آداب التثاؤب

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فالتثاؤب حركة غير إرادية ، يشترك فيها جميع الناس مؤمنهم وكافرهم ، وفي أعراف كثير من الشعوب أنه ليس من الأدب أن يتثاءب الإنسان في حضرة الناس ، حتى قالوا بكتم التثاؤب أمام الآخرين ، أو تغطية الفم باليد .
ومن العجيب أن عدوى التثاؤب في الجماعة التي يتثاءب فيها واحد شديدة ، فما يتثاءب واحد في مجموعة إلا ورأيت باقي المجموعة يتثاءبون الواحد تلو الآخر ؛ وفي المثل : ( أعدى من الثؤباء ) ، أي : إذا تثاءب إنسان بحضرة قوم أصابهم مثل ما أصابه ( [1] ) ؛ والمثل في ( جمهرة الأمثال ) للعسكري - رحمه الله - بلفظ : ( أسرع من عدوى الثؤباء ) ؛ لأن من رأى آخر يتثاءب لم يلبث أن يتثاءب ( [2] ) ؛ وأحسب أن ذلك من تلاعب الشيطان بهم ، إذ التثاؤب من الشيطان كما قال النبي e .
وقد علَّمنا الإسلام للتثاؤب آدابًا ؛ فإذا التزم المسلم آداب التثاؤب كف الشيطان عنه ، وصعب عليه أن ينقلها إلى غيره .
وفي هذا الرسالة – إن شاء الله تعالى – سأعرض لهذه المسألة بشيء من التفصيل من خلال المحاور التالية :
معنى التثاؤب
سبب التثاؤب
التثاؤب من الشيطان
الله U يكره التثاؤب
أحاديث التثاؤب
آداب التثاؤب
التثاؤب في الصلاة
خاتمة
هذا ، والله أسأل أن ينفع به ، إنه خير مسؤول ، وأكرم مأمول ، هو ربي عليه توكلت ، وإليه أنيب ؛ وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية



[1] - ذكره الزبيدي في ( تاج العروس من جواهر القاموس : 2 / 81 ) .

[2] - انظر جمهرة الأمثال : 1 / 526 ( 955 ) .
 
معنى التثاؤب
أصل التثاؤب من قولهم : ثُئب الرجل ، فهو مثؤوب ، إذا أصابه كسل وتوصيم ؛ والمُوَصَّم : الذي يَجِد وجَعًا وتَكْسيرًا في جَسَده حيثما كان .
والاسم : الثُّؤَباء ؛ قال الأصمعي – رحمه الله : ( الثؤباء ) من ( التثاؤب ) ؛ مثل ( المطوَاء ) من ( التمطي ) .ا.هـ . وفي ( المعجم الوسيط ) : ( الثؤباء ) حركة للفم لا إرادية من هجوم كسل أو نوم .
وتَثَاءَبَ ( بالهمز ) تَثَاؤُبًا ، وِزَان : تقاتل تقاتلا ، قيل : هي فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فمه ؛ وفي ( تحفة الأحوذي ) : التثاؤب تنفس ينفتح منه الفم من الامتلاء وكدورة الحواس ( [1] ) ؛ وقيل : هو فتح الإنسان فمه لكسل ، أو فترة ، أو امتلاء ، أو غلبة نوم ؛ وكل ذلك غير مرضي ، لأنه يكون سببًا للكسل عند الطاعة والحضور فيها ... وقيل : هو فتح الفم مع أخذ النفس ، وإخراج صوت أحيانًا .

[1] - انظر ( المحيط ) للصاحب بن عباد ، باب الثاء والباء ، ولسان العرب باب الباء فصل الثاء ، وتهذيب اللغة ، ومختار الصحاح ، والمصباح المنير ( مادة : ث أ ب ) ، و ( المخصص ) لابن سيده : 1 / 471 ، وشرح النووي على مسلم : 18 / 123 ؛ وتحفة الأحوذي : 2 / 306 ، والمعجم الوسيط : 1 / 92 .
 
سبب التثاؤب
في كتاب ( العين ) للفراهيدي - رحمه الله : الثَّأَبُ : أن يأكل الإنسان شيئًا أو يَشْرَب شيئًا تَغْشاه له فترة ، كثَقْلة النُّعاس من غير غَشْيٍ عليه ( [1] ) ؛ فأرجعه - رحمه الله - إلى الأكل والشرب فقط ، ويقصد به الامتلاء ، لا قلة الأكل ؛ وتقدم أن الكسل وغلبة النوم - أيضًا - من أسبابه ، ولعله اقتصر على الأكل والشرب ، لأن الامتلاء داعٍ إلى الكسل والنوم ... والعلم عند الله تعالى .

[1] - انظر ( العين ) باب الثاء والفاء والـ ( و ، ا ، ي ، ء ) معهما .
 
التثاؤب من الشيطان
في الصحيحين من حديث أبي هريرة t مرفوعًا : " التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ " ، وظاهره أنه من فعله وعمله ، ولكن العلماء قالوا : إن المراد في نسبته للشيطان لأنَّه يصدر عن تكسيله ، فإنَّه قلَّ أن يصدر ذلك مع النشاط ؛ وقيل : نسب إليه ؛ لأنَّه يرتضيه ؛ قاله القرطبي في ( المفهم ) ( [1] ) . وقال ابن بطال في ( شرح البخاري ) : ومعنى إضافة التثاؤب إلى الشيطان إضافة رضى وإرادة ، أي أن الشيطان يحب أن يرى تثاؤب الإنسان ؛ لأنها حال المثلة وتغيير لصورته ، فيضحك من جوفه ؛ لا أن الشيطان يفعل التثاؤب في الإنسان ؛ لأنه لا خالق للخير والشر غير الله ، وكذلك كل ما جاء من الأفعال المنسوبة إلى الشيطان فإنها على معنيين : إما إضافة رضى وإرادة ، أو إضافة بمعنى الوسوسة في الصدر والتزيين ، وقد روى أبو داود من حديث أبى سعيد الخدري أن النبي u قال : " إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِك يَدَهُ عَلَى فِيِه ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ " ( [2] ) .
وقال ابن العربي - رحمه الله : قد بينَّا أن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته ؛ وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملَك لأنه واسطته .. قال : والتثاؤب من الامتلاء ، وينشأ عنه التكاسل ؛ وذلك بواسطة الشيطان ، والعطاس من تقليل الغذاء ، وينشأ عنه النشاط ، وذلك بواسطة الملَك ( [3] ) .
وقال ابن الأثير - رحمه الله - في ( النهاية في غريب الحديث والأثر ) : وإنَّما جعله من الشيطان كَراهَةً لَه ؛ لأنه يكون مع ثِقَل البَدن وامْتِلائه واسْتِرخائه ومَيْلِه إلى الكَسل والنَّوم ، فأضافه إلى الشيطان لأنه الذي يدعُو إلى إعطاء النَّفْس شَهْوَتَها ؛ وأراد به التَّحْذيرَ من السَّبب الذي يتَولَّد منه ، وهو التَّوسُّع في المطْعَم والشِّبَع ، فَيَثْقُل عن الطاعات ، ويكْسَل عن الخيرات .ا.هـ ( [4] ) .

[1] - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم : 9 / 375 .

[2] - شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال (9/ 370) .

[3] - نقلا عن فتح الباري : 10 / 612 .

[4] - انظر ( النهاية ) مادة ( ث أ ب ) .
 
فائدة :
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - في ( الفتح ) : وَمَنْ الْخَصَائِص النَّبَوِيَّة مَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة ( [1] ) وَالْبُخَارِيّ فِي ( التَّارِيخ ) مِنْ مُرْسَل يَزِيد بْن الْأَصَمِّ قَالَ : مَا تَثَاءَبَ النَّبِيُّ e قَطُّ ؛ وَأَخْرَجَ الْخَطَّابِيُّ مِنْ طَرِيق مَسْلَمَةَ بْن عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان قَالَ : مَا تَثَاءَبَ نَبِيّ قَطُّ ( [2] ) ، وَمَسْلَمَة أَدْرَكَ بَعْض الصَّحَابَة ، وَهُوَ صَدُوق ؛ وَيُؤَيِّد ذَلِكَ مَا ثَبَتَ أَنَّ التَّثَاؤُب مِنْ الشَّيْطَان ؛ وَوَقَعَ فِي ( الشِّفَاء ) لِابْنِ سَبْع أَنَّهُ e كَانَ لَا يَتَمَطَّى , لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَان , وَاللَّهُ أَعْلَمُ .ا.هـ ( [3] ) .

[1] - مصنف ابن أبي شيبة ( 7982 ) بلفظ : ما تثاءب رسول الله e في الصلاة قط .

[2] - ورواه البخاري في ( التاريخ الكبير : 8 / 294 رقم 3055 ) عن مسلمة بن عبد الملك - مرسل - قال : ما تثاوب نبي قط ؛ وابن عساكر في تاريخ دمشق : 58 / 42 بلفظ : الأنبياء لا يتثاءبون ، ما تثاءب نبي قط .

[3] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 613 .
 
الله Y يكره التثاؤب

في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ النَّبِيِّ e قال : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ " الحديث ؛ قوله : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ"قال النووي في ( المجموع ) : قال العلماء : معناه أن سبب العطاس محمود ، وهو خفة البدن التي تكون لقلة الأخلاط ، وتخفيف الغذاء ، وهو مندوب إليه ؛ لأنه يضعف الشهوة ويسهل الطاعة ، والتثاؤب ضده ( [1] ) .
فلأن العطاس سبب خفة الدماغ ، وصفاء القوى الإدراكية ، فيحمل صاحبه على الطاعة ؛ وأما التَّثَاؤُبَ فلأنه يمنع صاحبه عن النشاط في الطاعة ، ويوجب الغفلة كرهه الله U ، ولذا يفرح به الشيطان ؛ وهو المعنى في ضحكه .
قال القاضي : التثاؤب بالهمز : التنفس الذي يفتح عنه الفم ، وهو إنما ينشأ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس ؛ ويورث الغفلة والكسل ، وسوء الفهم ؛ ولذا كرهه الله ، وأحبه الشيطان ، وضحك منه ؛ والعطاس لما كان سببًا لخفة الدماغ ، واستفراغ الفضلات عنه ، وصفاء الروح ، وتقوية الحواس ؛ كان أمره بالعكس .
قال الخطابي : معنى حب العطاس وكراهة التثاؤب ؛ أن العطاس يكون مع انفتاح المسام ، وخفة البدن ، وتيسير الحركات ؛ والتثاؤب إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه ، وعند استرخائه للنوم ، وميله إلى الكسل ، فصار العطاس محمودًا لأنه يعين على الطاعات ؛ والتثاؤب مذمومًا لأنه يثبطه عن الخيرات ، وقضاء الواجبات ( [2] ) .

[1] - انظر ( المجموع ) : 4 / 513 – دار الفكر – بيروت .

[2]- نقلا عن ( تحفة الأحوذي ) : 8 / 18 .
 
أحاديث التثاؤب
1 – روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ : " التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ ؛ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ : هَا ، ضَحِكَ الشَّيْطَانُ " ( [1] ) .
ورواه مسلم بلفظ : " التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ ؛ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ " ( [2] ) ؛ وللبخاري في ( الأدب المفرد ) : " إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ " ( [3] ) .
وعند الترمذي : " فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، وَلَا يَقُولَنَّ : هَاهْ ، هَاهْ ؛ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ " ( [4] ) ؛ وعند أحمد : " فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ : هَاهْ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْطَانٌ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهُُُُِ " ( [5] ) .
وعند ابن حبان : " فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ ، أَوْ لِيَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ ، فَإِنَّهُ إِذَا تَثَاءَبَ فَقَالَ : آهْ ، فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهِ " ( [6] ) . وفي صحيح ابن خزيمة : " فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلا يَقُلْ : آهْ ، آهْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ " ، أَوْ قَالَ : " يَلْعَبُ بِهِ " ( [7] ) ؛ وعند أحمد : " وَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، وَلَا يَقُلْ : آهْ ، آهْ ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا فَتَحَ فَاهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ ، أَوْ بِهِ " ( [8] ) .
ولأحمد وأبي يعلى : " التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ ؛ فَأَيُّكُمْ تَثَاءَبَ فَلْيَكْتُمْ مَا اسْتَطَاعَ " ( [9] ) .
[ ها ، ( آه ، أه ) ، ( هاه ، هاه ] صوت المتثائب إذا بالغ في التثاؤب ؛ وقوله : " ضَحِكَ الشَّيْطَانُ " أي : فرحًا بالتغلب عليه ، أو التلاعب به .
2 – روى مسلم والبخاري في ( الأدب المفرد ) عَنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ " لفظ مسلم ، ولفظ ( الأدب المفرد ) : " إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ بِفِيهِ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيهِ " ( [10] ) ؛ وفي لفظ : " إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فليمسك على فيه ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُه " ( [11] ) ؛ ورواه ابن خزيمة بلفظ : " إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيََسُدَّ بِيَدِهِ فَاه ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ " ( [12] ) ؛ وعند الدارمي : " إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيََسُدَّ يَدَهُ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِي فِيهِ " قال أبو محمد : يعنى على فيه ( [13] ) . وعند أحمد : " إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِي فِيهِ " ( [14] ) ، وعنده : " فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مَعَ التَّثَاؤُبِ " ( [15] ) .

3 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : إذا تثاءب فليضع يده على فيه ، فإنما هو من الشيطان ( [16] ) .

[1] - رواه البخاري ( 3115 ) هكذا مختصرًا ، ورواه ( 5869 ، 5872 ) مطولا ، وهكذا رواه مطولا في ( الأدب المفرد ) رقم ( 928 ) ، وابن حبان ( 598 ) .

[2] - مسلم ( 2994 ) ، ورواه الترمذي ( 370 ) ، وابن حبان ( 2357 ) بلفظ مسلم .

[3] - ( الأدب المفرد ) رقم ( 942 ) .

[4] - الترمذي ( 2747 ) .

[5] - أحمد : 2 / 517 .

[6] - ابن حبان ( 2358 ) .

[7] - ابن خزيمة ( 919 ) ، وبنحوه عند أبي يعلى ( 6627 ) .

[8] - أحمد : 2 / 428 .

[9] - أحمد : 2 / 516 ، وأبو يعلى ( 6456 ) .

[10] - مسلم ( 2995 ) ، والبخاري في ( الأدب المفرد ) رقم ( 949 ) ، وبنحوه رواه ابن حبان ( 2360 ) .

[11] - مسلم ( 2995 ) ، والبخاري في ( الأدب المفرد ) رقم ( 950 ) واللفظ له ، وأبو داود ( 5026 ) .

[12] - ابن خزيمة ( 919 ) .

[13] - الدارمي ( 1382 ) .

[14] - أحمد : 3 / 31 .

[15] - أحمد : 3 / 37 ، 92 .

[16] - ( الأدب المفرد ) رقم ( 951 ) ، وهو صحيح موقوفًا .
 
آداب التثاؤب

من مجموع الروايات السابقة تُستخلص هذه الآداب :
1 – رد التثاؤب قدر الاستطاعة ؛ كما في قوله e " فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ " : أي : يأخذ في أسباب رده ، وليس المراد به أنه يملك دفعه ؛ لأن الذي وقع لا يرد حقيقة ، وقيل : معنى إذا تثاءب إذا أراد أن يتثاءب ، وهو المراد في قوله e : " فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ " ، " فَلْيَكْتُمْ مَا اسْتَطَاعَ " ؛ والكظم هو الإمساك ، والمعنى : يقبض على فكيه لئلا ينفتحا ، وهو معنى الكتم ؛ وقوله e : " مَا اسْتَطَاعَ " أي : ما أمكنه ذلك .
2 – يضع يده على فمه إن لم يستطع الكظم ؛ كما في حديث أبي هريرة t " أَوْ لِيَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ " ، وفي حديث أبي سعيد t : " فَلْيَضَعْ يَدَهُ بِفِيهِ " ، " فليمسك على فيه " ، " فَلْيََسُدَّ بِيَدِهِ فَاه " .
والأمر بوضع اليد على الفم يتناول ما إذا انفتح بالتثاؤب فيغطى بالكف ، وما إذا كان منطبقًا حفظًا له عن الانفتاح بسبب ذلك .
ولا فرق في هذا الأمر بين المصلي وغيره ، بل يتأكد في حال الصلاة ؛ ويستثنى ذلك من النهي عن وضع المصلي يده على فمه ( [1] ) .
ولم يرد في الروايات تحديد اليمنى أو اليسرى ، ولا ظاهر الكف أو باطنه ، وقد اجتهد بعضهم فقال : باليسرى ؛ لأنها لتنحية الأذى ؛ وقال آخرون لا فرق بين اليمنى واليسرى ، ولا بين ظاهر الكف وباطنه ، فليس على ذلك دليل يستند إليه.
والعلة من الكظم ، أو وضع اليد على الفم : إغلاق الفم حتى لا يدخل الشيطان مع التثاؤب ، ويضحك من المتثائب متلاعبًا به ؛ كما قال النبي e : " فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ " ، " فَلْيَضَعْ يَدَهُ بِفِيهِ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيهِ " ، " فَلْيََسُدَّ بِيَدِهِ فَاه ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ " ، " فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مَعَ التَّثَاؤُبِ " . قال ابن حجر – رحمه الله : يحتمل أن يراد به الدخول حقيقة ، وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم ؛ لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكرًا لله تعالى ، والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة ؛ ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه ، لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون متمكنًا منه ( [2] ) .
3 – لا يقل المتثائب : ( آه ، ها ، ها ها ) : لقول النبي e : " فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ : هَا ، ضَحِكَ الشَّيْطَانُ" ، " فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ : هَاهْ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْطَانٌ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهُُُُِ " ، " وَلَا يَقُلْ : آهْ ، آهْ ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا فَتَحَ فَاهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ ، أَوْ بِهِ " ، فَلا يَقُلْ : آهْ ، آهْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ " ، أَوْ قَالَ : " يَلْعَبُ بِهِ " .
وصفوة القول أن من أتاه التثاؤب فيحاول كتمه ما استطاع ، فإذا غلبه ،فليضع يده على فمه حتى لا يدخل الشيطان ، ولا يقل : ها ها ، ونحوها ، حتى لا يضحك منه الشيطان ، أو يتلاعب به ؛ قال العلماء : أمر بكظم التثاؤب ورده ، ووضع اليد على الفم ؛ لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ، ودخوله فمه ، وضحكه منه ( [3] ) .

[1]- انظر ( فتح الباري ) :

[2] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 612 .

[3] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 9 / 378 .
 
التثاؤب في الصلاة

روى مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ " وفي رواية : " فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ " ؛ ورواه أحمد بلفظ : " إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ ، فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مَعَ التَّثَاؤُبِ " ( [1] ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله : قال شيخنا في شرح الترمذي : أكثر روايات الصحيحين فيها إطلاق التثاؤب ، ووقع في الرواية الأخرى تقييده بحالة الصلاة ؛ فيحتمل أن يحمل المطلق على المقيد ، وللشيطان غرض قوي في التشويش على المصلي في صلاته ، ويحتمل أن تكون كراهته في الصلاة أشد ، ولا يلزم من ذلك أن لا يكره في غير حالة الصلاة ؛ وقد قال بعضهم : إن المطلق إنما يحمل على المقيد في الأمر لا في النهي ، ويؤيد كراهته مطلقًا كونه من الشيطان ، وبذلك صرح النووي .
قال ابن العربي : ينبغي كظم التثاؤب في كل حالة ، وإنما خص الصلاة لأنها أولى الأحوال بدفعه ؛ لما فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة واعوجاج الخلقة ( [2] ).
وروى عبد الرزاق عن عطاء – رحمه الله - قال : بلغنا أنه يكره التثاؤب في الصلاة وفي غيرها ؛ وقال : يلعب الشيطان بالإنسان ، قال : وهو في الصلاة أشد ( [3] ) .
وعلى ذلك فمن جاءه تثاؤب في الصلاة ، فليكظم ما استطاع ، أو ليضع يده على فيه إذا لم يستطع الكظم ؛ وقد روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : إذا تثاوب أحدكم في الصلاة فليضع يده على فيه ؛ فإنه من الشيطان ( [4] ) .
وهاهنا أدب رابع يضاف إلى الثلاثة السابقة ؛ فقد روى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عن مجاهد - رحمه الله - قال : إذا تثاءب في الصلاة فليمسك عن القراءة ؛ وعن عكرمة - رحمه الله - قال : إذا تثاءب أحدكم وهو يقرأ فليمسك عن القراءة ( [5] ) .
ولذلك قال الآجري في ( أخلاق حملة القرآن ) : وَإِذَا تَثَاءَبَ وَهُوَ يَقْرَأُ أَمْسَكَ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَنْقَضِي عَنْهُ التَّثَاؤبُ ( [6] ) .
وقال ابن حجر – رحمه الله - في ( الفتح ) : ومما يؤمر به المتثائب إذا كان في الصلاة أن يمسك عن القراءة حني يذهب عنه ، لئلا يتغير نظم قراءته ، وأسند ابن أبي شيبة نحو ذلك عن مجاهد وعكرمة والتابعين ( [7] ).

[1] - مسلم ( 2995 ) ، وأحمد : 3 / 37 .

[2] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 612 .

[3] - مصنف عبد الرزاق ( 3318 ) .

[4] - مصنف عبد الرزاق ( 3323 ) ، ورواه ابن أبي شيبة ( 7983 ) .

[5] - مصنف ابن أبي شيبة ( 7993 ) عن مجاهد ، ( 7994 ) عن عكرمة .

[6]- انظر ( أخلاق حملة القرآن ) ص 74 .

[7] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 612 .
 
خاتمة
هذا ما أردت بيانه بإيجاز حول آداب التثاؤب ، وأرجو أن أكون قد وفقت في بيان هذه الآداب ، وما كان في ذلك من صواب فمن الله تعالى وحده وله الحمد والمنة ، وما كان غير ذلك فمني ومن الشيطان ، وأستغفر الله العظيم منه ، ورحم الله تعالى من رأى فيه غلطا فردَّنا إلى الصحيح فيه ، أو خطأ فأرشدنا الصواب فيه .
لكن قدرة مثلي غير خافية ... والنمل يعذر في القدر الذي حملا
هذا ، والعلم عند الله تعالى ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله. والحمد لله أولاً وأخيرًا .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية
 
عودة
أعلى