«يمحق الله الربا» بقلم د. صلاح الخالدي

إنضم
13/10/2011
المشاركات
19
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
76
الإقامة
الاردن، عمان
د.صلاح الخالدي


قال الله عز وجل: }يمحق الله الربا، ويربي الصدقات، والله لا يحب كل كفار أثيم{ (البقرة: 276
تقدم هذه الآية الكريمة حقائق قرآنية يقينية، بشأن، المال والاقتصاد، والنشاط الاقتصادي والاستثمار، والركود الاقتصادي والخسارة، وهذه الحقائق مطّردة غير مقيدة بزمان، ولا محصورة بمكان، ونرى لهذه الحقائق القرآنية وجوداً عملياً ملحوظاً في هذه الأيام، وصدقاً اقتصادياً عجيباً، يتمثل في أحوال العالم الآن، المالية والاقتصادية والوظيفية، والاستثمارية والصناعية والاستهلاكية!!
وقبل أن نتحدث عن مصداقيتها الاقتصادية المعاصرة؛ تعالوا نقف معها وقفة تحليلية سريعة، وننظر في حديثها عن محق الربا..
يخبرنا الله تعالى في هذه الآية الحكيمة أنه يمحق الربا، وأنه بالمقابل يرْبي الصدقات، وأنه سبحانه لا يحب كل كفار أثيم.. إنها ثلاث جمل معجزة في هذه الآية، في كل جملة فعل مضارع، مُسْنَد إلى الله عز وجل.
الجملة الأولى فعلية: }يمحق الله الربا{.. والجملة الثانية فعلية: }ويربي الصدقات{.. والجملة الثالثة اسمية منفية: }والله لا يحب كل كفار أثيم{، ووقفتنا في هذه المقال مع الجملة الأولى: }يمحق الله الربا{..
الربا معروف، وهو القائم على الزياد في المال، بدون بيع أو شراء أو استثمار، بمعنى أن المال هو الذي يأتي بالمال، وهو متحقق في القروض المعروفة، كأن يعطيك الشخص المرابي أو البنك الربوي مبلغاً معيناً، مقابل زيادة سنوية مقدرة، بنسبة مئوية محددة، وإذا عجزت عن الدفع زادت تلك النسبة!
سمى الله هذه الزيادة المحددة على رأس المال ربا، وجعلها محرّمة بنص القرآن في أكثر من آية، منها قوله تعالى: }وأحل الله البيع وحرّم الربا{ (البقرة: 275). والمزوِّرون المخادعون الكاذبون من رجال الاقتصاد لا يسمّونها ربا، إنما يسمونها "فائدة"! وهذا الاسم للخداع والغرور! يريدون أن يخادعوا الناس، المغفلين، وأن يغروهم إغراء شيطانياً، للإقبال على المعاملات والقروض الربوية، ويوهموهم أن هذه الزيادة على رأس المال إنما هي "فائدة" نافعة، و"ربح" ملحوظ، و"زيادة" مقررة، وأنه يستفيد منها الطرفان، المقرض والمقترض، ولهذا هي مفيدة لهما!!
وبما أن الله حرم الربا بالنص الصريح؛ فلا يمكن أن يكون مفيداً، وهذه الزيادة الربوية على رأس المال لا يمكن أن تكون مفيدة لأحد الطرفين.. لأن الله لم يحرم على المسلمين شيئاً مفيداً ولا نافعاً، وكل ما حرّمه الله في جميع مجالات الحياة فهو ضار خبيث، ومدمر مهلك. ولا بد أن نسمي المسميات بأسمائها الصحيحة التي سماها بها القرآن، فلا تقولوا فائدة، وإنما قولوا: ربا مدمّر!! هذا الربا الخبيث الذي حرّمه الله؛ أخبر أنه - سبحانه - يمحقه، ويمحق به، فالربا ماحق وممحوق!
ما معنى المحق أيها الإخوة والأخوات؟ وماذا قال القرآن المعجز عن المَحْق؟
المحق هو إنقاص الشيء والذهاب ببركته، اقرأوا هذا النص للإمام ابن فارس في كتابه الفريد "معجم مقاييس اللغة": "المحق: النقصان و"محقه": نقصه، وكل شيء نقص فهو ممحوق.. والمحاق: القمر في آخر الشهر.. ويمحقه الله: ذهب ببركته" (مقاييس اللغة: 976).
ما هو الممحوق الذي يمحقه الله ويُنْقصه ويُهْلكه ويذهب به؟ لم يُذكر المحق في القرآن إلا مرتين:
المرة الأولى: في هذه الآية، التي قرر الله فيها أنه يمحق الربا، ويمحق كل ما قام على الربا.
والمرة الثانية: في قوله تعالى: }وليمحِّصَ الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين{ (آل عمران: 141).
الكافرون ممحوقون، هالكون خاسرون، مهما ملكوا من قوة، وآمالهم ممحوقة هالكة، واقتصادهم ممحوق ذاهب منزوعة منه البركة! فلا خير فيهم ولا في اقتصادهم!!
والفعل مسند إلى الله }يمحق الله الربا{، فالله هو الذي يمحق الربا، ويمحق به المال والاقتصاد، وهذا الإسناد إلى الله حقيقي وعقيدي، فمن المعلوم عندنا أن كل الأمور التي تحدث في هذا العالم، على اختلاف الزمان والمكان - إنما هي بيد الله وحده، فالله وحده هو الفاعل الحقيقي، وكل أمر يتم ويتحقق بإرادة مباشرة من الله، وعلى هذا قوله تعالى: }إنا كل شيء خلقناه بقدر" (القمر: 49).. رجال المال والاقتصاد والاستثمار يجتمعون ويدرسون ويخططون ويبرمجون.. والله من ورائهم محيط، وهو لهم بالمرصاد، ولمخططاتهم بالإفشال، ولأموالهم بالمحق، ولحياتهم بالخسارة والبؤس والشقاء.
أيها الإخوة والأخوات: قولوا لرجال المال والأعمال والاقتصاد والاستثمار، قولوا للمخطّطين والمبرمجين والدارسين والمحلّلين والخبراء، لا تتعبوا أنفسكم، ولا تضعوا الخطط الاقتصادية لإنقاذ اقتصادكم ومصانعكم وأسواقكم، و"لا تضخّوا" في تلك الأسواق ملايين ومليارات وتريليونات الدولارات، فإنها كلها "ممحوقة"، وأنتم فاشلون خاسرون..
أيها الأحباب الكرام المنطلقون من القرآن: بشّروا "أوباما" بفشل خطته التي وضعها لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي "الممحوق".. وبشّروا كل الخبراء الماليين في كل دول العالم بفشل كل خططهم لإيقاف "تدهور" الاقتصاد في كل الدول. وقولوا للحكام والقادة والزعماء والاقتصاديين والخبراء: كل جهودكم ستبوء بالفشل، لأنكم تحاولون إنقاذ اقتصاد ممحوق، ولأن ما محقه الله وقضى عليه، فلا يمكن لكل خبراء العالم إنقاذه.
أيها الأحباب: دلّوا الاقتصاديين على أساس "المشكلة"، التي ضربت اقتصاد العالم فأهلكته.. إن المشكلة هي الربا! وإن هذا الربا "إيدز" اقتصادي، يفتك بالأموال كما يفتك الإيدز بجسم الإنسان، وكما أنه لا علاج للإيدز إلا بالعفة والطهارة وترك الزنا والشذوذ الجنسي، فلا علاج للاقتصاد المحلي والعالمي الممحوق إلا بتخليصه من الربا، وإنشائه وفق أسس اقتصادية إسلامية مأمونة!!
 
شكر

شكر

جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل .
ومثل هذا بالضبط ما ينبغي مدارسته في هذا الوقت الذي تعالت فيه أصوات أذناب الفكر الغربي اللاديني الداعية إلى مراجعات ثوابت الدين الإسلامي مثل نصيب المرأة في الإرث وقوامة الرجل والأنكحة الفاسدة...وغيرها مما يدخل في واجب الوقت اليوم.
والله تعالى أعلم. وحفظكم الله شيخ خالد
 
لعلهم يعقلون .. !

بارك الله فيكم .. وسدد خطاكم لما فيه خير وصلاح للأمة ..
 
عودة
أعلى