3 -
التحميد ؛ وهو أن يقول في إثر عطاسه : الحمد لله ؛ أو : الحمد لله رب العالمين ؛ أو : الحمد لله على كل حال ؛ وبكلٍ جاء الدليل .
ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "
إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَإِذَا قَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَلْيَقُلْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ "[SUP] (
[1] ) [/SUP]؛ المراد بالأخوة : أخوة الإسلام .
وروى أحمد وأبو يعلى عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : مَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : "
قُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ " ؛ قَالَ الْقَوْمُ : مَا نَقُولُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : "
قُولُوا لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ " ، قَالَ : مَا أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : "
قُلْ لَهُمْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ "[SUP] (
[2] ) [/SUP].
وروى أحمد والنسائي عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "
إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ؛ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ "[SUP] (
[3] ) [/SUP].
وفي سنن أبى داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "
إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَيَقُولُ هُوَ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ "[SUP] (
[4] ) [/SUP].
وروى أحمد والترمذي والنسائي عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلْيَقُلْ الذي يرد عليه
: يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَلْيَقُلْ هُوَ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ "[SUP] (
[5] ) [/SUP].
وروى الطبراني عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "
إِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ فَلْيَقُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلْيَقُلْ مَنْ حَوْلَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَلْيَقُلْ هُوَ لِمَنْ حَوْلَهُ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ "[SUP] (
[6] ) [/SUP].
وروى الترمذي والحاكم عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ؛ قَالَ ابْنُ عُمَرَ : وَأَنَا أَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ؛ وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ! عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ : "
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ "[SUP] (
[7] ) [/SUP].
ومعنى "
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ " أي : على كل كيفية من الكيفيات التي قدَّرها ؛ فإنَّ قضاء الله للمؤمن كله خير ، ولو انكشف له الغطاء لفرح بالضراء أكثر من فرحه بالسراء ؛ ولعل هذا يناسب من عطس بسبب المرض ؛ كالزكام ونحوه .
وفي ( الأدب المفرد ) ومستدرك الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله رب العالمين ، وليقل من يرد : يرحمك الله ، وليقل هو : يغفر الله لي ولكم[SUP] (
[8] ) [/SUP].
فهذه ثلاثة محامد بأيها قال أجزأه ؛ قال النووي - رحمه الله - في ( الأذكار ) : اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه : الحمد لله ، فلو قال : الحمد لله رب العالمين ، كان أحسن ، ولو قال : الحمد لله على كل حال ، كان أفضل[SUP] ([/SUP]
[9] [SUP])[/SUP] .ا.هـ .
وقال ابن حجر - رحمه الله : نقل ابن بطال عن الطبراني أن العاطس يتخير أن يقول : الحمد لله ، أو يزيد : رب العالمين ، أو : على كل حال .ا.هـ . والذي يتحرر من الأدلة أن كل ذلك مجزئ ، لكن ما كان أكثر ثناء أفضل ، بشرط أن يكون مأثورًا[SUP] ( [/SUP]
[10][SUP] ) [/SUP].
وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما : وَأَنَا أَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ؛ وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ! عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ : "
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ " ؛ دلالة على أن الألفاظ الشرعية الواردة في عمل معين ، لا يضاف إليها ما ليس من جنسها ؛ ولا يشكل على ذلك ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ رضي الله عنه قَالَ : صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَعَطَسْتُ ، فَقُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، حَمْدًا كَثِيرًا ، طَيِّبًا ، مُبَارَكًا فِيهِ ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى ؛ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ ، فَقَالَ : "
مَنْ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ ؟ " ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ : "
مَنْ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ ؟ " ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ : "
مَنْ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ ؟ " ، فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ ابْنُ عَفْرَاءَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : "
كَيْفَ قُلْتَ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، حَمْدًا كَثِيرًا ، طَيِّبًا ، مُبَارَكًا فِيهِ ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : "
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَقَدْ ابْتَدَرَهَا بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مَلَكًا ، أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا "[SUP] (
[11] ) [/SUP].
أقول : لا يشكل ما ورد في حديث رفاعة على ما قدمنا من أن الألفاظ الشرعية لا يضاف إليها ما ليس من جنسها ؛ لأن إضافته هاهنا من جنس الحمد ، وقد أقرها النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيَّن لها فضلا ... والعلم عند الله تعالى .
قال ابن حجر - رحمه الله - واستدل بأمر العاطس بحمد الله أنه يشرع حتى للمصلي ؛ وبذلك قال الجمهور من الصحابة والأئمة بعدهم ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد ، ونقل الترمذي عن بعض التابعين أن ذلك يشرع في النافلة لا في الفريضة ، ويحمد مع ذلك في نفسه ؛ وجوَّز شيخنا في ( شرح الترمذي ) أن يكون مراده أنه يسِرُّ به ولا يجهر به ، وهو متعقب مع ذلك بحديث رفاعة بن رافع ؛ فإنه جهر بذلك ، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه ؛ نعم ، يفرق بين أن يكون في قراءة الفاتحة أو غيرها ؛ من أجل اشتراط الموالاة في قراءتها ، وجزم ابن العربي من المالكية بأن العاطس في الصلاة يحمد في نفسه ، ونقل عن سحنون أنه لا يحمد حتى يفرغ ، وتعقبه بأنه غلو[SUP] (
[12] ) [/SUP].
ولا يجوز العدول عن الحمد إلى لفظ آخر ولو كان ذِكرًا ؛ قال ابن حجر – رحمه الله : وَلَا أَصْل لِمَا اِعْتَادَهُ كَثِير مِنْ النَّاس مِنْ اِسْتِكْمَال قِرَاءَة الْفَاتِحَة بَعْد قَوْله : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ، وَكَذَا الْعُدُول مِنْ الْحَمْد إِلَى أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ، أَوْ تَقْدِيمهَا عَلَى الْحَمْد ، فَمَكْرُوه ؛ وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّف فِي ( الْأَدَب الْمُفْرَد ) بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ مُجَاهِد أَنَّ اِبْن عُمَر سَمِعَ اِبْنه عَطَسَ فَقَالَ : أَب ، فَقَالَ : وَمَا أَب ؟ إِنَّ الشَّيْطَان جَعَلَهَا بَيْنَ الْعَطْسَة وَالْحَمْد [SUP] (
[13] ) [/SUP]؛ وَأَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِلَفْظِ : أَش ، بَدَل : أَب[SUP] (
[14] ) [/SUP].
[1] - البخاري ( 5870 ) .
[2] - أحمد : 6 / 6 / 79 ، وأبو يعلى ( 4946 ) ، ورواه البيهقي في شعب الإيمان ( 9341 ) ، وهو حسن بشواهده .
[3] - أحمد : 1 / 120 ، 122 ، والنسائي في اليوم والليلة ( 212 ) ، والضياء في المختارة ( 640 ) .
[4] - أبو داود ( 5033 ) ، وصححه الألباني .
[5] - أحمد : 5 / 419 ، 422 ، والترمذي ( 2741 ) ، والنسائي في الكبرى ( 10041 ) .
[6] - الطبراني في الكبير : 3 / 292 ( 3441 ) .
[7] - الترمذي ( 2738 ) ، وحسنه الألباني ، والحاكم ( 7691 ) وصححه .
[8] - الأدب المفرد (934 ) ، والمستدرك ( 7695 ) ؛ هكذا هو صحيح موقوفًا ، ورفعه النسائي والطبراني وأعلاه ، وله شاهد عند أحمد والثلاثة من حديث سالم بن عبيد رضي الله عنه وفي إسناده مقال ، وآخر عند البخاري في ( الأدب المفرد ) عن علي t موقوفًا ؛ وهذا لا يقال من قبل الرأي ، فيأخذ حكم المرفوع ؛ ورواه النسائي في اليوم والليلة ( 224 ) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 699 ) .
[9] - انظر ( أذكار النووي ) ص 488 – ت : عامر بن علي ياسين – دار ابن خزيمة – الرياض – ط 1 ؛ 1422 هـ .
[10] - الأذكار : ص240 ، وانظر فتح الباري : 10 / 615 ، 616 ( الريان للتراث ) .
[11] - أبو داود ( 773 ) ، والترمذي ( 404 ) وحسنه ، واللفظ له ، والنسائي ( 931 ) ؛ ورواه الطبراني في الكبير : 5 / 41 ( 4532 ) ، وابن حبان ( 1910 ) ، والحاكم ( 5023 ) .
[12] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 608 .
[13] - الأدب المفرد ( 937 ) ، ورواية ابن أبي شيبة في مصنفه ( 25993 ) بلفظ : عطس رجل عند ابن عمر فقال : أشهب ، قال ابن عمر : أشهب اسم شيطان ، وضعه إبليس بين العطسة والحمد لله ليذكر .
[14] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 600 .