الفرق بين ( المنافقين) و ( الذين في قلوبهم مرض)

أبو عبد المعز

Active member
إنضم
20/04/2003
المشاركات
599
مستوى التفاعل
26
النقاط
28
درج المفسرون على تصنيف الناس ثلاث طوائف وفق ما ورد في الآيات الاستهلالية لسورة البقرة فثمة مؤمنون وكافرون ومنافقون ، ولاحظوا أن في الآيات المتعلقة بالمنافقين تفصيلا وتتبعا لأحوالهم ( ثلاثة عشر آية ) بينما جاء الحديث عن طائفة المؤمنين موجزا (ثلاث أو أربع آيات ) وعن طائفة الكافرين أكثر إيجازا (آيتين فقط) ....

و مما ذكر في سياق تفصيل أحوال المنافقين صفة : " في قلوبهم مرض"

غير أن هذه الصفة جاءت في مواضع أخرى من التنزيل عنوانا لطائفة رابعة من الناس ، وليس مجرد صفة لطائفة المنافقين .والدليل على ذلك ورود هذه الصفة معطوفة على "المنافقين" و"الكافرين"، ومن المعلوم أن العطف يفيد المغايرة قطعا:

إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال : 49]

وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب : 12]

لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب : 60]

وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر : 31]

نعم ، قد يعطف العام على الخاص والخاص على العام ولكن لا يعطف الشيء على نفسه أبدا...فلو قلت:" أومن بخاتم الرسل وبمحمد صلى الله عليه وسلم" لكان قولك باطلا، لأنه يدل على أن خاتم الرسل نبي آخر غير محمد ! ولا تستقيم العبارة إلا بحذف واو العطف فيكون محمد بدلا من الخاتم لا معطوفا !

حاصل المسألة أن (الذين في قلوبهم مرض) تأتي بمعنيين: وصفا للمنافقين وعنوانا لطائفة متميزة...

فما هذه الطائفة ؟

نحاول رصدها معتمدين على مؤشرين:

الأول : هو ثبات التسمية فقد تكررت عبارة " فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ" أكثر من عشر مرات في التنزيل ، فتعين تحليل المكون اللفظي لهذه الصفة :



- فأما كلمة (مرض) فهي معهودة شائعة في الاستعمال، والعلم بمعناها قريب جدا - لأنه من جنس العلم الحضوري الذي لا يحتاج إلى واسطة في الإدراك كالجوع والعطش- وقد وردت في التنزيل علة لمجموعة من الأحكام الشرعية – كعلة السفر وغيره - ولا تحتاج لتدقيق دلالي خاص، وعلى كل حال يحدد المرض كخلل في العضو أو في الجهاز العضوي...

- وأما (القلوب التي فيها مرض) فهي مركز التعقل والإدراك والاختيار، وليس المخ كما هو شائع عند الناس، وليس "القلب" اسما مرادفا للمخ كما قد يتوهم من يريد التوفيق بين القرآن والاعتقاد الشائع لأن القرآن يقول :



أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج : 46]



الآية بينة:



إن القلب ألة التعقل - وليس المخ - ومكانه الصدر -لا الرأس- ...ولا يلتفت إلى قول من يقول إن الكفر والإيمان والشك والوعي أمور معنوية فكيف تنشأ وتستقر في عضو مادي من الجسد لأننا نقول إن التعقل موجود في القلب كما أن الروح موجودة في الجسم واختلاف الطبيعة لا تمنع المساكنة!



لكن المرض هنا مقيد بالقلب فهو ليس خللا جسديا يمكن أن يعالج بعملية جراحية أو بمستحضر كيمياوي إنما هو خلل معنوي في الشعور والتفكير والوعي إنه مرض نفسي عقلي...

ونستحضر هنا - على سبيل الاستئناس- مرضا عقليا معروفا يدعى (الذهان الدوري الثنائي القطب) - وهو صورة من مرض الانفصام السكيزوفرينيا- حيث يكون المرء في حالة اكتئاب منطويا على نفسه منعزلا عن الناس لا يعتني بهندامه ومظهره ويستمر على هذا النحو أسابيع ثم ينقلب فجأة إلى شخص مبتهج كثير الكلام مختلطا بالناس معتنيا بمظهره وبعد أسابيع يعود إلى حالة الاكتئاب وهكذا ....ينتقل من قطب نفسي إلى قطب نفسي مضاد.....هذا الخلل النفسي العقلي قد يبين لنا حالة المرض القلبي التي يذكرها القرآن (أقول" يبين" ولا أقول "يتماهى أو يتحد") انطلاقا من المؤشر الثاني...وهو قوله تعالى:



إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء : 137]

لعل الآية تبيان لمن سماهم القرآن (الذين في قلوبهم مرض) ، الإيمان والكفر عندهم دوريان و الاختلاف مع المنافقين في النقط التالية:

1- الكفر والإيمان دوريان عند هؤلاء متزامنان عند المنافقين.

2- مرض القلب حالة عقلية نفسية والنفاق حالة اجتماعية ، فمن شروط تحقق النفاق وجود شخص خارجي واحد على الأقل ليظهر له المنافق خلاف ما يبطنه بالقول والعمل حتى اذا اختلى بنفسه كان كافرا ....

وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة : 14]

وقد يكون العطف في مثل قوله تعالى:

وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب : 12]

عطفا بمراعاة الاختلاف الاعتباري فهم منافقون باعتبار توجههم إلى الناس وفي قلوبهم مرض باعتبار توجههم إلى أنفسهم..

3- إيمان المنافق مصطنع أما إيمان الذين في قلوبهم مرض فهو حقيقي، ثم يعقبه كفر حقيقي ، ثم إيمان ، ثم كفر على النهج الدوري ...

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء : 137]

الإية تشهد لهم بالإيمان قالت "الذين آمنوا" ولم تقل "الذين ادعوا الإيمان"... لكنهم كفروا بعد ذلك.ولحرف العطف (ثم ) دلالة هامة على الدورية ولو عطف ب(الواو) لاحتمل الجمع في وقت واحد كما هو حال المنافقين.

قالت" كفروا "ولم تقل "ارتدوا" لأن الردة نهاية للمطاف وهؤلاء يترددون بين القطبين لا يستقرون ....

أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون [النور : 50]

نلحظ التمييز بين هؤلاء المرضى وطائفة أخرى هم الشكاك والمرتابون ، فالمرضى يستقرون في محطتي الإيمان والكفر على التناوب ، أما المرتابون فهم في وسط الطريق لم يدخلوا أية محطة!

فتكون الطوائف بالتفصيل خمسا:

- المؤمنون ظاهرا وباطنا في كل الأحوال

- الكافرون ظاهرا وباطنا في كل الأحوال

- المنافقون مؤمنون ظاهرا وكافرون باطنا

- مرضى القلوب مؤمنون وكافرون على التناوب

- الشكاك متوقفون أو لا أدريون أو غنوصيون .

أما الطوائف بالإجمال ففريقان فقط :مؤمنون وكافرون ، والكافرون أربعة أصناف ظلمات بعضها فوق بعض ......والله أعلم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستاذ العزيز يرجى الاطلاع على رأي الدكتور شوقي إبراهيم علام في الآية الكريمة :

مَن هم الذين في قلوبهم مرض الوارد ذكرهم في قوله تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾؟


الجواب


يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم كتابه: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ۝ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ۝ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 60-62].

والمراد بالذين في قلوبهم مرض في الآية الكريمة صنفٌ من المنافقين كانوا يتعرضون للنساء ويؤذونهن في أعراضهن، وكانوا يحبون الفاحشة وأخبارها والحديث عنها وغايتهم نشرها، وهذا فيه ما فيه من تحذير الشرع من تتبع النساء وأيذائهن، ومن نشر الفواحش بين الناس.
ونقل الإمام الطبري في "جامع البيان" (20/ 327، ط. مؤسسة الرسالة) عن ابن زيد في قوله: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾، قال: [هؤلاء صنف من المنافقين، ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ أصحاب الزنا، قال: أهل الزنا من أهل النفاق الذين يطلبون النساء فيبتغون الزنا، وقرأ: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾. قال: والمنافقون أصنافٌ عشرة في براءة، قال: فالذين في قلوبهم مرض؛ صنفٌ منهم مَرِضَ من أمر النساء] اهـ.
ونقل الإمام المفسِّر يحيى بن سلام في "تفسيره" (2/ 739، ط. دار الكتب العلمية) عن الإمام الكلبي قوله: [لئن لم ينتهوا عن أذى نساء المسلمين] اهـ.
ونقل عنه الإمام الثعلبي في "تفسيره" (8/ 64، ط. دار إحياء التراث العربي) قوله: [كانوا يحبون أن يفشوا الأخبار، وأن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا] اهـ.
وأخرج عبد الرزاق في "تفسيره" عن طاووس قال: "نزلت في بعض أمور النساء" يعني: ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [الأنفال: 49].
وقال الإمام السيوطي في "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" (6/ 663، ط. دار الفكر): [وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: سألت عكرمة رضي الله عنه عن قول الله: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ قال: "أصحاب الفواحش". وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ قال: "أصحاب الفواحش". وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ﴾ قال: "كان النفاق على ثلاثة وجوه: نفاقٌ مثل نفاق عبد الله بن أبي بن سلول، ونفاقٌ مثل نفاق عبد الله بن نبتل ومالك بن داعس؛ فكان هؤلاء وجوهًا من وجوه الأنصار، فكانوا يستحبون أن يأتوا الزنا يصونون بذلك أنفسهم؛ ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ قال: الزنا إن وجدوه عملوه وإن لم يجدوه لم يبتغوه. ونفاقٌ يكابِرون النساء مكابرةً –أيْ: يُغالِبونهن مُغالَبة-؛ وهم هؤلاء الذين كانوا يكابرون النساء ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ يقول: لنُعْلِمَنَّك بهم، ثم قال: ﴿مَلْعُونِينَ﴾ ثم فصَّله في الآية: ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا﴾ يعملون هذا العمل: مكابرة النساء ﴿أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾، قال السدي رضي الله عنه: هذا حكمٌ في القرآن ليس يُعمل به: لو أن رجلًا أو أكثر من ذلك اقتصوا أثر امرأة فغلبوها على نفسها ففجروا بها كان الحكم فيهم غير الجلد والرجم: أن يؤخذوا فتُضرَب أعناقُهم ﴿سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ كذلك كان يُفعَل بمَن مضى من الأمم، ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا﴾ قال: فمَن كابر امرأة على نفسها فغلبها فقُتِل فليس على قاتله دية؛ لأنه مكابر] اهـ.
وقال الإمام الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب" (25/ 184، ط. دار إحياء التراث العربي): [الذي في قلبه مرض: الذي يؤذي المؤمن باتباع نسائه] اهـ.
وقال الإمام القرطبي في "تفسيره" (14/ 246-247، ط. دار الكتب المصرية): [قال ابن عباس: لم ينتهوا عن إيذاء النساء] اهـ. وممَّا سبق يُعلَم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
وجزاكم الله تعالى خيرا .
 
الرابط الذي جاءت به الاجابة أعلاه .
 
عودة
أعلى