4 - وصايا جامعة
هذه وصايا جمعتها تحت هذا العنوان ، لتتم الفائدة :
1 ) في ( شعب الإيمان ) عن مجاهد – رحمه الله - قال : كانوا يقولون : لا خير لك في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له ( 1 ) .
2 ) قال ابن عبد البر – رحمه الله - في ( بهجة المجالس وأنس المجالس ) : قال علىُّ بن أبي طالب رضي الله عنه : لا خير في صحبة من تجتمع فيه هذه الخلال : من إذا حدّثك كذبك ، وإذا ائتمنته خانك ، وإذا ائتمنك اتهمك ، وإذا أنعمت عليه كفرك ، وإذا أنعم عليك منَّ عليك .
3 ) وقيل لخالد بن صفوان : أيُّ إخوانك أحب إليك ؟ قال : الذي يغفر زللي ، ويقبل عللي ، ويسد خللي .
4 ) وفي ( عيون الأخبار لابن قتيبة ) قَالَ عَلْقَمَةُ بنُ لَبِيدٍ الْعُطَارِدِيِّ لِابْنِهِ : يَا بُنَيَّ إنْ عَرَضَتْ لَك إلى صُحْبَةِ الرِّجَالِ حَاجَةٌ ، فَاصْحَبْ مَنْ إذَا خَدَمْته صَانَك ، وَإِنْ صَحِبْته زَانَك ( أَيْ حَفِظَك ) ، وَإِنْ قَعَدَ بِك مَانَك ( أَيْ حَمَلَ مُؤْنَتَك ) ؛ اصْحَبْ مَنْ إذَا مَدَدْت يَدَك بِخَيْرٍ مَدَّهَا ، وَإِنْ رَأَى مِنْك حَسَنَةً عَدَّهَا ، وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً سَدَّهَا ؛ اصْحَبْ مَنْ إذَا سَأَلْته أَعْطَاك ، وَإِنْ سَكَتَّ ابْتَدَاك ، وَإِنْ نَزَلَتْ بِك نَازِلَةٌ وَاسَاك ( أَيْ جَعَلَك كَنَفْسِهِ ) ؛ اصْحَبْ مَنْ إذَا قُلْتَ صَدَّقَ قَوْلَك ، وَإِنْ حَاوَلْتَ أَمْرًا آمَرَكَ [ أي : أطاعك ] ، وَإِنْ تَنَازَعْتُمَا آثَرَك .
5 ) وفي ( شعب الإيمان للبيهقي ) عن سعيد بن المسيب رحمه الله قال : كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك ، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًا وأنت تجد له في الخير محملا ، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن إلا نفسه ، ومن كتم سره كانت الخيرة في يديه ، وما كافأت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه ، وعليك بإخوان الصدق ، فكثِّر في اكتسابهم ، فإنهم زينة في الرخاء ، وعدة عند عظيم البلاء ، ولا تهاون بالحلف فيهينك الله ، ولا تسألن عما لم يكن حتى يكون ، ولا تضع حديثك إلا عند من يشتهيه ، وعليك بالصدق وإن قتلك الصدق ، واعتزل عدوك ، واحذر صديقك إلا الأمين ، ولا أمين إلا من خشي الله عز وجل ، وشاور في أمرك الذين يخشون ربهم بالغيب .ا.هـ قال البيهقي : وقد روينا بعض هذه الألفاظ عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه .
6 ) قال بعض الأدباء : لا تصحب من الناس إلا من يكتم سرك ، ويستر عيبك ، فيكون معك في النوائب ، ويؤثرك بالرغائب ، وينشر حسنتك ، ويطوي سيئتك ؛ فإن لم تجده فلا تصحب إلا نفسك .
7 ) وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ : لِيَكُنْ غَرَضُك فِي اتِّخَاذِ الْإِخْوَانِ وَاصْطِنَاعِ النُّصَحَاءِ تَكْثِيرَ الْعُدَّةِ لَا تَكْثِيرَ الْعِدَّةِ ، وَتَحْصِيلَ النَّفْعِ لَا تَحْصِيلَ الْجَمْعِ ، فَوَاحِدٌ يَحْصُلُ بِهِ الْمُرَادُ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ تُكَثِّرُ الْأَعْدَادَ .
8 ) قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ : لَا يُزْهِدَنَّكَ فِي رَجُلٍ حُمِدَتْ سِيرَتُهُ ، وَارْتَضَيْتَ وَتِيرَتَهُ ، وَعَرَفْتَ فَضْلَهُ ، وَبَطَنْتَ عَقْلَهُ عَيْبٌ تُحِيطُ بِهِ كَثْرَةُ فَضَائِلِهِ ، أَوْ ذَنْبٌ صَغِيرٌ تَسْتَغْفِرُ لَهُ قُوَّةُ وَسَائِلِهِ ؛ فَإِنَّك لَنْ تَجِدَ - مَا بَقِيت - مُهَذَّبًا لَا يَكُونُ فِيهِ عَيْبٌ ، وَلَا يَقَعُ مِنْهُ ذَنْبٌ ؛ فَاعْتَبِرْ نَفْسَك بَعْدَ أَنْ لَا تَرَاهَا بِعَيْنِ الرِّضَا ، وَلَا تَجْرِي فِيهَا عَلَى حُكْمِ الْهَوَى ، فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِك وَاخْتِيَارِك لَهَا مَا يُؤَيِّسُك مِمَّا تَطْلُبُ ، وَيُعَطِّفُك عَلَى مَنْ يُذْنِبُ ؛ وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ :
وَمَنْ ذَا الَّذِي تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا ... كَفَى الْمَرْءُ نُبْلًا أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهْ
9 ) قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لِابْنِهِ رحمهما الله : يَا بُنَيَّ مَنْ غَضِبَ مِنْ إخْوَانِك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَقُلْ فِيك سُوءًا ؛ فَاِتَّخِذْهُ لِنَفْسِك خِلًّا .ا.هـ . عن سفيان: اصحب من شئت ، ثم أغضبه ، ثم دس إليه من يسأله عنك ( 2 ) .
10 ) قال الأبشيهي – رحمه الله - في ( المستطرف في كل فن مستظرف ) : قال تعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } [ الأنعام : 38 ] ، فأثبت الله المماثلة بيننا وبين البهائم وذلك إنما هو في الأخلاق خاصة ، فليس أحد من الخلق إلا وفيه خلق من أخلاق البهائم ؛ ولهذا تجد أخلاق الخلائق مختلفة : فإذا رأيت الرجل جاهلاً في خلائقه ، غليظًا في طبائعه ، قويًا في بدنه ، لا تؤمن ضغائنه ، فألحقه بعالم النمورة ، والعرب تقول : أجهل من نَمِر .
وإذا رأيت الرجل هجَّامًا على أعراض الناس ، فقد ماثل عالم الكلاب ، فإن دأب الكلب أن يجفو من لا يجفوه ، ويؤذي من لا يؤذيه ، فعامله بما كنت تعامل به الكلب إذا نبح ، ألست تذهب وتتركه ؟
وإذ رأيت إنسانًا قد جبل على الخلاف ، إن قلت : نعم ، قال : لا ، وإن قلت : لا ، قال : نعم ؛ فألحقه بعالم الحمير ، فإن دأب الحمار إن أدنيته بَعُد ، وإن أبعدته قرب ، فلا تنتفع به ، ولا يمكنك مفارقته .
وإن رأيت إنسانًا يهجم على الأموال والأرواح ، فألحقه بعالم الأسود ، وخذ حذرك منه كما تأخذ حذرك من الأسد .
وإذا بُليت بإنسان خبيث ، كثير الروغان ، فألحقه بعالم الثعالب .
وإذا رأيت من يمشي بين الناس بالنميمة ، ويفرق بين الأحبة ، فألحقه بعالم الظربان ، وهي دابة صغيرة ، تقول العرب عند تفرق الجماعة : مشى بينهم ظربان فتفرقوا .
وإذا رأيت إنسانًا لا يسمع الحكمة والعلم ، وينفر من مجالسة العلماء ، ويألف أخبار أهل الدنيا ، فألحقه بعالم الخنافس ، فإنه يعجبها أكل العذرات ، وملامسة النجاسات ، وتنفر من ريح المسك ، وإذا شمت الرائحة الطيبة ماتت لوقتها .
وإذا رأيت الرجل يصنع بنفسه كما تصنع المرأة لبعلها : يبيض ثيابه ، ويعدل عمامته ، وينظر في عطفيه ، فألحقه بعالم الطواويس .
وإذا بليت بإنسان حقود ، لا ينسى الهفوات ، ويجازي بعد المدة الطويلة على السقطات ، فألحقه بعالم الجمال ، والعرب تقول : أحقد من جمل ، فتجنب قرب الرجل الحقود .
وعلى هذا النمط فليحترز العاقل من صحبة الأشرار وأهل الغدر ومن لا وفاء لهم ، فإنه إذا فعل ذلك سلم من مكائد الخلق ، وأراح قلبه وبدنه ؛ والله أعلم .ا.هـ .
11 ) قال أبو حاتم البستي – رحمه الله - في ( روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ) : العاقل لا يؤاخي إلا ذا فضل في الرأي والدين والعلم والأخلاق الحسنة ، ذا عقل ، نشأ مع الصالحين ، لأن صحبة بليد نشأ مع العقلاء خير من صحبة لبيب نشأ مع الجهَّال .ا.هـ .
______
1 - شعب الإيمان ( 9502 ) .
2 - انظر ( سير أعلام النبلاء ) : 7 / 276 .