المحرمات من المشروبات
لم يحرم الله تعالى على عباده من المشروبات إلا الخمر والنجاسات ، والخمر : ما خامر العقل ، والنجاسات كالبول والعذرة والدم .
فكل ما أَثَّرَ من المشروبات في العقل فهو خمر ، وإن سُمِّيَ باسمٍ غير الخمر ؛ قال الله تعالى : {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ المائدة : 90 ] .
وفي الصحيحين عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ شَرَابًا يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ : الْمِزْرُ مِنَ الشَّعِيرِ ، وَشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ : الْبِتْعُ مِنَ الْعَسَلِ ؛ فَقَالَ : "
كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ "[SUP] (
[1] ) [/SUP].
وفيهما عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "
كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ "[SUP] (
[2] ) [/SUP]؛ وأسكر ، أي : من شأنه الإسكار ، وهو تغطية العقل وإذهاب الوعي .
وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ - وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ - فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ ، يُقَالُ لَهُ : الْمِزْرُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : "
أَوَمُسْكِرٌ هُوَ ؟ " ، قَالَ نَعَمْ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "
كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، إِنَّ عَلَى اللَّهِ U
عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : "
عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ "[SUP] (
[3] ) [/SUP].
وفيه – أيضًا - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "
كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ، فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ "[SUP] (
[4] ) [/SUP].
وفي الصحيحين عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ : الْعِنَبِ ، وَالتَّمْرِ ، وَالْحِنْطَةِ ، وَالشَّعِيرِ ، وَالْعَسَلِ ؛ وَالْخَمْرُ : مَا خَامَرَ الْعَقْلَ[SUP] (
[5] ) [/SUP].
وروى أحمد وأبو داود وابن ماجة عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ t قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : "
إِنَّ الْخَمْرَ مِنَ الْعَصِيرِ ، وَالزَّبِيبِ ، وَالتَّمْرِ ، وَالْحِنْطَةِ ، وَالشَّعِيرِ ، وَالذُّرَةِ ، وَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ "[SUP] (
[6] ) [/SUP].
وروى أبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "
كُلُّ مُخَمِّرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا بُخِسَتْ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ " ، قِيلَ : وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : "
صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ ، وَمَنْ سَقَاهُ صَغِيرًا لَا يَعْرِفُ حَلَالَهُ مِنْ حَرَامِهِ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ "[SUP] (
[7] ) [/SUP].
وروى أحمد والنسائي وابن ماجة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "
مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ "[SUP] (
[8] ) [/SUP]؛ ورواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه [SUP] [9] [/SUP]؛ ومعنى الحديث : ما يحصل السكر بشرب كثيره ، فهو حرام قليله وكثيره ، وإن كان قليله غير مسكر .
وروى أحمد وأبو داود عَنْ دَيْلَمٍ الْحِمْيَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا بِأَرْضٍ بَارِدَةٍ نُعَالِجُ فِيهَا عَمَلًا شَدِيدًا ، وَإِنَّا نَتَّخِذُ شَرَابًا مِنْ هَذَا الْقَمْحِ نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى أَعْمَالِنَا وَعَلَى بَرْدِ بِلَادِنَا ، قَالَ : "
هَلْ يُسْكِرُ ؟ " قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : "
فَاجْتَنِبُوهُ " ، قَالَ : قُلْتُ : فَإِنَّ النَّاسَ غَيْرُ تَارِكِيهِ ، قَالَ : "
فَإِنْ لَمْ يَتْرُكُوهُ فَقَاتِلُوهُمْ "[SUP] (
[10] ) [/SUP].
قال البيهقي في ( معرفة السنن والآثار ) : قوله في شراب القمح : "
فَاجْتَنِبُوهُ " وذلك يتناول القليل والكثير ؛ كقول الله عز وجل في الخمر : {
فَاجْتَنِبُوهُ } ، وتلك الأخبار كلها تدل على منع النبي صلى الله عليه وسلم من شرب المسكر ، وذلك يتناول القليل والكثير ، وقد سموه خمرًا ، فهو داخل تحت قوله : ]
إِنَّمَا الْخَمْرُ [ إلى قوله : ]
فَاجْتَنِبُوهُ [ .ا.هـ .
وروى ابن أبي شيبة والحاكم عن مريم بنت طارق قالت : كنت في نسوة من النساء المهاجرات حججنا ، فدخلنا على عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت : فجعل النساء يسألنها عن الظروف ، فقالت : يا معشر النساء إنكن لتذكرون ظروفًا ما كان كثير منها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاتقين الله واجتنبن ما يسكركن ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " وَإِنْ أَسْكَرَ مَاءُ حَبِّهَا ، فلتجتنبنه[SUP] (
[11] ) [/SUP].
قال مقيده – عفا الله عنه : فبينت الأحاديث أمورًا :
1 – تحريم الخمر من أي شيء كان : "
كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " .
2 – أن الخمر ما خامر العقل ، أي : غيَّره وأذهبه .
3 – أن كثير الخمر وقليله حرام .
4 – أن الخمر ما أسكر ، وإن سمي بغير الخمر .
وروى أحمد وعنه أبو داود وابن ماجة عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ : دَخَلَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ ، فَتَذَاكَرْنَا الطِّلَاءَ ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : "
لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا "[SUP] (
[12] ) [/SUP]؛ ورواه أحمد وابن ماجة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، ولفظ ابن ماجة : "
يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إِيَّاهُ "[SUP] (
[13] ) [/SUP]، ورواه أحمد والنسائي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [SUP] (
[14] )[/SUP] .
قال ابن حجر - رحمه الله : قال أبو عبيد : جاءت في الخمر آثار كثيرة بأسماء مختلفة ، فذكر منها السَكَر ( بفتحتين ) قال : وهو نقيع التمر إذا غلى بغير طبخ ؛ والجعة ( بكسر الجيم وتخفيف العين ) : نبيذ الشعير ، والسكركة : خمر الحبشة من الذرة .. إلى أن قال : وهذه الأشربة المسماة كلها عندي كناية عن الخمر ، وهي داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم : "
يَشْرَبُونَ
الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا " ؛ ويؤيد ذلك قول عمر : الخمر ما خامر العقل .ا.هـ [SUP]([/SUP]
[15] [SUP])[/SUP] .
قال ابن تيمية – رحمه الله : وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - بِمَا أُوتِيَهُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ - كُلَّ مَا غَطَّى الْعَقْلَ وَأَسْكَرَ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ نَوْعٍ وَنَوْعٍ ، وَلَا تَأْثِيرٍ لِكَوْنِهِ مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا ؛ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ يَصْطَبِغُ بِهَا ، وَالْحَشِيشَةُ قَدْ تُذَابُ فِي الْمَاءِ وَتُشْرَبُ ؛ فَكُلُّ خَمْرٍ يُشْرَبُ وَيُؤْكَلُ ، وَالْحَشِيشَةُ تُؤْكَلُ وَتُشْرَبُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ ؛ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي خُصُوصِهَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَدَثَ أَكْلُهَا مِنْ قَرِيبٍ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ، كَمَا أَنَّهُ قَدْ أُحْدِثَتْ أَشْرِبَةٌ مُسْكِرَةٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَكُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْكَلِمِ الْجَوَامِعِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ[SUP] (
[16] ) [/SUP].
[1] - البخاري ( 4343 ، 5266 ) ، ومسلم ( 3032 ) .
[2] - البخاري ( 5263 ، 5264 ) ، ومسلم ( 2001 ) .
[3] - مسلم ( 2002 ) .
[4] - مسلم ( 2003 ) ، وروى البخاري ( 5253 ) الجزء الثاني منه ، بلفظ : " من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها ، حرمها في الآخرة " .
[5] - البخاري ( 4343 ، 5266 ) ، ومسلم ( 3032 ) .
[6] - أحمد : 4 / 273 ، وأبو داود ( 3677 ) ، وابن ماجة ( 3379 ) ، وابن حبان ( 5398 ) .
[7] - أبو داود ( 3680 ) .
[8] - أحمد : 2 / 91 ، 167 ، 179 ، والنسائي ( 5607 ) ، وابن ماجة ( 3394 ) .
[9] - أحمد : 3 / 342 ، وأبو داود ( 3681 ) ، والترمذي ( 1865 ) ،، وابن ماجة ( 3393 ) .
[10] - أحمد : 4 / 232 ، وأبو داود ( 3683 ) ، وصححه الألباني .
[11] - ابن أبي شيبة ( 33753 ) ، والحاكم ( 7238 ) واللفظ له ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وماء حبها : أي جرتها .
[12] - أحمد : 5 / 342 ، وأبو داود ( 3688 ) ، وصححه الألباني .
[13] - أحمد : 5 / 318 ، وابن ماجة ( 3385 ) ، وصححه الألباني في الصحيح ( 90 ) .
[14] - أحمد : 4 / 237 ، والنسائي ( 5658 ) .
[15] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 52 ، وانظر كلام أبي عبيد في ( غريب الحديث ) : 2 / 176 ، دار الكتاب العربي – بيروت .
[16] - مجموع الفتاوى : 28 / 341 ، 342 .