له عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَى عُمَرَ قَمِيصًا أَبْيَضَ ، فَقَالَ : " ثَوْبُكَ هَذَا غَسِيلٌ أَمْ جَدِيدٌ ؟ " ، قَالَ : لَا بَلْ غَسِيلٌ ، قَالَ : " الْبَسْ جَدِيدًا ، وَعِشْ حَمِيدًا ، وَمُتْ شَهِيدًا " ( 11 ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " الْبَسْ جَدِيدًا " صيغة أمر أريد به الدعاء بأن يرزقه الله الجديد .
وفي صحيح البخاري عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ - رضي الله عنها - قالت : أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ ، فَقَالَ : " مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ ؟ " فَسَكَتَ الْقَوْمُ ، قَالَ : " ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ " فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ ، فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا ، وَقَالَ : " أَبْلِي وَأَخْلِقِي " ( 12 ) ؛ وروى ابن أبي شيبة عن أبي نضرة قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأوا على أحدهم الثوب الجديد قالوا : تبلي ويخلف الله عليك ( 13 ) .
هذا ؛ والعلم عند الله تعالى .

( 1 ) - البخاري ( 166 ، 416 ، 5516 ) ، ومسلم ( 268 ) .
( 2 ) انظر ( شرح صحيح مسلم ) : 3 / 160 .
( 3 ) البخاري ( 5517 ) ، ومسلم ( 2097 ) .
( 4 ) البخاري ( 5856 ) ، ومسلم ( 2097) .
( 5 ) مسلم ( 2098 ) .
( 6 ) انظر فتح الباري : 10 / 309 ، 310 .
( 7 ) مشكل الآثار : 3 / 315 وصححه الألباني ؛ قال بعد أن ساق سنده : هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير الربيع بن سليمان المرادي وهو ثقة . وانظر السلسلة الصحيحة عند الحديث رقم ( 348 ) .
( 8 ) رواه أحمد : ، وأبو داود ( 4160 ) واللفظ له ، وصححه الألباني .
( 9 ) أحمد : 3 / 30 ، 50 ، أبو داود ( 4020 ) ، والترمذي ( 1767 ) ، والنسائي في اليوم والليلة ( 309 ) ، وصححه الألباني .
( 10 ) أبو داود ( 4023 ) ، والحاكم ( 1870 ) وصححه ، وروى الترمذي الشطر الأول ( 3458 ) وحسنه .
( 11 ) أحمد : 2 / 88 ، وابن ماجة ( 3558 ) وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة ، والألباني في صحيح ابن ماجة .
( 12 ) البخاري ( 2906 ، 3661 ، 5485 ، 5507 ، 5647 ) .
( 13 ) ابن أبي شيبة ( 29758 ) .
 
آداب تتعلق بلباس الرجال
يحرص الإسلام على تربية رجاله التربية التي تصنع رجالا لا أشباه رجال ولا مخنثين ؛ فلذا تجد أن الآداب التي تتعلق بلباس الرجال ترتبط بشخصية الرجل المميزة عن شخصية المرأة ، وشخصية المسلم المميزة عن شخصية الكافر ؛ فالرجل من صفاته الخشونة والجلد ولا يناسب ذلك لبس الحرير والذهب إنما يناسب المرأة التي تُنَشَّأ على الحلية ومن صفاتها النعومة ؛ كما أن الإسلام أراد لأهله التميز عن أصحاب الملل الكافرة ، إذ غالبا ما تتميز كل ملة بلباس معين وهيئة معينة تدل على ملة صاحبها .
ومن الآداب التي لابد أن يراعيها المسلم في لباسه ، ما يلي :
أولًا : يحرم على الرجل لبس الحرير الطبيعي ، فكل لباس من حرير سواء أكان ثوبا ، أم سروالا ، أم جوربًا ، أم غترة ، أم طاقية ، أم غيرها ، فهو حرام على الرجال ؛ ففي الصحيحين عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ " ( 1 ) ؛ وفيهما عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما – قال : رَأَى عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ، فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اشْتَرِ هَذِهِ فَالْبَسْهَا لِوَفْدِ النَّاسِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ ؛ فَقَالَ : " إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ " ( 2 ) أي : لا نصيب له في الآخرة ؛ وفيهما - أيضًا - عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : نَهَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ ( 3 ) ؛ وتحريم خاتم الذهب ولبس الحرير والديباج خاص بالرجال دون النساء ، وتحريم آنية الفضة عامٌّ في حق الجميع ، لأنه من باب السرف والمخيلة ؛ وفي حديث الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ : .. وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ : عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْقَسِّيِّ وَالْإِسْتَبْرَقِ ، وَالْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ ( 4 ) ؛ والديباج : الثياب المتخذة من الإبريسم ، وهو نوع من الحرير ، والقسي : ثياب من كتان مخلوط بحرير ، والإستبرق : الغليظ من الديباج ؛ والمياثر : جمع ميثرة ، وهو ما يوضع على الدابة للجلوس عليه ، سميت مياثر لوثارتها ، وهو لينها ووطأتها ، وكانت من زي العجم ؛ وقد قيل : إنها كانت من ديباج أو حرير .
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ : أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ فَصَلَّى فِيهِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ ؛ وَقَالَ : " لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ " ( 5 ) ؛ والفروج : ثوب شُقَّ من خلفه ؛ وقوله : " لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ " أي : لا يليق لبس هذا بالصالحين المبتعدين عن المعاصي ؛ وعبَّر بجمع المذكر ليخرج الإناث من التحريم ؛ فإنه يحل لهن لبسه .
هذه أدلة صريحة على تحريم لبس الحرير على الرجال دون النساء ، وروى أحمد وأهل السنن عَنْ عَلِىٍّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ : إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ ، وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ ، ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي " زاد ابن ماجة : " حِلٌّ لِإِنَاثِهَا " ( 6 ) ؛ وحكى ابن عبد البر - رحمه الله - الإجماع على ذلك ( 7 ) ؛ وقال النووي – رحمه الله : وأما لبس الحرير والإستبرق والديباج والقسي - وهو نوع من الحرير - فكله حرام على الرجال ، سواء لبسه للخيلاء أو غيرها ، إلا أن يلبسه للحكة ، فيجوز في السفر والحضر ؛ وأما النساء فيباح لهن لبس الحرير وجميع أنواعه ، وخواتيم الذهب وسائر الحلي منه .ا.هـ ( 8 ) .

ما استثني من لباس الحرير للرجال
ا - يباح للرجل لبس الحرير إذا كانت به حكة يتأذى بها ، فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ في قميصٍ مِنْ حَرِيرٍ مِنْ حِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا ( 9 ) .
ب - ويباح لبس الحرير إن كان جزء من الثوب بمقدار أربعة أصابع فما دون ؛ لما في الصحيحين عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ : نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلاَّ مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ أَوْ أَرْبَعٍ ( 10 ) ؛ وروى أحمد وأبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنَ الْحَرِيرِ ، فَأَمَّا الْعَلَمُ مِنَ الْحَرِيرِ وَسَدَى الثَّوْبِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ ( 11 ) . والثوب المصمت : الذي يكون جميعه من حرير ، والسدى : ما يمد طولا في النسج .
ج - ويباح للرجل لبسه لدفع ضرورة ، كمن لم يجد ثوبًا إلا ثوب حرير يستر به عورته ، أو يدفع به عنه البرد .
هذا والعلم عند الله تعالى ، وللحديث صلة .

( 1 ) البخاري ( 5496 ) ، ومسلم ( 2069 ) ، ورواه مسلم ( 2073 ) عن أنس  ، ورواه أيضًا ( 2074 ) عن أبي أمامة  .
( 2 ) البخاري ( 846 ، 5731 ) ، ومسلم ( 2068 ) .
( 3 ) البخاري ( 5110 ، 5310 ، 5493 ) ، ومسلم ( 2067 ) .
( 4 ) البخاري ( 1182 ، 5312 ) ، ومسلم ( 2066 ) .
( 5 ) البخاري ( 368 ، 5465 ) ، ومسلم ( 2075 ) .
( 6 ) أحمد : 1 / 96 ، 115 ، وأبو داود ( 4057 ) ، والنسائي ( 5144 : 147 ) ، وابن ماجة ( 3595 ) ، ورواه الترمذي ( 1720 ) ، والنسائي ( 5148 ) عن أبي موسى .، ورواه ابن ماجة ( 3597 ) عن عبد الله بن عمرو .
( 7 ) انظر ( التمهيد ) : 14 / 241 .
( 8 ) انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 14 / 32 .
( 9 ) رواه البخاري ( 2762 ) واللفظ له ، ومسلم (2076) .
( 10 ) رواه البخاري ( 5828 ) ، ومسلم ( 2069 ) واللفظ له.
( 11 ) أحمد : 1 / 2018 ، 313 ، وأبو داود ( 4055 ) ، وصححه الألباني .
 
ثانيًا : يحرم على الرجل لبس الذهب​
فلا يجوز للرجل أن يلبس ذهبًا ، لا خاتمًا ، ولا سوارًا ، ولا ساعة ، ولا أزرارًا ، ولا غير ذلك ؛ ففي صحيح مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ ، وَقَالَ : " يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِى يَدِهِ ؟ " ؛ فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ  : خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ ؛ قَالَ : لاَ وَاللَّهِ لاَ آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( 1 ) ؛ وروى أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَتَحَلَّى الذَّهَبَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ لِبَاسَهُ فِي الْجَنَّةِ " ( 2 ) .
قال النووي - رحمه الله : وأما خاتم الذهب فهو حرام على الرجل بالإجماع ؛ وكذا لو كان بعضه ذهبًا وبعضه فضة ، حتى قال أصحابنا : لو كانت سن الخاتم ذهبًا أو كان مموهًا بذهب يسير فهو حرام ، لعموم الحديث في الحرير والذهب : " إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي ، حِلٌّ لِإِنَاثِهَا .ا.هـ ( 3 ) .
ولا شك أنه يدخل في التحريم ما يعرف الآن بـ ( دبلة الخطوبة ، أو الزواج ) ؛ خاصة وأنها عادة نصرانية سرت منهم إلى بعض المسلمين ؛ فهي حرام من جهتين : كونها ذهبًا ، وكونها تشبهًا بالكافرين .
ورُخص في استخدام الذهب للرجال لضرورة ، فروى أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجة أَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ  قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلاَبِ ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ ( 4 ) ؛ وفي معنى ذلك السِّن إذا خلع .
هذا ، والعلم عند الله تعالى ، وللحديث صلة .

( 1 ) - مسلم ( 2090 ) .
( 2 ) أحمد : 2 / 209 ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب ( 2059 ) .
( 3 ) انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 14 / 32 .
( 4 ) أحمد : 4 / 342 ، وأبو داود ( 4232 ) ، والترمذي (1770) وحسنه ، والنسائي ( 5161 ) ، وحسنه الألباني .
 
ثالثًا : من الآداب المتعلقة بلباس المسلم عدم الإسبال
سواء أكان في قميصٍ ، أو إزار ، أو سروالٍ ، أو عمامة ، أو جبة أو غير ذلك مما يسمى ثوبًا ، فقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الإِسْبَالُ فِي الإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ ، مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئًا خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ( 1 ) ؛ أي : الإسبال يتحقق في جميع هذه الأشياء ؛ والإسبال : الإرْسالُ ، والمراد الإرخاء عن الحد الذي ينبغي الوقوف عنده ، فالإسبال تطويل الثوب وإرساله إلى الأرض ؛ وهذا ظاهر في القميص والإزار والسروال ونحوها بأن ينزله عن الكعبين ، والكعبان هما العظمان الناتئان بين الساق والقدم ، فلكل قدم كعبان .
وأما الإسبال في العمامة فقيل : يكون بإرسال العذبة زيادة على العادة عددًا وطولا ؛ والسنة في عذبة العمامة قدر أربع أصابع ، وغايتها إلى نصف الظهر ؛ قال العلماء : الإسبال في كل شيء بحسبه ، والإسبال في العمامة إذا قعد ارتخت عذبتها على الأرض ، وكذلك إذا طأطأ رأسه لركوع أو نحوه تدلت وأصابت الأرض ؛ لأنها إذا ارتخت على الأرض اتسخت وتغيرت .
وروى أحمد والنسائي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى مُسْبِلٍ " ( 2 ) ؛ وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " قَالَ : فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ مِرَارٍ ؛ قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا ، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " الْمُسْبِلُ ، وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ " ( 3 ) .
وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعًا : " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى مَنْ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا " ( 4 ) ، أصل البطر الطغيان عند النعمة ، واستعمل بمعنى التكبر ؛ والمراد التبختر في المشي والنظر في الأعطاف والتيه والتكبر والتجبر ونحو ذلك ( 5 ) ؛ وقال النووي - رحمه الله : قال العلماء : الخيلاء ( بالمد ) والمخيلة والبطر والكبر والزهو والتبختر كلها بمعنى واحد ؛ وهو حرام ، ويقال خال الرجل خالا واختال اختيالا ، إذا تكبر ؛ ومعنى : ( لاَ يَنْظُرُ اللهُ إليه ) أي : لا يرحمه ، ولا ينظر إليه نظر رحمة ( 6 ) .
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ " ( 7 ) ؛ ومعناه : إن الذي دون الكعبين من القدم يعذب ؛ فهو من تسمية الشيء باسم ما جاوره وحلَّ فيه ، والمراد الشخص نفسه ؛ أو المعنى ما أسفل من الكعبين من الذي نزل عليه الإزار في النار .
وروى أحمد وأهل السنن إلا الترمذي عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ رضي الله عنه عَنِ الإِزَارِ ، فَقَالَ : عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِزْرَةُ الْمُسْلِمِ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ ، وَلاَ حَرَجَ - أَوْ لاَ جُنَاحَ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ ؛ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ ؛ وَمَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ " ( 8 ) ؛ والإزرة ( بالكسر ) للحالة والهيئة ، أي : هيئة إزار المؤمن أن يكون الإزار إلى أنصاف ساقيه تقريبًا ؛ ويجوز إلى الكعبين ؛ ولا يجوز ما أسفل من الكعبين ؛ وذكر عقابه ؛ ثم قال : " مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا ( أي : تكبرًا ) لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ " فهذه عقوبة زائدة على الأولى .
وروى أحمد والنسائي عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَضَلَةِ سَاقِي - أَوْ بِعَضَلَةِ سَاقِهِ - فَقَالَ : " الْإِزَارُ هَاهُنَا ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَهَاهُنَا ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَلَا حَقَّ لِلْإِزَارِ فِي الْكَعْبَيْنِ " أَوْ : " لَا حَقَّ لِلْكَعْبَيْنِ فِي الْإِزَارِ " ( 9 ) ؛ قال السندي في ( حاشيته على النسائي ) : والعضلة : كل لحم صلبة مكتنزة في البدن ، ومنه عضلة الساق ؛ " وَلَا حَقَّ لِلْكَعْبَيْنِ " أي : لا تستر الكعبين بالإزار ، والظاهر أن هذا هو التحديد ، وإن لم يكن هناك خيلاء ؛ نعم ، إذا انضم إلى الخيلاء اشتد الأمر ، وبدونه الأمر أخف ؛ والله تعالى أعلم .ا.هـ . مختصرًا .
ظاهر الأحاديث يدل على أن الإسبال محرم ؛ وأنه إذا أضيف إليه الكبر والخيلاء يضاف إلى صاحبه إثم على إثم ، وأن عقوبة المسبل عذاب في النار ؛ وعقوبة المسبل خيلاء أن الله تعالى لا ينظر إليه ، وهي عقوبة أعظم من الأولى ، ويظهر ذلك في حديث أبي سعيد المتقدم : " مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ ؛ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ " ، فجمع بين الفعلين والعقوبتين ، مما يدل على ما أسلفنا ، كما أن قوله  في حديث حذيفة : " لَا حَقَّ لِلْكَعْبَيْنِ فِي الْإِزَارِ " يدل على أن إنزال الثوب تحت الكعبين محرم ؛ قال الحافظ في ( الفتح ) : وفى هذه الأحاديث أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة ، وأما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه أيضًا ( 10 ) .
ولكن ذهب بعض من أهل العلم إلى حمل المطلق في الأحاديث على المقيد في قوله صلى الله عليه وسلم : " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ " ( 11 ) ، وفي رواية : " بَطَرًا " ( 12 ) ؛ قال النووي رحمه الله : ظواهر الأحاديث في تقييدها بالجر خيلاء ، تدل على أن التحريم مخصوص بالخيلاء ؛ وهكذا نص الشافعي على الفرق ( 13 ) ؛ قال ابن حجر - رحمه الله : والنص الذي أشار إليه ذكره البويطي في مختصره عن الشافعي ، قال : لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء ، ولغيرها خفيف ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر .ا.هـ . وقوله : ( خفيف ) ليس صريحًا في نفي التحريم ، بل هو محمول على أن ذلك بالنسبة للجر خيلاء ، فأما لغير الخيلاء فيختلف الحال ، فإن كان الثوب على قدر لابسه لكنه يسدله ، فهذا لا يظهر فيه تحريم ، ولا سيما إن كان عن غير قصد كالذي وقع لأبي بكر ؛ وإن كان الثوب زائدًا على قدر لابسه ، فهذا قد يتجه المنع فيه من جهة الإسراف ، فينتهي إلى التحريم ؛ وقد يتجه المنع فيه من جهة التشبه بالنساء ، وهو أمكن فيه من الأول ، وقد صحح الحاكم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ ( 14 ) ؛ وقد يتجه المنع فيه من جهة أن لابسه لا يأمن من تعلق النجاسة به ، وفي قصة قتل عمر رضي الله عنه أنه قال للشاب الذي دخل عليه : ارفع ثوبك ؛ فإنه أنقى لثوبك ، وأتقى لربك ( 15 ) ؛ ويتجه المنع - أيضًا - في الإسبال من جهة أخرى وهي كونه مظنة الخيلاء ، قال ابن العربي : لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ، ويقول لا أجره خيلاء ، لأن النهي قد تناوله لفظًا ، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكمًا أن يقول : لا أمتثله لأن تلك العلة ليست فيَّ ، فإنها دعوى غير مسلمة ، بل إطالته ذيله دالة على تكبره .انتهى ملخصًا ؛ وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب ، وجر الثوب يستلزم الخيلاء ، ولو لم يقصد اللابس الخيلاء ، ويؤيده ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه : " وَإِيَّاكَ وَجَرَّ الإِزَارِ ، فَإِنَّ جَرَّ الإِزَارِ مِنَ الْمَخْيَلَةِ " ( 16 ) ؛ وأخرج الطبراني من حديث أبي أمامة : بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله ، ويقول : " عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ " ، حتى سمعها عمرو فقال : يا رسول الله ، إني حمش الساقين ! فقال : " يَا عَمْرَو إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقِهِ ، يَا عَمْرَو ، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُسْبِلَ " الحديث ؛ وأخرجه أحمد من حديث عمرو نفسه لكن قال في روايته : عن عمرو بن فلان ؛ وأخرجه الطبراني - أيضًا - فقال : عن عمرو بن زرارة ، وفيه : وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع أصابع تحت ركبة عمرو فقال : " يَا عَمْرَو ، هَذَا مَوْضِعُ الإِزَارِ " ثم ضرب بأربع أصابع تحت الأربع ، فقال : " يَا عَمْرَو ، هَذَا مَوْضِعُ الإِزَارِ " الحديث ( 17 ) ، ورجاله ثقات ؛ وظاهره أن عَمْرًا المذكور لم يقصد بإسباله الخيلاء ، وقد منعه من ذلك لكونه مظنة ؛ وأخرج الطبراني من حديث الشريد الثقفي قال : أبصر النبي  رجلا قد أسبل إزاره فقال : " ارْفَعْ إِزَارَكَ " ، فقال : إني أحنف تصطك ركبتاي ، قال : " ارْفَعْ إِزَارَكَ ، فَكُلُّ خَلْقِ اللَّهِ حَسَن " ، وأخرجه مسدد وأبو بكر بن أبي شيبة من طرق عن رجل من ثقيف لم يسم ، وفي آخره : " ذَاكَ أَقْبَحُ مِمَّا بِسَاقِكَ " ( 18 ) ؛ وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود بسند جيد أنه كان يسبل إزاره ، فقيل له في ذلك فقال : إني حمش الساقين ( 19 ) ؛ فهو محمول على أنه أسبله زيادة على المستحب ، وهو أن يكون إلى نصف الساق ، ولا يظن به أنه جاوز به الكعبين ، والتعليل يرشد إليه ، ومع ذلك فلعله لم تبلغه قصة عمرو بن زرارة ، والله أعلم ؛ وأخرج النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان من حديث المغيرة بن شعبة : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ برداء سفيان بن سهيل وهو يقول : " يَا سُفْيَانُ لَا تُسْبِلْ إِزَارَكَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُسْبِلِينَ " ( 20 ) . انتهى مختصرًا ( 21 ) .
وصفوة القول أن الإسبال محرم على الرجال ، لا يجوز لأحد من الرجال أن ينزل ثوبه عن الكعبين ، فإن فعل فقد أثم ؛ فإن كان ذلك خيلاء فهو أشد إثمًا ؛ والعلم عند الله تعالى .

( 1 ) - أبو داود ( 4094 ) ، والنسائي ( 5334 ) وابن ماجة ( 3576 ) ، وحسنه النووي في ( شرح مسلم : 2 / 116 ) .
( 2 ) أحمد : 1 / 321 ، والنسائي ( 5332 ) ، وصححه الألباني .
( 3 ) مسلم ( 106 ) ؛ والمَنَّان : فَعَّالٌ من المَنِّ ، وهُوَ الَّذِي لاَ يُعْطِي شَيْئًا إلا امتَنَّ به على المُعْطَى له ؛ والامتنانَ بالعطاء ، مبطلٌ لأجرِ، مُؤْذٍ للمُعْطَى ؛ والمنفِّق ( بتشديد الفاء ) أي : المرَوِّج سلعته ( بكسر السين ) مبيعه .
( 4 ) البخاري ( 5452 ) ، ومسلم ( 2087 ) .
( 5 ) انظر ( التمهيد ) : 18 / 10 ، و ( فتح الباري ) : 10 / 258 .
( 6 ) انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 14 / 60 ، 61 .
( 7 ) البخاري ( 5451 ) ، ومسلم ( 2087 ) .
( 8 ) ورواه أحمد : 3 / 5 ، 44 ، وأبو داود ( 4093 ) ، وابن ماجة ( 3573 ) ، والنسائي في الكبرى ( 9714 : 9717 ) ، وصححه ابن حبان ( 5446 ، 5447 ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
( 9 ) ورواه أحمد : 5 / 396 ، 398 ؛ والنسائي ( 5329 ) ، وصححه ابن حبان ( 5448 ، 5449 ) وصححه الألباني في صحيح النسائي ؛ وله شاهد أخرجه الطبراني في الكبير : 7 / 220 ( 6915 ) من حديث سمرة  .
( 10 ) انظر ( فتح الباري ) : 10 / 263 .
( 11 ) البخاري ( 5455 ) ، ومسلم ( 2085 ) .
( 12 ) البخاري ( 5452 ) ، ومسلم ( 2087 ) .
( 13 ) انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 14 / 61 ، 62 .
( 14 ) رواه أحمد : 2 / 325 ، وأبو داود ( 4098 ) ، والنسائي في الكبرى ( 9253 ) ، وصححه ابن حبان ( 5751 ، 5752 ) ، والحاكم ( 7415 ) ، والألباني في صحيح أبي داود .
( 15 ) جزء من حديث طويل رواه البخاري ( 3497 ) عن عمرو بن ميمون في قصة قتل عمر  ، ورواه ابن أبى شيبة ( 24815 ) ، والبيهقى في الكبرى ( 20014 ) عن ابن مسعود  .
( 16 ) وهو جزء من حديث رواه أحمد : 5 / 63 ، 64 ، والبخاري في الأدب المفرد ( 562 ) ، وأبو داود ( 4084 ) ، والنسائي في الكبرى ( 9691 ) ، وابن حبان ( 521 ، 522 ) عن سليم بن جابر الهجيمي  بلفظ : " وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ ، فَإِنَّهَا مِنَ الْمَخْيَلَةِ ، وَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمَخْيَلَةَ " ؛ وصححه الألباني .
( 17 ) رواه الطبراني في الكبير : 8 / 232 ( 7909 ) ، وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 5 / 149 ) : رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدهما ثقات .ا.هـ . ورواه أحمد : 4 / 200 ؛ وحسنه الألباني في الصحيحة ( 2682 ) .
( 18 ) أحمد : 4 / 390 ، والطبراني في الكبير : 7 / 315 ، 316 ( 7240 ، 7241 ) ؛ قال الهيثمى في ( مجمع الزوائد : 5 / 124 ) : رجال أحمد رجال الصحيح .ا.هـ . وصححه الألباني في الصحيحة (1441 ) ؛ وأما الزيادة : " ذاك أقبح مما بساقك " فرواها ابن أبي شيبة في مسنده ( 984 ) بلفظ : " مَا بِثَوْبِكَ أَقْبَحُ مِمَّا بِسَاقِكَ " ؛ وذكر البوصيري في ( إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ) رواية مسدد رقم ( 5527 ) .
( 19 ) ابن أبي شيبة ( 24816 ) .
( 20 ) رواه أحمد : 4 / 253 ، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف ( 11493 ) ، وابن ماجة ( 3574 ) وصححه البوصيري في ( مصباح الزجاجة ) ، وحسنه الألباني ، وصححه ابن حبان ( 5442 ) .
( 21 ) انظر ( فتح الباري ) : 10 / 264 .
 
فتاوى في الإسبال​
سئل العلامة ابن باز - رحمه الله : ما حكم إطالة الثوب إن كان للخيلاء أو لغير الخيلاء ؟ وما الحكم إذا اضطر الإنسان إلى ذلك سواء إجبارًا من أهله إن كان صغيرًا أو جرت العادة على ذلك ؟
فأجاب : حكمه التحريم في حق الرجال ، لقول النبي : " ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار " رواه البخاري في صحيحه ، وروى مسلم في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المسبل إزاره، والمنان فيما أعطى ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب "
وهذان الحديثان وما في معناهما يعمَّان من أسبل ثيابه تكبرًا أو لغير ذلك من الأسباب ، لأنه عمم وأطلق ولم يقيد ، وإذا كان الإسبال من أجل الخيلاء صار الإثم أكبر والوعيد أشد ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ومن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " ، ولا يجوز أن يظن أن المنع من الإسبال مقيد بقصد الخيلاء ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقيد ذلك في الحديثين المذكورين آنفًا ، كما أنه لم يقيد ذلك في الحديث الآخر ، وهو قوله لبعض أصحابه : " وإياك والإسبال فإنه من المخيلة " ، فجعل الإسبال كله من المخيلة ؛ لأنه في الغالب لا يكون إلا كذلك ، ومن لم يسبل للخيلاء فعمله وسيلة لذلك ، والوسائل لها حكم الغايات ، ولأن ذلك إسراف وتعريض لملابسهم للنجاسة ، ولهذا ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه لما رأى شابًّا يمس ثوبه الأرض قال له : ارفع ثوبك ، فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك ؛ أما قوله لأبي بكر الصديق  لما قال : يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده ؛ فقال له : " إنك لست ممن يفعله خيلاء " ، فمراده أن من يتعاهد ملابسه إذا استرخت حتى يرفعها لا يُعَدُّ ممن يجر ثيابه خيلاء ؛ لكونه لم يسبلها ، وإنما قد تسترخي عليه فيرفعها ويتعاهدها ، ولا شك أن هذا معذور ؛ أما من يتعمد إرخاءها سواء أكانت بشتًا أو سراويل أو إزارًا أو قميصًا فهو داخل في الوعيد ، وليس معذورًا في إسباله ملابسه ؛ لأن الأحاديث الصحيحة المانعة من الإسبال تعمه بمنطوقها وبمعناها ومقاصدها ، فالواجب على كل مسلم أن يحذر الإسبال ؛ وأن يتقي الله في ذلك ، وألا تنزل ملابسه عن كعبه عملا بهذا الحديث الصحيح ، وحذرًا من غضب الله وعقابه ؛ والله ولي التوفيق ( 1 ) .
وسئل - أيضًا : بعض الناس يقومون بتقصير ثيابهم إلى ما فوق الكعب ، ولكن السراويل تبقى طويلة فما حكم ذلك ؟
فأجاب : الإسبال حرام ومنكر سواء كان ذلك في القميص أو الإزار أو السراويل أو البشت ، وهو ما تجاوز الكعبين لقول النبي  : " وما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار " رواه البخاري .. ( 2 ) .ا.هـ.
وسئلت اللجنة الدائمة : ما حكم المسبل ؟
فأجابت : الإسبال بلبس الملابس الطويلة التي تصل إلى ما تحت الكعبين محرم على الرجال ، سواء كان الملبوس ثوبًا أو قميصًا أو سروالا أو بنطلونًا أو عباءة أو غير ذلك ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار " وبالله التوفيق ( 3 ) .
وسئل العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - عن حكم الإسبال ؟ فأجاب : إسبال الثوب على نوعين : أحدهما : أن يكون خيلاء وفخرًا فهذا من كبائر الذنوب ، وعقوبته عظيمة ، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ؛ وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " قَالَ : فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ مِرَارٍ ؛ قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا ، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " الْمُسْبِلُ ، وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ " ؛ فهذا النوع هو الإسبال المقرون بالخيلاء ، وفيه هذا الوعيد الشديد أن الله لا ينظر إلى فاعله ، ولا يكلمه ، ولا يزكيه يوم القيامة وله عذاب أليم ؛ وهذا العموم في حديث أبي ذر رضي الله عنه مخصص بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فيكون الوعيد فيه على من فعل ذلك خيلاء ، لاتحاد العمل والعقوبة في الحديثين .
النوع الثاني من الإسبال : أن يكون لغير الخيلاء ، فهذا حرام ، ويخشى أن يكون من الكبائر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد فيه بالنار ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة  أن النبي  قال : " مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ " . ولا يمكن أن يكون هذا الحديث مخصصًا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما ، لأن العقوبة مختلفة ، ويدل لذلك حديث أبي سعيد الخدري  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِزْرَةُ الْمُسْلِمِ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ ، وَلاَ حَرَجَ - أَوْ لاَ جُنَاحَ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ ؛ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ ؛ وَمَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ " ؛ ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين من جر ثوبه خيلاء ، ومن كان إزاره أسفل من كعبيه .
لكن إن كان السروال ينزل عن الكعبين بدون قصد ، وهو يتعاهده ويرفعه ، فلا حرج ؛ ففي حديث ابن عمر السابق أن أبا بكر رضي الله عنه قال : يا رسول الله : إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ " رواه البخاري ( 4 ) .
وسئل ابن عثيمين - أيضًا - عن رجل يجعل ثيابه تحت الكعبين ، ولكن ليس بقصد الخيلاء والكبر ، فهل عليه وزر في ذلك ؟ فأجاب : عليك وزر إذا نزل ثوبك أو سراويلك إلى ما تحت الكعبين ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار " ولم يقيده بالخيلاء ( 5 ) .
وقال بكر أبو زيد - رحمه الله : ورد النهي عن الإسبال مطلقًا في حق الرجال ، وهذا بإجماع المسلمين ، وهو كبيرة إن كان للخيلاء ، فإن كان لغير الخيلاء فهو محرم مذموم في أصح قولي العلماء ، والخلاف للإمام الشافعي والشافعية إنه إذا لم يكن للخيلاء فهو مكروه كراهة تنزيه ؛ على أنه قد ثبت عن النبي  ما يقضي بأن مجرد الإسبال خيلاء .ا.هـ ( 6 ) .
هذا والعلم عند الله تعالى .
( 1 ) - المصدر : الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ( http://www.binbaz.org.sa ) ، وانظر ( مجموع الفتاوى والمقالات : 6 / 350 ) .
( 2 ) انظر ( مجموع الفتاوى والمقالات ) : 6 / 410 .
( 3 ) السؤال الأول من الفتوى رقم ( 19600 ) ، وانظر الفتوى رقم ( 9390 ) .
( 4 ) انظر ( مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين ) : 12 / 254 ، 255 .
( 5 ) انظر ( مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين ) : 12 / 251 .
( 6 ) تراجع رسالته ( حد الثوب والأزرة ) فإنها مفيدة .
 
فائدة
أورد الذهبي – رحمه الله في ( سير أعلام النبلاء ) عن قزعة قال : رأيت على ابن عمر ثيابًا خشنة أو جشبة ، فقلت له : إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان ، وتقر عيناي أن أراه عليك ؛ قال : أرنيه ، فلمسه ، وقال : أحرير هذا ؟ قلت : لا ، إنه من قطن ؛ قال : إني أخاف أن ألبسه ، أخاف أكون مختالا فخورًا ، والله لا يحب كل مختال فخور ( 1 ) ؛ ثم قال الذهبي : قلت : كل لباس أوجد في المرء خيلاء وفخرًا فتركه متعين ، ولو كان من غير ذهب ولا حرير ؛ فإنا نرى الشاب يلبس الفرجية ( 2 ) الصوف بفرو من أثمان أربع مئة درهم ونحوها ، والكبر والخيلاء على مشيته ظاهر ، فإن نصحته ولمته برفقٍ كَابَر ، وقال : ما فيَّ خيلاء ولا فخر ؛ وهذا السيد ابن عمر رضي الله عنهما يخاف ذلك على نفسه .
وكذلك ترى الفقيه المترف إذا ليم في تفصيل فرجية تحت كعبيه ، وقيل له : قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار " ، يقول : إنما قال هذا فيمن جر إزاره خيلاء ، وأنا لا أفعل خيلاء ؛ فتراه يكابر ، ويبرئ نفسه الحمقاء ، ويعمد إلى نص مستقل عام ، فيخصه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء ، ويترخص بقول الصديق : إنه يا رسول الله يسترخي إزاري ، فقال : " لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء " ؛ فقلنا : أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يشد إزاره مسدولا على كعبيه أولا ، بل كان يشده فوق الكعب ، ثم فيما بعد يسترخي ؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين " ، ومثل هذا في النهي لمن فصل سراويل مغطيًا لكعابه ؛ ومنه طول الأكمام زائدًا ، وتطويل العذبة ، وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس ؛ وقد يعذر الواحد منهم بالجهل ، والعالم لا عذر له في تركه الإنكار على الجهلة ( 3 ) .
( 1 ) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء : 1 / 302 .
( 2 ) الفرجية: ثوب واسع طويل الأكمام ، يتخذ من قطن أو حرير أو صوف .
(3 ) انظر ( سير أعلام النبلاء ) : 3 / 233 : 235 .
 
حد الثوب
في صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ : مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي إِزَارِي اسْتِرْخَاءٌ ، فَقَالَ : " يَا عَبْدَ اللَّهِ ارْفَعْ إِزَارَكَ " ؛ فَرَفَعْتُهُ ، ثُمَّ قَالَ : " زِدْ " ، فَزِدْتُ ، فَمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا بَعْدُ ؛ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : إِلَى أَيْنَ ؟ فَقَالَ : أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ ( 1 ) ؛ وفي حديث الشَّرِيدِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَبِعَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ حَتَّى هَرْوَلَ فِي أَثَرِهِ ، حَتَّى أَخَذَ ثَوْبَهُ فَقَالَ : " ارْفَعْ إِزَارَكَ " قَالَ : فَكَشَفَ الرَّجُلُ عَنْ رُكْبَتَيْهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَحْنَفُ ، وَتَصْطَكُّ رُكْبَتَايَ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كُلُّ خَلْقِ اللَّهِ حَسَنٌ " ، قَالَ : وَلَمْ يُرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَّا وَإِزَارُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ ؛ وفي رواية : أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَجُرُّ إِزَارَهُ فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ - أَوْ هَرْوَلَ ؛ فَقَالَ : " ارْفَعْ إِزَارَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ " قَالَ : إِنِّي أَحْنَفُ تَصْطَكُّ رُكْبَتَايَ ؛ فَقَالَ : " ارْفَعْ إِزَارَكَ فَإِنَّ كُلَّ خَلْقِ اللَّهِ حَسَنٌ " فَمَا رُئِيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بَعْدُ إِلَّا إِزَارُهُ يُصِيبُ أَنْصَافَ سَاقَيْهِ ، أَوْ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ ( 2 ) . وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه المتقدم : " إِزْرَةُ الْمُسْلِمِ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ ، وَلاَ حَرَجَ - أَوْ لاَ جُنَاحَ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ ؛ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ " ؛ وفي حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَضَلَةِ سَاقِي - أَوْ بِعَضَلَةِ سَاقِهِ - فَقَالَ : " الْإِزَارُ هَاهُنَا ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَهَاهُنَا ، ولَا حَقَّ لِلْكَعْبَيْنِ فِي الْإِزَارِ " ؛ وفي حديث عمرو بن زرارة رضي الله عنه : وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع أصابع تحت ركبة عمرو فقال : " يَا عَمْرَو ، هَذَا مَوْضِعُ الإِزَارِ " ثم ضرب بأربع أصابع تحت الأربع ، فقال : " يَا عَمْرَو ، هَذَا مَوْضِعُ الإِزَارِ " .
من هذه الأحاديث يتبين أن حد الثوب بالنسبة للرجل من نصف الساق إلى الكعبين ؛ على النحو التالي :
1 – تحت الركبة بأربع أصابع عند عضلة الساق .
2 – تحتها بأربع أصابع .
3 – تحت الأربع الثانية بأربع .
4 – إلى الكعبين ، ولا يدخل الثوب في الكعبين ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " لَا حَقَّ لِلْكَعْبَيْنِ فِي الْإِزَارِ " ؛ وتغطية الكعبين مكروه ، أما المحرم فإنزال الثوب عن الكعبين .
هذا والعلم عند الله تعالى .

( 1 ) مسلم ( 2086 ) .
( 2 ) احمد : 4 / 390 ، والطبراني في الكبير : 7 / 315 ، 316 ( 7240 ، 7241 ) ؛ قال الهيثمى في ( مجمع الزوائد : 5 / 124 ) : رجال أحمد رجال الصحيح .
 
تنبيهات مهمة
الأول : لا ترغب أخي المسلم عن نظر الله إليك يوم القيامة ، فهو من أعظم النعم ، وقد توعد الله أنه لا ينظر إلى من جر إزاره خيلاء وبطرًا .
الثاني : نبه بكر أبو زيد - رحمه الله - في ( حد الثوب والأزرة ) إلى أنه ينبغي مراعاة الفرق بين الإزار الثوب في القدر المستحب والجائز ؛ إذ الإزار يشد على الوسط فعند الانحناء للركوع – مثلا – لا يرتفع ذيله ، أما الثوب أو القميص فعند الانحناء يرتفع ذيله ؛ فيراعى أن يكون طول الثوب أو القميص تحت نصف الساق إلى الكعبين .
الثالث : احذر أخي المسلم لباس الشهرة ، ولا تشمر سراويلك ، وقمصانك ، وثوبك أعلى من نصف ساقيك ، إذ الشهرة في اللباس تكون في الإسبال ، وقد تكون في التشمير - أيضًا ، وتقدم تفصيل ذلك ؛ قال ابن تيمية - رحمه الله : والثوب الذي هو للشهرة هو الثوب الذي يقصد به الارتفاع عند الناس ، وإظهار الترفع أو التواضع والزهد ، كما جاء أن السلف كانوا يكرهون الشهرتين من اللباس المرتفع والمنخفض ( 1 ) .
قال بكر أبو زيد - رحمه الله : وتحصل الشهرة بتميز عن المعتاد بلون ، أو صفة تفصيل للثوب ، وشكل له ، أو هيئة في اللبس ، أو مرتفع أو منخفض عن العادة .ا.هـ .
فثوب الشهرة هو الثوب الذي يلبسه الشخص ويخالف فيه الناس ليشتهر بينهم ويتميز عليهم ؛ فإسبال الثياب وسعتها شهرة ، وكذلك تشميرها ، ذلك لما قد يصاحبها عند البعض من العجب والغرور والرياء ، حيث يظنُّ نفسه الأقرب إلى فعل السنة وتطبيقها ، وأن ذلك لكمال إيمانه ، ونحو ذلك من الوساوس الشيطانية ؛ روى عبد الرزاق عن أيوب - رحمه الله - قال : كانت الشهرة فيما مضى في تذييلها ، والشهرة اليوم في تقصيرها ( 2 ) ؛ وكلا طرفي قصد الأمور ذميم ، وخير الأمور الوسط ، فلتكن ثيابك ما بين نصف ساقيك إلى كعبيك .
هذا ، والعلم عند الله تعالى , وللحديث صلة .

( 1 ) انظر ( مختصر الفتاوى المصرية ) : 1 / 587 .
( 2 ) عبد الرزاق ( 19992 ) ، ومن طريقه البيهقي في الشعب ( 6243 ) .
 
رابعًا : اللباس في الصلاة
أن يكون على العاتق شيء من الثوب إذا صلى في ثوب واحد : هذا من الآداب التي ينبغي أن يراعيها المسلم عند الصلاة ، لما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ " ( 1 ) ؛ وقوله : ( عَاتِقَيْهِ ) مثنى عاتق ، وهو ما بين المنكب والعنق ، والمنكب هو ملتقى عظم العضد مع الكتف ؛ وروى أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي ثَوْبٍ ، فَلْيَجْعَلْ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ " ( 2 ) ؛ قال ابن حجر - رحمه الله : والمراد أنه لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه ، بل يتوشح ( 3 ) بهما على عاتقيه ، ليحصل الستر لجزء من أعالي البدن وإن كان ليس بعورة ، أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة ( 4 ) . وقال النووي رحمه الله : قال العلماء : حكمته أنه إذا ائتزر به ولم يكن على عاتقه منه شيء لم يؤمن أن تنكشف عورته ، بخلاف ما إذا جعل بعضه على عاتقه ، ولأنه قد يحتاج إلى إمساكه بيده أو يديه فيُشغل بذلك ، وتفوته سنة وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت صدره ، ورفعهما حيث شرع الرفع ، وغير ذلك ؛ لأن فيه ترك ستر أعلى البدن وموضع الزينة ، وقد قال الله تعالى : { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } ؛ ثم قال مالك وأبو حنيفة والشافعي رحمهم الله تعالى والجمهور : هذا النهي للتنزيه لا للتحريم ، فلو صلى في ثوب واحد ساتر لعورته ليس على عاتقه منه شيء صحت صلاته مع الكراهة ، سواء قدِرَ على شيء يجعله على عاتقه أم لا ؛ وقال أحمد وبعض السلف رحمهم الله تعالى : لا تصح صلاته إذا قدِرَ على وضع شيء على عاتقه إلا بوضعه لظاهر الحديث ، وعن أحمد رواية أنه تصح صلاته ولكن يأثم بتركه ؛ وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر رضي الله عنه : " فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَأْتَزِرْ بِهِ " متفق عليه ( 5 ) ؛ أراد بالالتحاف : الاشتمال به مخالفًا بين طرفيه على عاتقيه ، أو يأتزر بأحد طرفيه ، ويرتدي بالآخر ؛ وقوله : " فَأْتَزِرْ " أي : اجعله إزارًا .
وسئل ابن عثيمين - رحمه الله : يصلي البعض من الناس صلاة الفريضة وليس على عاتقيه شيء يسترهما ، وخصوصًا أيام الحج أثناء الإحرام ، فما الحكم في ذلك ؟ فأجاب : الحكم في ذلك أن صلاته صحيحة وليس عليه إثم ، ولكن الأفضل أن يستر منكبيه ؛ أما الأول فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الثوب : " إن كان واسعًا فالتحف به ، وإن كان ضيقًا فاتزر به " ؛ وأما الثاني وهو أن الأفضل ستر المنكبين ، فلقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه أو على عاتقيه منه شيء " ، فإذا قُدِّر أن الإنسان في حال الإحرام قد ألقى رداءه ولم يبقَ عليه إلا الإزار وصلى ، فإن صلاته صحيحة ، ولكن الأفضل أن يأخذ الرداء ليستر منكبيه .ا.هـ ( 6 ) .
وصفوة القول أن الأفضل أن يأخذ المرء زينته حسب حاله ، فإن لم يكن عنده إلا ثوب واحد فإن كان واسعًا التحف به ، وإن كان ضيقًا ائتزر به ، وليس معنى أن يكون على العاتقين شيء من الثوب أن العاتقين عورة ، بل من أجل تمام اللباس وأخذ الزينة عند القدرة على ذلك ، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ، فَقَالَ : " أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ ؟ " ( 7 ) ؛ وهو استفهام إنكاري ، معناه : ليس كل واحد منكم يملك ثوبين ، وهذا يدل على أن الثوب الواحد مجزئ ، لكن إذا وسع الله علينا فلنتوسع ، والعلم عند الله تعالى ؛ وفي الصحيحين عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ : صَلَّى جَابِرٌ رضي الله عنه فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ ، وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمِشْجَبِ ؛ قَالَ لَهُ قَائِلٌ : تُصَلِّي فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ ؟ فَقَالَ : إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ ، وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؟ ، وفي رواية : أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الْجُهَّالُ مِثْلُكُمْ ( 8 ) ؛ وبهذا اللفظ عرف أن المراد بقوله : ( أحمق ) أي : جاهل ؛ والحمق وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه ، قاله في النهاية ( 9 ) ؛ والغرض بيان جواز الصلاة في الثوب الواحد ، ولو كانت الصلاة في الثوبين أفضل ، فكأنه قال : صنعته عمدًا لبيان الجواز ، إما ليقتدي بي الجاهل ابتداء ، أو ينكر علي فأعلمه أن ذلك جائز ؛ وإنما أغلظ لهم في الخطاب زجرًا عن الإنكار على العلماء ، وليحثهم على البحث عن الأمور الشرعية ( 10 ) .
هذا والعلم عند الله تعالى .
( 1 ) - البخاري ( 352 ) ، ومسلم ( 516 ) .
( 2 ) أحمد : 3 / 15 .
( 3 ) التوشح أن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى ثم يعقدهما على صدره وفيه جواز الصلاة في ثوب واحد .
( 4 ) انظر ( فتح الباري ) : 2 / 57 .
( 5 ) انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 4 / 231 ، 232 باختصار ، و( فتح الباري ) : 2 / 57 ، 58 .
( 6 ) فتاوى نور على الدرب : 18 / 214 ، 215 .
( 7 ) البخاري ( 351 ، 358 ) ، ومسلم ( 515 ) عن أبي هريرة  .
( 8 ) البخاري ( 345 ) واللفظ له ، ومسلم ( 518 ) .
( 9 ) انظر النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ( مادة : ح م ق ) .
( 10) انظر ( فتح الباري ) : 1 / 467 ، 468 .
 
خامسًا : ألا يشتمل الصماء
ففي الصحيحين عَنْ أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لِبْسَتَيْنِ ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ ؛ نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ ، وَالْمُلَامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ ، وَلَا يُقَلِّبُهُ إِلَّا بِذَلِكَ ؛ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ ثَوْبَهُ ، وَيَكُونَ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا عَنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ ؛ وَاللِّبْسَتَيْنِ : اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ ، وَالصَّمَّاءُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ ، وَاللِّبْسَةُ الْأُخْرَى احْتِبَاؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهُوَ جَالِسٌ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ( 1 ) .
قال ابن حجر - رحمه الله : الصماء بالصاد المهملة والمد ، قال أهل اللغة : هو أن يخلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبًا ولا يبقي ما يخرج منه يده ؛ قال ابن قتيبة : سميت صماء ؛ لأنه يسد المنافذ كلها ، فتصير كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق .ا.هـ . وقال الفقهاء : هو أن يلتحف بالثوب ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديا ؛ قال النووي : فعلى تفسير أهل اللغة يكون مكروهًا ، لئلا يعرض له حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر ؛ وعلى تفسير الفقهاء يحرم ، لأجل انكشاف العورة .ا.هـ . قلت : ظاهر سياق المصنف من رواية يونس في اللباس أن التفسير المذكور فيها مرفوع ، وهو موافق لما قال الفقهاء . ولفظه : والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ؛ وعلى تقدير أن يكون موقوفًا فهو حجة على الصحيح ، لأنه تفسير من الراوي لا يخالف ظاهر الخبر ( 2 ) .
هذا والعلم ، عند الله تعالى .

( 1 ) - البخاري ( 5482 ) ، ومسلم ( 1512 ) .
( 2 ) انظر ( فتح الباري ) : 2 / 69 .
 
سادسًا : ألا يحتبي بثوبه وهو جالس ليس على عورته منه شيء​
لحديث أبي سعيد المتقدم ؛ والاحتباء - كما قال ابن حجر : أن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه ويلف عليه ثوبًا ، ويقال له الحبوة ، وكانت من شأن العرب ( 1 ) ؛ وجاء تفسيرها في الحديث : وَاللِّبْسَةُ الْأُخْرَى احْتِبَاؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهُوَ جَالِسٌ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ قال ابن عبد البر – رحمه الله : وأما كشف الفرج فحرام في هذه اللبسة وفي غيرها ، لا يحل لأحد أن يبدي عورته ويكشف فرجه إلى آدمي ينظر إليه من رجل أو امرأة ، إلا من كانت حليلته امرأته أو سريته ؛ وهذا ما لا أعلم فيه خلافا بين المسلمين ا.هـ ( 2 ) .

( 1 ) - انظر ( فتح الباري ) : 2 / 69 .
( 2 ) انظر ( التمهيد ) : 12 / 171 .
 
سابعًا : استحباب لبس البياض
لما رواه أحمد وأهل السنن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ " ( 1 ) ؛ وروى أحمد والنسائي وابن ماجة عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْبَيَاضِ ، فَلْيَلْبَسْهَا أَحْيَاؤُكُمْ ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ " ( 2 ) .
ذلك لأنه يظهر فيها من الوسخ ما لا يظهر في غيرها فيزال ، وكذا يبالغ في تنظيفها ما لا يبالغ في غيرها ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : " فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ " ( 3 ) .

( 1 ) - أحمد : 1 / 247 ، 274 ، وأبو داود ( 3878 ، 4061) ، والترمذي ( 994 ) ، والنسائي ( 1896 ، 5322 ) وابن ماجة ( 1472 ) ، وصححه الألباني .
( 2 ) رواه أحمد : 5 / 12 ، 20 ، واللفظ له ، والترمذي ( 2810 ) ، والنسائي ( 5322 ، 5323 ) ، وابن ماجه ( 3567 ) ، وصححه الحاكم على شرط الشيخين في المستدرك ( 7375 ) .
(3 ) انظر حاشية السندي على ابن ماجة .
 
ثامنًا : كراهة لبس الثوب المعصفر والثوب المشبع بحمرة
المعصفر : ما صبغ بصبغ أصفر اللون ؛ وقال ابن حجر - رحمه الله : غالب ما يصبغ بالعصفر يكون أحمر ( 1 ) ؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ – رضي الله عنهما – قَالَ : رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : " إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا " ، وفي رواية : رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَىَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : " أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا ؟ " ، قُلْتُ : أَغْسِلُهُمَا ؟ قَالَ : " بَلْ أَحْرِقْهُمَا " ( 2 ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا ؟ " معناه أن هذا من لباس النساء وزيهن وأخلاقهن ؛ فقد روى عبد الرزاق عن قتادة أن عمر بن الخطاب رأى على رجل ثوبًا معصفرًا ، فقال : دعوا هذه البراقات للنساء ( 3 ) .
وأما الأمر بإحراقهما ، فقيل : هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل ، قاله النووي ( 4 ) ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا " يدل- أيضًا - على أن النهي عن لبس المعصفر لأجل التشبه بالكفار .
وروى ابن ماجه عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المفدَّم ؛ قال يزيد : قلت للحسن : ما المفدَّم ؟ قال : المشبع بالعصفر ( 5 ) ؛ والمفدَّم هو المشبع حمرة ، كأنه الذي لا يقدر على الزيادة عليه لتناهي حمرته ؛ فهو كالمشبع من الصبغ .
وفي الصحيحين عَنِ الْبَرَاء رضي الله عنه قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ ( 6 ) .
قال ابن حجر - رحمه الله : وقد تلخص لنا من أقوال السلف في لبس الثوب الأحمر سبعة أقوال : الأول : الجواز مطلقًا ، جاء عن علي وطلحة وعبد الله ابن جعفر والبراء وغير واحد من الصحابة ؛ وعن سعيد بن المسيب والنخعي والشعبي وأبي قلابة وأبي وائل وطائفة من التابعين .
القول الثاني : المنع مطلقا ، لحديث عبد الله بن عمرو المتقدم ؛ وأخرج ابن ماجه من حديث ابن عمر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المفدَّم .
القول الثالث : يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفًا ، جاء ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد ، وكأن الحجة فيه حديث ابن عمر المذكور قريبًا في المفدم .
القول الرابع : يكره لبس الأحمر مطلقًا لقصد الزينة والشهرة ، ويجوز في البيوت والمهنة ، جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه ، وفرق مالك - رحمه الله - بين المحافل والبيوت ، فيكره في المحافل ، ولا يكره في البيوت .
القول الخامس : يجوز لبس ما كان صبغ غزله ثم نسج ، ويمنع ما صبغ بعد النسج ، جنح إلى ذلك الخطابي ، واحتج بأن الحلة الواردة في الأخبار الواردة في لبسه  الحلة الحمراء إحدى حلل اليمن ، وكذلك البرد الأحمر ، وبرود اليمن يصبغ غزلها ثم ينسج .
القول السادس : اختصاص النهي بما يصبغ بالمعصفر لورود النهي عنه ، ولا يمنع ما صبغ بغيره من الأصباغ .
القول السابع : تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله ؛ وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواد وغيرهما فلا ، وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء ، فإن الحلل اليمانية غالبا تكون ذات خطوط حمر وغيرها .
وقال الطبري بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال : الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون ، إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعًا بالحمرة ولا لبس الأحمر مطلقًا ظاهرًا فوق الثياب لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا ، فإن مراعاة زي الزمان من المروءة ما لم يكن إثمًا ، وفي مخالفة الزي ضرب من الشهرة ؛ وهذا يمكن أن يلخص منه قول ثامن .
والتحقيق في هذا المقام أن النهي عن لبس الأحمر إن كان من أجل أنه لبس الكفار ، فالقول فيه كالقول في الميثرة الحمراء ؛ وإن كان من أجل أنه زي النساء ، فهو راجع إلى الزجر عن التشبه بالنساء ، فيكون النهي عنه لا لذاته ؛ وإن كان من أجل الشهرة أو خرم المروءة ، فيمنع حيث يقع ذلك ؛ وإلا فيقوى ما ذهب إليه مالك من التفرقة بين المحافل والبيوت ( 7 ) .
هذا والعلم عند الله تعالى .

( 1 ) - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 318 .
( 2 ) مسلم ( 2077 ) ، وتقدم تخريجه .
( 3 ) مصنف عبد الرزاق ( 19970 ) ورجاله ثقات ، ورواه ابن أبي شيبة من وجه آخر ( 24735 ، 24744 ) .
( 4 ) انظر ( شرح مسلم ) : 14 / 45 .
( 5 ) ابن ماجة ( 3601 ) وصححه الألباني .
( 6 ) البخاري ( 5510 ) واللفظ له ، ومسلم ( 2337 ) .
( 7 ) انظر ( فتح الباري ) : 10 / 305 ، 306 ، باختصار وتصرف .
 
تاسعًا : جواز التختم للرجال بالفضة
قد اتخذ النبي خاتمًا من فضة ؛ والمستحب أن يكون في الخنصر ، لما في الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا ، قَالَ : " إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا ، فَلَا يَنْقُشَنَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ " قَالَ : فَإِنِّي لَأَرَى بَرِيقَهُ فِي خِنْصَرِهِ ، وفي رواية لمسلم : وَقَالَ لِلنَّاسِ : " إِنِّى اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ ، وَنَقَشْتُ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، فَلاَ يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ " ( 1 ) .
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الخاتم في الوسطى أو السبابة ، ففي صحيح مسلم عَنْ عَلِىٍّ رضي الله عنه قَالَ : نَهَانِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي إِصْبَعِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ ؛ فَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا ( 2 ) .
وعلى هذا فيكره التختم في الوسطى والتي تليها ، وهي كراهة تنزيه ؛ قاله النووي رحمه الله ، وقال : وأجمع المسلمون على أن السنة جعل خاتم الرجل في الخنصر ، وأما المرأة فإنها تتخذ خواتيم في أصابع ؛ قالوا : والحكمة في كونه في الخنصر أنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد ، لكونه طرفًا ؛ ولأنه لا يشغل اليد عما تتناوله من أشغالها بخلاف غير الخنصر .
وأما التختم في اليد اليمنى أو اليسرى ؛ فأجمعوا على جواز التختم في اليمين ، وعلى جوازه في اليسار ، ولا كراهة في واحدة منهما ، واختلفوا أيتهما أفضل ؟ فتختم كثيرون من السلف في اليمين ، وكثيرون في اليسار ، واستحب مالك اليسار ، وكره اليمين ؛ وفي مذهبنا وجهان لأصحابنا : الصحيح أن اليمين أفضل لأنه زينة ، واليمين أشرف ، وأحق بالزينة والإكرام ( 3 ) .
والأمر في ذلك واسع ؛ وكتب السيوطي رحمه الله رسالة في هذه المسألة سماها : ( الجواب الحاتم عن سؤال الخاتم ) ؛ وهي ضمن كتابه ( الحاوي للفتاوي ) .

( 1 ) - البخاري ( 5874 ) ، ومسلم ( 2092 ) .
( 2 ) مسلم ( 2078 ، 2095 ) .
( 3 ) انظر ( شرح مسلم للنووي ) : 14/59 .
 
آداب تتعلق بلباس النساء
المرأة في الإسلام إنسان له كرامة ، ودرة لابد أن تحفظ ؛ فليست سلعة تباع وتشترى ، وليس جسدها مشاعًا لكل من أراد ، وإنما لا تظهر بزينتها إلا على من أحلَّ الله تعالى له ذلك ؛ فالمرأة في الإسلام جوهرة تصان ؛ ومن شأن النفيس أن يُحفظ حتى لا يتعرض للضياع والعبث من قبل اللصوص ؛ والحجاب هو الحرز الذي جعله الله وقاية للمرأة من أي أذى يمكن أن يلحق بها ، أو طمع ممن في قلبه مرض ، أو اعتداء من الذئاب البشرية التي تتربص بفريستها .
ومعلوم أنَّ مما يتميَّز به الإنسان عن الحيوان اتخاذُ الملابس وأدوات الزينة ، وأن الملابسُ والزينةُ هما مظهران من مظاهر المدنيَّة والحضارة ، والتجرُّدُ عنهما إنما هو ردَّة إلى الحيوانية ، وعودة إلى الحياة البدائية ، وإنَّ أعزَّ ما تملكه المرأة الشرفُ ، والحياءُ ، والعفافُ ، والمحافظةُ على هذه الفضائل محافظةٌ على إنسانية المرأة في أسمى صورها ، وليس من صالح المرأة ، ولا من صالح المجتمع أن تتخلى المرأة عن الصيانة والاحتشام ، ولا سيَّما وأن الغريزة الجنسية هي أعنف الغرائز ، وأشدَّها على الإطلاق ؛ فليس من الإنسانية في شيء أن تعرض المرأة جسدها - ولو بإرادتها - وتختزل نفسها من إنسان خلقه الله وكرمَّه ، إلى جسد يقضي فيه الشهوانيون وطرهم ؛ ولعمر الله إن هذا لغاية الاستعباد والاسترقاق .
من هنا راعى الإسلام الصيانة التامة في لباس المرأة عند خروجها ، ونهاها عن التبرج وإظهار ما يجب إخفاؤه ؛ مع ما ذكرنا من بناء الهوية والشخصية المتميزة بعدم التشبه بالرجال ، وعدم مجاراة الكافرات ؛ قال اللّه عز وجل : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } ؛ قال ابن كثيرٍ - رحمه الله : قوله تعالى : { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } أي : لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤُه , قال ابن مسعودٍ : كالرِّداء والثِّياب ؛ يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنَّعة التي تجلِّل ثيابها وما يبدو من أسافل الثِّياب فلا حرج عليها فيه لأنَّ هذا لا يمكن إخفاؤُه .ا.هـ . { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } الجيب : فتحة الثوب التي تدخل الرأس منها ، فتكون على الصدر مظهرة بعضه ، فيُعَلِّم الله جل جلاله المرأة المسلمة كيف يكون لباسها ، وأنه يجب عليها أن تضرب بخمارها الذي يغطي رأسها على فتحة الجيب لتستر ما تظهره هذه الفتحة من عورة جسمها .
إنه - حقًّا – وسام على صدر المرأة أن يخصها الله تعالى بهذا التعليم دون الرجال ، وفيه بيان لمكانة المرأة في الإسلام ..... وللحديث صلة .
 
آداب تتعلق بلباس النساء
المرأة في الإسلام إنسان له كرامة ، ودرة لابد أن تحفظ ؛ فليست سلعة تباع وتشترى ، وليس جسدها مشاعًا لكل من أراد ، وإنما لا تظهر بزينتها إلا على من أحلَّ الله تعالى له ذلك ؛ فالمرأة في الإسلام جوهرة تصان ؛ ومن شأن النفيس أن يُحفظ حتى لا يتعرض للضياع والعبث من قبل اللصوص ؛ والحجاب هو الحرز الذي جعله الله وقاية للمرأة من أي أذى يمكن أن يلحق بها ، أو طمع ممن في قلبه مرض ، أو اعتداء من الذئاب البشرية التي تتربص بفريستها .
ومعلوم أنَّ مما يتميَّز به الإنسان عن الحيوان اتخاذُ الملابس وأدوات الزينة ، وأن الملابسُ والزينةُ هما مظهران من مظاهر المدنيَّة والحضارة ، والتجرُّدُ عنهما إنما هو ردَّة إلى الحيوانية ، وعودة إلى الحياة البدائية ، وإنَّ أعزَّ ما تملكه المرأة الشرفُ ، والحياءُ ، والعفافُ ، والمحافظةُ على هذه الفضائل محافظةٌ على إنسانية المرأة في أسمى صورها ، وليس من صالح المرأة ، ولا من صالح المجتمع أن تتخلى المرأة عن الصيانة والاحتشام ، ولا سيَّما وأن الغريزة الجنسية هي أعنف الغرائز ، وأشدَّها على الإطلاق ؛ فليس من الإنسانية في شيء أن تعرض المرأة جسدها - ولو بإرادتها - وتختزل نفسها من إنسان خلقه الله وكرمَّه ، إلى جسد يقضي فيه الشهوانيون وطرهم ؛ ولعمر الله إن هذا لغاية الاستعباد والاسترقاق .
من هنا راعى الإسلام الصيانة التامة في لباس المرأة عند خروجها ، ونهاها عن التبرج وإظهار ما يجب إخفاؤه ؛ مع ما ذكرنا من بناء الهوية والشخصية المتميزة بعدم التشبه بالرجال ، وعدم مجاراة الكافرات ؛ قال اللّه عز وجل : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } ؛ قال ابن كثيرٍ - رحمه الله : قوله تعالى : { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } أي : لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤُه , قال ابن مسعودٍ : كالرِّداء والثِّياب ؛ يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنَّعة التي تجلِّل ثيابها وما يبدو من أسافل الثِّياب فلا حرج عليها فيه لأنَّ هذا لا يمكن إخفاؤُه .ا.هـ . { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } الجيب : فتحة الثوب التي تدخل الرأس منها ، فتكون على الصدر مظهرة بعضه ، فيُعَلِّم الله جل جلاله المرأة المسلمة كيف يكون لباسها ، وأنه يجب عليها أن تضرب بخمارها الذي يغطي رأسها على فتحة الجيب لتستر ما تظهره هذه الفتحة من عورة جسمها .
إنه - حقًّا – وسام على صدر المرأة أن يخصها الله تعالى بهذا التعليم دون الرجال ، وفيه بيان لمكانة المرأة في الإسلام ..... وللحديث صلة .
 
شروط لباس المرأة المسلمة

يشترط في لباس المرأة المسلمة إذا خرجت لقضاء حاجتها أمور ، إذا فُقد منها شرط لا يعد اللباس شرعيًّا ؛ وتأثم المرأة بمخالفة أي من هذه الشروط ، وكذا يأثم وليها إن أذن بذلك أو رضي به ؛ وقد قدمنا منها ثلاثة في الآداب العامة وهي : ألا يكون لباس شهرة ، وألا يشبه لباس الكافرات ، وألا يشبه لباس الرجال ؛ وباقي هذه الشروط هي ( [1] ) :
1 - أن يكون الحجاب ساترًا لجميع البدن ؛ لقوله تعالى: ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيمًا [ [الأحزاب:59].
والجلباب هو الثوب السابغ الذي يستر البدن كله ، ومعنى الإدناء هو الإرخاء والسدل ، فيكون الحجاب الشرعي ما ستر جميع البدن ؛ حتى الوجه والكفين عند من يرى فرضية سترهما ؛ ويندب سترهما عند من يرى عدم الفرضية ( [2] ) .
2 - أن يكون كثيفًا غير رقيق ولا شفاف ؛ لأن الغرض من الحجاب الستر الذي يمنع الرؤية ؛ فإذا لم يكن ساترًا فلا يسمى حجابًا ، لأنه لا يمنع الرؤية ولا يحجب النظر ؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ؛ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا " ( [3] ) ؛ والمعنى : كاسيات بالاسم ، عاريات في الحقيقة ؛ إذ لا تسترهن تلك الثياب ؛ قال النووي – رحمه الله : قِيلَ : كَاسِيَات مِنْ نِعْمَة اللَّه عَارِيَات مِنْ شُكْرهَا ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ تَسْتُر بَعْض بَدَنهَا ، وَتَكْشِف بَعْضه إِظْهَارًا بِحَالِهَا وَنَحْوه ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ تَلْبَس ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِف لَوْن بَدَنهَا ؛ وَأَمَّا ( مَائِلَات ) فَقِيلَ : مَعْنَاهُ عَنْ طَاعَة اللَّه ، وَمَا يَلْزَمهُنَّ حِفْظه ؛ ( مُمِيلَات ) أَيْ : يُعَلِّمْنَ غَيْرهنَّ فِعْلهنَّ الْمَذْمُوم ، وَقِيلَ : مَائِلَات يَمْشِينَ مُتَبَخْتِرَات ، مُمِيلَات لِأَكْتَافِهِنَّ ؛ وَقِيلَ : مَائِلَات يَمْشُطْنَ الْمِشْطَة الْمَائِلَة ، وَهِيَ مِشْطَة الْبَغَايَا ؛ مُمِيلَات يَمْشُطْنَ غَيْرهنَّ تِلْكَ الْمِشْطَة . وَمَعْنَى : " رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت " أَنْ يُكَبِّرْنَهَا وَيُعَظِّمْنَهَا بِلَفِّ عِمَامَة أَوْ عِصَابَة أَوْ نَحْوهمَا ( [4] ) . وفي قوله e : " لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ " دليل على أن ذلك من المحرمات العظام ، وهو دليل أيضا على وجوب ستر المرأة بدنها ، بما لا يصف أو يشف أو يظهر شيئًا من بدنها ؛ وأن لباس المرأة ما يسترها ولا يُظهر شيئًا من جسمها ، ولا يصف أعضاءها لكونه كثيفًا واسعًا .
وروى أحمد وغيره عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو t قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ : " سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى السُّرُوجِ كَأَشْبَاهِ الرِّجَالِ ، يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ ، نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ ، عَلَى رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ ، الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ ؛ لَوْ كَانَتْ وَرَاءَكُمْ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَخَدَمْنَ نِسَاؤُكُمْ نِسَاءَهُمْ كَمَا يَخْدِمْنَكُمْ نِسَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ " ( [5] ) ؛ والسروج : جمع سرج ، وهو ما يوضع على ظهر الدواب ؛ والعجاف:الهزيلة؛ وفي قوله e : " الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ " دليل على ارتكابهن أثم عظيم يستحق اللعن ، ولكن يحذر من لعن المعين ، فيقال : اللهم العن الكاسيات العاريات ، ولا يقال : اللهم العن فلانة .
وروى أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ ، لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ ؟ قَالَ : " يُرْخِينَ شِبْرًا " فَقَالَتْ : إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ ! قَالَ : " فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ " ( [6] ) ؛ فسألت أُمُّ سَلَمَة – رضي الله عنها - عَنْ حُكْم النِّسَاء فِي جَرِّ ذُيُولهنَّ لَمَّا فَهِمَتْ الزَّجْر عَنْ الْإِسْبَال مُطْلَقًا سَوَاء كَانَ عَنْ مَخِيلَة أَمْ لَا ، فَسَأَلَتْ عَنْ حُكْم النِّسَاء فِي ذَلِكَ لِاحْتِيَاجِهِنَّ إِلَى الْإِسْبَال مِنْ أَجْل سَتْر الْعَوْرَة ، لِأَنَّ جَمِيع قَدَمهَا عَوْرَة ؛ أفاده ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري ( [7] ) ؛ وهو واضح الدلالة في كون ثوب المرأة لابد أن يكون سابغًا ساترًا لقدمها .
وروى أحمد وأهل السنن إلا النسائي عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها -عَنْ النَّبِيِّ e أَنَّهُ قَالَ : " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ " ( [8] ) ؛ الحائض : أي البالغة ، والخمار : ما يغطي الرأس ؛ فإذا كان ذلك في الصلاة وهي في قعر بيتها ، فكيف إذا خرجت من بيتها ؟
3 - أن لا يكون زينة في نفسه ؛ لأن الغاية من الحجاب هو تحصيل الستر والعفاف ، فإذا كان الحجاب زينة مثيرة ملفتًا للأنظار ، فقد تعطلت بذلك الغاية منه ؛ولذلك قال الله U : ] وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا[ [ النور : 31 ] ، فإبداء الزينة على الجلباب أو العباية الخارجية من التبرج المنهي عنه شرعًا ، قال تعالى : ] وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [ [ الأحزاب : 33 ] ؛ قال الإمام الذهبي - رحمه الله : ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت النقاب ، وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت ، ولبسها الصباغات والأزر الحريرية والأقبية القصار ، مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها ؛ وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه، ويمقت الله فاعله في الدنيا والآخرة ؛ ولهذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء قال عنهن النبي e : " أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ " ([9]) .
فالذهبي - رحمه الله - ينكر على من توسع الأكمام وتطيلها بحيث لو رفعت يدها ارتفع معه الكم فيكشف ما تحته من الأيدي ، أو ما عليها من ثياب الزينة أو الأساور ونحوها ؛ لأن ذلك من التبرج وإبداء الزينة المنهي عنه ؛ وكذا لبسها الحرير أو الأزر أو الثياب المصبوغة الملونة إنما يعد من التبرج حيثما جعلته لباسها الظاهر ، أما إذا لبسته في بيتها أو تحت ثيابها وحجابها الذي ليس زينة بنفسه فلا حرج عليها في ذلك .
4 - أن يكون واسعًا غير ضيق ؛ حتى لا يصف بدن المرأة ؛ فلا يشف عن البدن ، ولا يجسم العورة ، ولا يظهر أماكن الفتنة في الجسم ؛ لأن اللباس الضيق يناقض الستر المقصود من الحجاب ، لذلك إذا لم يكن لباس المرأة المسلمة فضفاضًا فهو من التبرج المنهي عنه ، إذ إن مفاتن المرأة تبدو موصوفة بارزة ، مما يثير النفوس الخبيثة والقلوب المريضة ؛ وروى أحمد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ e قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً ،كَانَتْ مِمَّا أَهْدَاهَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ ، فَكَسَوْتُهَاامْرَأَتِي ؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ e : " مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسْ الْقُبْطِيَّةَ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي ؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ e : " مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا " ( [10] ) ؛ والغلالة : شعار ( [11] ) يلبس تحت الثوب ؛ قال الشوكاني - رحمه الله : وإنما أمر بالثوب تحته لأن القباطي ثياب رقاق لا تستر البشرة عن رؤية الناظر ، بل تصفها ( [12] ) ؛ وروى البيهقي عن عبد الله بن أبي سلمة أن عمر بن الخطاب t كسا الناس القباطي ، ثم قال : لا تدرعها نساؤكم [ أي لا تلبسها درعًا ] ؛ فقال رجل : يا أمير المؤمنين قد ألبستها امرأتي فأقبلت في البيت وأدبرت فلم أره يشف ؛ فقال عمر : إن لم يكن يشف فإنه يصف ( [13] ) .
وبهذا يعلم أن ثياب المرأة حتى إذا كانت سابغة تغطى كل جسمها حتى قدميها ، لكنها محددة لأجزاء جسمها ضيقة تبرز مفاتنها فهي محرمة ، لأنها لا تحقق الحكمة من مشروعية الحجاب وهو الستر الذي يترتب عليه عدم الفتنة .
5 - أن لا يكون الثوب معطرًا ؛ لأن في ذلك إثارة الشهوة وتحريكها ؛ روى أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجة عَنْ أَبِي مُوسَى t عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ : " إِذَا اسْتَعْطَرَتِ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا ، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا " قَالَ قَوْلًا شَدِيدًا ، وفي رواية الترمذي : يَعْنِي : زَانِيَةً ( [14] ) ؛ وذلك لأن الطيب يحرك الشهوة ويدعو إليها ، وروى أحمد وأبي داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أنه لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيبِ يَنْفَحُ وَلِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ ، فَقَالَ : يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ جِئْتِ مِنَ الْمَسْجِدِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : وَلَهُ تَطَيَّبْتِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي أَبَا الْقَاسِمِ e يَقُولُ : " لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لِامْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِهَذَا الْمَسْجِدِ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الْجَنَابَةِ " ( [15] ) ؛ وعند أحمد ومسلم وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ " ( [16] ) ؛ فإذا كان ذلك عند خروجها للعبادة والطاعة ؛ ففي غير ذلك أولى وأحرى ؛ فلتتقي الله المرأة المسلمة ، ولا تخرج لحاجة ولا لصلاة متطيبة متعطرة ، وهي تعلم أنها لابد أن تمر برجال وأنهم بلا ريب سيشمون منها ريحها .
فهذه الشروط لابد أن تكون في ثياب المرأة إذا خرجت من بيتها ؛ وفق الله نساءنا لطاعته .

[1] - ذكر هذه الشروط العلماء ، وقد جمعها بأدلتها ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى ، في كتابه ( حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة ) ثم في كتابه ( جلباب المرأة المسلمة ) .

[2] - تراجع رسالة ( الحجاب والتبرج بين الحقيقة والتوهم ) من إصدارات إدارة الدعوة .

[3] - أحمد : 2 / 355 ، 440 ، ومسلم ( 2128 ) .

[4] - انظر شرح النووي على صحيح مسلم : 14 / 110 ؛ وانظر أيضا : 17 / 190 ، 191.

[5] - رواه أحمد : 2 : 223 ، والطبراني في الأوسط ( 9331 ) ، وصححه ابن حبان ( 5753 ) ، والحاكم ( 8346 ) .

[6] - أخرجه أحمد : 6 / 295 ، الترمذي في الجامع ( رقم 1731) وقال جسن صحيح وأبو داود (4117) و.

[7] - انظر فتح الباري : 10 / 259 .

[8] - أحمد : 6 / 150 ، 218 ، 259 ، وأبو داود ( 641 ) ، والتِّرمِذي ( 377 ) وحسنه ، وابن ماجة ( 655 ) ، والحاكم : 1 / 251 وصححه .

[9] - انظر كتاب ( الكبائر ) للذهبي ص 131 ؛ والحديث أخرجه البخاري ( 28 ، 993 ) ، ومسلم ( 1512 ) .

[10] - رواه أحمد : 5 / 205 ؛ والطبراني في الكبير : 1 / 160 ( 376 ) .

[11]- الشعار هو الثوب الداخلي ، والدثار هو الثوب الخارجي .

[12] - انظر ( نيل الأوطار ) للشوكاني : 2 / 116 .

[13] - السنن الكبرى للبيهقي : 2 / 234 ( 3080 ) - دار الباز - مكة المكرمة ؛ ونحوه عند البخاري في ( التاريخ الكبير ) : 8 / 394 ، في ترجمة يعقوب بن مجمع رقم ( 3454 ) .

[14] - أحمد : 4 / 400 ، وأبو داود ( 4173 ) ، والترمذي ( 2786 ) وصححه ، والنسائي ( 5126 ) .

[15] - أحمد : 2 / 246 ، وأبو داود ( 4174 ) ، وصححه ابن خزيمة ( 1682 ) .

[16] - أحمد : 2 / 304 ، ومسلم ( 444 ) ، وأبو داود ( 4175 ) ، والنسائي ( 5128 ) .
 
لباس المرأة في بيتها

للمرأة المسلمة في بيتها بين محارمها ونسائها آداب أخرى للباس ، ذلك لرفع الحرج وإزالة المشقة المترتبة على كثرة ما يكون من دخول هؤلاء عليها ، ودخولها عليهم ؛ قال اللّه U : ] وَََلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إََِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء [ [ النور : 31 ] ؛فبينت الآية ما يكون من آداب لباس المرأة لزوجها وبين محارمها ، ومنهم الذين يمكن أن تظهر عليهم بشيء من زينتها الباطنة ؛ فالزينة الظاهرة تقدم حكمها ، ] وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا[ ؛ أما هاهنا فالمراد الزينة الباطنة ، والتي لا تظهر إلا لمن أباح الله تعالى ظهورها عليهم ، وهم : الزوج ، والأب ، وأب الزوج ، والابن ، وابن الزوج ، والأخ وابنه ، وابن الأخت ، ونساء المسلمين؛فقوله تعالى:] أَوْ نِسَائِهِنَّ[ احترازعن النساءالمشركات ؛ فلاتكون المشركة قابلة ([1]) للمسلمة، ولا تدخل معهن الحمام ، لكن قد كن النسوة اليهوديات يدخلن على عائشة وغيرها فيرين وجهها ويديها ، بخلاف الرجال فيكون هذا في الزينة الظاهرة في حق النساء الذميات ، وليس للذميات أن يطلعن على الزينة الباطنة ( [2] ) .
وكذلك ملك اليمين من العبيد والإماء يجوز أن تظهر عليهم المرأة ببعض زينتها الباطنة ، وليس الخدم في عصرنا هذا من ملك اليمين ، وليس الذكور منهم من غير أولي الإربة من الرجال ؛ فينتبه لذلك .
وأما غير أولي الإربة فهم من لا حاجة له في النساء من الرجال ، ممن يكثر دخوله مع رجل البيت لعمل أو حاجة .
وقوله تعالى : ] أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء[ فهم الأطفال الذين لم يميزوا بين الجميلة والدميمة ، ولا نظر لهم إلى ما ظهر من زينة النساء الباطنة ؛ أما إذا ميَّز الطفل بين الجميلة والدميمة ، وكان عنده تطلع لزينة النساء الباطنة ، فهذا لا يدخل على النساء ، ولا تظهر عليه المرأة بزينة باطنة .
ولم تذكر الآية الأعمام والأخوال ، وإن كانوا من المحارم ؛ قال الشعبي وغيره : لأن العم والخال قد يصف لابنه ما يرى من ابنة عمه أو ابنة عمته ؛ ولكن جمهور أهل العلم على جواز ظهور المرأة عليهم بشيء من الزينة الباطنة التي تكون في البيوت عادة ؛ لأنهم من محارمها .
والزينة الباطنة نوعان : نوع يختص بالزوج ، إذ لا عورة بين الرجل وامرأته ؛ فيجوز للزوج أن يطلع من امرأته ما لا يطلع عليه أبوها وأمها ومحارمها ؛ وكل زينة مباحة لم ينه الشرع عنها جاز للمرأة أن تتزين بها لزوجها .
والنوع الثاني من الزينة الباطنة هي للزوج وغيره ممن ذكر الله تعالى ؛ وهو ما اعتادت المرأة بالظهور به في بيتها دون تكلف إظهار ما يجب ستره ؛ فيجب على المرأة أن تعلم أنه لا يجوز أن تظهر بثياب فاتنة حتى بين محارمها ونسائها ، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : " لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ ، وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ " ( [3] ) ؛ فيجب على المرأة أن تستر عورتها حتى على النساء والمحارم ؛ واللباس الضيِّق الذي يصف جسد المرأة ويبين مفاتنها لا يجوز عند المحارم ولا عند النساء ، وكذا اللباس الشفاف الذي يشف ما تحته من العورة يحرم أن تظهر به المرأة حتى على نسائها ومحارمها .
ثم قال الله تعالى : ] وَََلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ [أي : لا يضرب النساء الأرض بأرجلهن ، ليظهر صوت ما عليهن من حلي خفي ، كخلاخل ونحوها ، فتلفت انتباه الغافل إلى ما تخفي من زينتها ، فيكون وسيلة إلى الفتنة .
ثم دعا U جميع المؤمنين للتوبة فقال : ] وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [ [ النور : 31 ] ؛ وما أجملها من خاتمة تلفت إلى أن الله تعالى يغفر لمن تاب من عباده ما كان منهم من تقصير ومعصية ؛ وفي دعوة الجميع للتوبة إشارة إلى أن هذه الأمور يأثم الجميع بظهورها ، لأنها مرتبطة بالمرأة ووليها ومجتمعها الذي يرضى بذلك أو يدعو إليه .

[1]- القابلة هي التي تتولى توليد المرأة ؛ فلا يجوز أن تولِّد الكافرة المرأة المسلمة .

[2]- مجموع الفتاوى : 22 / 112 .

[3]- مسلم ( 338 ) .
 
آداب تتعلق بلباس الصغار
يحرص الإسلام على تربية الصغار على تقوى الله تعالى ، وعلى ما سيكون من أمره ذكرًا كان أم أنثى ؛ فيعلَّم الذكور أنهم سيكونون رجالا ، والإناث أنهن سيكن نساءً ، فيتربى الصغار على ما يناسبهم مع مراعاة ما يحتاجونه بحسب أعمارهم .
وعلى هذا يرتبط لباس الصغير ، وإن كان لا يميز ، لكن لابد من تربيته على ذلك ؛ قال الغزالي في ( إحياء علوم الدين ) : الصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة ، وهو قابل لكل ما نقش ، ومائل إلى كل ما يمال به إليه ، فإن عوِّد الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة ، وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب ؛ وإن عوِّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك ، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له ، وقد قال الله Y : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [ [ التحريم : 6 ] ؛ ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى ؛ وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ، ويحفظه من القرناء السوء ولا يعوده التنعم ، ولا يحبب إليه الزينة والرفاهية ، فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك هلاك الأبد ، بل ينبغي أن يراقبه من أول أمره ... إلى أن قال : وأن يحبب إليه من الثياب البيض دون الملون والإبريسم ( حرير )، ويقرر عنده أن ذلك شأن النساء والمخنثين ، وأن الرجال يستنكفون منه ، ويكرر ذلك عليه ، ومهما رأى على صبي ثوبًا من إبريسم أو ملون فينبغي أن يستنكره ويذمه ، ويحفظ الصبي عن الصبيان الذين عودوا التنعم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة ، وعن مخالطة كل من يسمعه ما يرغبه فيه ؛ فإن الصبي مهما أهمل في ابتداء نشوه خرج في الأغلب رديء الأخلاق ... وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب ( [1] ) .
ومعلوم أن الصبي الصغير لا حرمة لعورته ؛ ولكن لا يجوز النظر إلى عورته إذا بلغ سن السابعة ؛ ويعلَّم لباس الرجال ، ولا يلبسه والداه ما يحرم على الرجال من اللباس ؛ فلا يجوز لباس الحرير للصبيان الذين لم يبلغوا الحلم ، فإن ما حرم على الرجال فعله حرم عليه أن يمكن منه الصغير ، فإنه يأمره بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، ويضربه عليها إذا بلغ عشرًا ، فكيف يحل له أن يلبسه المحرمات ( [2] ) ؛ وروى الطبراني عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ ( أي ابن مسعود ) فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ عَلَيْهِ قَمِيصٌ حَرِيرٌ ، فَقَالَ : مَنْ كَسَاكَ هَذَا ؟ قَالَ : أُمِّي ! قَالَ : فَشَقَّهُ ، قَالَ : قُلْ لأُمِّكَ تَكْسُوكَ غَيْرَ هَذَا ( [3] ) ؛ وروى ابن أبي شيبة أن ابن مسعود رأى ابنًا له عليه قميص من حرير ، فشقه وقال : إنما هذا للنساء ( [4] ) ؛ وروى - أيضًا - عن سعيد بن جبير قال : قدم حذيفة بن اليمان t من سفر وقد كسي ولده الحرير ، فنزع منه ما كان على ذكور ولده ، وترك منه ما كان على بناته ( [5] ) ؛ ودخل عبد الرحمن بن عوف t ومعه ابن له على عمر ، عليه قميص حرير ، فشق القميص ( [6] ) ؛ أي : فشق عمر t القميص الذي كان على الغلام .
فهذه نصوص تبين كيف كانوا يربون أبناءهم ، ولا يلبسون الصبي الحرير .
وإذا بلغت الجارية إلى حد تأخذها العين وتُشتهى سترت عورتها ؛ وعُلِّمت ما يكون من أمر لباسها ؛ وإذا حاضت أصبحت امرأة ويجري عليها ما سبق من أحكام وآداب لباس المرأة .
هذا ، والعلم عند الله تعالى .

[1] - إحياء علوم الدين : 3 / 72 ، باختصار .

[2] - انظر ( مجموع الفتاوى ) : 22 / 143 .

[3] - الطبراني في الكبير : 9 / 175 ( 8787 ) ؛ وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 5 / 172 ) : رواه الطبراني بإسنادين ، ورجال أحدهما رجال الصحيح .

[4] - رواه ابن أبي شيبة ( 24655 ) .

[5] - رواه ابن أبي شيبة ( 24656 ) .

[6] - رواه ابن أبي شيبة ( 24657 ) .
 
خاتمة
هذا ما أردت بيانه بإيجاز حول آداب اللباس ، وأرجو أن أكون قد وفقت في بيان هذه الآداب ، وما كان في ذلك من صواب فمن الله تعالى وحده وله الحمد والمنة ، وما كان غير ذلك فمني ومن الشيطان ، وأستغفر الله العظيم منه ، ورحم الله تعالى من رأى فيه غلطا فردَّنا إلى الصحيح فيه ، أو خطأ فأرشدنا الصواب فيه .

لكن قدرة مثلي غير خافية ... والنمل يعذر في القدر الذي حملا

هذا ، والعلم عند الله تعالى ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله. والحمد لله أولاً وأخيرًا .
 
عودة
أعلى