آداب الطريق في الإسلام

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد :
فلكل شيء في الإسلام آداب ، والطريق شيء ، فله آداب ، وهذا يدل دلالة قاطعة على عظمة دين الإسلام ، وشموله ، ورعايته مصالح الناس ، فيأمر بما فيه المصلحة أينما كانت ومتى كانت ، وينهي عن المفاسد أينما حلت ، ومتى وقعت .
ولصاحب العقل أن يتأمل هل عرفت مناهج البشر حقوقًا وآدابًا للطريق ؟ وهب أن البشرية عرفت بعض الحقوق ، فهل ترقى إلى ما قرره الإسلام من حقوق وآداب هي قربة لله تعالى ، وفيها رعاية للحياة العامة والخاصة لمن يسلك الطريق ؟
حقًا إنه لفخر لكل مسلم أن يقول : أنا مسلم ، فنِعِمَّ هذا الدين الذي جعل لكل شيء حقوقًا وآدابًا ؛ والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة .
لقد جاءنا الإسلام بحقوق وآداب تتعلق بحد الطريق ، وإشغالات الطريق ، وآداب الطريق ؛ وبيَّن علماء الإسلام ما يتعلق بأحكام هذه الأمور وأحكام الاعتداء على تلك الحقوق والآداب .
وسأحاول في هذه الرسالة أن أوقف القارئ على تلكم الآداب في المحاور الآتية :
المراد بآداب الطريق .
حد الطريق .
الطريق يشترك فيه الناس إلا ما كان ملكا خاصًّا .
مجموع آداب الطريق .
إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان
غَضُّ الْبَصَرِ
كَفُّ الأَذَى
رَدُّ السَّلاَمِ
إفشاء السَّلاَمِ
الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ
تشميت العاطس إذا حمد الله
إدلال السائل - إرشاد السبيل
هداية الأعمى
حسن الكلام
إغاثة الملهوف .
هداية الضال ( الحيران ) .
إعانة المظلوم .
المعاونة في الحمل
حسن الكلام
ذكر الله كثيرًا
آداب الطريق وقواعد وضوابط المرور .
هذا ، والله أسأل أن ينفع بها كاتبها وناشرها وقارئها والدال عليها ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، لا رب غيره ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت وإليه أنيب .
 
المراد بآداب الطريق
نقصد بآداب الطريق الأمور التي يجب على من يسلك طريقًا أو يجلس فيها أو يقف عند شيء منها ، أو يكون ساكنًا بعقار فيها أن يراعيها ؛ وأصل ذلك ما في الصحيحين من حديث أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ " ؛ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ " ؛ قَالُوا : وَمَا حَقُّهُ ؟ قَالَ : " غَضُّ الْبَصَرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلاَمِ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ " ( 1 ) .
ولهذا الحديث شواهد فيها إضافات سنذكرها إن شاء الله تعالى في موضعها .

حد الطريق
في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَشَاجَرُوا فِي الطَّرِيقِ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ ( 2 ) ، ورواه الترمذي وابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " اجْعَلُوا الطَّرِيقَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ " ( 3 ) ، أي : إذا اختلفتم فيها ؛ أي : إذا كان الأرض لقوم وأرادوا إحياءها وعمارتها فإن اتفقوا في الطريق على شيء فذاك ؛ وإلا فيجعل عرض طريقهم سبعة أذرع ؛ لدخول الأحمال والأثقال وخروجها ؛ وفي هذا مراعاة لمصالح الناس ، وحتى لا يضر بالمارة عليها ؛ وأما ما اتفق عليه من حد الطريق ولم يكن فيه تنازع فيبقى على ما اتفق عليه زاد أو نقص عن سبعة أذرع .

( 1 ) - البخاري ( 2333 ، 5875 ) ، ومسلم ( 2121 ) .
( 2 ) البخاري ( 2341 ) ، ومسلم ( 1613 ) .
( 3 ) الترمذي ( 1355 ) ، وابن ماجة ( 2338 ) .
 
الطريق العام يشترك فيه الناس جميعًا
الطريق العامة يشترك الناس جميعًا في الانتفاع بها ، فلا يجوز لأحد أن يخص نفسه بانتفاع يضر بآخرين ، فليس له - مثلا - أن يجعل مظلة تضر بالمرور بالطريق ، أو يشغل الطريق بشيء يضر بالمارين به ؛ قال د. وهبة الزحيلي في ( الفقه الإسلامي وأدلته ) : فإن ترتب عليها ضرر أو أذى وجب إزالتها ، فيزال المسيل القذر في الطريق العام ، ويمنع حق الشرب إذا أضر بالمنتفعين ، ويمنع سير السيارة في الشارع العام إذا ترتب عليها ضرر كالسير بالسرعة الفائقة ، أو في الاتجاه المعاكس ، عملاً بالحديث النبوي : " لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ " ( 1 ) ؛ ولأن المرور في الطريق العام مقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه .ا.هـ .
وقد وقع في زماننا من مخالفات الطريق مما فيه إيذاء للمارين عليها ، مما يجب على أولي الأمر السعي في إزالتها ، وحماية طريق الناس ممن يعتدي عليها ؛ فمن ذلك أن بعض المقاهي تأخذ من طريق الناس ما تضع فيه مقاعد وموائد ، وتقدم للجالسين عليها من الحلال والحرام ، بل ويقع من بعض هؤلاء إيذاء المارة بمعصيتهم بتدخين النارجيلة وغيرها ، ومن فحش الكلام - أحيانا - بل ومن إيذاء المارين والمارات بالقول والفعل أحيانا أخرى .
كما أن بعض محال الألبسة وغيرها تستقطع من الشارع ما تعرض فيه بضاعتها ، مما يضيق الشارع على المارين .
وهناك من الشباب من يقف على الطريق ليس إلا ليؤذي المارين خاصة من النساء ، ومن يلقي القذر والأذى في طريق الناس ؛ وكل هذا من المحرم شرعًا ، والمستنكر عرفًا .

( 1 ) رواه الدارقطني : 3 / 77 عن أبي سعيد ؛ ورواه ابن ماجة ( 2340 ) عن عبادة بن الصامت ؛ ورواه أحمد : 1 / 313 ، وابن ماجة ( 2341 ) ، وأبو يعلى ( 2520 ) ، والطبراني في الكبير : 11 / 228 ( 11576 ) عن ابن عباس ؛ ورواه الطبراني في الأوسط ( 1033 ) ، والدارقطني : 4 / 227 عن عائشة ؛ ورواه الطبراني في الكبير : 2 / 86 ( 1387 ) عن ثعلبة بن أبي مالك ؛ ورواه مالك : 2 / 745 ( 1429 ) عن المازني مرسلا . وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا ؛ فالحديث لا ينزل عن رتبة الحسن ، والعلم عند الله تعالى .
 
أعطوا الطريق حقها
عندما قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : " إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ " ؛ حسمًا لما قد يقع من المخالفات ؛ فالحكمة في النَّهْي عَنْ الْجُلُوس فِي الطُّرُق أن المرء بجلوسه يتَّعَرُّض لِلْفِتَنِ ، فإنه قد ينظر إلى النساء ممن يخاف الفتنة على نفسه من النظر إليهن مع مرورهن ؛ وَكذلك التَّعَرُّض لِحُقُوقِ اللَّه وَالْمُسْلِمِينَ مِمَّا لَا يَلْزَم الْإِنْسَان إِذَا كَانَ فِي بَيْته ؛ وَكذلك مِنْ رُؤْيَة الْمَنَاكِير ، وَتَعْطِيل الْمَعروف ، فَيَجِب عَلَى الْمُسْلِم الْأَمْر وَالنَّهْي عِنْدَ ذَلِكَ ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْمَعْصِيَةِ ؛ وَكَذَا يَتَعَرَّض لِمَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ وَيُسَلِّم عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَثُرَ ذَلِكَ فَيَعْجِز عَنْ الرَّدّ عَلَى كُلّ مَارٍّ ، وَرَدُّ السلام فَرْض فَإن لم يرد يَأْثَم .
وَالْمَرْء مَأْمُور بِأَنْ لَا يَتَعَرَّض لِلْفِتَنِ وَإِلْزَام نَفْسه مَا لَعَلَّهُ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ ، فَنَدَبَهُمْ الشَّارِع إِلَى تَرْك الْجُلُوس حَسْمًا لِلْمَادَّةِ ، فنهيه صلى الله عليه وسلم عن الجلوس في الطرقات لئلا يضعف الجالس عن الشروط التي ذكرها بعد ، والتي هي حق الطريق .
فلما قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا ! فَذَكَرُوا لَهُ ضَرُورَتهمْ إِلَى ذَلِكَ ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصَالِح مِنْ تَعَاهُد بَعْضهمْ بَعْضًا ، وَمُذَاكَرَتهمْ فِي أُمُور الدِّين وَمَصَالِح الدُّنْيَا ، وَتَرْوِيح النُّفُوس بِالْمُحَادَثَةِ فِي الْمُبَاح ، دَلَّهُمْ عَلَى مَا يُزِيل الْمَفْسَدَة مِنْ الْأُمُور الْمَذْكُورَة ؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ " ؛ قَالُوا : وَمَا حَقُّهُ ؟ قَالَ : " غَضُّ الْبَصَرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلاَمِ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ " .
 
مجموع آداب الطريق​
انتظم في حديث أبي سعيد المتقدم خمسة حقوق وهي : غَضُّ الْبَصَرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلاَمِ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ ؛ وفي رواية عند أحمد : قَالُوا : وَمَا حَقُّهَا ؟ قَالَ : " رُدُّوا السَّلَامَ ، وَغُضُّوا الْبَصَرَ ، وَأَرْشِدُوا السَّائِلَ ، وَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ " ( 1 ) ؛ ففيه : " وَأَرْشِدُوا السَّائِلَ " بدل : " كَفُّ الأَذَى " ؛ فهذه سادسة لها شاهد من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمَجَالِسِ بِالصُّعُدَاتِ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَيَشُقُّ عَلَيْنَا الْجُلُوسُ فِي بُيُوتِنَا ، قَالَ : : " فَإِنْ جَلَسْتُمْ فَأَعْطُوا الْمَجَالِسَ حَقَّهَا " ، قَالُوا : وَمَا حَقُّهَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " إِدْلالُ السَّائِلِ ، وَرَدُّ السَّلامِ ، وَغَضُّ الأَبْصَارِ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ " رواه البخاري في ( الأدب المفرد ) ( 2 ) ، ورواه أبو يعلى ابن حبان والحاكم بلفظ : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تجلسوا بأفنية الصعدات ، قالوا : يا رسول الله إنا لا نستطيع ذلك ولا نطيقه ؛ قال : " إِمَّا لاَ ، فَأَدُّوا حَقَّهَا " قالوا : وما حقها يا رسول الله ؟ قال : " رَدُّ التَّحِيَّةِ ، وَتَشْمِيت الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ الله ، وَغَضُّ الْبَصَرِ ، وَإِرْشَاد السَّبِيل " ( 3 ) ؛ فزاد : " وَتَشْمِيت الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ الله " ، " وَإِرْشَاد السَّبِيل " ، وروى أبو داود بعد حديث أبي سعيد المتقدم بإسناده عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ : " وَإِرْشَادُ السَّبِيلِ " ( 4 ) .
وفي صحيح مسلم عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ أَبُو طَلْحَةَ رَضِي الله عنه : كُنَّا قُعُودًا بِالأَفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عَلَيْنَا فَقَالَ : " مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ ؟ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ " ، فَقُلْنَا إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَاسٍ ، قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ ؛ قَالَ : " إِمَّا لاَ ، فَأَدُّوا حَقَّهَا : غَضُّ الْبَصَرِ ، وَرَدُّ السَّلاَمِ ، وَحُسْنُ الْكَلاَمِ " ( 5 ) ، و (الصُّعُدَات ) هي الطرقات ، واحدها صعيد كطريق . وعند أحمد والترمذي وابن حبان عَنِ الْبَرَاءِ رَضِي الله عنه قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَجْلِسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ : " إِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَجْلِسُوا ، فَاهْدُوا السَّبِيلَ ، وَرُدُّوا السَّلَامَ ، وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ " ولفظ ابن حبان " وَأَغِيثُوا الْمَلْهُوفَ " ( 6 ) .
وروى أبو داود عَنِ ابْنِ حُجَيْرٍ الْعَدَوِىِّ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم - فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ - قَالَ : " وَتُغِيثُوا الْمَلْهُوفَ ، وَتَهْدُوا الضَّالَّ " ( 7 ) .
وعند الطبراني في ( المعجم الكبير للطبراني ) عن وَحْشِيُّ بن حَرْبِ رَضِي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَعَلَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ بَعْدِي مَدَائِنَ عِظَامًا ، وتَتَّخِذُونَ فِي أَسْوَاقِهَا مَجَالِسَ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَرُدُّوا السَّلامَ ، وَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِكُمْ ، وَاهْدُوا الأَعْمَى ، وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ " ( 8 ) .
وفي ( مسند البزار ) عن ابن عباس - رَضِي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قَال : " لاَ تَجْلِسُوا فِي الْمَجَالِسِ ، فَإِنْ كُنْتُمْ لاَ بُدَ فَاعِلِينَ ، فَرُدُّوا السَّلَامَ ، وَغُضُّوا الأَبْصَارَ ، وَاهْدُوا السَّبِيلَ ، وَأَعِينُوا عَلَى الْحَمُولَة " ( 9 ) ، وروى ابن السني في ( اليوم والليلة ) ، والبغوي في ( السنة ) عن أبي هريرة رَضِي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا خَيرَ فِي الْجُلُوسِ عَلَى الطُّرُقَاتِ إِلا مَنْ هَدَى السَّبِيلَ ، وَرَدَّ التَّحِيَّةِ ، وغض البصر ، وَأَعَانَ عَلَى الْحَمُولَة " ( 10 ) ؛ وروى الطبراني عَنْ سَهْلِ بن حُنَيْفٍ رَضِي الله عنه قَالَ : قَالَ أَهْلُ الْعَالِيَةِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لا بُدَّ لَنَا مِنْ مَجَالِسَ ، قَالَ : " فَأَدُّوا حَقَّ الْمَجَالِسِ " ، قَالُوا : وَمَا حَقُّ الْمَجَالِسِ ؟ قَالَ : " ذِكْرُ اللَّهِ كَثِيرًا ، وَأَرْشِدُوا السَّبِيلَ ، وَغُضُّوا الأَبْصَارَ " ( 11 ) .
قال ابن حجر - رحمه الله : وَمَجْمُوع مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث أَرْبَعَة عَشَرَ أَدَبًا وَقَدْ نَظَمْتهَا فِي ثَلَاثَة أَبْيَات وَهِيَ :
جَمَعْت آدَابَ مَنْ رَامَ الْجُلُوس عَلَى ... الطَّرِيق مِنْ قَوْل خَيْر الْخَلْق إِنْسَانَا
اُفْشُ السَّلَام وَأَحْسِنْ فِي الْكَلَام وَشَمِّـ ... ـتْ عَاطِسًا وَسَلَامًا رُدَّ إِحْسَانَا
فِي الْحَمْل عَاوِنْ وَمَظْلُومًا أَعِنْ وَأَغِـ ... ـثْ لَهْفَان اِهْدِ سَبِيلًا وَاهْدِ حَيْرَانَا
بِالْعُرْفِ مُرْ وَانْهَ عَنْ نُكُر وَكُفَّ أَذَىً ... وَغُضَّ طَرْفًا وَأَكْثِرْ ذِكْر مَوْلَانَا
قلت : قال الحافظ في ( فتح الباري ) وَفِي حَدِيث وَحْشِيِّ بْن حَرْب عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ الزِّيَادَة " وَاهْدُوا الْأَغْبِيَاء " ، وهكذا نقلها عنه الشوكاني - رحمه الله - في ( نيل الأوطار ) ، ولم أجده عند الطبراني بهذا اللفظ ، وإنما وجدته بلفظ : " وَاهْدُوا الأَعْمَى " ؛ وذكر الحافظ - رحمه الله - ( إفشاء السلام ) ونسبه إلى الترمذي ، ولم أجده عند الترمذي ، فلعلها رواية . وإفشاء السلام أعم من ردِّه الذي وردت به الروايات .
فلو استبدلنا في البيت ( اهد أعمى ) بـ ( افش سلامًا ) ، لانتظمت الآداب أربعة عشرة ، ولو أبقينا ما ذكره الحافظ - رحمه الله - على أنه رواية لم أقف عليها ، لزادت أدبًا ، فيكون المجموع خمسة عشر أدبًا ، يأتيك بيانها بعد أن نتحدث عن إماطة الأذى ، ليستتم به ستة عشر أدبًا ؛ وَلِكُلٍّ مِنْ الْآدَاب الْمَذْكُورَة شَوَاهِد فِي أَحَادِيث أُخْر .
هذا والعلم عند الله تعالى .

( 1 ) - مسند أحمد : 3 / 61 .
( 2 ) الأدب المفرد ( 1149 ) ، وصححه الألباني .
( 3 ) مسند أبي يعلى ( 6626 ) ، وصحيح بن حبان بترتيب ابن بلبان ( 596 ) ، والحاكم ( 7688 ) وصححه ووافقه الذهبي .
( 4 ) أبو داود ( 4816 )
( 5 ) مسلم ( 2161 ) ، ورواه النسائي في الكبرى ( 11362 ) .
( 6 ) أحمد : 4 / 282 ، 293 ، والترمذي ( 2726 ) وحسنه ، وصحيح بن حبان بترتيب ابن بلبان ( 597 ) .
( 7 ) أبو داود ( 4817 ) ، ومن طريقه البيهقي في ( الشعب ) رقم ( 7621 ) ، وصححه الألباني .
( 8 ) المعجم الكبير : 22 / 138 ( 367 ) ، وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 8 / 62 ) : رجاله كلهم ثقات ، وفى بعضهم ضعف .
( 9 ) رواه البزار ( 5232 ) ، وقال : وهذا الكلام قد روي نحوه عن النبي  بألفاظ مختلفة ، ولاَ نَعْلَمُ يروى في حديث : " وأعينوا على الحمولة " إلاَّ في هذا الحديث ، ولاَ نَعْلَمُ لابن عباسٍ طريقًا غير هذا الطريق ؛ وداود بن علي كان في نسبه عال ، ولم يكن بالقوي في الحديث ؛ على أنه لا يتوهم عليه إلاَّ الصدق ، وَإنَّما يكتب حديثه ما لم يروه غيره .ا.هـ . قلت : روى هذه الزيادة ابن السني والبغوي كما ذكرنا ، وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 7 / 376 ) في حديث ابن عباس : رواه البزار ، وفيه محمد بن أبي ليلى ، وهو ثقة سيئ الحفظ ، وبقية رجاله وثقوا .
( 10 ) ابن السني ( 427 ) ، والبغوي في ( شرح السنة ) رقم ( 3339 ) ، ورواه هناد في ( الزهد ) برقم ( 1229 ) وفيه يحيى بن عبيد الله بن موهب قال البخاري في ( التاريخ الكبير رقم 3056 ) : كان ابن عيينة يضعفه .ا.هـ . ونقل ابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل : 9 / 167 ) ضعفه عن أبيه وابن عيينة وأحمد وغيرهم .
( 11 ) رواه الطبراني في الكبير : 6 / 87 ( 5592 ) ، وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 7 / 376 ) : وفيه أبو بكر بن عبد الرحمن الأنصاري ، تابعي ؛ لم أعرفه ، وبقية رجاله وثقوا .ا.هـ . قلت : وأبو بكر هذا له ترجمة في ( الأسامي والكنى ) لأبي أحمد الحاكم الكبير ، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلا .
 
إماطة الأذى عن الطريق
هذه من الآداب الراقية التي حث الإسلام أهله عليها ، وبين فضلها وأجرها ، وجعلها من شعب الإيمان ؛ ففي الصحيحين عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً ، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ " لفظ مسلم ( 1 ) ؛ وإماطة الأذى ، أي : تنحيته وإبعاده ، والمراد بالأذى كل ما يؤذى من حجر أو شوك أو قمامة أو غير ذلك .
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كُلُّ سُلاَمَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ : يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُه عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ " ( 2 ) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " فِي ابن ادَمَ سِتُّونَ وَثَلاَثُمِائَهِ سُلاَمَى , أوْ عَظْمٌ , أوْ مِفْصَلٌ , عَلَى كُلِّ واحِدٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَة : كُلُّ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ صَدَقَةٌ , وَعَوْنُ الرَّجُلِ أخَاهُ صَدَقَةٌ , وَالشَّرْبَةُ مِنَ الْماءِ يَسقِيهَا صَدَقَةٌ , وَإِمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ " ( 3 ) ؛ وَمَعْنَى كَوْن الْإِمَاطَة صَدَقَة أَنَّ من أماط الأذى تَسَبَّبَ إِلَى سَلَامَةِ مَنْ يَمُرُّ بِالطريق مِنْ الْأَذَى ، فَكَأَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَحَصَلَ لَهُ أَجْر الصَّدَقَة ؛ أفاده ابن حجر - رحمه الله - في ( فتح الباري ) .
فمعنى الصدقة إيصال النفع إلى المتصدق ، عليه والذي أماط الأذى عن الطريق قد تصدق عليه بالسلامة فكان له أجر الصدقة .
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَه " ، وفي رواية لمسلم : " مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ : وَاللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُؤْذِيهِمْ ؛ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ " وفي أخرى لمسلم أيضًا : " لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِى النَّاسَ " ( 4 ) .
فما أعظم فضل هذا الأدب ؛ قال ابن عبد البر - رحمه الله : وفي هذا الحديث من الفقه أن نزع الأذى من الطرق من أعمال البر ، وأن أعمال البر تكفر السيئات وتوجب الغفران والحسنات ؛ ولا ينبغي للعاقل المؤمن أن يحتقر شيئًا من أعمال البر ، فربما غفر له بأقلها ؛ ألا ترى إلى ما في هذا الحديث من أن الله شكر له إذ نزع غصن الشوك عن الطريق فغفر له ذنوبه ( 5 ) .ا.هـ .
و" يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ " أي : يتنعم فيها بملاذها بسبب قطعه الشجرة التي كانت تؤذي المسلمين .
وهذه الأحاديث ظاهرة في فضل إزالة الأذى عن الطريق ؛ سواء أكان الأذى شجرة تؤذي ، أو غصن شوك ، أو حجرًا يعثر به ، أو قذرًا أو جيفة أو غير ذلك ؛ وفيها - أيضًا - التنبيه على فضيلة كلِّ من نفع المسلمين أو أزال عنهم ضررًا .
هذا ، والعلم عند الله تعالى .

( 1 ) - البخاري ( 9 ) ، ومسلم ( 35 ) .
( 2 ) البخاري ( 2827 ) ، ومسلم ( 1009 ) .
( 3 ) البخاري في الأدب المفرد ( 422 ) ، والطبراني في الكبير : 11 / 55 ( 11027 ) .
( 4 ) البخاري ( 624 ، 2340 ) ، ومسلم ( 1914 ) .
( 5 ) انظر ( التمهيد ) : 22 / 12 .
 
غَضُّ الْبَصَرِ
من آداب الطريق وحقوقه : وجوب غض البصر عن النظر إلى عورة مؤمن ومؤمنة ، وعن جميع المحرمات ، وكل ما تخشى الفتنة منه ؛ فذكر النبي صلى الله عليه وسلم غض البصر في حقوق الطريق أراد به السلامة من التعرض للفتنة أيًّا كانت ؛ والغض : الخفض ، يقال : غض الرجل طرفه ومن طرفه غضًا : خفض ، والمراد خفض البصر عن نظر ما يكره النظر إليه كتأمل حرم المؤمنين ، خاصة في زماننا هذا التي كثر فيه تبرج النساء ، وفي ذلك من الفتنة ما لا يخفى ؛ وروى أبو داود والترمذي عَنِ بُرَيْدَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ رضي الله عنه : " يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ " ( 1 ) ؛ وقال الله عز وجل : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [ النور : 30 ] ؛ قال ابن كثير - رحمه الله - عند تفسيرها : هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا أبصارهم عما حرم عليهم ، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه ، وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع بصرٌ على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعًا ، لما روى أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي ؛ وفي رواية لبعضهم فقال : " أَطْرِقْ بَصَركَ " ( 2 ) ؛ يعني انظر إلى الأرض ، والصرف أعم ، فإنه قد يكون إلى الأرض وإلى جهة أخرى ، والله أعلم .ا.هـ .
وكما يجب على المسلم أن يغض بصره ، يجب على المسلمة إذا خرجت من بيتها لقضاء حاجة لها أن تخرج بلباسها الشرعي الذي لا يظهر عورة ولا يدعو إلى فتنة .
هذا والعلم عند الله تعالى .
( 1 ) أبو داود ( 2149 ) ، والترمذي ( 2777 ) . ورواه أحمد : 5 / 351 ، 353 ، 357 ، والحاكم : 2 / 194 ، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي ، وفيه نظر لأن أبا ربيعة الإيادي ليس من رجال مسلم ؛ ورواه أحمد : 1 / 159 ، والطبراني في الأوسط ( 674 ) ، وابن حبان ( 5570 ) ، والضياء في المختارة : 2 / 108 ، 109 ( 482 ، 483 ) عن علي ، وإسناده حسن .
( 2 ) مسلم ( 2159 ) ، وأحمد : 4 / 361 ، وأبو داود ( 2148 ) ، والترمذي ( 2776 ) ، والنسائي في الكبرى ( 9233 ) .
 
كَفُّ الأَذَى
من حق الطريق وآدابه : لزوم كف الأذى ، والمراد به السلامة من التعرض إلى أحد بالقول والفعل مما ليس فيهما من الخير ؛ أي : الامتناع مما يؤذي المارة من نحو احتقار وغيبة ، أو غير ذلك من الإيذاء القولي والفعلي ؛ فلا يجلس حيث يضيق عليهم الطريق ، أو على باب منزل من يتأذى بجلوسه عليه ، أو حيث يكشف عياله أو ما يريد التستر به من حاله ونحو ذلك ؛ ولا يؤذي المارين بقول ولا فعل ؛ وفي الصحيحين عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ " ؛ قِيلَ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ ؟ قَالَ : " يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ " ؛ قِيلَ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ؟ قَالَ : " يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ " ، قِيلَ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ؟ قَالَ : " يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ " قِيلَ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ؟ قَالَ : " يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ " ( 1 ) ؛ ومعنى : " يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ " أي : صدقة على نفسه ، والمراد أنه إذا أمسك عن الشر لله تعالى كان له أجر على ذلك ، كما أن للمتصدق بالمال أجر .
هذا ، والعلم عند الله تعالى .

( 1 ) - البخاري ( 5676 ) ، ومسلم ( 1008 ) واللفظ له .
 
رَدُّ السَّلاَمِ​
من آداب الطريق : رد السلام ؛ يعني على الذي يسلم عليه من المارين ، وهو واجب ، لقوله تعالى : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } [ النساء : 87 ] ، أي : إذا سلَّم فردوا عليه أفضل مما سلَّم ، أو ردوا عليه بمثل ما سلم ، فالزيادة مندوبة ، والمماثلة مفروضة ؛ فإن لم يرد يأثم ، وردُّ السلام أن يقول : وعليكم السلام ، والأفضل أن يقول : وعليكم السلام رحمة الله وبركاته .

إفشاء السلام
إفشاء السلام أعم من رده ، إذ هو يشمل إلقاء السلام ورده والدعوة إليه ؛ فالْإِفْشَاء الْإِظْهَار ، وَالْمُرَاد نَشْر السَّلَام بَيْنَ النَّاس لِيُحْيُوا سُنَّته صلى الله عليه وسلم ، ولا يشك عاقل في أن إفشاء بالسلام من عوامل التآلف بين الناس ، وإشاعة الأمن والمحبة فيما بينهم ، ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة على إفشاء السلام ونشره ، منها : ما رواه أحمد ومسلم وأهل السنن إلا النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ " ( 1 ) .
قال النووي - رحمه الله : قَوْله : " أَفْشُوا السَّلَام بَيْنكُمْ " فِيهِ الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَى إِفْشَاء السَّلَام وَبَذْله لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ ; مَنْ عَرَفْت , وَمَنْ لَمْ تَعْرِف , وَالسَّلَامُ أَوَّل أَسْبَاب التَّآلُّف , وَمِفْتَاح اِسْتِجْلَاب الْمَوَدَّة ؛ وَفِي إِفْشَائِهِ تَمَكَّنُ أُلْفَة الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ لِبَعْضِ , وَإِظْهَار شِعَارهمْ الْمُمَيِّز لَهُمْ مِنْ غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْمِلَل , مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رِيَاضَة النَّفْس , وَلُزُوم التَّوَاضُع , وَإِعْظَام حُرُمَات الْمُسْلِمِينَ ؛ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّه فِي صَحِيحه عَنْ عَمَّار بْن يَاسِر  أَنَّهُ قَالَ : ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَان : الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسك , وَبَذْل السَّلَام لِلْعَالَمِ , وَالْإِنْفَاق مِنْ الْإِقْتَار ( 2 ) ؛ وَبَذْل السَّلَام لِلْعَالَمِ , وَالسَّلَام عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِف , وَإِفْشَاء السَّلَام كُلّهَا بِمَعْنَى وَاحِد . وَفِيهَا لَطِيفَة أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ رَفْع التَّقَاطُع وَالتَّهَاجُر وَالشَّحْنَاء وَفَسَاد ذَات الْبَيْن الَّتِي هِيَ الْحَالِقَة , وَأَنَّ سَلَامه لِلَّهِ لَا يَتْبَع فِيهِ هَوَاهُ , وَلَا يَخُصّ أَصْحَابه وَأَحْبَابه بِهِ . وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم بِالصَّوَابِ .ا.هـ ( 3 ) .
وقَالَ اِبْن الْعَرَبِيُّ – رحمه الله : فِيهِ أَنَّ مِنْ فَوَائِد إِفْشَاء السَّلَام حُصُول الْمَحَبَّة بَيْنَ الْمُتَسَالِمَيْنِ ، وَكَانَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ اِئْتِلَاف الْكَلِمَة لِتَعُمّ الْمَصْلَحَة بِوُقُوعِ الْمُعَاوَنَة عَلَى إِقَامَة شَرَائِع الدِّين وَإِخْزَاء الْكَافِرِينَ ، وَهِيَ كَلِمَة إِذَا سُمِعَتْ أَخْلَصَتْ الْقَلْب الْوَاعِي لَهَا عَنْ النُّفُور إِلَى الْإِقْبَال عَلَى قَائِلهَا .ا.هـ ( 4 ) .
هذا والعلم عند الله تعالى .

( 1 ) - أحمد : 2 / 391 ، 442 ، 477 ، 495 ، 512 ، والبخاري في الأدب ( 980 ) ، ومسلم ( 54 ) ، وأبو داود ( 5193 ) ، والترمذي ( 2688 ) ، وابن ماجة ( 68 ، 3692 ) .
( 2 ) انظر كتاب ( الإيمان ) بَاب ( إِفْشَاءُ السَّلَامِ مِنْ الْإِسْلَامِ ) وَقَالَ عَمَّارٌ : ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ : الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ . ووصله ابن أبي شيبة ( 30440 ) ، والبيهقي موقوفًا في شعب الإيمان ( 49 ) .
( 3 ) انظر شرح مسلم : 2 / 36 .
( 4 ) نقلا عن فتح الباري : 11 / 18 .
 
الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ
من حق الطريق وآدابه : لزوم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ؛ والمعروف : أمر جامع لكل ما عرف من طاعة الله تعالى والتقرب إليه والإحسان إلى الناس ، وكل ما ندب إليه الشرع من المحسنات ونهى عنه من المقبحات ؛ والمنكر ضد المعروف ، فهو كل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه .
وقد جعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخص أوصاف المؤمنين ؛ فقال : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [ آل عمران : 110 ] ، وجعله فرقانًا بين المؤمنين والمنافقين ، فقال تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ } [ التوبة : 71 ] ، وقال سبحانه : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُـرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ } [ التوبة : 67 ] .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو حصن الأمة الرئيس من الوقوع في المهلكات ؛ قال الله تعالى : { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [ الأنفال : 25 ] ، أي : اتقوا فتنة تتعدى الظالم فتصيب المسيء وغيره ، ولا تختص بمن باشر الذنب ، فيلحق الأذى من لم يقوِّموا عوج قومهم ، كيلا يحسبوا أن امتثالهم كاف إذا عصى دهماؤهم ؛ روى أحمد والترمذي عَنْ حُذَيْفَةَ  عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ " ( 1 ) ، وفي رواية عند أحمد : " أَوْ لَيُؤَمِّرَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ ثُمَّ يَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ " ( 2 ) ، وفي أخرى عنده : " أَوْ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ قَوْمًا ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ " ( 3 ) .
قال ابن علان - رحمه الله : والخطاب للأمة الموجودين حقيقة ولمن سيأتي بطريق التبع ؛ وقوله : " لَيُوشِكَنَّ اللهُ " : أو عاطفة ، أي : ليكونن أحد الأمرين : إما امتثال ما أمرتم به ، أو وقوع ما أنذرتم به في قوله : " لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ " ، بجور الولاة أو تسليط العداة ، أو غير ذلك من البلاء ؛ " ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ " ، لكون الحكمة الإلهية جعلته جزاء لما فرطتم فيه من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . انتهى المراد منه ( 4 ) .
وجاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحاديث كثيرة جدًّا ، وينبغي أن يكون الأمر بمعروف بمعروف ، والنهي عن المنكر ليس بمنكر .
قال المهلب - رحمه الله : وإنما يلزم المؤمن تغيير المنكر ، وإغاثة الملهوف ، وعون الضعيف ما دفعت الحضرة إليه ، وليس عليه طلب ذلك ، إنما عليه ما حضر منها .ا.هـ .
هذا ، والعلم عند الله تعالى .

( 1 ) حديث حسن : رواه أحمد : 3 / 388 ، 389 ، والترمذي ( 2169 ) وحسنه ، والبغوي في شرح السنة ( 4154 ) ، وله شاهد عند أحمد : 6 / 159، وابن ماجة ( 4004 ) ، وابن حبان ( 290 ) من حديث عائشة مرفوعًا : " مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم " ، وآخر رواه الطبراني في الأوسط ( 1367 ) عن ابن عمر ، وآخر ( 1379 ) عن أبي هريرة وفي أسانيدها ضعف .
( 2 ) المسند : 3 / 390 وفيه أبو الرقاد وهو مجهول .
( 3 ) المسند : 3 / 391 وإسناده حسن في الشواهد .
( 4 ) دليل الفالحين : 1 / 481 .
 
تشميت العاطس إذا حمد الله
التشميت : التبرك ، تقول : شمَّته إذا دعا له بالبركة ، وقيل : دعاء له أن يصرف الله عنه ما يُشْمت به أعداءه ؛ وتشميت العاطس إذا حمد الله تعالى آدب عام في الإسلام ، وهو من آداب الطريق أيضا ؛ وذلك بأن يقول له : يرحمك الله ، فإن لم يحمد الله لم يشمته لإساءته ؛ فالتشميت مقيد بحمد العاطس لله تعالى ، فإن لم يحمد فلا يُشمت ؛ ففي الصحيحين عَنْ أَنَسِ رضي الله عنه قَالَ : عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الْآخَرَ ، فَقِيلَ لَهُ ، فَقَالَ : " هَذَا حَمِدَ اللهَ ، وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللهَ " ( 1 ) ؛ وعند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ " الحديث ( 2 ) ؛ وروى أحمد والبخاري وأبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ : الْحَمْدُ للهِ ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللهُ ، فَإِذَا قَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللهُ ، فَلْيَقُلْ : يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " ( 3 ) .

( 1 ) - البخاري ( 6221 ، 6225 ) ، ومسلم ( 2991 ) .
( 2 ) البخاري ( 3289 ، 6223 ، 6226 ) .
( 3 ) أحمد : 2 / 353 ، والبخاري ( 6224 ) ، وأبو داود ( 5033 ) .
 
إرشاد السبيل
من حقوق الطريق وآدابه : إرشاد السبيل ؛ وهو أدب راق في التعامل مع من لا يعرف الطريق ، فيدله المسلم على طريقه ، وقد حث الإسلام على هذا الأدب لما فيه من الخير ، وجعل ذلك من الصدقات ، مما يدل على فضله ؛ فروى الترمذي وابن حبان من حديث أبي ذر مرفوعًا : " وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ " ( 1 ) ، ولأحمد والبخاري في ( الأدب المفرد ) والترمذي من حديث البراء رفعه : " مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ أَوْ مَنِيحَةَ وَرِقٍ ، أَوْ هَدَى زُقَاقًا ، فَهُوَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ " ( 2 ) ، وقوله : " أَوْ هَدَى زُقَاقًا " قال : الترمذي - رحمه الله : يعني به هداية الطريق .ا.هـ . وهو إرشادُ السبيل ، والزُّقاقُ طريق نافذ وغير نافذ ضيِّق دون السِّكة ( 3 ) ؛ والمراد من دل الذي لا يعرفه عليه إذا احتاج إلى دخوله .
وبالجملة ، فإن مَنْ جلس بالطرقات معرض لأن يُسأل عن طريق أو عنوان بالمنطقة لم يُهتد له ؛ فيلزمه أن يدله عليه - إن كان يعرفه - أو يدله على من يمكن أن يعرفه .

( 1 ) - الترمذي ( 1956 ) وحسنه ، وابن حِبان ( 474 ) عن أبي ذر  ، وصححه الألباني .
( 2 ) جزء من حديث رواه أحمد : 4 / 300 واللفظ له ، ورواه البخاري في الأدب المفرد ( 890 ) ، والترمذي ( 1957 ) وصححه ، وابن حبان ( 5096 ) ، ورواه أحمد : 4 / 272 ، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه .
( 3 ) انظر لسان العرب باب القاف فصل الزاي .
 
هداية الضَّالِّ
الضالُّ يحتمل ضلال الطريق الحسي والمعنوي ، والأول سبق الحديث عنه ، والثاني هو الذي سماه الحافظ – رحمه الله : ( هداية الحيران ) وقد يحتمل الحيران – أيضًا – الذي ضل الطريق بعد تعب فأصبح حيرانًا ماذا يصنع ، فتكون له حالة خاصة واهتمام خاص ، وقد يُعرف هذا من عدم سؤاله وتردده بالمكان حيران لا يهتدي طريقه .
وأما هداية الضالِّ فهي الأخذ بيده إلى الحق ، فقد يرى من يجلس على الطريق ضالا يحاول الإفساد ، فعليه أن يحاول هدايته بأمره ونهيه ، وقد يدخل ذلك فيما سبق الحديث عنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ ولكن هذه حالة خاصة - أيضًا - لذا أفردت ؛ إذ قد يفعل المنكر من يعلم أنه منكر ، فهذا عاص وإن كان فيه نوع ضلال ، وأما الضال فهو الذي يفعل منكرًا معتقدًا أنه معروف لجهله ، كالنصارى يعبدون عيسى  - وهو منهم براء - معتقدين صواب ذلك لجهلهم .
هذا ، والعلم عند الله تعالى .
 
إهداء الأعمى
الأعمى حالة خاصة - أيضًا - تحتاج مزيد اهتمام ، إذ قد تستدعي هدايته الأخذ بيده والسير معه حتى يوصله إلى المكان الذي يريد ؛ وهذا من الآداب العظيمة التي دعا إليها الإسلام ، وحذر من أن يُضلل الأعمى عن الطريق ، وعده من كبائر الذنوب التي توجب اللعن ، فعند أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ كَمَهَ الْأَعْمَى عَنْ السَّبِيلِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ وَالِدَهُ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ " ( 1 ) ؛ وما توعد عليه اللعن فهو من الكبائر ؛ والعلم عند الله تعالى .

( 1 ) - أحمد : 1 / 309 ، وابن حبان ( 4417 ) ، والحاكم ( 8052 ) وصححه ، ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في الصحيحة ( 3462 ) .
 
حُسْنُ الْكَلاَمِ
حسن الكلام من آداب الطريق ، وهو أدب عام دعا إليه الإسلام ؛ قال الله تعالى : { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } [ الإسراء : 53 ] .
وهو أدب عام لمن يؤمن بالله واليوم الآخر ، ففي الصحيحين من حديث أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه مرفوعًا : " .. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ " ( 1 ) ؛ وفيهما عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ " ( 2 ) .
والكلمة الطيبة يثاب عليها المسلم ، وتقدم حديث أبي هريرة في الصحيحين وفيه : " وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ " .
وحسن الكلام من موجبات الجنة ؛ فقد روى البخاري في الأدب المفرد والطبراني والحاكم عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ يُوجِبُ الْجَنَّةَ ، قَالَ : " عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْكَلامِ ، وَبَذْلِ الطَّعَامِ " ( 3 ) ؛ وفي الصحيحين من حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه رفعه : " اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " ( 4 ) .
ومعلوم أن من جلس على الطريق فقد تعرض لكلام الناس ، فليحسن لهم كلامه ويصلح شأنه ؛ قال القاضي عياض - رحمه الله : فيه ندب إلى حسن معاملة المسلمين بعضهم لبعض ، فإن الجالس على الطريق يمر به العدد الكثير من الناس فربما سألوه عن بعض شأنهم ووجه طرقهم ، فيجب أن يتلقاهم بالجميل من الكلام ، ولا يتلقاهم بالضجر وخشونة اللفظ ، وهو من جملة كف الأذى .ا.هـ .
وما أجمل ما خاطب به ابن مسعود رضي الله عنه لسانه فقال : يَا لِسَانُ ، قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ ، وَاسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ ، مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْدَمَ ( 5 ) .

( 1 ) - البخاري ( 6111 ) ، ومسلم ( 48 ) .
( 2 ) البخاري ( 5672 ) ، ومسلم ( 47 ) .
( 3 ) الأدب المفرد ( 811 ) وصححه الألباني ، والطبراني في الكبير : 22 / 180 ( 470 ) ، ورواه الحاكم ( 61 ) وصححه .
( 4 ) البخاري ( 3400 ، 5677 ) ، ومسلم ( 1016 ) .
( 5 ) رواه الطبراني في الكبير : 10 / 197 ( 10446 ، وروى نحوه أبو نعيم في ( حلية الأولياء : 1 / 328 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما .
 
إعانة الْمَظْلُوم
من آداب الطريق إعانة المظلوم على من ظلمه بالقول أو الفعل حيث أمكن ؛ ونصرة المظلوم مما ندب الإسلام أهله إليه ؛ ففي صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا " فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا ؛ أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟! قَالَ : " تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ " ، وفي رواية : قالوا : يا رسول الله ، هذا ننصره مظلوما ، فكيف ننصره ظالما ؟ قال : " تأخذ فوق يديه " ( 1 ) .
وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : اقْتَتَلَ غُلاَمَانِ : غُلاَمٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَغُلاَمٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَنَادَى الْمُهَاجِرُ أَوِ الْمُهَاجِرُونَ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ ! وَنَادَى الأَنْصَارِيُّ : يَا لَلأَنْصَارِ ! فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " مَا هَذَا ؟ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ! " ؛ قَالُوا : لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِلاَّ أَنَّ غُلاَمَيْنِ اقْتَتَلاَ ، فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ ؛ قَالَ : " فَلاَ بَأْسَ ، وَلْيَنْصُرِ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا : إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ ، فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ ؛ وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ " ( 2 ) .
والكسع : ضرب دبر غيره بيده أو رجله ، وقيل : هو ضرب العجز بالقدم ؛ وسبب الحديث صورة من صور الظلم التي قد تتكرر في طرق المسلمين دائمًا ، فنبه النبي صلى الله عليه وسلم على ما يجب فيها .
وفي مسند أحمد وسنن أبى داود عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ الأَنْصَارِىِّ قالا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ ، إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ؛ وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ ، إِلاَّ نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ " ( 3 ) .
والخذل : ترك الإعانة والنصرة ؛ والمعنى : ليس أحد يترك نصرة مسلم - مع القدرة عليه - بالقول أو الفعل عند حضور غيبته ، أو إهانته ، أو ضربه ، أو قتله أو نحوها ، إلا عاقبه الله من جنس ذلك ، أي : خذله وترك نصرته في موطن يحب فيه أن يعينه الله جل وعلا ؛ والعكس بالعكس ؛ فالجزاء من جنس العمل ، قال الله تعالى : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا } [ النساء : 123 ] .
فخذلان المؤمن حرام شديد التحريم ، دنيويًّا كان مثل أن يقدر على دفع عدو يريد البطش به ، فلا يدفعه ؛ أو أخرويًّا كأن يقدر على نصحه عن غيه بنحو وعظ فيترك ذلك .
ومما ورد في الوعيد على ترك نصرة المظلوم ما رواه الطحاوي في ( مشكل الآثار ) عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أُمر بِعَبْد من عباد الله أَن يضْرب فِي قَبره مائَة جلدَة ، فَلم يزل يسْأَل وَيَدْعُو حَتَّى صَارَت جلدَة وَاحِدَة ، فجلد جلدَة وَاحِدَة فَامْتَلَأَ قَبره عَلَيْهِ نَارا ، فَلَمَّا رُفع عَنهُ أَفَاق قَالَ : علام جلدتموني ؟ قَالُوا : إِنَّك صليت صَلَاة بِغَيْر طهُور ، ومررت على مظلوم فَلم تنصره " ( 4 ) .
هذه والعلم عند الله تعالى .

( 1 ) - البخاري ( 2311 ، 2312 ) .
( 2 ) مسلم ( 2584 ) .
( 3 ) أحمد : 4 / 30 ، وأبو داود ( 4884 ) ، وفيه يحيى بن سليم ترجمه البخاري في الكبير : 8 / 278 ( 2993 ) ، وابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) : 9 / 156 ، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلا ، وذكره ابن حبان في الثقات .
( 4 ) ( مشكل الآثار ) : 4 / 231 ، وجوَّد إسناده الألباني في الصحيحة ( 2774 ) ، وله شاهد عن ابن عمر عند الطبراني في المعجم الكبير ( 13610 ) بسند ضعيف .
 
إِغاثة الْمَلْهُوف​
من آداب الطريق : إغاثة الملهوف ، وهو المكروب المضطر الذي قد شغله همه بحاجته عن كل ما سواها ، فتراه يستغيث ويتحسر ؛ مأخوذ من اللَّهَفُ ، وهو الأَسَى والحُزْنُ والغَيظُ ؛ ويقال : لَهِفَ لَهَفًا فهو لَهفانُ ، وقد لُهِف فهو مَلْهُوف ، أي : حزين متحسر ، قد ذَهَب له مالٌ أو فُجِع بحميم .
ولا شكَّ أن إغاثة اللهفان من أعظم القربات ، ففي قضاء حاجة من كانت هذه حاله يتعدد الأجر ويكثر بحسب ما كشف من كربة صاحبها ؛ وهي من الصدقات العظيمة ، ففي مسند أحمد وسنن النسائي الكبرى وصحيح ابن حبان عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عَلَى كُلِّ نَفْسٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ صَدَقَةٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مِنْ أَيْنَ أَتَصَدَّقُ وَلَيْسَ لَنَا أَمْوَالٌ ؟ قَالَ : " لِأَنَّ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ : التَّكْبِيرَ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ؛ وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَتَعْزِلُ الشَّوْكَةَ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَالْعَظْمَ وَالْحَجَرَ ، وَتَهْدِي الْأَعْمَى ، وَتُسْمِعُ الْأَصَمَّ وَالْأَبْكَمَ حَتَّى يَفْقَهَ ، وَتُدِلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا ، وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ إِلَى اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ ، وَتَرْفَعُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ ؛ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ " ( 1 ) ؛ وتقدم حديث أبي موسى في الصحيحين : " عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ " ، وفيه : " يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ " ؛ وفي الحديث الذي جاء من طرق : " إنّ الله عز وجل يُحِبُّ إغاثَةَ اللّهْفانِ " ( 2 ) .
( 1 ) - أحمد : 5 / 168 ، والنسائي في الكبرى ( 9027 ) ، وابن حبان ( 3377 ) .
( 2 ) جاء عن أنس وابن عباس وأبي هريرة وبريدة وعبادة بن أبى عبيد ، أما حديث أنس فرواه أبو يعلى ( 4296 ) ، والبزار ( 7521 ) ، وأبو نعيم في الحلية : 3 / 42 ؛ وأما حديث ابن عباس فرواه تمام في فوائده ( 1157 ) ، والبيهقي في الشعب ( 7657 ) ، وحديث بريدة رواه أحمد : 5 / 357 ، وتمام في فوائده ( 1583 ) ، وابن عدي في الكامل : 3 / 295 ؛ ورواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج ( 28 ) عن عبادة بن أبى عبيد ؛ ولا تخلو من مقال .
 
المعاونة على الحمل
المعاونة على الحمل من آداب الطريق ، فقد يجد الجالس في الطريق أو المار به من يضعف عن حمل متاعه على الدابة أو السيارة ، فمن آداب الطريق أن يعينه على حمل متاعه ؛ وهذا الأدب أيضًا - من الصدقات - وتقدم حديث أبي هريرة رفعه : " " كُلُّ سُلاَمَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ " ؛ وفيه : " وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُه عَلَيْهَا ، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ " .
 
ذكر الله كثيرًا

كثرة ذكر الله تعالى مما أمر الله بها عباده فقال U : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [ [ الأحزاب : 41 ، 42 ] ، فمما ينبغي أن تزين به المجالس : كثرة ذكر الله جلَّ وعلا .
والمجلس الذي لا يكون فيه ذكر الله تعالى يكون يوم القيامة حسرة على أصحابه ، ففي مسند أحمد وسنن أبى داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t عَنْ رَسُولِ اللَّهِ e أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةً ، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لاَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةً " ، وفي رواية لأحمد والترمذي : " مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ رَبَّهُمْ وَيُصَلُّوا فِيهِ عَلَى نَبِيِّهِمْ e إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِنْ شَاءَ آخَذَهُمْ بِهِ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُمْ"لفظأحمد،وفيروايةلأحمدوأبيداود:" مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ ، إِلَّا تَفَرَّقُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ([1] ) ؛ ورواه الطبراني عن أبي أمامة t مرفوعًا بلفظ : " مَا مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِسًا ، ثُمَّ قَامُوا مِنْهُ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ e ، إِلا كَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ عَلَيْهِمْ تِرَةً " ( [2] ) ؛ ورواه - أيضا - عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن مُغَفَّلٍ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسٍ، فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ، إِلا كَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ( [3] ) ؛ وفي مسند أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " مَا مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ إِلَّا رَأَوْهُ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ([4] ) ؛ ومعنى ( ترة ) : حسرة وندامة ؛ وقوله e : " إِلَّا تَفَرَّقُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ " أي : مثلها في النتن والقذارة ، وذلك لما يخوضون من الكلام في أعراض الناس ولغو الحديث وغير ذلك ؛ والندامة لازمة لهم لأجل ما فرطوا في مجلسهم ذلك من ذكر U .
من أجل ذلك حرص النبي e أن ينبه أمته على أن يكونو افي مجالسهم ذاكرين الله كثيرًا، وجعل ذلك من حقوق المجلس وآدابه .
والمجلس على الطريق كغيره من المجالس .

[1] - أحمد : 2 / 389، 515 ، 527 ، وأبو داود ( 4855 ، 4856 ، 5059 ) ، والترمذي ( 3380 ) وصححه .

[2] - الطبراني في الكبير : 8 / 181 ( 7751 ) ،

[3] - الطبراني في الأوسط ( 3744 ) ، والبيهقي في ( الشعب ) رقم ( 533 ) ، وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 10 / 22 : رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجالهما رجال الصحيح .ا.هـ . ويشهد له ما قبله ؛ وصححه الألباني في الصحيحة ( 2557 ) .

[4] - أحمد : 2 / 124 ، وقال الهيثمي : رواه أحمد و رجاله رجال الصحيح .ا.هـ . وحسنه الألباني في الصحيحة ( 80 ) .
 
آداب الطريق وضوابط المرور
لا يخفى على ذي لب أن ما قدمناه من آداب الطريق لازم لكل من قعد في مجلس على الطريق ، أو كان مجلسه يُنظر منه الطريق ، أو كان يقف على الطريق أو يمر به ماشيًا أو راكبًا ، أو ساكنًا في دار تطل عليه .
وعلى ذلك فضوابط المرور التي وضعت لسائقي السيارات لها أصل في الإسلام بإعطاء الطريق حقه وآدابه ؛ وكذلك فإن حفظ النفس من الكليات التي جاء بها الإسلام ، فما وُضع من ضوابط لحفظ النفس فله أصل في هذا الدين العظيم ، ما لم يخالف نصًّا أو يكون فيه ظلم ، والقاعدة العظيمة في الإسلام لحفظ حقوق الناس وسلامتهم : " لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ " .
فيجب على المسلم أن يتقيد بهذه الضوابط لحفظ نفسه وغيره ، ولا يكون سببًا في جلب الضر على غيره من الناس بما يخالف به هذه القواعد والضوابط .
 
خاتمة
روى ابن المبارك والبيهقي عن الشعبي قال : ما جلس الربيع بن خثيم مجلسًا على ظهر الطريق قال : أخاف أن يُظلَم رجل فلا أنصره ، أو يعتدي رجل على آخر فأكلف عليه الشهادة ، أو يسلم علي فلا أرد السلام ، أو يقع عن حاملة حملها فلا أحمل عليها ( [1] ) .
وعن عبد الله بن الزبير t قال : المجالس حلق الشيطان : إن يروا حقًّا لا يقومون به ، وإن يروا باطلا فلا يدفعونه .
وروى ابن المبارك وابن أبي شيبة عن أبي الدرداء t قال : نعم صومعة الرجل بيته ؛ يحفظ فيها لسانه وبصره ، وإياك والسوق فإنها تلغي وتلهي ( [2] ) ؛ وذكره البغوي في ( شرح السنة ) بلفظ : نعم صومعة المرء المسلم بيته ؛ يحفظ عليه سمعه وبصره ، وإياكم ومجالس السوق ، فإنها تلغي وتلهي ( [3] ) .
فما أعظم فهم سلفنا الصالح y ، وما أحرانا أن نقف عنده وقفة تدبر وتأمل ، فمن العقل أن ينظر الإنسان فيما يكون من أمر المجالس ، فمن كان ذا قدرة على الوفاء بشروطها ، والقيام بحقوقها وآدابها فليجلس وليحذر ( حلق الشيطان ) التي ذكرها ابن الزبير t ؛ وإن رأى من نفسه أنه لا يقدر على الوفاء بما ذكرنا من الحقوق والآداب ، فليكن كما قال أبو الدرداء : ( نعم صومعة الرجل بيته ) ، فالسلامة لا يعدلها شيء .
والله وحده الهادي سواء السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله وصحبه .

[1] - أخرجه ابن المبارك في الزهد ( 21 ) ، والبيهقي في شعب الإيمان ( 7623 ) .

[2] - رواه ابن المبارك في الزهد ( 14 ) ، وابن أبي شيبة في المصنف ( 34595 ) .

[3] - شرح السنة : 12 / 308 .
 
عودة
أعلى