حكم رواية الإسرائيليات

إنضم
13/05/2025
المشاركات
79
مستوى التفاعل
13
النقاط
8
الإقامة
صنعاء - اليمن
حكم رواية الإسرائيليات
بقلم/ محمد بن جميل المطري
روى البخاري في صحيحه (3461) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج))، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الأخبار عن أهل الكتاب بشرط عدم تصديقهم ولا تكذيبهم، ففي صحيح البخاري (4485) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُصدِّقوا أهل الكتاب ولا تُكذِّبوهم))، وروى البخاري (2685) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله، تقرءونه لم يُشَبْ؟! وقد حدَّثكم الله أن أهل الكتاب بدَّلوا ما كتب الله وغيَّروا بأيديهم الكتاب، فقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟!)، وروى عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (10901) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، فتكذبون بحق، أو تصدقون بباطل، إن كنتم سائليهم لا محالة، فانظروا ما واطأ كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه).
وقد كان بعض الصحابة والتابعين يسمعون بعض الأخبار الإسرائيلية ممن أسلم من أهل الكتاب كعبد الله بن سلَام وكعب الأحبار ووهب بن مُنبِّه، وغيرهم، وكانوا يروونها من غير تصديق لها ولا تكذيب، ولكن حصل الخطأ من بعض المفسرين في اعتمادهم على تلك الإسرائيليات في تفسير القرآن الكريم، وصار بعض الناس يجزمون بها، مع أن بعضها باطل، وتمييز الإسرائيليات في التفسير أمر مهم صونًا لكتاب الله من أن يدخل في تفسيره ما ليس منه، ومن أخذ بالرخصة وروى شيئًا من أخبار بني إسرائيل بغير تصديقٍ فلا حرج عليه، إن كان الخبر مما لا يُعلم بطلانه بالشرع أو العقل، قال ابن كثير في تفسيره (7/ 394): "إنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: ((وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) فيما قد يجوِّزه العقل، فأما فيما تُحيله العقول، ويحكم عليه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل، والله أعلم. وقد أكثر كثيرٌ من السلف من المفسرين، وكذا طائفةٌ كثيرةٌ من الخلف، من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد، وليس بهم احتياج إلى أخبارهم، ولله الحمد والمنة".
وقال ابن تيمية في كتابه الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح (3/ 95): "ما أخبرونا به عن الأنبياء إن علِمنا صدقَهم فيه، صدَّقناهم فيه، وإن علِمنا كذبهم فيه كذَّبناهم فيه، وإن لم نعلم صدقَه ولا كذِبَه لم نُصَدِّقْهُ ولم نُكَذِّبْهُ، بل نقول: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46]".
 
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (13/ 366): "قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ)) رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو، وكان عبد الله بن عمرو أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك، ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تُذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح. والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه. والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني" انتهى بتصرف يسير.
 
ولا شك أن الأولى الاكتفاء بما في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وترك رواية الإسرائيليات، وممن اشتهر من الصحابة بالتحديث بالإسرائيليات: عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 52): "وجَدَ عبد الله بن عمرو بن العاص يوم اليرموك زاملتين مملوءتين كتبًا من علوم أهل الكتاب، فكان يحدِّث منهما بأشياء كثيرة من الإسرائيليات، منها المعروف والمشهور والمنكور والمردود".
والزاملتان مثنى زاملة، قال الزَّبيدي في تاج العروس (29/ 136): "الزاملة: التي يُحمل عليها طعام الرجل ومتاعه في سفره من الإبل وغيرها، والجمع زوامل، ولقد أبدع مروان بن أبي حفصة إذ هجا قومًا من رواة الشعر فقال:

زَوَامِلُ للأَشْعارِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ ... بِجَيِّدَها إِلاَّ كعِلْمِ الأَباعِرِ

لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي الْبَعِيرُ إِذا غَدَا ... بأَوسَاقِهِ أَو رَاحَ مَا فِي الْغَرائِرِ"​

وروى الخليلي في الإرشاد في معرفة علماء الحديث (2/ 553) من طريق سفيان بن عيينة عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي قال: لقيتُ عبد الله بن عمرو بن العاص بمكة فقلت: حدِّثني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تحدثني عن السَّفَطين. قال الخليلي: قال علي بن المديني: أراد بالسَّفَطين كتبًا أصابها يوم اليرموك. وهذا الأثر إسناده صحيح.

وروى ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (52/ 170) عن عبد الله بن أبي مُلَيكة قال: أهدى عبد الله بن عامر بن كُرَيْزٍ إلى عائشة هدية فظنّت أنه عبد الله بن عمرو فردتها وقالت: يَتتبَّع الكتب، وقد قال الله عزوجل: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51]! فقيل لها: إنه عبد الله بن عامر، فقبلتها.

ويُنظر في تحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما من كتب أهل الكتاب: مسند أحمد (7043)، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (74)، سِيَر أعلام النبلاء للذهبي (3/ 81)، البداية والنهاية لابن كثير (8/ 531)، صحيح السيرة النبوية للألباني (ص: 78).
 
عودة
أعلى