آداب العطاس والتشميت

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
C:\DOCUME~1\DWA_MA~1\LOCALS~1\Temp\msohtml1\01\clip_image001.wmz

بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن وتقبل​
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد :
فالعطاس أحد أحوال البشر التي لا تنفك عنهم ، وهو حركة لا إرادية تكون باندفاع شديد للهواء من الأنف والفم يصاحبه رذاذ يحمل أبخرة من الدماغ ، وما يقابله - عند اندفاعه - من أجسام غريبة تكون قد دخلت إلى الأنف .
ولما كان في ذلك فائدة لجسم الإنسان بطرد ما يضره ، كانت نعمة تستوجب الشكر ، فعلَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحمد الله بعد العطاس ؛ ويترتب على ذلك دعاء من يسمع الحامد ، فيقول : يرحمك الله ؛ ويرد عليه الحامد : يهديكم الله ويصلح بالكم ؛ في آداب أخرى جليلة ، تجمعها هذه الرسالة ( آداب العطاس والتشميت ) ؛ وسوف أتناول هذا الموضوع المهم من خلال المحاور الآتية :
معنى العطاس
كيفية العطاس
نعمة العطاس
أول من عطس
آداب العطاس
تشميت العاطس
الحكمة من التشميت
حكم التشميت
تشميت العاطس إذا حمد الله من حق المسلم على المسلم
آداب التشميت
تشميت أهل الكتاب
مسائل في العطاس والتشميت
هذا ، والله الكريم أسأل أن يتقبلها ، وأن يجعل لها القبول في الأرض ؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه ، لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت وإليه أنيب ؛ وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية
 
معنى العطاس
العَطْسُ والعُطاس من العطسة ، مصدر عَطَس الرجل يَعْطُسُ ويَعْطِسُ ، عَطْسًا وعُطاسًا ؛ والْمَعْطِس والْمَعْطَس : الأنف ؛ لأَنَّ العُطَاسَ منه يَخْرُجُ ؛ وفي حديث عمر t : لا يُرْغِم اللَّهُ إِلا هذه المَعاطس ؛ هي الأُنوف .
وعطس الصبح ، إذا انفلق ؛ أي : أنار ، على الاستعارة [SUP]( [1] ) [/SUP].


[1] - انظر لسان العرب باب السين فصل العين ، والمصباح المنير ، ومختار الصحاح ( مادة : ع ط س ) ، ومعجم مقاييس اللغة ( باب العين والطاء وما يثلثهما ) : 4 / 351 .
 
كيفية العطاس وسببه
العطاس هو خروج الهواء - بما يحمله من رذاذ - فجأة وباندفاع من الأنف والفم ؛ ويحدث ذلك للتخلص من أبخرة تكون بالدماغ ، أو من مواد تدخل الأنف فتهيجه ، فهي عملية تحدث بشكل لا إرادي ، عندما يدخل الأنف جسم غريب - كالغبار مثلا - فيثير النهايات العصبية الموجودة في الأنف ؛ فيحدث العطاس ؛ وقد يكون بسبب دخول ميكروب ( كميكروب الأنفلونزا ) وهذه حالة مرضية ، يرتاح صاحبها إذا عطس ؛ فلذا يستوجب الحمد بعدها .
وقد يؤدي إحداق النظر إلى ضوء الشمس للعطاس ؛ لأنه يثير عصب العينين المتصل بالنهايات العصبية الموجودة في الأنف .
وقد يكون العطاس بغير سبب خارجي ، وذلك لإخراج الأبخرة التي تكون في رأس الإنسان ، مما يشعر بعده براحة ، تدل على نعمة العطاس ، فلذا يحمد الله بعدها .
 
نعمة العطاس
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ " الحديث رواه البخاري[SUP] ( [1] ) [/SUP].
قال الخطابي : معنى حب العطاس وكراهة التثاؤب ؛ أن العطاس يكون مع انفتاح المسام ، وخفة البدن ، وتيسير الحركات ؛ والتثاؤب إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه ، وعند استرخائه للنوم ، وميله إلى الكسل ، فصار العطاس محمودًا لأنه يعين على الطاعات ؛ والتثاؤب مذمومًا لأنه يثبطه عن الخيرات ، وقضاء الواجبات [SUP]( [2] ) [/SUP].
فمعنى المحبة والكراهة فيهما منصرف إلى سببهما .
قال ابن أبي جمرة : وفي الحديث دليل على عظيم نعمة الله على العاطس ؛ يؤخذ ذلك مما رتب عليه من الخير ، وفيه إشارة إلى عظيم فضل الله على عبده ، فإنه أذهب عنه الضرر بنعمة العطاس ، ثم شرع له الحمد الذي يثاب عليه ، ثم الدعاء بالخير بعد الدعاء بالخير ، وشرع هذه النعم المتواليات في زمن يسير ، فضلًا منه وإحسانًا ؛ وفي هذا - لمن رآه بقلب له بصيرة - زيادة قوة في إيمانه ، حتى يحصل له من ذلك ما لا يحصل بعبادة أيام عديدة ، ويداخله من حب الله الذي أنعم عليه بذلك ما لم يكن في باله ، ومن حب الرسول الذي جاءت معرفة هذا الخير على يده ، والعلم الذي جاءت به سنته ، ما لا يقدر قدره ... قال : وفي زيادة ذرة من هذا ما يفوق الكثير مما عداه من الأعمال ؛ ولله الحمد كثيرا[SUP] ([/SUP] [3] [SUP])[/SUP] .
كما أن العطاس عملية لا إرادية ، يخرج معها الهواء بقوة من طريقي الأنف والفم معًا ، جارفًا معه كل ما يجده في طريقه من غبار وهباء وجراثيم وسواها ، ويطردها من الجسم مخلصًا له من أذاها ؛ وهذه نعمة عظيمة ، حُقَّ على المسلم أن يحمد الله I عليها ؛ لذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحمد الله تعالى بعد العطاس .


[1] - البخاري ( 5869 ، 5872 ) .

[2] - نقلا عن ( تحفة الأحوذي ) : 8 / 18 .

[3] - نقلا عن ( فتح الباري ) : 10 / 609 ، 610 .
 
أول من عطس
روى الترمذي والنسائي والحاكم عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ ، وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ ، عَطَسَ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ؛ فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا آدَمُ " ، زاد ابن حبان : " فَلِذَلِكَ سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ "[SUP] ( [1] ) [/SUP]. فَكَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْحَمْدَ ، وَأَوَّلُ مَا سَمِعَهُ الرَّحْمَةَ .
وفي صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لَمَّا نُفِخَ فِي آدَمَ ، فَبَلَغَ الرُّوحُ رَأْسَهُ عَطَسَ ، فَقَالَ : الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَقَالَ اللهُ لَهُ - تبارك وتعالى : يَرْحَمُكَ اللهُ " [SUP]( [2] ) [/SUP].
وفي مستدرك الحاكم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما فرغ الله من خلق آدم ، وأجرى فيه الروح ، عطس فقال : الحمد لله ، فقال له ربه : يرحمك ربك [SUP]( [3] ) [/SUP].


[1] - الترمذي ( 3368 ) ، والنسائي في الكبرى ( 10046 ) ، وابن حبان ( 6164 ) ، والحاكم ( 7681 ) وصححه ، ووافقه الذهبي .

[2] - ابن حبان ( 6165 ) ، والحاكم ( 7682 ) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي .

[3] - المستدرك ( 3036 ) ، وصححه ، ووافقه الذهبي .
 
آداب العطاس
للعطاس آداب راقية تدل على عظمة دين الإسلام ، ورقي أهله إذا هم تمسكوا بتعاليمه وآدابه ؛ وإجمال هذه الآداب في : تغطية الوجه أو الفم ، وغض الصوت ، وحمد الله تعالى ، ورفع الصوت به ، والردِّ على من شَمَّته ؛ وإليك البيان :
1 – تغطية الوجه أو الفم ؛ لما رواه أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَطَسَ ، وَضَعَ ثَوْبَهُ أَوْ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ، وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ مِنْ صَوْتِهِ ؛ ولفظ أبي داود : وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ ، وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ ؛ ولفظ الترمذي : كَانَ إِذَا عَطَسَ ، غَطَى وَجْهَهُ بَيَدِهِ أَوْ بِثَوبِهِ ، وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وفي المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إِذَا عَطَسَ أحدُكمْ ، فَلْيَضَعْ كَفَّيهِ عَلَى وَجْهِهِ ، ولْيَخْفِضْ صَوتَه " [SUP]( [2] ) [/SUP].
والعلة في ذلك أنه كثيرًا ما يرافق العطس كمية دافقة من الرذاذ الملوث ، لذا من اللياقة تغطية الأنف والفم بمنديل ونحوه ، حتى لا يتأذى من حوله ؛ ورأى البعض أن هذا - أيضًا - من باب الوقاية ، حتى لا يكون سببًا في عدوى غيره إن كان مريضًا ؛ والعلم عند الله تعالى .


[1] - أحمد : 2 / ، وأبو داود ( 5031 ) ، والترمذي ( 2745 ) وقال : حسن صحيح .

[2] - الحاكم ( 7684 ) وصححه ، ووافقه الذهبي .
 
2 – خفض الصوت عند العطاس ؛ رعاية لمن حوله ، ففي حديث أبي هريرة المتقدم : (وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ مِنْ صَوْتِهِ ) ، وفي رواية الحاكم الأمر بذلك : " ولْيَخْفِضْ صَوتَه " .
 
3 - التحميد ؛ وهو أن يقول في إثر عطاسه : الحمد لله ؛ أو : الحمد لله رب العالمين ؛ أو : الحمد لله على كل حال ؛ وبكلٍ جاء الدليل .
ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَإِذَا قَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَلْيَقُلْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ "[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ المراد بالأخوة : أخوة الإسلام .
وروى أحمد وأبو يعلى عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : مَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " قُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ " ؛ قَالَ الْقَوْمُ : مَا نَقُولُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " قُولُوا لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ " ، قَالَ : مَا أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " قُلْ لَهُمْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ "[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وروى أحمد والنسائي عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ؛ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ "[SUP] ( [3] ) [/SUP].
وفي سنن أبى داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَيَقُولُ هُوَ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ "[SUP] ( [4] ) [/SUP].
وروى أحمد والترمذي والنسائي عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلْيَقُلْ الذي يرد عليه : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَلْيَقُلْ هُوَ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ "[SUP] ( [5] ) [/SUP].
وروى الطبراني عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ فَلْيَقُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلْيَقُلْ مَنْ حَوْلَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَلْيَقُلْ هُوَ لِمَنْ حَوْلَهُ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ "[SUP] ( [6] ) [/SUP].
وروى الترمذي والحاكم عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ؛ قَالَ ابْنُ عُمَرَ : وَأَنَا أَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ؛ وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ! عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ "[SUP] ( [7] ) [/SUP].
ومعنى " الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ " أي : على كل كيفية من الكيفيات التي قدَّرها ؛ فإنَّ قضاء الله للمؤمن كله خير ، ولو انكشف له الغطاء لفرح بالضراء أكثر من فرحه بالسراء ؛ ولعل هذا يناسب من عطس بسبب المرض ؛ كالزكام ونحوه .
وفي ( الأدب المفرد ) ومستدرك الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله رب العالمين ، وليقل من يرد : يرحمك الله ، وليقل هو : يغفر الله لي ولكم[SUP] ( [8] ) [/SUP].
فهذه ثلاثة محامد بأيها قال أجزأه ؛ قال النووي - رحمه الله - في ( الأذكار ) : اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه : الحمد لله ، فلو قال : الحمد لله رب العالمين ، كان أحسن ، ولو قال : الحمد لله على كل حال ، كان أفضل[SUP] ([/SUP] [9] [SUP])[/SUP] .ا.هـ .
وقال ابن حجر - رحمه الله : نقل ابن بطال عن الطبراني أن العاطس يتخير أن يقول : الحمد لله ، أو يزيد : رب العالمين ، أو : على كل حال .ا.هـ . والذي يتحرر من الأدلة أن كل ذلك مجزئ ، لكن ما كان أكثر ثناء أفضل ، بشرط أن يكون مأثورًا[SUP] ( [/SUP][10][SUP] ) [/SUP].
وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما : وَأَنَا أَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ؛ وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ! عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ " ؛ دلالة على أن الألفاظ الشرعية الواردة في عمل معين ، لا يضاف إليها ما ليس من جنسها ؛ ولا يشكل على ذلك ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ رضي الله عنه قَالَ : صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَعَطَسْتُ ، فَقُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، حَمْدًا كَثِيرًا ، طَيِّبًا ، مُبَارَكًا فِيهِ ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى ؛ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ ، فَقَالَ : " مَنْ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ ؟ " ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ : " مَنْ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ ؟ " ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ : " مَنْ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ ؟ " ، فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ ابْنُ عَفْرَاءَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " كَيْفَ قُلْتَ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، حَمْدًا كَثِيرًا ، طَيِّبًا ، مُبَارَكًا فِيهِ ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَقَدْ ابْتَدَرَهَا بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مَلَكًا ، أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا "[SUP] ( [11] ) [/SUP].
أقول : لا يشكل ما ورد في حديث رفاعة على ما قدمنا من أن الألفاظ الشرعية لا يضاف إليها ما ليس من جنسها ؛ لأن إضافته هاهنا من جنس الحمد ، وقد أقرها النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيَّن لها فضلا ... والعلم عند الله تعالى .
قال ابن حجر - رحمه الله - واستدل بأمر العاطس بحمد الله أنه يشرع حتى للمصلي ؛ وبذلك قال الجمهور من الصحابة والأئمة بعدهم ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد ، ونقل الترمذي عن بعض التابعين أن ذلك يشرع في النافلة لا في الفريضة ، ويحمد مع ذلك في نفسه ؛ وجوَّز شيخنا في ( شرح الترمذي ) أن يكون مراده أنه يسِرُّ به ولا يجهر به ، وهو متعقب مع ذلك بحديث رفاعة بن رافع ؛ فإنه جهر بذلك ، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه ؛ نعم ، يفرق بين أن يكون في قراءة الفاتحة أو غيرها ؛ من أجل اشتراط الموالاة في قراءتها ، وجزم ابن العربي من المالكية بأن العاطس في الصلاة يحمد في نفسه ، ونقل عن سحنون أنه لا يحمد حتى يفرغ ، وتعقبه بأنه غلو[SUP] ( [12] ) [/SUP].
ولا يجوز العدول عن الحمد إلى لفظ آخر ولو كان ذِكرًا ؛ قال ابن حجر – رحمه الله : وَلَا أَصْل لِمَا اِعْتَادَهُ كَثِير مِنْ النَّاس مِنْ اِسْتِكْمَال قِرَاءَة الْفَاتِحَة بَعْد قَوْله : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ، وَكَذَا الْعُدُول مِنْ الْحَمْد إِلَى أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ، أَوْ تَقْدِيمهَا عَلَى الْحَمْد ، فَمَكْرُوه ؛ وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّف فِي ( الْأَدَب الْمُفْرَد ) بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ مُجَاهِد أَنَّ اِبْن عُمَر سَمِعَ اِبْنه عَطَسَ فَقَالَ : أَب ، فَقَالَ : وَمَا أَب ؟ إِنَّ الشَّيْطَان جَعَلَهَا بَيْنَ الْعَطْسَة وَالْحَمْد [SUP] ( [13] ) [/SUP]؛ وَأَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِلَفْظِ : أَش ، بَدَل : أَب[SUP] ( [14] ) [/SUP].


[1] - البخاري ( 5870 ) .

[2] - أحمد : 6 / 6 / 79 ، وأبو يعلى ( 4946 ) ، ورواه البيهقي في شعب الإيمان ( 9341 ) ، وهو حسن بشواهده .

[3] - أحمد : 1 / 120 ، 122 ، والنسائي في اليوم والليلة ( 212 ) ، والضياء في المختارة ( 640 ) .

[4] - أبو داود ( 5033 ) ، وصححه الألباني .

[5] - أحمد : 5 / 419 ، 422 ، والترمذي ( 2741 ) ، والنسائي في الكبرى ( 10041 ) .

[6] - الطبراني في الكبير : 3 / 292 ( 3441 ) .

[7] - الترمذي ( 2738 ) ، وحسنه الألباني ، والحاكم ( 7691 ) وصححه .

[8] - الأدب المفرد (934 ) ، والمستدرك ( 7695 ) ؛ هكذا هو صحيح موقوفًا ، ورفعه النسائي والطبراني وأعلاه ، وله شاهد عند أحمد والثلاثة من حديث سالم بن عبيد رضي الله عنه وفي إسناده مقال ، وآخر عند البخاري في ( الأدب المفرد ) عن علي t موقوفًا ؛ وهذا لا يقال من قبل الرأي ، فيأخذ حكم المرفوع ؛ ورواه النسائي في اليوم والليلة ( 224 ) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 699 ) .

[9] - انظر ( أذكار النووي ) ص 488 – ت : عامر بن علي ياسين – دار ابن خزيمة – الرياض – ط 1 ؛ 1422 هـ .

[10] - الأذكار : ص240 ، وانظر فتح الباري : 10 / 615 ، 616 ( الريان للتراث ) .

[11] - أبو داود ( 773 ) ، والترمذي ( 404 ) وحسنه ، واللفظ له ، والنسائي ( 931 ) ؛ ورواه الطبراني في الكبير : 5 / 41 ( 4532 ) ، وابن حبان ( 1910 ) ، والحاكم ( 5023 ) .

[12] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 608 .

[13] - الأدب المفرد ( 937 ) ، ورواية ابن أبي شيبة في مصنفه ( 25993 ) بلفظ : عطس رجل عند ابن عمر فقال : أشهب ، قال ابن عمر : أشهب اسم شيطان ، وضعه إبليس بين العطسة والحمد لله ليذكر .

[14] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 600 .
 
3 – رفع الصوت بالحمد ؛ ليستحق التشميت[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ والأدلة على ذلك كثيرة ستأتي في آداب التشميت ؛ وفي مصنف عبد الرزاق عن يحيى بن أبي كثير ، ذكره عن بعضهم قال : حُقَّ على الرجل إذا عطس أن يحمد الله ، ويرفع بذلك صوته ، فيسمع من عنده ؛ وحُقَّ عليهم إذا حمد الله أن يشمتوه[SUP] ( [2] ) [/SUP].


[1] - انظر ( أذكار النووي ) ص 490 .

[2] - المصنف ( 19680 ) .
 
4 - يقول العاطس لمن شَمَّته : " يَهْدِيكُمُ اللَّهُ ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " ، أو يغفر الله لي ولكم .
في حديث أبي هريرة المتقدم : " فَإِذَا قَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَلْيَقُلْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " ؛ قال البخاري بعد تخريجه في ( الأدب المفرد ) : وهذا أثبت ما يروى في هذا الباب ؛ وقال الطبري : هو من أثبت الأخبار ؛ وقال البيهقي : هو أصح شيء ورد في هذا الباب .
والبال : الشأن ؛ قال ابن حجر – رحمه الله : مقتضاه أنه لا يشرع ذلك إلا لمن شَمَّت ؛ وهو واضح ، وأن هذا اللفظ هو جواب التشميت [SUP] ( [1] ) [/SUP].
وكذلك هو في حديث علي ، وعائشة ، وأبي أيوب ، وأبي مالك رضي الله عنهم .
وروى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا عَطَسَ ، فَقِيلَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، قَالَ : يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ ، وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ وتقدم حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله رب العالمين ، وليقل من يرد : يرحمك الله ، وليقل هو : يغفر الله لي ولكم .
وذهب مالك والشافعي إلى أنه يتخير بين اللفظين ؛ وقال أبو الوليد بن رشد : الثاني أولى ، لأن المكلف يحتاج إلى طلب المغفرة ، والجمع بينهما أحسن إلا للذمي ؛ واختار الطحاوي قوله : " يَهْدِيكُمُ اللَّهُ ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " ، لأنه أحسن من تحيته ؛ لأن حال من هدي وأصلح باله فوق المغفور له .
واختار ابن أبي جمرة أن يجمع المجيب بين اللفظين ، فيكون أجمع للخير ، ويخرج من الخلاف ، ورجحه ابن دقيق العيد [SUP]( [3] ) [/SUP].


[1] - نقلا عن ( فتح الباري ) : 10 / 609 .

[2] - الموطأ : 2 / 965 ( 1733 ) وإسناده صحيح ، ورواه من طرقه البخاري في الأدب المفرد ( 933 ) .

[3] - انظر ( الاستذكار ) لابن عبد البر : 8 / 482 ؛ و ( فتح الباري ) لابن حجر : 10 / 609 ، 610 .
 
تشميت العاطس
التشميت بالسين والشين ، والشين أكثر استعمالا ، وجاءت بها أكثر الروايات ؛ والتشميت هو أن يدعو المسلم للعاطس بالرحمة إذا حمد الله ، فيقول : يرحمك الله .
ومعناه بالمهملة ( سمَّت ) من السمت ، وهو القصد والطريق القويم ، وقيل : هو دعاء له بحسن السمت ، فإن الأعضاء عند ذلك يحصل فيها تغيير .
ومعناه بالمعجمة ( شمَّت ) من التشميت ، وهو التبرك ، تقول : شمَّته إذا دعا له بالبركة ، وقيل : دعاء له أن يصرف الله عنه ما يُشْمت به أعداءه ؛ وقيل : هما بمعنى واحد ، قال أبو عبيد : وكل داع بالخير فهو مسمِّتٌ ومشمِّتٌ[SUP] ( [/SUP][1][SUP] ) [/SUP].
قال ابن العربي - رحمه الله - ما خلاصته : إن كلاهما بمعنى واحد ، وفي اتحاد المعنى سرٌّ بديع ، وهو أن العاطس ينحلُّ كل عضو في رأسه وما يتصل به ، أو ينحلُّ بعضه ؛ فإن قيل له : يرحمك الله ، فمعناه : آتاك رحمة يرجع بها كل عضو إلى حالته قبل العطاس . فإن قلت : هذا تسميت ( بالسين المهملة ) كان معناه : أن يرجع كل عضو إلى سمته الذي كان عليه قبل العطاس . وإذا قلته بالشين المعجمة ، كان معناه : صان الله شوامته - التي بها قوام بدنه - عن خروجها عن سنن الاعتدال ؛ وشوامت الدابة هي قوائمها التي بسلامتها يكون قوامها ، وقوام الإنسان بسلامة قوائمه التي بها قوامه ، وهو رأسه وما يتصل به[SUP] ( [/SUP][2][SUP] )[/SUP] .


[1] - انظر لسان العرب باب التاء فصل الشين ، وتهذيب الأسماء واللغات : 3 / 154 ، 155 ( سمت ) ، وفتح الباري : 10/ 617.

[2] - عارضة الأحوذي : 10 / 206 ، 207 .
 
الحكمة من التشميت
قال ابن القيم - رحمه الله : َلَمَّا كَانَ الْعَاطِسُ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ بِالْعُطَاسِ نِعْمَةٌ وَمَنْفَعَةٌ ، بِخُرُوجِ الْأَبْخِرَةِ الْمُحْتَقِنَةِ فِي دِمَاغِهِ ، الّتِي لَوْ بَقِيَتْ فِيهِ أَحْدَثَتْ لَهُ أَدْوَاءً عَسِرَةً ؛ شُرِعَ لَهُ حَمْدُ اللّهِ عَلَى هَذِهِ النّعْمَةِ ، مَعَ بَقَاءِ أَعْضَائِهِ عَلَى الْتِئَامِهَا وَهَيْئَتِهَا ، بَعْدَ هَذِهِ الزّلْزَلَةِ الّتِي هِيَ لِلْبَدَنِ كَزَلْزَلَةِ الْأَرْضِ لَهَا ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ : سَمَّتَهُ ، وَشَمَّتَهُ ، بِالسِّينِ وَالشِّينِ ؛ فَقِيلَ : هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ ؛ قَالَ : وَكُلّ دَاعٍ بِخَيْرٍ فَهُوَ مُشَمِّتٌ وَمُسَمِّتٌ . وَقِيلَ : بِالْمُهْمَلَةِ ( أي : السين ) دُعَاءٌ لَهُ بِحُسْنِ السّمْتِ ، وَبِعَوْدِهِ إلَى حَالَتِهِ مِنْ السّكُونِ وَالدّعَةِ ؛ فَإِنّ الْعُطَاسَ يُحْدِثُ فِي الْأَعْضَاءِ حَرَكَةً وَانْزِعَاجًا ؛ وَبِالْمُعْجَمَةِ ( أي : الشين ) دُعَاءٌ لَهُ بِأَنْ يَصْرِفَ اللّهُ عَنْهُ مَا يُشَمّتُ بِهِ أَعْدَاءَهُ ؛ فَشَمَّتَهُ إذَا أَزَالَ عَنْهُ الشّمَاتَةَ ؛ كقَرَّدَ الْبَعِيرَ : إذَا أَزَالَ قُرَادَهُ عَنْهُ ؛ وَقِيلَ : هُوَ دُعَاءٌ لَهُ بِثَبَاتِهِ عَلَى قَوَائِمِهِ فِي طَاعَةِ اللّهِ ، مَأْخُوذٌ مِنْ الشّوَامِتِ ، وَهِيَ الْقَوَائِمُ . وَقِيلَ : هُوَ تَشْمِيتٌ لَهُ بِالشّيْطَانِ لِإِغَاظَتِهِ بِحَمْدِ اللّهِ عَلَى نِعْمَةِ الْعُطَاسِ ، وَمَا حَصَلَ لَهُ بِهِ مِنْ مُحَابّ اللّهِ ؛ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّهُ ، فَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ اللهَ وَحَمِدَهُ سَاءَ ذَلِكَ الشّيْطَانُ مِنْ وُجُوهٍ ، مِنْهَا : نَفْسُ الْعُطَاسِ الّذِي يُحِبّهُ اللّهُ ، وَحَمْدُ اللّهِ عَلَيْهِ ، وَدُعَاءُ الْمُسْلِمِينَ لَهُ بِالرّحْمَةِ ، وَدُعَاؤُهُ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلَاحُ الْبَالِ ؛ وَذَلِك كُلّهُ غَائِظٌ لِلشّيْطَانِ ، مُحْزِنٌ لَهُ ، فَتَشْمِيتُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْظِ عَدُوِّهِ وَحُزْنِهِ وَكَآبَتِهِ ؛ فَسُمِّيَ الدّعَاءُ لَهُ بِالرّحْمَةِ تَشْمِيتًا لَهُ لِمَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ شَمَاتَتِهِ بِعَدُوِّهِ ، وَهَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ ، إذَا تَنَبَّهَ لَهُ الْعَاطِسُ وَالْمُشَمِّتُ انْتَفَعَا بِهِ ، وَعَظُمَتْ عِنْدَهُمَا مَنْفَعَةُ نِعْمَةِ الْعُطَاسِ فِي الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ ، وَتَبَيّنَ السِّرُّ فِي مَحَبّةِ اللّهِ لَهُ ، فَلِلّهِ الْحَمْدُ الّذِي هُوَ أَهْلُهُ ، كَمَا يَنْبَغِي لِكَرِيمِ وَجْهِهِ ، وَعِزِّ جَلَالِهِ[SUP] ( [/SUP][1][SUP] ) [/SUP].
وقال الحليمي : أنواع البلاء والآفات كلها مؤاخذات ، وإنما المؤاخذة عن ذنب ، فإذا حصل الذنب مغفورًا ، وأدركت العبد الرحمة ، لم تقع المؤاخذة ، فإذا قيل للعاطس : يرحمك الله ، فمعناه : جعل الله لك ذلك ، لتدوم لك السلامة ؛ وفيه إشارة إلى تنبيه العاطس على طلب الرحمة والتوبة من الذنب ، ومن ثم شرع له الجواب بقوله : " غَفَرَ لَنَا وَلَكُمْ " [SUP]( [2] ) [/SUP].
وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله – في ( مفتاح دار السعادة ) أن أهل الجاهلية كانوا يتشاءمون من العطاس ، كما يتشاءمون بالبوارح والسوانح ( أنواع من الطيور كانوا يتطيرون بها ) ؛ قال رؤبة بن العجاج يصف فلاة : ( قطعتها ولا أهاب العطاسا ) ؛ وكانوا إذا عطس من يحبونه ، قالوا له : عُمرًا وشبابًا ، وإذا عطس من يبغضونه ، قالوا له : وريًا وقحابًا ، والوري كالرمي : داء يصيب الكبد فيفسدها ؛ والقحاب كالسعال ، وزنًا ومعنى ؛ فكان الرجل إذا سمع عطاسًا يتشاءم به ، يقول : بك لا بي ؛ أي : إني أسال الله أن يجعل شؤم عطاسك بك لا بي ؛ وكان تشاؤمهم بالعطسة الشديدة أشد .
فلما جاء الله سبحانه بالإسلام ، وأبطل برسوله صلى الله عليه وسلم ما كان عليه الجاهلية من الضلالة ، نهى أمته عن التشاؤم والتطير ، وشرع لهم أن يجعلوا مكان الدعاء على العاطس بالمكروه الدعاء له بالرحمة ؛ كما أمر العائن أن يدعو بالتبريك للمعين ، ولما كان الدعاء على العاطس نوعًا من الظلم والبغي ، جعل الدعاء له بلفظ الرحمة المنافي للظلم ، وأمر العاطس بأن يدعو لسامعه ومشمته بالمغفرة ، والهداية ، وإصلاح البال ، فيقول : يغفر الله لنا ولكم ، أو يهديكم الله ويصلح بالكم .
فأما الدعاء بالهداية ، فلما أن اهتدى إلى طاعة الرسول ، ورغب عما كان عليه أهل الجاهلية ، فدعا له أن يثبته الله عليها ، ويهديه إليها ؛ وكذلك الدعاء بإصلاح البال ، وهي حكمة جامعة لصلاح شأنه كله ؛ وهي من باب الجزاء على دعائه لأخيه بالرحمة ، فناسب أن يجازيه بالدعاء له بإصلاح البال ؛ وأما الدعاء بالمغفرة ، فجاء بلفظ يشمل العاطس والمشمت ، كقوله : يغفر الله لنا ولكم ؛ ليستحصل من مجموع دعوى العاطس والمشمت له المغفرة والرحمة لهما معًا ؛ فصلوات الله وسلامه على المبعوث بصلاح الدنيا والآخرة [SUP]([/SUP] [3] [SUP])[/SUP] .


[1] - انظر ( زاد المعاد ) : 2 / 397 .

[2] - ( فتح الباري ) : 10 / 609 .

[3] - انظر ( مفتاح دار السعادة ) : 2 / 261 ، 262.
 
حكم التشميت
ذهب قوم إلى وجوب التشميت ، منهم : ابن مزين وابن العربي من المالكية ، وابن دقيق العيد من الشافعية ، وانتصر له ابن القيم في ( تهذيب السنن ) فقال : جاء بلفظ الوجوب الصريح ، وبلفظ : ( الحق ) الدال عليه ، وبلفظ : ( على ) الظاهرة فيه ، وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه ، وبقول الصحابي : ( أمرنا رسول الله e ) .. قال : ولا ريب أن الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء .ا.هـ . وهو قول أهل الظاهر .
وذهب آخرون إلى أنه واجب على الكفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، منهم : القاضي عبد الوهاب من المالكية ، ورجحه ابن رشد ، وقال به الحنفية وجمهور الحنابلة ؛ وقال ابن حجر : إنه الراجح من حيث الدليل ؛ قال : والأحاديث الصحيحة الدالة على الوجوب لا تنافي كونه على الكفاية ، فإن الأمر بتشميت العاطس وإن ورد في عموم المكلفين ، ففرض الكفاية يخاطب به الجميع على الأصح ، ويسقط بفعل البعض .ا.هـ .
وذهب جماعة من المالكية ، وهو قول الشافعية إلى أنه : سنة على الكفاية[SUP] ( [/SUP][1][SUP] ) [/SUP].

[1] - انظر عارضة الأحوذي : 10 / 200 ، وأذكار النووي : ص241 ، وتهذيب السنن : 7 / 311 ، 312 ( هامش المختصر ) ، وفتح الباري : 10 / 618 ، 619 .
 
تشميت العاطس إذا حمد الله من حق المسلم على المسلم
في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ " ؛ قِيلَ : مَا هُنَّ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ "[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وروى أحمد وابن ماجه والحاكم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَرْبَعُ خِلَالٍ : أَنْ يُجِيبَهُ إِذَا دَعَاهُ ، وَيُشَمِّتَهُ إِذَا عَطَسَ ، وَإِذَا مَرِضَ أَنْ يَعُودَهُ ، وَإِذَا مَاتَ أَنْ يَشْهَدَهُ "[SUP] ( [2] ) [/SUP].

[1] - مسلم ( 2162 ) ، ورواه البخاري في الأدب المفرد ( 925 ) .

[2] - أحمد : 5 / 272 ، وابن ماجة ( 1434 ) ، والحاكم ( 1292 ) ، وصححه على شرطيهما ، ووافقه الذهبي .
 
آداب التشميت
للتشميت آداب ، بيانها كالتالي :
1 - التشميت مقيد بحمد العاطس لله تعالى ، فإن لم يحمد ، فلا يُشمت .
روى الجماعة عَنْ أَنَسِ رضي الله عنه قَالَ : عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا ، وَلَمْ يُشَمِّتِ الْآخَرَ ، فَقِيلَ لَهُ ، فَقَالَ : " هَذَا حَمِدَ اللهَ ، وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللهَ "[SUP] ( [/SUP][1][SUP] ) [/SUP].
وبوب عليه البخاري : ( باب تشميت العاطس إذا حمد الله ) .
وروى أحمد والبخاري والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ "[SUP] ( [/SUP][2][SUP] ) [/SUP].
قال ابن حجر - رحمه الله : واستدل به على أنه يشرع التشميت لمن حمد إذا عرف السامع أنه حمد الله ، وإن لم يسمعه ، كما لو سمع العطسة ولم يسمع الحمد ، بل سمع من شمت ذلك العاطس ؛ فإنه يشرع له التشميت ، لعموم الأمر به لمن عطس فحمد ؛ وقال النووي : المختار أنه يشمته من سمعه دون غيره ؛ وحكى ابن العربي اختلافًا فيه ، ورجح أنه يشمته . قلت : وكذا نقله ابن بطال وغيره عن مالك ، واستثنى ابن دقيق العيد مَنْ علم أن الذين عند العاطس جهلة ، لا يفرقون بين تشميت من حمد ، وبين من لم يحمد ؛ والتشميت متوقف على من علم أنه حمد ، فيمتنع تشميت هذا ولو شَمَّته من عنده ؛ لأنه لا يعلم هل حمد أو لا ، فإن عطس وحمد ولم يشمِّتْه أحد ، فسمعه مَنْ بعد عنه ، استحب له أن يشمته حين يسمعه [SUP]( [3] ) [/SUP].
وروى أحمد والبخاري في ( الأدب المفرد ) والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَحَدُهُمَا أَشْرَفُ مِنْ الْآخَرِ ؛ فَعَطَسَ الشَّرِيفُ ، فَلَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ ، فَلَمْ يُشَمِّتْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وَعَطَسَ الْآخَرُ ، فَحَمِدَ اللَّهَ ، فَشَمَّتَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ؛ قَالَ : فَقَالَ الشَّرِيفُ : عَطَسْتُ عِنْدَكَ فَلَمْ تُشَمِّتْنِي ، وَعَطَسَ هَذَا عِنْدَكَ فَشَمَّتَّهُ ! قَالَ : فَقَالَ : " إِنَّ هَذَا ذَكَرَ اللَّهَ ، فَذَكَرْتُهُ ؛ وَإِنَّكَ نَسِيتَ اللَّهَ ، فَنَسِيتُكَ"[SUP] ( [/SUP][4][SUP] ) [/SUP]؛ وفي رواية : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَعَطَسَ رَجُلٌ فَحَمِدَ اللهَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " يَرْحَمُكَ اللهُ " ، ثُمَّ عَطَسَ آخَرُ ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، رَدَدْتَ عَلَى الآخَرِ ، وَلَمْ تَقُلْ لِي شَيْئًا ؟! قَالَ : " إِنَّهُ حَمِدَ اللهَ ، وَسَكَتَّ "[SUP] ( [/SUP][5][SUP] ) [/SUP].
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِى مُوسَى رضي الله عنه ، وَهْوَ فِي بَيْتِ بِنْتِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ ، فَعَطَسْتُ فَلَمْ يُشَمِّتْنِي ، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَهَا ؛ فَرَجَعْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا ، فَلَمَّا جَاءَهَا ، قَالَتْ : عَطَسَ عِنْدَكَ ابْنِي فَلَمْ تُشَمِّتْهُ ، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَّهَا ! فَقَالَ : إِنَّ ابْنَكِ عَطَسَ فَلَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ ، فَلَمْ أُشَمِّتْهُ ؛ وَعَطَسَتْ فَحَمِدَتِ اللَّهَ ، فَشَمَّتُّهَا ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلاَ تُشَمِّتُوهُ " ؛ ورواه أحمد والبخاري في ( الأدب المفرد ) ، وزادا : فَقَالَتْ : أَحْسَنْتَ أَحْسَنْتَ[SUP] ( [/SUP][6][SUP] ) [/SUP].
ويدل الحديث على أن من لم يحمد الله لم يشمت ؛ قال العلماء : وأقل الحمد والتشميت أن يسمع صاحبه [SUP] ( [7] ) [/SUP]؛ ويؤخذ منه أنه إذا أتى بلفظ آخر غير الحمد لا يشمت .
فهذا الحديث واضح الدلالة في عدم تشميت من لم يحمد الله تعالى ؛ قال النووي - رحمه الله : هذا تصريح بالأمر بالتشميت إذا حمد العاطس ، وتصريح بالنهى عن تشميته إذا لم يحمد ؛ فيكره تشميته إذا لم يحمد ؛ فلو حمد ولم يسمعه الإنسان لم يشمته[SUP] ( [8] ) [/SUP]. وقال ابن عبد البر – رحمه الله - في ( الاستذكار ) : وقد أجمع العلماء على أن من عطس فلم يحمد الله ، لم يجب على جليسه تشميته[SUP] ( [/SUP][9][SUP] ) [/SUP].


[1] - أحمد : 3 / 176، والبخاري ( 6221 ، 6225 ) ، ومسلم ( 2991 ) ، وأبو داود ( 5039 ) ، والترمذي ( 2742 ) ، والنسائي في اليوم والليلة ( 222 ) ، وابن ماجة ( 3713 ) .

[2] - أحمد : 2 / 428 ، والبخاري ( 3289 ، 6223 ) ، والترمذي ( 2747 ) ، والنسائي في اليوم والليلة ( 214 : 216 ) .

[3] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 610 ، 611 .

[4] - أحمد : 2 / 328 ، والبخاري في الأدب المفرد ( 932 ) ، وابن حبان ( 602 ) ، والحاكم ( 7689 ) وصححه .

[5] - البخاري في الأدب المفرد ( 930 ) ، وابن حبان ( 602 ) ، والحاكم ( 7689 ) وصححه .

[6] - مسلم ( 2992 ) ، والبخاري في الأدب المفرد ( 941 ) ، وأحمد : 4 / 412 .

[7] - انظر ( أذكار النووي ) ص 490 .

[8] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 18 / 121 .

[9] - الاستذكار : 8 / 481 .
 
فائدة :
قال ابن حجر – رحمه الله : أخرج ابن عبد البر بسند جيد عن أبي داود صاحب السنن أنه كان في سفينة ، فسمع عاطسًا على الشط حمد ، فاكترى قاربًا بدرهم ، حتى جاء إلى العاطس فشمَّته ؛ ثم رجع ، فسئل عن ذلك ، فقال : لعله يكون مجاب الدعوة ؛ فلما رقدوا ، سمعوا قائلا يقول : يا أهل السفينة ، إن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم [SUP]([/SUP] [1] [SUP])[/SUP] .


[1] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 612 .
 
2 – يقول المشَمِّتُ للعاطس : يرحمك الله ؛ لما تقدم من الأحاديث عن أبي هريرة ، وعلي ، وأبي أيوب ، وأبي مالك ، وعائشة رضي الله عنهم .
قال ابن دقيق العيد – رحمه الله : يحتمل أن يكون دعاء بالرحمة ؛ ويحتمل أن يكون إخبارًا على طريق البشارة ، كما قال في الحديث الآخر : " طهور إن شاء الله " ، أي : هي طهر لك ؛ فكأن المشمت بشر العاطس بحصول الرحمة له في المستقبل ، بسبب حصولها له في الحال ؛ لكونها دفعت ما يضره ، قال : وهذا ينبني على قاعدة ، وهي أن اللفظ إذا أريد به معناه لم ينصرف لغيره ، وإن أريد به معنى يحتمله انصرف إليه ، وإن أطلق انصرف إلى الغالب ، وإن لم يستحضر القائل المعنى الغالب[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وكان بعض السلف يزيد على ( يرحمك الله ) دعاء ؛ ففِي ( الْأَدَب الْمُفْرَد ) عَنْ أَبِي جَمْرَة قال : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس - رضي الله عنهما - إِذَا شَمَّتَ يَقُول : عَافَانَا اللَّه وَإِيَّاكُمْ مِنْ النَّار ، يَرْحَمكُمْ اللَّه[SUP] ( [2] ) [/SUP].


[1] - نقلا عن ( فتح الباري ) : 10 / 608 .

[2] - البخاري في الأدب المفرد ( 929 ) ، وإسناده صحيح .
 
3 – يُشَمَّت العاطس إذا تتابع منه العطاس ثلاثًا ؛ لما روى مسلم وأبو داود عن سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ : " يَرْحَمُكَ اللَّهُ " ، ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الرَّجُلُ مَزْكُومٌ " ؛ ورواه البخاري في ( الأدب المفرد ) ، وفيه : " هَذَا مَزْكُومٌ " [SUP]( [1] ) [/SUP]، ورواه أحمد بلفظ : أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " يَرْحَمُكَ اللَّهُ " ثُمَّ عَطَسَ الثَّانِيَةَ ، أَوْ الثَّالِثَةَ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّهُ مَزْكُومٌ " ؛ ورواه الترمذي بلفظ : عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَأَنَا شَاهِدٌ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يَرْحَمُكَ اللَّهُ " ثُمَّ عَطَسَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ "[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ وعند ابن ماجة عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ t قَـالَ : قَـالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ ثَلَاثًا ، فَمَا زَادَ فَهُوَ مَزْكُومٌ "[SUP] ( [3] ) [/SUP].
وفي ( الموطأ ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ ، ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ ، ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ ؛ ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَقُلْ : إِنَّكَ مَضْنُوكٌ " ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : لَا أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ[SUP] ( [4] ) [/SUP]؛ ومضنوك ، أي : مزكوم .
وفي سنن أبى داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ : شَمِّتْ أَخَاكَ ثَلاَثًا ، فَمَا زَادَ فَهُوَ زُكَامٌ ؛ هكذا موقوفًا ثم أسنده[SUP] ( [5] ) [/SUP]؛ ورواه ابن السني عن أبي هريرة مرفوعًا : " إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ ، فَلْيُشَمّتْهُ جَلِيسُهُ ؛ فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثٍَ ، فَهُوَ مَزْكُومٌ ، وَلَا يُشَمَّتْ بَعْدَ ثَلَاثٍ "[SUP] ( [6] ) .[/SUP]
وقوله : " ولا يُشَمَّت بعدَ ثلاثٍ " أي : لا يدعى له بالدعاء المشروع للعاطس ( يرحمك الله ) ، بل بدعاء لائق بالحال ، كالشفاء ؛ ومن فهم النهي عن مطلق الدعاء فقد وهم .
وفي مصنف ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلا عطس عنده ، فشمَّته ، ثم عطس ، فشمَّته ، ثم عاد في الثالثة ، فقال : إنك مضنوك[SUP] ( [7] ) [/SUP].
وفيه عن علي t قال : شَمِّتِ العاطس ما بينك وبينه ثلاثًا ، فإن زاد فهو ريح[SUP] ( [8] ) [/SUP].
وفيه - أيضًا - عن مصعب بن عبد الرحمن بن ذؤيب قال : عطس رجل عند بن الزبير ، فشمَّته ، ثم عطس ، فشمَّته ، ثم عطس الثالثة ، فشمَّته ، ثم عطس في الرابعة ، فقال له ابن الزبير : إنك مضنوك ، فامتخطه[SUP] ( [9] ) [/SUP].
وفيه - أيضًا - عن الشعبي قال : قال عمرو بن العاص t : إذا عطس أحدكم ثلاث مرات ، فشمِّتوه ، وإن زاد ، فلا تشمِّتوه ، فإنما هو داء يخرج من رأسه[SUP] ( [10] ) [/SUP].
فهذه أحاديث وآثار تدل على أن تشميت العاطس ثلاثًا ، ثم يقال له : الرجل مزكوم ؛ قَالَ النَّوَوِيُّ - رحمه الله - فِي ( الْأَذْكَار ) : إِذَا تَكَرَّرَ الْعُطَاس مُتَتَابِعًا فَالسُّنَّة أَنْ يُشَمِّتهُ لِكُلِّ مَرَّة إِلَى أَنْ يَبْلُغ ثَلَاثَ مَرَّات ... ثم ذكر حديث سلمة بن الأكوع t [SUP] ( [11] ) [/SUP]... ثُمَّ حَكَى عَنْ اِبْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ الْعُلَمَاء اِخْتَلَفُوا : هَلْ يَقُول لِمَنْ تَتَابَعَ عُطَاسه : أَنْتَ مَزْكُوم ؛ فِي الثَّانِيَة ، أَوْ الثَّالِثَة ، أَوْ الرَّابِعَة ؟ عَلَى أَقْوَال ؛ وَالصَّحِيح فِي الثَّالِثَة .. قَالَ : وَمَعْنَاهُ إِنَّك لَسْت مِمَّنْ يُشَمَّت بَعْدهَا ؛ لِأَنَّ الَّذِي بِك مَرَض ، وَلَيْسَ مِنْ الْعُطَاسِ الْمَحْمُودِ النَّاشِئ عَنْ خِفَّة الْبَدَنِ[SUP] ( [12] ) [/SUP].ا.هـ .
قال ابن القيم - رحمه الله : فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ بَهْ زُكَامٌ فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُدْعَى لَهُ مِمَّنْ لَا عِلّةَ بِهِ . قِيلَ : يُدْعَى لَهُ كَمَا يُدْعَى لِلْمَرِيضِ وَمَنْ بِهِ دَاءٌ وَوَجَعٌ ؛ وَأَمّا سُنّةُ الْعُطَاسِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ ، وَهُوَ نِعْمَةٌ ، وَيَدُلّ عَلَى خِفّةِ الْبَدَنِ ، وَخُرُوجِ الْأَبْخِرَةِ الْمُحْتَقِنَةِ ، فَإِنّمَا يَكُونُ إلَى تَمَامِ الثّلَاثِ ؛ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا يُدْعَى لِصَاحِبِهِ بِالْعَافِيَةِ ؛ وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : " الرّجُلُ مَزْكُومٌ " تَنْبِيهٌ عَلَى الدّعَاءِ لَهُ بِالْعَافِيَةِ ، لِأَنَّ الزَّكْمَةَ عِلّةٌ ، وَفِيهِ اعْتِذَارٌ مِنْ تَرْكِ تَشْمِيتِهِ بَعْدَ الثّلَاثِ ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْعِلّةِ لِيَتَدَارَكَهَا وَلَا يُهْمِلُهَا ، فَيَصْعُبُ أَمْرُهَا ؛ فَكَلَامُهُ صلى الله عليه وسلم كُلّهُ حِكْمَةٌ ، وَرَحْمَةٌ ، وَعِلْمٌ ، وَهُدًى[SUP] ( [13] ) [/SUP].

[1] - مسلم ( 2993 ) ، والبخاري في ( الأدب ) رقم ( 935 ، 938 ) ، وأبو داود ( 5039 ) .

[2] - أحمد : 4 / 50 ، والترمذي ( 2743 ) ، وصححه .

[3] - اابن ماجة ( 3714 ) ، وصححه الألباني .

[4] - الموطأ : 2 / 965 ( 1732 ) ، وهو مرسل صحيح .

[5] - أبو داود ( 5034 ، 5035 ) ، وحسنه الألباني موقوفا ومرفوعًا .

[6] - ابن السني في عمل اليوم و الليلة ( 251 ) ؛ وحسنه الألباني في الصحيحة ( 1330 ) ، .

[7] - مصنف ابن أبي شيبة (25979 ) .

[8] - مصنف ابن أبي شيبة ( 25980 ) .

[9] - مصنف ابن أبي شيبة ( 25982 ) .

[10] - مصنف ابن أبي شيبة ( 25983 ) .

[11] - انظر ( أذكار النووي ) ص 491 .

[12] - انظر ( أذكار النووي ) ص 493 .

[13] - انظر ( زاد المعاد ) : 2 / 403 .
 
تشميت أهل الكتاب
إذا عطس الكتابي ( يهودي أو نصراني ) فحمد الله ، يقال له : " يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " ؛ لما روى أحمد والترمذي والحاكم عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : كَانَتْ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ : يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ ؛ فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ : " يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ "[SUP] ( [/SUP][1][SUP] )[/SUP] ؛ ويتعاطسون ، أي : يتكلفون العطاس ويطلبونه من غير حاجة إليه ؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم عند عطاسهم وحمدهم : " يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " ولا يقول لهم : " يرحمكم الله " ؛ لأن الرحمة مختصة بالمؤمنين ، بل يدعو لهم بما يصلح شأنهم وقلوبهم ؛ من الهداية والإيمان والتوفيق .
وفي ( شرح السنة ) للبغوى - رحمه الله : وقال الشعبي - رحمه الله : إذا عطس اليهودي ، فحمد الله ، فقل : يهديك الله ؛ وقال : إذا شَمَّتك المشرك ، فقل : هداك الله [SUP]( [2] ) [/SUP].


[1] - أحمد : 4 / 400 ، والبخاري في الأدب المفرد ( 940 ، 1114 ) ، والترمذي ( 2739 ) ، وقال : حسن صحيح ، والحاكم ( 7699 ) وصححه .

[2] - انظر ( شرح السنة ) : 12 / 311 .
 
مسائل في العطاس والتشميت
هذه مسائل في العطاس والتشميت يحتاج إليها المسلم ، وهي : العطاس في الصلاة ، وأثناء خطبة الجمعة ، والذي يعطس خاليًا ، ومن يعطس على حال يمتنع فيها ذكر الله تعالى .
العطاس في الصلاة
روى مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَا أَنَا أُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ؛ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ! مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَىَّ ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي ، لَكِنِّى سَكَتُّ ؛ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ؛ فَوَاللَّهِ ، مَا كَهَرَنِى ، وَلاَ ضَرَبَنِى ، وَلاَ شَتَمَنِى ؛ قَالَ : " إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَىْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ ، وَالتَّكْبِيرُ ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ "[SUP] ( [1] ) [/SUP].
قوله : ( وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ) الثكل هو فقدان المرأة ولدها ؛ ( وما كهرني ) أي : ما انتهرني .
قال النووي - رحمه الله : في هذا الحديث النهي عن تشميت العاطس في الصلاة ، وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة ، وتفسد به إذا أتي به عالِمًا عامدًا .
وأما العاطس في الصلاة ، فيستحب له أن يحمد الله تعالى سرًّا ؛ هذا مذهبنا ، وبه قال مالك وغيره ؛ وعن ابن عمر والنخعي وأحمد أنه يجهر به ؛ والأول أظهر ؛ لأنه ذكر ، والسنة في الأذكار في الصلاة الإسرار ، إلا ما استثنى من القراءة في بعضها ونحوها[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وفي حديث رفاعة بن رافع الزرقي t : : صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَعَطَسْتُ ، فَقُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، حَمْدًا كَثِيرًا ، طَيِّبًا ، مُبَارَكًا فِيهِ ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى .. الحديث ؛ قال الترمذي - رحمه الله - عقبه : وكأن هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنه في التطوع ؛ لأن غير واحد من التابعين قالوا : إذا عطس الرجل في الصلاة المكتوبة ، إنما يحمد الله في نفسه ، ولم يوسعوا في أكثر من ذلك .ا.هـ .
قال الخطابي في ( معالم السنن ) : واختلفوا إذا عطس وهو في الصلاة ، هل يحمد الله ؟ فقالت طائفة : يحمد الله ؛ روي عن ابن عمر أنه قال : العاطس في الصلاة يجهر بالحمد ؛ وكذلك قال النخعي ، وأحمد بن حنبل ؛ وهو مذهب الشافعي ، إلا أنه يستحب أن يكون ذلك في نفسه[SUP] ( [3] ) [/SUP].
وروى عبد الرزاق عن إبراهيم ( النخعي ) أنه كان يقول : إذا عطس الرجل في الصلاة ، فليحمد الله ، ولا يجهر [SUP]( [4] ) [/SUP]؛ وروى - أيضًا - أنه قال : إذا عطست وأنت تصلي ، فاحمد في نفسك [SUP]( [5] ) [/SUP]؛ وروى ابن أبي شيبة أن إبراهيم سئل عن رجل عطس في الصلاة ، فقال له آخر ، وهو في الصلاة : يرحمك الله ، فقال إبراهيم : إنما قال معروفًا ، وليس عليه إعادة[SUP] ( [6] ) [/SUP].
وصفوة القول أن العاطس في الصلاة يحمد الله تعالى جهرًا أو سرًّا ، فإن جهر فلا يُشمَّت ، فإن شمَّته عالم بالحكم متعمدًا : بطلت صلاته ، فإن كان ناسيًا أو جاهلا لم تبطل ... روى عبد الرزاق عن عمرو بن دينار قال : لا أُراني إلا وقد سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول : عطس إنسان ، فترحم عليه آخر ، وهو يصلي ؛ فقال الناس : إن ذلك لا يفعل في الصلاة [SUP]( [7] ) [/SUP].

[1] - مسلم ( 537 ) .

[2] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 5 / 21 ، باختصار .

[3] - ( معالم السنن ) لأبي سليمان الخطابي : 1 / 195 .

[4] - مصنف عبد الرزاق ( 4063 ) .

[5] - مصنف عبد الرزاق ( 3575 ) .

[6] - ابن أبي شيبة ( 8021 ) .

[7] - مصنف عبد الرزاق ( 3576 ) .
 
العطاس أثناء خطبة الجمعة
لم أجد في ذلك شيئًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن صحابته ، غير ما روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم ( النخعي ) قال : كانوا يردُّون السلام يوم الجمعة ، والإمام يخطب ، ويشمِّتون العاطس[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وقد اختلف السلف في هذه المسألة على أقوال ثلاثة .
القول الأول : أنه لا بأس بتشميت العاطس ، وردِّه على من شمته ؛ روى عبد الرزاق عن إبراهيم في الرجل يعطس يوم الجمعة ، قال : فشمته[SUP] ( [2] )[/SUP] .
وبه قال الشعبي ، رواه عنه عبد الرزاق[SUP] ( [3] ) [/SUP]؛ وروى ابن أبي شيبة عن الحكم وحماد ، في الرجل يدخل المسجد يوم الجمعة وقد خرج الإمام ؛ قال : يُسَلِّم ، ويردُّون عليه ، وإذا عطس شَمَّتوه ، وردُّوا عليه[SUP] ( [4] ) [/SUP].
والقول الثاني : لا يُشَمَّتْ سواء أكان يسمع الخطبة أو لا يسمع ؛ روى عبد الرزاق عن قتادة قال : إذا عطس إنسان في الجمعة ، فحمد الله ، وأنت تسمعه ، وتسمع الخطبة ، فلا تشمِّتْه ؛ وإن لم تسمع الخطبة - أيضًا - فلا تشمِّته[SUP] ( [5] ) [/SUP].
وفي موطأ مالك أنه بلغه أن رجلا عطس يوم الجمعة ، والإمام يخطب ، فشمته إنسان إلى جنبه ؛ فسُئل عن ذلك سعيد بن المسيب ، فنهاه عن ذلك ، وقال : لا تعد[SUP] ( [6] )[/SUP] ؛ وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند قال : أرسلني أبي إلى ابن المسيب ، أسأله عن الرجل يعطس يوم الجمعة ، والإمام يخطب الجمعة ، أشمته ؟ فقال : لا[SUP] ( [7] )[/SUP] .
وروى ابن أبي شيبة عن طاوس أنه كان يكره أن يُردَّ السلام ، ويُشَمَّتَ العاطس ، والإمام يخطب[SUP] ( [8] ) [/SUP].
والقول الثالث : التفريق بين من يسمع الخطبة ، ومن لا يسمع ؛ وهو قول عطاء ، فقد روى عبد الرزاق عنه أنه قال : إذا عطس إنسان يوم الجمعة ، والإمام يخطب ، فحمد الله ، وأنت تسمعه ، وتسمع الخطبة ، فشمِّته في نفسك ؛ فإن كنت لا تسمع الخطبة فشمِّته وأسمعه[SUP] ( [9] ) [/SUP].
فمن قال بوجوب التشميت - وهو ما يدل عليه ظاهر الأحاديث - رجح القول الأول ؛ فلا بأس عنده بتشميت العاطس إذا حمد الله ، وردِّه على من شمته ؛ لأنه إذا تعارض واجبان وأمكن الجمع بينهما يصار إليه ، والتشميت والردُّ ذكر ، فلا يلغ به صاحبه .
وأما من قال بأنه سنة كفاية ، فمنعوا من ذلك ، إذ الاستماع إلى الخطبة واجب .. ومن فرَّق بين من يسمع الخطبة ومن لم يسمع ، رأى أنه إذا لم يسمع فقد سقط الوجوب عنه ، فجاز له أن يشمِّت ويردُّ ... والعلم عند الله تعالى .

[1] - ابن أبي شيبة ( 5259 ) .

[2] - عبد الرزاق ( 5437 ) .

[3] - عبد الرزاق ( 5438 ) .

[4] - ابن أبي شيبة ( 5260 ) .

[5] - عبد الرزاق ( 5435 ) .

[6] - الموطأ : 1 / 104 ( 236 ) .

[7] - عبد الرزاق ( 5439 ) .

[8] - ابن أبي شيبة ( 5262 ) .

[9] - عبد الرزاق ( 5436 ) .
 
جزاكم الله خير وبارك بعلمكم.
لو تكرمتم - هل هذه الرسالة متواجدة على شكل مطوية بالإمكان تحميلها مباشرة ؟
مع الشكر الجزيل
 
جزاكم الله خير على الردّ.
وإن كان لديكم توجه لنشرها على شكل إلكتروني وكان المجال مفتوح للمساهمة، فأشكر لكم إعلامي.
بارك الله بكم.
 
إذا عطس خاليًا
قد يعطس الإنسان وليس معه أحد ، فيسن له يحمد الله تعالى ، إذ العطاس نعمة واجبها الشكر ؛ وبوب ابن أبي شيبة ( باب الرجل يعطس وحده ما يقول ؟ ) ثم روى عن إبراهيم ( النخعي ) قال : إذا عطس وهو وحده ، فليقل : الحمد لله رب العالمين ، ثم يقول : يرحمنا الله وإياكم ؛ فإنه يشمِّته من سمعه من خلق الله[SUP] ( [1] ) [/SUP].


[1] - ابن أبي شيبة ( 25995 ) .
 
العطاس في حالة يمتنع عليه فيها ذكر الله تعالى
قال النووي – رحمه الله : ويكره للقاعد على قضاء الحاجة أن يذكر الله تعالى بشيء من الأذكار ؛ قالوا : فلا يسبح ، ولا يهلل ، ولا يرد السلام ، ولا يشمت العاطس ، ولا يحمد الله تعالى إذا عطس ، ولا يقول مثل ما يقول المؤذن ؛ قالوا : وكذلك لا يأتي بشيء من هذه الأذكار في حال الجماع ، وإذا عطس في هذه الأحوال ، يحمد الله تعالى في نفسه ، ولا يحرك به لسانه[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وقال ابن حجر - رحمه الله : مِمَّنْ يُمْكِن أَنْ يُسْتَثْنَى مَنْ كَانَ عِنْدَ عُطَاسه فِي حَالَة يَمْتَنِع عَلَيْهِ فِيهَا ذِكْر اللَّه ، كَمَا إِذَا كَانَ عَلَى الْخَلَاء ، أَوْ فِي الْجَمَاعَة ؛ فَيُؤَخِّر ثُمَّ يَحْمَد اللَّه ، فَيُشَمَّت .ا.هـ [SUP]([/SUP] [2] [SUP])[/SUP] .
وروى عبد الرزاق عن منصور أنه سأل إبراهيم ( النخعي ) عن الرجل يعطس على الخلاء ؟ قال : يحمد الله ، فإنها تصعد ؛ ورواه ابن أبي شيبة[SUP] ( [3] ) [/SUP]، ورواه - أيضًا - عن ابن سيرين وابن أبي مليكة والشعبي[SUP] ( [4] ) [/SUP]؛ وروى - أيضًا - عن الحسن قال : يحمد الله في نفسه[SUP] ( [5] ) [/SUP].
وصفوة القول أن من كان على حال يمتنع فيها ذكر الله تعالى إذا عطس فإنه يحمد الله في نفسه ؛ فإن أَخَّر فحمد الله بعد ذلك ، فمن سمعه فليشمِّتْه إذا علم أنه إنما حمد للعطاس ؛ والعلم عند الله تعالى .


[1] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 4 / 65 .

[2] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 606 ، 607 .

[3] - مصنف عبد الرزاق ( 4063 ) ؛ وابن أبي شيبة ( 1226 ) .

[4] - مصنف عبد الرزاق ( 4063 ) ؛ وابن أبي شيبة ( 1226 ) .

[5] - ابن أبي شيبة ( 1225 ، 1228 ، 1230 ) .
 
خاتمة
هذا ما أردت بيانه بإيجاز حول آداب العطاس والتشميت ، وأرجو أن أكون قد وفقت في بيان هذه الآداب ، وما كان في ذلك من صواب فمن الله تعالى وحده وله الحمد والمنة ، وما كان غير ذلك فمني ومن الشيطان ، وأستغفر الله العظيم منه ، ورحم الله تعالى من رأى فيه غلطًا فردَّنا إلى الصحيح فيه ، أو خطأ فأرشدنا الصواب فيه .
لكن قدرة مثلي غير خافية ... والنمل يعذر في القدر الذي حملا
هذا ، والعلم عند الله تعالى ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله. والحمد لله أولاً وأخيرًا .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية
 
عودة
أعلى