آداب الشرب

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
clip_image001.wmz
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن وتقبل​
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فالشرب من أمور الحياة الضرورية ، بل حاجة الإنسان إلى الماء أشد من حاجته إلى الطعام ، فالماء أصل كل شيء حيٍّ ، قال الله تعالى : } وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ { [ الأنبياء : 30 ] .
وكلما اشتدت حاجة الخلق إلى شيء ما ، يسَّره الله تعالى تيسيرًا عامًا ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : ما اشتدت الحاجة إليه في الدين والدنيا فإن الله يجود به على عباده جودًا عامًّا ميسرًا ؛ فلما كانت حاجتهم إلى النَّفَسِ أكثر من حاجتهم إلى الماء ، وحاجتهم إلى الماء أكثر من حاجتهم إلى الأكل ، كان - سبحانه - قد جاد بالهواء جودًا عامًّا ، في كل مكان وزمان ، لضرورة الحيوان إليه ؛ ثم الماء دونه ، ولكنه يوجد أكثر مما يوجد القوت وأيسر ؛ لأن الحاجة إليه أشد[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وما أكثر تلك المشروبات التي أحلَّها الله تعالى ، وجعل فيها حياة الإنسان ونفعه وتمتعه ؛ فلك الحمد ربَّنا على ما تجود به وتنعم تفضلا ومنًّا .
وما أقل ما حرم الله تعالى من المشروبات ، وفيما أحلَّ غنية ، فلا يلجأ إلى ما حرم الله تعالى إلا كافر أو فاسق .
وفي هذه الرسالة أتناول ما يتعلق بالشرب من آداب في المحاور الآتية :
نعمة المشروبات
شكر النعمة
المحرمات من المشروبات
في كم يُشرب العصير ؟
النهي عن الْخَلِيطَيْنِ
النهي عن لبن الجلالة
أواني الشرب
النهي عن أواني الذهب والفضة
آداب الشرب
آداب خاصة بشرب اللبن
آداب أخرى
والله الكريم أسأل العون والقبول ، لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت وإليه أنيب ؛ وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية​


[1] - انظر ( الجواب الصحيح ) : 5 / 435 ، 436 .
 
نعمة المشروبات
نعمة المشروبات من نعم الله العظيمة ، إذ حاجة الإنسان لها ضرورية لحياته ، خاصة الماء ، قال الله تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ } ، والناس جميعًا يحتاجون لشرب الماء يوميًّا بكميات لابد منها لتبقى أجسامهم في الوضع الصحي لها ؛ قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا . لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا } [ الفرقان : 48 ، 49 ] .
ثم يأتي بعد نعمة الماء نعمة اللبن ، وإن كان اللبن فيه من الفوائد ما يربو على فوائد الماء ، إلا أن حاجة الناس إلى الماء أشد ، وقد لا يتمكن الكثير من شرب اللبن ؛ قال عز وجل : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ } [ النحل : 66 ] ، وقال سبحانه : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } [ المؤمنون : 21 ] .
ثم يأتي بعد ذلك أنواع العصائر التي تتخذ من ثمرات النخيل والأعناب ، كما قال الله تعالى : { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } [ النحل : 67 ] ؛ فالسَكَرُ : الخمر ، وهو محرم ؛ ومن الرزق الحسن : العصائر التي تتخذ من الثمرات .
 
شكر النعمة
واجب النِعَمِ الشكرُ ، ولذا قال الله تعالى عند الحديث عن تسخير الأنعام : { وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ } [ يـس : 73 ] .
وقال تعالى عند الحديث عن إنزال المطر : { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ . لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ } [ الواقعة : 68 - 70 ] ؛ والمزن : السحاب ؛ وقوله تعالى : { أُجَاجًا } أي : زعاقًا مرًّا ، لا يصلح لشرب ولا زرع ، { فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ } أي : فهلا تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عذبًا زلالًا ؟! { لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ النحل : 10 ، 11 ] ؛ وروى مسلم عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا " [SUP]( [1] ) [/SUP].


[1] - مسلم ( 2734 ) .
 
المحرمات من المشروبات
لم يحرم الله تعالى على عباده من المشروبات إلا الخمر والنجاسات ، والخمر : ما خامر العقل ، والنجاسات كالبول والعذرة والدم .
فكل ما أَثَّرَ من المشروبات في العقل فهو خمر ، وإن سُمِّيَ باسمٍ غير الخمر ؛ قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ المائدة : 90 ] .
وفي الصحيحين عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ شَرَابًا يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ : الْمِزْرُ مِنَ الشَّعِيرِ ، وَشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ : الْبِتْعُ مِنَ الْعَسَلِ ؛ فَقَالَ : " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ "[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وفيهما عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ "[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ وأسكر ، أي : من شأنه الإسكار ، وهو تغطية العقل وإذهاب الوعي .
وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ - وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ - فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ ، يُقَالُ لَهُ : الْمِزْرُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " أَوَمُسْكِرٌ هُوَ ؟ " ، قَالَ نَعَمْ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، إِنَّ عَلَى اللَّهِ U عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : " عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ "[SUP] ( [3] ) [/SUP].
وفيه – أيضًا - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ، فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ "[SUP] ( [4] ) [/SUP].
وفي الصحيحين عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ : الْعِنَبِ ، وَالتَّمْرِ ، وَالْحِنْطَةِ ، وَالشَّعِيرِ ، وَالْعَسَلِ ؛ وَالْخَمْرُ : مَا خَامَرَ الْعَقْلَ[SUP] ( [5] ) [/SUP].
وروى أحمد وأبو داود وابن ماجة عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ t قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ الْخَمْرَ مِنَ الْعَصِيرِ ، وَالزَّبِيبِ ، وَالتَّمْرِ ، وَالْحِنْطَةِ ، وَالشَّعِيرِ ، وَالذُّرَةِ ، وَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ "[SUP] ( [6] ) [/SUP].
وروى أبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " كُلُّ مُخَمِّرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا بُخِسَتْ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ " ، قِيلَ : وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ ، وَمَنْ سَقَاهُ صَغِيرًا لَا يَعْرِفُ حَلَالَهُ مِنْ حَرَامِهِ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ "[SUP] ( [7] ) [/SUP].
وروى أحمد والنسائي وابن ماجة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ "[SUP] ( [8] ) [/SUP]؛ ورواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه [SUP] [9] [/SUP]؛ ومعنى الحديث : ما يحصل السكر بشرب كثيره ، فهو حرام قليله وكثيره ، وإن كان قليله غير مسكر .
وروى أحمد وأبو داود عَنْ دَيْلَمٍ الْحِمْيَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا بِأَرْضٍ بَارِدَةٍ نُعَالِجُ فِيهَا عَمَلًا شَدِيدًا ، وَإِنَّا نَتَّخِذُ شَرَابًا مِنْ هَذَا الْقَمْحِ نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى أَعْمَالِنَا وَعَلَى بَرْدِ بِلَادِنَا ، قَالَ : " هَلْ يُسْكِرُ ؟ " قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : " فَاجْتَنِبُوهُ " ، قَالَ : قُلْتُ : فَإِنَّ النَّاسَ غَيْرُ تَارِكِيهِ ، قَالَ : " فَإِنْ لَمْ يَتْرُكُوهُ فَقَاتِلُوهُمْ "[SUP] ( [10] ) [/SUP].
قال البيهقي في ( معرفة السنن والآثار ) : قوله في شراب القمح : " فَاجْتَنِبُوهُ " وذلك يتناول القليل والكثير ؛ كقول الله عز وجل في الخمر : { فَاجْتَنِبُوهُ } ، وتلك الأخبار كلها تدل على منع النبي صلى الله عليه وسلم من شرب المسكر ، وذلك يتناول القليل والكثير ، وقد سموه خمرًا ، فهو داخل تحت قوله : ] إِنَّمَا الْخَمْرُ [ إلى قوله : ] فَاجْتَنِبُوهُ [ .ا.هـ .
وروى ابن أبي شيبة والحاكم عن مريم بنت طارق قالت : كنت في نسوة من النساء المهاجرات حججنا ، فدخلنا على عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت : فجعل النساء يسألنها عن الظروف ، فقالت : يا معشر النساء إنكن لتذكرون ظروفًا ما كان كثير منها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاتقين الله واجتنبن ما يسكركن ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " وَإِنْ أَسْكَرَ مَاءُ حَبِّهَا ، فلتجتنبنه[SUP] ( [11] ) [/SUP].
قال مقيده – عفا الله عنه : فبينت الأحاديث أمورًا :
1 – تحريم الخمر من أي شيء كان : " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " .
2 – أن الخمر ما خامر العقل ، أي : غيَّره وأذهبه .
3 – أن كثير الخمر وقليله حرام .
4 – أن الخمر ما أسكر ، وإن سمي بغير الخمر .
وروى أحمد وعنه أبو داود وابن ماجة عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ : دَخَلَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ ، فَتَذَاكَرْنَا الطِّلَاءَ ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا "[SUP] ( [12] ) [/SUP]؛ ورواه أحمد وابن ماجة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، ولفظ ابن ماجة : " يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إِيَّاهُ "[SUP] ( [13] ) [/SUP]، ورواه أحمد والنسائي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [SUP] ([14] )[/SUP] .
قال ابن حجر - رحمه الله : قال أبو عبيد : جاءت في الخمر آثار كثيرة بأسماء مختلفة ، فذكر منها السَكَر ( بفتحتين ) قال : وهو نقيع التمر إذا غلى بغير طبخ ؛ والجعة ( بكسر الجيم وتخفيف العين ) : نبيذ الشعير ، والسكركة : خمر الحبشة من الذرة .. إلى أن قال : وهذه الأشربة المسماة كلها عندي كناية عن الخمر ، وهي داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم : " يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا " ؛ ويؤيد ذلك قول عمر : الخمر ما خامر العقل .ا.هـ [SUP]([/SUP] [15] [SUP])[/SUP] .
قال ابن تيمية – رحمه الله : وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - بِمَا أُوتِيَهُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ - كُلَّ مَا غَطَّى الْعَقْلَ وَأَسْكَرَ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ نَوْعٍ وَنَوْعٍ ، وَلَا تَأْثِيرٍ لِكَوْنِهِ مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا ؛ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ يَصْطَبِغُ بِهَا ، وَالْحَشِيشَةُ قَدْ تُذَابُ فِي الْمَاءِ وَتُشْرَبُ ؛ فَكُلُّ خَمْرٍ يُشْرَبُ وَيُؤْكَلُ ، وَالْحَشِيشَةُ تُؤْكَلُ وَتُشْرَبُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ ؛ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي خُصُوصِهَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَدَثَ أَكْلُهَا مِنْ قَرِيبٍ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ، كَمَا أَنَّهُ قَدْ أُحْدِثَتْ أَشْرِبَةٌ مُسْكِرَةٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَكُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْكَلِمِ الْجَوَامِعِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ[SUP] ( [16] ) [/SUP].


[1] - البخاري ( 4343 ، 5266 ) ، ومسلم ( 3032 ) .

[2] - البخاري ( 5263 ، 5264 ) ، ومسلم ( 2001 ) .

[3] - مسلم ( 2002 ) .

[4] - مسلم ( 2003 ) ، وروى البخاري ( 5253 ) الجزء الثاني منه ، بلفظ : " من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها ، حرمها في الآخرة " .

[5] - البخاري ( 4343 ، 5266 ) ، ومسلم ( 3032 ) .

[6] - أحمد : 4 / 273 ، وأبو داود ( 3677 ) ، وابن ماجة ( 3379 ) ، وابن حبان ( 5398 ) .

[7] - أبو داود ( 3680 ) .

[8] - أحمد : 2 / 91 ، 167 ، 179 ، والنسائي ( 5607 ) ، وابن ماجة ( 3394 ) .

[9] - أحمد : 3 / 342 ، وأبو داود ( 3681 ) ، والترمذي ( 1865 ) ،، وابن ماجة ( 3393 ) .

[10] - أحمد : 4 / 232 ، وأبو داود ( 3683 ) ، وصححه الألباني .

[11] - ابن أبي شيبة ( 33753 ) ، والحاكم ( 7238 ) واللفظ له ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وماء حبها : أي جرتها .

[12] - أحمد : 5 / 342 ، وأبو داود ( 3688 ) ، وصححه الألباني .

[13] - أحمد : 5 / 318 ، وابن ماجة ( 3385 ) ، وصححه الألباني في الصحيح ( 90 ) .

[14] - أحمد : 4 / 237 ، والنسائي ( 5658 ) .

[15] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 52 ، وانظر كلام أبي عبيد في ( غريب الحديث ) : 2 / 176 ، دار الكتاب العربي – بيروت .

[16] - مجموع الفتاوى : 28 / 341 ، 342 .
 
في كم يُشرب العصير ؟
من المعلوم أن العصير إذا ترك ثلاثة أيام في جوٍّ فيه حرارة فإنه يتحول إلى خمرٍ ، نتيجة للتفاعلات الكيمائية التي تكون بين عناصره ، فتُغيِّر التركيبة الكيمائية للعصير مكونةً منه الخمر ، ولكن إذا حفظ العصير في جوٍّ بارد ، فإنه لا يتغير بسرعة كتغيره في الجوِّ العادي ، وإنما تطول مدة حفظه بحسب درجة البرودة المحفوظ عندها ؛ والأصل أن العصير إذا تغير لا يشرب ؛ لأنه يتحول عند ذلك إلى خمر .
روى أبو داود والنسائي وابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ ، فَتَحَيَّنْتُ فِطْرَهُ بِنَبِيذٍ صَنَعْتُهُ فِي دُبَّاءٍ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِهِ ، فَإِذَا هُـوَ يَنِشُّ ، فَقَالَ : " اضْرِبْ بِهَذَا الْحَائِطِ ، فَإِنَّ هَذَا شَرَابُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ "[SUP] ( [1] ) [/SUP]. وينش يعني : يغلي من دون طبخ ؛ وفي الحديث دليل على أن الحد بين العصير والخمر هذا الغليان الذي يحدث فيه نتيجة التفاعلات الداخلية ، مما يحوله إلى خمر .
وفي صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ ، فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إِلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى أَوْ يُهَرَاقُ ؛ وفي رواية لمسلم : يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ ، فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ ، وَالْغَدَ ، وَاللَّيْلَةَ الأُخْرَى ، وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ وفي رواية أبي داود : ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى الْخَدَمُ ، أَوْ يُهَرَاقُ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ : مَعْنَى ( يُسْقَى الْخَدَمُ ) : يُبَادَرُ بِه الْفَسَادَ[SUP] ( [3] ) [/SUP]، يعني يسقونه قبل أن يفسد .
و( يُهَرَاقُ ) : يصب ؛ وفي الحديث بيان للمدة التي يُشرب فيها العصير في الجوِّ العادي ، أما إذا حفظ في الثلاجة فيمكن أن يشرب طالما أنه لم يتغير ؛ وإن تغير في الجوِّ العادي قبل الثلاثة أيام فلا يشرب ، لأن الحد الفاصل بين العصير والخمر هو التغير كما تقدم .


[1] - أبو داود ( 3716 ) ، والنسائي ( 5610 ) ، وابن ماجه ( 3409 ) .

[2] - مسلم ( 2004 ) .

[3] - أبو داود ( 3713 ) .
 
النهي عن الْخَلِيطَيْنِ
الخليطان عبارة عن نقيع الزبيب ونقيع التمر ، يخلطان ، فيطبخ بعد ذلك أدنى طبخة ، ويترك إلى أن يغلي ويشتد[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وعلة النهي – والله أعلم – أن الخلط يُسرع من غليان العصير وتحوله إلى خمر .
في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا ، وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا[SUP] ( [2] ) [/SUP]. وفي الصحيحين عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ : نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّهْوِ ، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ ، وَلْيُنْبَذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ[SUP] ( [3] ) [/SUP]. والزهو : الملون من البسر .
قال ابن عبد البر - رحمه الله : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن ينبذ التمر والزبيب ، والزهو والرطب ، من طرق ثابتة ، من حديث ابن عباس ، ومن حديث أبي قتادة ، ومن حديث جابر ، ومن حديث أبي سعيد ، ومن حديث أبي هريرة ، ومن حديث أنس ... ثم ذكر الأحاديث .. ثم روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال : كان الرجل يمر على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم متوافرون ، فيلعنونه ، ويقولون : هذا يشرب الخليطين ، الزبيب والتمر[SUP] ( [4] ) [/SUP].


[1] - انظر ( النهاية في غريب الحديث والأثر ) مادة ( خ ل ط ) .

[2] - مسلم ( 1986 ) .

[3] - البخاري ( 5280 ) ، ومسلم ( 1988 ) .

[4] - انظر ( الاستذكار ) : 8 / 18 – 20 ؛ وأثر ابن أبي ليلى رواه ابن أبي شيبة ( 24033 ) .
 
النهي عن لبن الجلالة
الجلَّالة : هي الإبل التي يكون أكثر علفها العذرة ، وأرواح العذرة توجد في عرقها وجزرها . قال الشافعي - رحمه الله : وفى معنى الإبل : البقر والغنم وغيرهما مما يؤكل [SUP]([/SUP] [1] [SUP])[/SUP] .
والمراد ما ظهر في لحمها ولبنها نتن ؛ فإذا حبست أيامًا على علف طيب حتى يتغير ما بها من النتن ، جاز ذبحها وأكلها وشرب لبنها .
روى الترمذي وابن ماجة عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا ، ورواه أبو داود بلفظ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الجَلَّالَةِ فِي الْإِبِلِ : أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا ، أَوْ يُشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِهَا "[SUP] ( [2] )[/SUP] .
وروى أبو داود عَـنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ "[SUP] ( [3] ) [/SUP]؛ ورواه أحمد والنسائي بلفظ : نَهَى عَنْ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ ، وَعَنْ الْمُجَثَّمَةِ ، وَعَنْ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ[SUP] ( [4] ) [/SUP]؛ والمجثمة هي المصبورة التي تربط فترمي حتى تقتل .


[1] - انظر ( السنن الكبرى ) للبيهقي : 9 / 332 – دار الباز – مكة المكرمة .

[2] - أبو داود ( 3787 ) ، والترمذي ( 1824 ) ، وحسنه ، وابن ماجة ( 3189 ) وصححه الألباني .

[3] - أبو داود ( 3786 ) .

[4] - أحمد : 1 / 321 ، والنسائي ( 4448 ) .
 
أواني الشرب
من المعلوم أنه يباح الشرب في جميع الأواني إلا ما جاء النهي عن الشرب فيها ، وهي منحصرة في أواني الذهب والفضة ؛ وأما ما جاء في النهي عن بعض الأوعية كالمزفت ( الإناء المطلي بالزفت ) ، والدباء ( القرع : كانوا ينتبذون فيه ) ، والحنتم ( جرار مدهونة خضر ، تسرع الشدة فيها لأجل دهنها ) ، والنقير ( أصل النخلة ، ينقر وسطه ثم ينتبذ فيه ) ، فقد جاء نسخ ذلك في أحاديث منها ما رواه مسلم عَنِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الأَشْرِبَةِ ( إلا ) فِي ظُرُوفِ الأَدَمِ ، فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا " ، وفي رواية : " نَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلاَّ فِي سِقَاءٍ ، فَاشْرَبُوا فِي الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا ، وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا " ، وفي أخرى : " نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ ، وَإِنَّ الظُّرُوفَ - أَوْ ظَرْفًا - لاَ يُحِلُّ شَيْئًا وَلاَ يُحَرِّمُهُ ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ "[SUP] ( [1] ) [/SUP].
قال النووي - رحمه الله : كان الانتباذ في هذه الأوعية منهيًّا عنه في أول الإسلام ، خوفًا من أن يصير مسكرًا فيها ولا نعلم به لكثافتها ، فتتلف ماليته ، وربما شربه الإنسان ظانًّا أنه لم يصر مسكرًا ، فيصير شاربًا للمسكر ، وكان العهد قريبًا بإباحة المسكر ، فلما طال الزمان ، واشتهر تحريم المسكر ، وتقرر ذلك في نفوسهم ، نسخ ذلك ، وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء ، بشرط أن لا تشربوا مسكرًا ؛ وهذا صريح قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة : " فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا "[SUP] ( [2] ) [/SUP].


[1] - مسلم ( 977 ) .

[2] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 13 / 159 .
 
النهي عن أواني الذهب والفضة
في الصحيحين عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه ، فَاسْتَسْقَى ، فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ ، فَلَمَّا وَضَعَ الْقَدَحَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ ، وَقَالَ : لَوْلَا أَنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ ؛ كَأَنَّهُ يَقُولُ : لَمْ أَفْعَلْ هَذَا ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا ؛ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ " ، وعند مسلم : اسْتَسْقَى حُذَيْفَةُ ، فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ فِي إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وفي الصحيحين - أيضًا - عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ ، أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي ، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ ؛ وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ ، وَعَنْ الشُّرْبِ فِي الْفِضَّةِ - أَوْ قَالَ : آنِيَةِ الْفِضَّةِ - وَعَنْ الْمَيَاثِرِ ، وَالْقَسِّيِّ ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْإِسْتَبْرَقِ . وفي رواية لمسلم : وَعَنِ الشُّرْبِ فِي الْفِضَّةِ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا ، لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا فِي الآخِرَةِ[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وروى النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا ، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ ، وَمَنْ شَرِبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الدُّنْيَا ، لَمْ يَشْرَبْ بِهَا فِي الآخِرَةِ " ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " لِبَاسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَشَرَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَآنِيَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ "[SUP] ( [3] ) [/SUP].
وفي الصحيحين عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ ، إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ " ؛ وفي رواية عند مسلم : " مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِى بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ "[SUP] ( [4] ) [/SUP].
ومعناه : تصوت النار في بطنه ، والجرجرة : التصويت ، وسمى المشروب نارًا ؛ لأنه يؤول إليها ، كما قال تعالى : ] إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [ [ النساء : 10 ] [SUP]( [5] ) [/SUP].
في هذه الأحاديث تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة على كل مكلف ، رجلا كان أو امرأة ؛ والوعيد بالعذاب لمن خالف ذلك ، وأنه لا يشرب فيها في الجنة ، وإن دخلها .
قال ابن عبد البر - رحمه الله : وأجمع العلماء على أنه لا يجوز لمسلم أن يشرب ولا يأكل في آنية الفضة ، وآنية الذهب عندهم كذلك أو أشد ؛ لأنه قد جاء فيها مثل ما جاء في آنية الفضة [SUP]( [6] ) [/SUP].
وقال في ( التمهيد ) : واختلف العلماء في المعنى المقصود بهذا الحديث ، فقالت طائفة : إنما عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ ، إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ " المشركين الذين كانوا يشربون فيها ، فأخبر عنهم ، وحذرنا أن نفعل مثل ذلك من فعلهم ، وأن نتشبه بهم ؛ وقال آخرون : كل من علم بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم الشراب في آنية الفضة ، ثم يشرب فيها ، استوجب النار ، إلا أن يعفو الله عنه بما ذكر من مغفرته لمن يشاء ممن لا يشرك به شيئًا ؛ وأجمع العلماء على أنه لا يجوز الشرب بها .ا.هـ [SUP]( [7] ) [/SUP].


[1] - البخاري ( 5110 ) ، ومسلم ( 2067 ) .

[2] - البخاري ( 5312 ) ، ومسلم ( 2066 ) .

[3] - النسائي في الكبرى ( 6869 ) وقال ابن حجر في ( فتح الباري ) : 10 / 97 : إسناده قوي ا.هـ . وصححه الألباني في صحيح الترغيب .

[4] - البخاري ( 5311 ) ، ومسلم ( 2065 ) .

[5] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 14 / 28 .

[6] - انظر ( الاستذكار ) : 8 / 350 .

[7] - انظر (التمهيد ) لابن عبد البر : 16 / 104.
 
آداب الشرب
للشرب آداب غير ما قدمناه ، نجملها في الآتي :
استعذاب الماء - الشرب باليمين – الشرب قاعدًا – التسمية – التنفس ثلاثًا – حمد الله تعالى بعد الشرب – مناولة من على اليمين – ساقي القوم آخرهم شربًا – آداب خاصة بشرب اللبن – آداب أخرى .
1 – استعذاب الماء
استعذاب الماء ، أي : طلب الماء العذب ، روى أحمد وأبو داود عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسْتَعْذَبُ لَهُ الْمَاءُ مِنْ بُيُوتِ السُّقْيَا[SUP] ( [1] ) [/SUP]. قال أبو داود : قَالَ قُتَيْبَةُ ( ابن سعيد ) : عَيْنٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ .
والذي يظهر أن هذه العين كانت من أعذب العيون ماء ، وقد ذكر أن عيون المدينة كانت مالحة ؛ وفيه أن من السنة أن يُطلب الماء العذب ، وإن بعدت مسافته ، عند القدرة على ذلك .


[1] - أحمد : 6 / 100 ، 108 ، وأبو داود ( 3735 ) ، ورواه ابن حبان ( 5332 ) ، والحاكم ( 7204 ) ، وصححه على شرط مسلم .
 
2 - الشرب باليمين
هذا من الأدب الذي لابد من التزامه ، فإن الشيطان هو الذي يأكل بشماله ويشرب بشماله ؛ فقد روى مسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ " [SUP]( [1] )[/SUP] .
وعند ابن ماجه عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ ، وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ ، وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ ، وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ ، وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ "[SUP] ( [2] ) [/SUP].
قال ابن عبد البر – رحمه الله – في حديث ابن عمر : في هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكل باليمين ، وفي حديث جابر النهي عن الأكل بالشمال والشرب بها ؛ ومعلوم أن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، وهذا تأكيد منه صلى الله عليه وسلم في النهي عن الأكل بالشمال ، والشرب بها ؛ فمن أكل بشماله ، أو شرب بشماله ، وهو عالم بالنهي ، ولا عذر له ، ولا علة تمنعه ، فقد عصى الله ورسوله ، ومن عصى الله ورسوله فقد غوى [SUP]( [3] ) [/SUP].


[1] - مسلم ( 2020 ) ، ورواه أبو داود ( 3776 ) ، والترمذي ( 1799 ) ، والنسائي في الكبرى ( 6745 – 6748 ) .

[2] - ابن ماجة ( 3266 ) ، وصححه الألباني .

[3] - الاستذكار : 8 / 341 ، 342 ؛ وراجع رسالتنا ( آداب الأكل ) عند أدب ( الأكل باليمين ) .
 
3 – الشُّرْبِ قاعدًا
الأصل في الأكل والشرب أن يكون من جلوس ، وهو الأفضل ، وهو الأدب العام في الشرب ، ولكن ورد من فعله صلى الله عليه وسلم أنه شرب قائمًا ، وذلك لبيان الجواز .
ودليل الجواز ما رواه البخاري عَنْ النَّزَّالِ بنِ سَبْرَةَ قَالَ : أَتَى عَلِيٌّ رضي الله عنه عَلَى بَابِ الرَّحَبَةِ ، فَشَرِبَ قَائِمًا ؛ فَقَالَ : إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهُوَ قَائِمٌ ، وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وروى الترمذي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ جَدَّتِهِ كَبْشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَشَرِبَ مِنْ فِي قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ قَائِمًا[SUP] ( [2] ) [/SUP]، ورواه ابن ماجة بلفظ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها قربة معلقة ؛ فشرب منها وهو قائم[SUP] ( [3] ) [/SUP].
وفي الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ : سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ زَمْزَمَ ، فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ[SUP] ( [4] ) [/SUP]؛ قيل : إنما شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا لضيق المحل عن التمكن من الجلوس للشرب ؛ ففيه جواز الشرب قائمًا لعذر .
قال مقيده – عفا الله عنه : لكن حديث عَلِيٍّ رضي الله عنه المتقدم يفيد جواز الشرب قائمًا لغير عذر ؛ وروى أحمد عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي حَافِيًا وَنَاعِلًا ، وَيَصُومُ فِي السَّفَرِ وَيُفْطِرُ ، وَيَشْرَبُ قَائِمًا وَقَاعِدًا ، وَيَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ؛ ورواه الترمذي مختصرًا بلفظ : رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ قَائِمًا وقَاعِدًا [SUP] ( [5] ) [/SUP]، ورواه أحمد والنسائي عن عائشة رضي الله عنها[SUP] ( [6] ) [/SUP].
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قَالَ : كُنَّا نَأكُلُ عَلَى عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نمشِي ، وَنَشْرَبُ ونَحْنُ قِيامٌ . رواه أحمد الترمذي وابن ماجة[SUP] ( [7] ) [/SUP].
فهذه الأحاديث تدل على جواز الشرب قائمًا ، وإن كان الأفضل الشرب قاعدًا ؛ وثبت ذلك من فعل الصحابة رضي الله عنهم ، ففي الموطأ قال الإمام مالك أخبرنا ابن شهاب ( الزهري ) أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وسعد بن أبي وقاص كانا لا يريان بشرب الإنسان وهو قائم بأسًا[SUP] ( [8] )[/SUP] ؛ وفيه عن أبي جعفر القارئ أنه قال : رأيت عبد الله بن عمر يشرب قائمًا[SUP] ( [9] )[/SUP] ؛ وفيه – أيضًا – عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان يشرب قائمًا[SUP] ( [10] )[/SUP] ؛ وفيه عن مالك أنه بلغه : أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان كانوا يشربون قيامًا[SUP] ( [11] )[/SUP] .
وقد جاءت أحاديث تدل على النهي عن الشرب من قيام ، منها : ما رواه مسلم عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا ؛ وفي رواية : نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا ؛ قَالَ قَتَادَةُ : فَقُلْنَا ( أي : لأنس ) : فَالأَكْلُ ؟ فَقَالَ : ذَاكَ أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ[SUP] ( [12] ) [/SUP].
قيل : وإنما جعل الأكل أشر لطول زمنه بالنسبة لزمن الشرب[SUP] ( [13] ) [/SUP].
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا ؛ وفي رواية : نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا[SUP] ( [14] ) [/SUP].
وفيه أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا ، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِيْء "[SUP] ( [15] )[/SUP] .
قال البغوي – رحمه الله : وهذا النهي نهي أدب وإرفاق ، ليكون تناوله على سكون وطمأنينة ، فيكون أبعد من أن يكون منه فساد[SUP] ( [16] ) [/SUP].
وقال النووي – رحمه الله – ما ملخصه : ليس في الأحاديث إشكال ، ولا فيها ضعيف ، بل الصواب أن النهي فيها محمول على التنزيه ، وشربه قائمًا لبيان الجواز ، وأما من زعم نسخًا أو غيره فقد غلط ، فإن النسخ لا يصار إليه مع إمكان الجمع لو ثبت التاريخ ، وفعله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز لا يكون في حقه مكروهًا أصلا ، فإنه كان يفعل الشيء للبيان مرة أو مرات ، ويواظب على الأفضل ؛ والأمر بالاستقاءة محمول على الاستحباب ، فيستحب لمن شرب قائمًا أن يستقيء ، لهذا الحديث الصحيح الصريح ، فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب حمل على الاستحباب[SUP] ( [17] ) [/SUP].
ونقل ابن حجر في ( الفتح ) عن المازري – رحمه الله – قال : والذي يظهر لي أن أحاديث شربه قائمًا تدل على الجواز ، وأحاديث النهي تحمل على الاستحباب والحث على ما هو أولى وأكمل ؛ أو لأن في الشرب قائمًا ضررًا فأنكره من أجله ، وفعله هو لأمنه ، قال : وعلى هذا الثاني يحمل قوله : " فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِيْء " على أن ذلك يحرك خلطًا يكون القيء دواءه ؛ ويؤيده قول النخعي : إنما نهى عن ذلك لداء البطن[SUP] ( [18] ) [/SUP].
وقيل : إن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطب مخافة وقوع ضرر به ، فإن الشرب قاعدًا أمكن وأبعد من الشرق وحصول الوجع في الكبد أو الحلق ، وكل ذلك قد لا يأمن منه من شرب قائمًا[SUP] ( [19] ) [/SUP].
قال ابن القيم – رحمه الله : وأما إذا فعله نادرًا ، أو لحاجة لم يضره[SUP] ( [20] ) [/SUP].
وصفوة القول أن الأدب في الشرب أن يكون من قعود ، مع جواز الشرب قائمًا لحاجة ، أو لغيرها أحيانًا .. والعلم عند الله تعالى .


[1] - البخاري ( 5292 ) .

[2] - الترمذي ( 1892 ) ، وقال : حسن صحيح غريب ، وصححه الألباني .

[3] - ابن ماجة ( 3423 ) ، وصححه الألباني .

[4] - البخاري ( 1556 ) ، ومسلم ( 2027 ) .

[5] - أحمد : 2 / 174 ، والترمذي ( 1883 ) ، وقال : حسن صحيح ، وابن ماجة ( 3301 ) ، وصححه الألباني .

[6] - أحمد : 6 / ، والنسائي ( 1361 ) ، وصححه الألباني .

[7] - أحمد : 2 / 108 ، والترمذي ( 1880 ) ، وقال : صحيح غريب ، وابن ماجة ( 3301 ) ، وصححه الألباني .

[8] - الموطأ : 2 / 926 ( 1652 ) .

[9] - الموطأ : 2 / 926 ( 1653 ) .

[10] - الموطأ : 2 / 926 ( 1654 ) .

[11] - الموطأ : 2 / 926 ( 1651 ) .

[12] - مسلم ( 2024 ) .

[13] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 82 .

[14] - مسلم ( 2025 ) .

[15] - مسلم ( 2026 ) .

[16] - انظر ( شرح السنة ) : 11 / 381 .

[17] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 13 / 195 ، باختصار .

[18] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 83 .

[19] - انظر ( فتح الباري ) : 10/ 83 ، و( زاد المعاد ) : 4 / 209 .

[20] - انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 209 .
 
4 – التسمية
هذا من الأدب العام في الشراب والطعام ، وهو من أسباب البركة فيهما ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَشْرَبُ فِي ثَلاثَةِ أَنْفَاسٍ ، إِذَا أَدْنَى الإِنَاءَ إِلَى فِيهِ سَمَّى اللَّهَ ، فَإِذَا أَخَّرَهُ حَمِدَ اللَّهَ ، يَفْعَلُ بِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ [SUP]( [1] ) [/SUP].
قال ابن القيم – رحمه الله : وللتسمية في أول الطعام والشراب، وحمد الله في آخره ، تأثير عجيب في نفعه ، واستمرائه ، ودفع مضرته[SUP] ( [2] ) [/SUP].
والحديث يدل على أنه تستحب التسمية عند الشرب ، وبعد النفس ، ويستحب الحمد بعد تأخير الإناء ، أي أن التسمية تكون ثلاث مرات ، وكذلك الحمد ثلاث مرات .


[1] - رواه الطبراني في الأوسط ( 840 ) ، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح : 16 / 112 ، وقال : وَأَصْله فِي اِبْن مَاجَهْ ، وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود عِنْد الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ ؛ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس : " وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ ، وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ " ، وَهَذَا يَحْتَمِل أَنْ يَكُون شَاهِدًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة الْمَذْكُور ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ فِي الِابْتِدَاء وَالِانْتِهَاء فَقَطْ ، وَاَللَّه أَعْلَم .

[2] - انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 210 .
 
5 – التنفس ثلاثا عند الشرب
هذا أدب فيه من الفوائد الكثير ، ففي صحيح مسلم عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاَثًا ، وَيَقُولُ : " إِنَّهُ أَرْوَى ، وَأَبْرَأُ ، وَأَمْرَأُ " ؛ قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاَثًا[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وأروى : من الري ، أي : أكثر ريًّا ؛ وأبرأ ، أي : أبرأ من ألم العطش ، وقيل : أبرأ ، أي : أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفسٍ واحد ؛ ومعنى أمرأ ، أي : أجمل انسياغًا .
قال ابن القيم - رحمه الله : الشراب في لسان الشارع وحملة الشرع هو الماء ، ومعنى تنفسه في الشراب : إبانته القدح عن فيه ، وتنفسه خارجه ، ثم يعود إلى الشراب ، كما جاء مصرحًا به في الحديث الآخر : " إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في القدح ، ولكن ليبن الإناء عن فيه "[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ وفي هذا الشرب حكم جمة ، وفوائد مهمة ، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على مجامعها بقوله : " إِنَّهُ أَرْوَى ، وَأَبْرَأُ ، وَأَمْرَأُ " ، فأروى : أشدُّ ريًّا وأبلغه وأنفعه ، وأبرأ : أفعل من البرء ، وهو الشفاء ، أي : يبرئ من شدة العطش ودائه ، لتردده على المعدة الملتهبة دفعات ، فتسكن الدفعة الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه ، والثالثة ما عجزت الثانية عنه ؛ وأيضًا فإنه أسلم لحرارة المعدة ، وأبقى عليها من أن يهجم عليها البارد وهلة واحدة ، ونهلة واحدة ؛ وأيضًا فإنه لا يروي لمصادفته لحرارة العطش لحظة ثم يقلع عنها ولما تكسر سورتها وحدتها ، وإن انكسرت لم تبطل بالكلية ، بخلاف كسرها على التمهل والتدريج ؛ وأيضًا فإنه أسلم عاقبة ، وآمن غائلة ، من تناول جميع ما يروي دفعة واحدة ، فإنه يخاف منه أن يطفئ الحرارة الغريزية بشدة برده ، وكثرة كميته ، أو يضعفها ، فيؤدي ذلك إلى فساد مزاج المعدة والكبد ، وإلى أمراض رديئة ، خصوصًا في سكان البلاد الحارة كالحجاز واليمن ونحوهما ، أو في الأزمنة الحارة ، كشدة الصيف ؛ فإن الشرب وهلة واحدة مخوف عليهم جدًّا ، فإن الحار الغريزي ضعيف في بواطن أهلها ، وفي تلك الأزمنة الحارة .
وقوله : " وَأَمْرَأُ " هو أفعل من مريء الطعام والشراب في بدنه إذا دخله وخالطه بسهولة ولذة ونفع ، ومنه : { فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } [ النساء : 4 ] ، هنيئا في عاقبته ، مريئا في مذاقه ؛ وقيل : معناه أنه أسرع انحدارًا عن المريء لسهولته وخفته عليه ، بخلاف الكثير فإنه لا يسهل على المريء انحداره .
ومن آفات الشرب نهلة واحدة أنه يخاف منه الشرق ، بأن ينسد مجرى الشراب لكثرة الوارد عليه ، فيغص به ، فإذا تنفس رويدًا ثم شرب أمن من ذلك .
ومن فوائده : أن الشارب إذا شرب أول مرة تصاعد البخار الدخاني الحار الذي كان على القلب والكبد ، لورود الماء البارد عليه ، فأخرجته الطبيعة عنها ، فإذا شرب مرة واحدة ، اتفق نزول الماء البارد وصعود البخار فيتدافعان ويتعالجان ، ومن ذلك يحدث الشرق والغصة ، ولا يتهنأ الشارب بالماء ، ولا يمرئه ، ولا يتم ريه ، وقد روى عبد الله بن المبارك والبيهقي وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمُصَّ مَصًّا ، وَلاَ يَعُبَّ عَبًّا ، فَإِنَّ الْكُبَادَ مِنَ الْعَبِّ "[SUP] ( [3] ) [/SUP]؛ والكباد ( بضم الكاف وتخفيف الباء ) هو وجع الكبد ، وقد علم بالتجربة أن ورود الماء جملة واحدة على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها ؛ وسبب ذلك المضادة التي بين حرارتها وبين ما ورد عليها من كيفية المبرود وكميته ، ولو ورد بالتدريج شيئًا فشيئًا لم يضاد حرارتها ، ولم يضعفها ، وهذا مثاله صب الماء البارد على القدر وهي تفور ، لا يضرها صبه قليلًا قليلا ، وقد روى الترمذي في جامعه عنه صلى الله عليه وسلم : " لَا تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ ، وَلَكِنْ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلَاثَ ، وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ ، وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ " [SUP]( [4] ) [/SUP].
وروى الترمذي والحاكم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الشُّرْبِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : الْقَذَاةُ أَرَاهَا فِي الْإِنَاءِ ! قَالَ : " أَهْرِقْهَا " ، قَالَ : فَإِنِّي لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ ، قَالَ : " فَأَبِنْ الْقَدَحَ إِذَنْ عَنْ فِيكَ " [SUP]( [5] ) [/SUP].
قال ابن تيمية – رحمه الله – تعليقًا على حديث أبي سعيد رضي الله عنه : فَلَمْ يَنْهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الشُّرْبِ بِنَفَسِ وَاحِدٍ ؛ وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ لَهُ الرَّجُلُ : إنِّي لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ ، قَـالَ : " أَبِنْ الْقَدَحَ عَنْ فِيك " أَيْ : لِتَتَنَفَّسْ إذَا احْتَجْت إلَى النَّفَسِ خَارِجَ الْإِنَاءِ ؛ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رُوِيَ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى النَّفَسِ جَازَ ؛ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْجَبَ التَّنَفُّسَ وَحَرَّمَ الشُّرْبَ بِنَفَسِ وَاحِدٍ ؛ وَفِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، كَمَا كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنَ فِي تَنَعُّلِهِ ، وَتَرَجُّلِهِ ، وَطَهُورِهِ ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ ؛ وَلَوْ بَدَأَ فِي الطِّهَارَةِ بِمَيَاسِرِهِ قَبْلَ مَيَامِنِهِ كَانَ تَارِكًا لِلِاخْتِيَارِ ، وَكَانَ وُضُوءُهُ صَحِيحًا مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ [SUP]([/SUP] [6] [SUP])[/SUP] .
قلت : في مصنف ابن أبي شيبة عن ميمون بن مهران قال : رآني عمر بن عبد العزيز وأنا أشرب ، فجعلت أقطع شرابي وأتنفس ، فقال : إنما هي أن تتنفس في الإناء ، فإذا لم تتنفس في الإناء فاشربه إن شئت بنفس واحد[SUP] ( [7] ) [/SUP]. قال الحافظ في ( الفتح ) : و هو تفصيل حسن ، وقد ورد الأمر بالشرب بنفس واحد من حديث أبي قتادة مرفوعًا ؛ أخرجه الحاكم ، و هو محمول على التفصيل المذكور[SUP] ( [8] ) [/SUP].
قلت : الحديث المشار إليه ، رواه الحاكم من حديث أبي قتادة مرفوعًا : " إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَشْرَبْ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ "[SUP] ( [9] ) [/SUP].
وجواز الشرب بنفسٍ واحد ، لا ينافي أن السنة أن يشرب بثلاثة أنفاس ، فكلاهما جائز ، لكن الثاني أفضل لحديث أنسٍ المتقدم : كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاَثًا ، وَيَقُولُ : " إِنَّهُ أَرْوَى ، وَأَبْرَأُ ، وَأَمْرَأُ " ؛ والعلم عند الله تعالى .


[1] - مسلم ( 2028 ) ، ورواه البخاري ( 5308 ) مختصرًا .

[2] - رواه ابن ماجة ( 3427 ) عَن أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيُنَحِّ الْإِنَاءَ ، ثُمَّ لِيَعُدْ إِنْ كَانَ يُرِيدُ " ، وإسناده صحيح .

[3] - البيهقي في ( السنن الكبرى ) : 7 / 284 ( 14436 ) مرسلا .

[4] - انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 210 ؛ وحديث الترمذي رواه ( 1885 ) عن ابن عباس ، وفي سنده : يزيد بن سنان ، أبو فروة الرهاوي ، وهو ضعيف ، وشيخه فيه مجهول ، فالحديث ضعيف .

[5] - الترمذي ( 1887 ) وصححه ، والحاكم ( 7208 ) ، وصححه ووافقه الذهبي .

[6] - انظر ( مجموع الفتاوى ) : 32 / 209 .

[7] - ابن أبي شيبة ( 24165 ) ، ونقل جواز الشرب بنفس واحد عن ابن المسيب ( 24164 ) ، وعطاء ( 24163 ) .

[8] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 95 ، 96 .

[9] - الحاكم ( 7207 ) وصححه على شرطهما .
 
النهي عن التنفس في الإناء
هذا من الأدب الذي فيه رعاية من يشرب معه ، كما أن فيه رعاية نفسه أيضًا ، فربما تقذره هو - كما يتقذره الآخرون - إذا رأى فيه شيئًا خرج من تنفسه أو نفخه في الإناء .
في الصحيحين عَنْ أَبِى قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الإِنَاءِ[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وروى أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ ، أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ[SUP] ( [2] ) [/SUP]. قال ابن القيم - رحمه الله : وأما النفخ في الشراب فإنه يكسبه من فم النافخ رائحة كريهة يعاف لأجلها ، ولا سيما إن كان متغير الفم ؛ وبالجملة : فأنفاس النافخ تخالطه ، ولهذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين النهي عن التنفس في الإناء ، والنفخ فيه في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ ، أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ[SUP] ( [3] ) [/SUP].
وروى أبو يعلى والحاكم وصححه عَن أبي هُرَيرة رضي الله عنه قال : قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم : " لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب فيه ، ولكن إذا أراد أن يتنفس فليؤخر ، ثم ليتنفس " [SUP]( [4] ) [/SUP]؛ ومعنى ( الْقَذَاةُ أَرَاهَا فِي الْإِنَاءِ ) أي : القشة ، أو شيء تستقذره النفس ، فيريد أن يبعده بنفخة ؛ قال : " أَهْرِقْهَا " أي : لا تبعده بالنفخ ، ولكن أهرقها ، أي : اسكب من الماء ما ينزل معه هذه القذاة .
ثم بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يتنفس كيف يفعل ، فقال : " ولكن إذا أراد أن يتنفس فليؤخر ، ثم ليتنفس " أي : يؤخر الإناء عن فمه ، ثم يتنفس .


[1] - البخاري ( 5307 ) ، ومسلم ( 267 ) .

[2] - أحمد : 1 / 220 ، وأبو داود ( 3728 ) ، والترمذي ( 1888 ) وصححه ، وابن ماجة ( 3428 ) .

[3] - انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 215 .

[4] - أبو يعلى ( 6677 ) ، والحاكم ( 7207 ) ، وصححه ، ووافقه الذهبي .
 
6 - حمد الله تعالى بعد الشرب
تقدم ما رواه مسلم عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا " ، وتقدم - أيضًا - حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَشْرَبُ فِي ثَلاثَةِ أَنْفَاسٍ ، إِذَا أَدْنَى الإِنَاءَ إِلَى فِيهِ سَمَّى اللَّهَ ، فَإِذَا أَخَّرَهُ حَمِدَ اللَّهَ ، يَفْعَلُ بِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ .
وفي حمد الله تعالى بعد الشرب شكر لنعمة الله تعالى .
 
7 - مناولة من على اليمين
هذا أدب راقٍ يعلمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم ، رعاية للجميع ، وحتى لا يدخل في نفس أحد ممن يشارك في الشرب شيء ، فمن شرب في مجتمع من الناس فليعط من عن يمينه ، وإن كان الذي عن شماله أفضل ؛ فقد روى مالك ومن طريقه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ ، وَعَنْ شِمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ ، فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ ، وَقَالَ : " الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ " ، وَفِي رِوَايَةٍ : قَالَ أَنَسٌ : فَهِيَ سُنَّةٌ ، فَهِيَ سُنَّةٌ ، فَهِيَ سُنَّةٌ[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ و شيب ، أي : خُلِطَ .
وروى مالك ومن طريقه الشيخان عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِشَرَابٍ ، فَشَرِبَ مِنْهُ ؛ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ ، وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ : " أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ " فَقَالَ الْغُلَامُ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا ؛ قَالَ : فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ e فِي يَدِهِ[SUP] ( [2] ) [/SUP]؛ وتَلَّهُ ، أي : ألقاه ووضعه في يده ؛ وهذا الغلامُ هُوَ ابْنُ عباس رضي الله عنهما .
قال النووي – رحمه الله : فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث بَيَان هَذِهِ السُّنَّة الْوَاضِحَة ، وَهُوَ مُوَافِق لِمَا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِل الشَّرْع مِنْ اِسْتِحْبَاب التَّيَامُن فِي كُلّ مَا كَانَ مِنْ أَنْوَاع الْإِكْرَام ؛ وَفِيهِ أَنَّ الْأَيْمَن فِي الشَّرَاب وَنَحْوه يُقَدَّم ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَفْضُولًا ؛ لِأَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ الْأَعْرَابِيّ وَالْغُلَام عَلَى أَبِي بَكْر رضي الله عنه[SUP] ( [3] ) [/SUP].
فائدة : فِي الحديث جَوَازُ شَوْبِ اللَّبَنِ ، أَيْ : خَلْطِهِ بِالْمَاءِ ، إذَا كَانَ الْقَصْدُ اسْتِعْمَالَهُ لِنَفْسِهِ ، أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِهِ ، أَوْ لِأَضْيَافِهِ ؛ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ شَوْبُهُ بِالْمَاءِ فِيمَا إذَا أَرَادَ بَيْعَهُ ؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ ؛ قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَالْحِكْمَةُ فِي شَوْبِهِ أَنْ يَبْرُدَ ، أَوْ يَكْثُرَ ، أَوْ لِلْمَجْمُوعِ .ا.هـ [SUP] ( [4] ) [/SUP].


[1] - الموطأ : 2 / 926 ( 1655 ) ، والبخاري ( 5296 ) ، ومسلم ( 2029 ) .

[2] - الموطأ : 2 / 926 ( 1656 ) ، والبخاري ( 5297 ) ، ومسلم ( 2030 ) .

[3] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 7 / 71 .

[4] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 13 / 201 .
 
8 - ساقي القوم آخرهم شربًا
هذا أدب جميل يعلِّمُنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن تولى سقاية الناس فلا يشرب حتى يشرب جميعهم ، ويكون هو آخرهم شربًا .
روى أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا "[SUP] ( [1] ) [/SUP]، ورواه الترمذي وابن ماجة عن أبي قتادة[SUP] ( [2] ) [/SUP]، وهو جزء من حديث رواه مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه[SUP] ( [3] ) [/SUP].


[1] - أحمد : 4 / 354 ، 382 ، وأبو داود ( 3725 ) ، وصححه الألباني .

[2] - أحمد : 5 / 302 ، 305 ، والترمذي ( 1894 ) وصححه ، والنسائي في الكبرى ( 6867 ) ، وابن ماجة ( 3434 ) .

[3] - مسلم ( 681 ) .
 
آداب خاصة بشرب اللبن
يتعلق بشرب اللبن أدبان :
الأول : المضمضة ؛ ففي الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ ، وَقَالَ : " إِنَّ لَهُ دَسَمًا " ؛ وعند مسلم : ( ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ ) ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ لَهُ دَسَمًا "[SUP] ([/SUP] [1] [SUP])[/SUP] ، هو ما يظهر على اللبن من الدهن ؛ وهذا تعليل للمضمضة ؛ قال ابن حجر – رحمه الله : فيه بيان العلة للمضمضة من اللبن ، فيدل على استحبابها من كل شيء دَسِم ، ويستنبط منه استحباب غسل اليدين للتنظيف[SUP] ( [2] ) [/SUP].
الثاني : اللّهُمّ بارِكْ لَنَا فِيهِ ، وَزِدْنَا مِنْهُ : روى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ أَطْعَمه الله طعامًا فليقل : " اللهمّ بَارِك فيه ، وأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ ؛ وَمَنْ سَقَاهُ الله لَبَنًا ، فَلْيَقُلْ : اللّهُمّ بارِكْ لَنَا فِيهِ ، وَزِدْنَا مِنْهُ " وَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : " لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مَكانَ الطّعَامِ وَالشّرَابِ غَيْرَ اللّبَنِ " [SUP]( [3] ) [/SUP]؛ أي : ليس شيء يكفي في دفع الجوع والعطش معًا مكان الطعام والشراب ، أي : مكان جنس المأكول والمشروب وبدلهما غير اللبن .


[1] - البخاري ( 208 ، 5286 ) ، ومسلم ( 358 ) .

[2] - انظر ( فتح الباري: 1 / 313 .

[3] - أحمد : 1 / 225 ، 284 ، وأبو داود ( 3730 ) ، والترمذي ( 3455 ) ، وابن ماجة ( 3285 ) .
 
آداب أخرى
ها هنا آداب أخرى تتعلق بالشرب من في السقاء واختناث الأسقية ، أي ثنيها والشرب منها ، والشرب من ثُلْمَةِ الْقَدَحِ ؛ والكرع .
الشُّربِ مِنْ فِي السِّقَاءِ أو اختناثها
هذا من الآداب التي روعي فيها مصلحة الشارب ، لما في النهي عن الشرب من في السقاء أو اختناثها من الفوائد ، وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من فم قربة معلقة ، بيانًا للجواز عند الحاجة ، وقد حمله بعض أهل العلم على ما لو كان السقاء معلقًا ، فلا تدخله هوام الأرض .
ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ[SUP] ([/SUP] [1] [SUP])[/SUP] .
وفيه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ [SUP]( [2] ) [/SUP].
وفي الصحيحين عن أَبي سعيدٍ الْخُدْريِّ رضي الله عنه قال : نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ . يعني : أن تُكْسَرَ أفْواهُها ، وَيُشْرَبَ مِنْهَا . وفي رواية لمسلم : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ ؛ أَنْ يُشْرَبَ مِنْ أَفْوَاهِهَا [SUP]( [3] ) [/SUP]؛ والاختناث أن يثني رؤوسها ويعطفها ، ثم يشرب منها ؛ وقال ابن حجر - رحمه الله : افتعال من الخنث بالخاء المعجمة والنون والمثلثة، وهو الانطواء والتكسر والانثناء. والأسقية جمع السقاء والمراد به المتخذ من الأدم صغيرًا كان أو كبيرًا ، وقيل : القربة قد تكون كبيرة ، وقد تكون صغيرة ، والسقاء لا يكون إلا صغيرًا[SUP] ( [4] ) [/SUP].
وروى أحمد والحاكم عن أَيُّوب ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ ، قَالَ أَيُّوبُ : فَأُنْبِئْتُ أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ[SUP] ( [5] ) [/SUP].
وروى الحاكم عن عائشة - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُشْرَب مِنْ فِي السِّقَاء ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْتِنهُ[SUP] ( [6] ) [/SUP].
والأحاديث تدل على النهي عن الشرب من في السقاء من أجل ما يخاف من أذى عساه يكون فيه لا يراه الشارب ، حتى يدخل جوفه ، فاستحب أن يشرب من إناء ظاهر يُبصره ؛ كما في قول أيوب - رحمه الله ؛ وقد يكون فيها من القذى ما لا يراه - أيضًا - فيؤذيه إذا دخل جوفه .
وعلة أخرى في حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها : ( لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْتِنهُ ) ، قال الخطابي – رحمه الله – في ( معالم السنن ) : وقد قيل إن المعنى في النهي عن ذلك أن الشرب إذا دام فيها خنثت وتغيرت رائحتها[SUP] ( [7] ) [/SUP].
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله : وهذا يقتضي أن يكون النهي خاصًّا بمن يشرب فيتنفس داخل الإناء ، أو باشر بفمه باطن السقاء ، أما من صب من القربة داخل فمه من غير مماسة فلا[SUP] ( [8] ) [/SUP].
وتقدم حديث كَبْشَةَ - رضي الله عنها – أنها قالت : دخل عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَشَرِبَ مِنْ فيِّ قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ قَائِمًا .
قال الخطابي – رحمه الله : فيحتمل أن يكون النهي إنما جاء عن ذلك إذا شرب من السقاء الكبير دون الأداوى ونحوها ، ويحتمل أن يكون إنما أباحه للضرورة والحاجة إليه في الوقت ، وإنما المنهي عنه أن يتخذه الإنسان دربة وعادة[SUP] ( [9] ) [/SUP].
قال ابن حجر – رحمه الله : قال شيخنا في ( شرح الترمذي ) : لو فُرِّق بين ما يكون لعذر ، كأن تكون القربة معلقة ، ولم يجد المحتاج إلى الشرب إناء متيسرًا ، ولم يتمكن من التناول بكفه ، فلا كراهة حينئذ ، وعلى ذلك تحمل الأحاديث المذكورة ؛ وبين ما يكون لغير عذر ، فتحمل عليه أحاديث النهي .ا.هـ . قلت : ويؤيده أن أحاديث الجواز كلها فيها أن القربة كانت معلقة ، والشرب من القربة المعلقة أخص من الشرب من مطلق القربة ، ولا دلالة في أخبار الجواز على الرخصة مطلقًا ، بل على تلك الصورة وحدها ، وحملها على حال الضرورة جمعًا بين الخبرين أولى من حملها على النسخ ؛ والله أعلم[SUP] ( [10] ) [/SUP].
وذكر ابن القيم في ( زاد المعاد ) لهذا النهي آداب عديدة :
منها : أن تردد أنفاس الشارب فيه يكسبه زهومة ورائحة كريهة يعاف لأجلها .
ومنها : أنه ربما غلب الداخل إلى جوفه من الماء فتضرر به .
ومنها : أنه ربما كان فيه حيوان لا يشعر به فيؤذيه .
ومنها : أن الماء ربما كان فيه قذاة أو غيرها لا يراها عند الشرب فتلج جوفه .
ومنها : أن الشرب كذلك يملأ البطن من الهواء ، فيضيق عن أخذ حظه من الماء ، أو يزاحمه ، أو يؤذيه ... ولغير ذلك من الحكم .
فإن قيل : فما تصنعون بما في جامع الترمذي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بإداوة يوم أحد فقال : " اخْنُثْ فَمَ الإِدَاوَةِ " ثُمَّ شَرِبَ مِنْ فِيهَا ؟ قلنا : نكتفي فيه بقول الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بصحيح وعبد الله بن عمر العمري يضعف من قبل حفظه ولا أدري سمع من عيسى أو لا ؟ انتهى . يريد عيسى بن عبد الله الذي رواه عنه ، عن رجل من الأنصار[SUP] ( [11] ) [/SUP].
الحديث المشار إليه ، رواه بهذا اللفظ أبو داود عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ - عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا بِإِدَاوَةٍ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَقَالَ : " اخْنُثْ فَمَ الإِدَاوَةِ " ثُمَّ شَرِبَ مِنْ فِيهَا[SUP] ( [12] ) [/SUP].
وأما حديث الترمذي فرواه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ إِلَى قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ ، فَخَنَثَهَا ، ثُمَّ شَرِبَ مِنْ فِيهَا ... قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ ، وَلَا أَدْرِي سَمِعَ مِنْ عِيسَى أَمْ لَا ؟[SUP] ( [13] ) [/SUP]؛ والظاهر أن ابن القيم - رحمه الله - أراد رواية أبي داود فوهم - رحمه الله - في العزو إلى الترمذي ، بدليل قوله : ( يريد عيسى بن عبد الله الذي رواه عنه ، عن رجل من الأنصار ) ، والذي يبدو أنهما روايتان لحديث واحد .


[1] - البخاري ( 5305 ) .

[2] - البخاري ( 5306 ) .

[3] - البخاري ( 5302 ، 5303 ) ، ومسلم ( 2023 ) .

[4] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 89 .

[5] - أحمد : 2 / 487 ، ورواه الحاكم ( 7213 ) بهذا اللفظ وصححه على شرط البخاري .

[6] - الحاكم ( 7211 ) وصححه ، وقال الذهبي : على شرط مسلم ، وقوَّى إسناده الحافظ في ( فتح الباري ) : 10 / 91 .

[7] - انظر ( معالم السنن ) لأبي سليمان الخطابي : 3 / 114 .

[8] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 91 .

[9] - انظر ( معالم السنن ) لأبي سليمان الخطابي : 3 / 114 .

[10] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 92 .

[11] - انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 213 .

[12] - أبو داود ( 2731 ) وقال الألباني : منكر .

[13] - الترمذي ( 1891 ) وقال الألباني : منكر .
 
النهي عن الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ
هذا – أيضًا – من الآداب التي روعي فيها مصلحة الشارب ، لما في الشرب من ثلمة القدح من المفاسد .
روى أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ ، وَأَنْ يُنْفَخَ فِي الشَّرَابِ [SUP]( [1] ) [/SUP]؛ ورواه الطبراني عن سهل بن سعد رضي الله عنه بلفظ : نَهَى أَنْ يُنْفَخَ فِي الشَّرَابِ ، وَأَنْ يُشْرَبَ مِنْ ثَلَمَةِ الْقَدَحِ أَوْ أُذُنِهِ [SUP]( [2] ) [/SUP]؛ وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم قالا : كان يكره أن يشرب من ثلمة القدح ، أو من عند أذن القدح [SUP]( [3] ) [/SUP]؛ وفيه - أيضًا - عن إبراهيم ( النخعي ) قال : كانوا يكرهون أن يُشرب من الثلمة تكون في الإناء ، أو يشرب من قبل أذنه [SUP]( [4] )[/SUP] .
قال الخطابي - رحمه الله : إنما نهى عن الشراب من ثلمة القدح لأنه إذا شرب منها تصبب الماء ، وسال قطره على وجهه وثوبه ؛ لأن الثلمة لا تتماسك عليها شفة الشارب ، كما تتماسك على الموضع الصحيح من الكوز والقدح ؛ وقد قيل : إنه مقعد الشيطان ، فيحتمل أن يكون المعنى في ذلك أن موضع الثلمة لا ينال التنظيف التام إذا غسل الإناء ، فيكون شربه على غير نظافة ، وذلك من فعل الشيطان وتسويله ؛ وكذلك إذا خرج الماء فسال من الثلمة فأصاب وجهه وثوبه ، فإنما هو من إعنات الشيطان وإيذائه إياه ؛ واللّه أعلم [SUP]([/SUP] [5] [SUP])[/SUP] .
قال ابن القيم – رحمه الله : وهذا من الآداب التي تتم بها مصلحة الشارب فإن الشرب من ثلمة القدح فيه عدة مفاسد :
أحدها : أن ما يكون على وجه الماء من قذى أو غيره يجتمع إلى الثلمة ، بخلاف الجانب الصحيح .
الثاني : أنه ربما شوش على الشارب ، ولم يتمكن من حسن الشرب من الثلمة .
الثالث : أن الوسخ والزهومة تجتمع في الثلمة ، ولا يصل إليها الغسل ، كما يصل إلى الجانب الصحيح .
الرابع : أن الثلمة محل العيب في القدح ، وهي أردأ مكان فيه ، فينبغي تجنبه ، وقصد الجانب الصحيح ؛ فإن الرديء من كل شيء لا خير فيه ، ورأى بعض السلف رجلا يشتري حاجة رديئة ، فقال : لا تفعل ، أما علمت أن الله نزع البركة من كل رديء .
الخامس : أنه ربما كان في الثلمة شق أو تحديد يجرح فم الشارب .
ولغير هذه من المفاسد .ا.هـ[SUP] ( [6] ) [/SUP].


[1] - أحمد : 3 / 80 ، وأبو داود ( 3722 ) ، ورواه ابن حبان ( 5315 ) .

[2] - الطبراني في الكبير : 6 / 125 ( 5722 ) ، .

[3] - ابن أبي شيبة ( 24160 ) .

[4] - ابن أبي شيبة ( 24161 ) ، ونحوه عن مجاهد ( 24162 ) .

[5] - انظر ( معالم السنن ) لأبي سليمان الخطابي : 3 / 115 ؛ والإعنات من العنت ، وهو المشقة .

[6] - انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 215 .
 
الْكَرْعِ
الكرع : هُوَ الشرب بالفم من النهر أو الحوض وغير ذلك ، بغير إناء ولا كف ؛ وقد جاء ما يفيد جوازه عند الحاجة ؛ ففي صحيح البخاري عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ ، فَسَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبُهُ ، فَرَدَّ الرَّجُلُ ؛ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، وَهِيَ سَاعَةٌ حَارَّةٌ ! وَهُوَ يُحَوِّلُ فِي حَائِطٍ لَهُ - يَعْنِي الْمَاءَ - فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ فِي شَنَّةٍ ، وَإِلَّا كَرَعْنَا " ، وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي حَائِطٍ ؛ فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عِنْدِي مَاءٌ بَاتَ فِي شَنَّةٍ ، فَانْطَلَقَ إِلَى الْعَرِيشِ ، فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ مَاءً ، ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِنٍ لَهُ ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ أَعَادَ ، فَشَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ [SUP]( [1] ) [/SUP]. الشنَّة : القِربة .
وفي الحديث جواز الكرع عند الحاجة .


[1] - البخاري ( 5290 ، 5298 ) .
 
خاتمة
هذا ما يسره الله الكريم في تسطير هذه الآداب ، وأساله سبحانه أن يتقبلها ، وأن ينفع بها ؛ وما كان فيها من صواب فبتوفيق الله وحده ، وله الحمد والمنة ، وما كان من تقصير فمني ومن الشيطان ، وأستغفر الله العظيم منه .
لكن قـدرة مثلي غير خافية ... والنمل يعذر في القدر الذي حملا
والله أسأل التوفيق والسداد ، لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو حسبي ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
 
عودة
أعلى