على فرض سلامة مسلسل عمر!

إنضم
05/09/2009
المشاركات
11
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
بسم الله الرحمن الرحيم
على فرض سلامة مسلسل عمر!
لا زلت أنتظر دليلاً واحداً من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على حرمة تمثيل أدوار الصحابة رضي الله عنهم فلم أجد... رغم كثرة المنكرين الغيورين وجلالة قدرهم، علماً بأني لست من هواة الأفلام ولا متابعي المسلسلات.
ولسوف أذكر كل أدلتهم مبتدءاً بكل دليل لهم بالعجب...وما أقوله ليس تبريراً لأي خطأ في هذا المسلسل في حق الفاروق أو حق الإسلام، متبرءاً من كل تصنيفٍ لي لأي طرف أو حزب...إنما هو الحق الذي أرجو...وكل مصنفٍ لي بحزب خارص بغير علم عفا الله عنا وعنه، فأقول:
العجب
من بعض من أهل العلم كيف يسوقون الحكم بالتحريم على أنه إجماع ! رغم كل هذا الخلاف بين العلماء في هذه الفترة الزمنية المحددة؟!
والعجب
من آخرين يستدلون بمصالح وقياسات استدلاهم بالنصوص ويريدون من الناس أن يسلِّموا لاجتهاداتهم تسليمهم لنصوص الوحي... وكلها يمكن قلبها عليهم تماماً!
إن
أكثر ما أكد عليه المانعون من الأدلة هو أن في ذلك إساءة لعمر رضي الله عنه ...!
والجواب
: أن هذا حكم سابق على أمر متوهم! وهل يمكن أن نصدر حكماً مبناه على المشاهدة والمشاهدة لم تحدث بعد، أو يصدر أحد حكمه على فعل لم يقع بعد، وفي زمان لم يأت بعد؟! لكنهم يعللون ذلك قائلين: بما أن كثيراً من المسلسلات السابقة كانت مسيئة للقدوات فلابد أن يكون هذا المسلسل سيئ مثلها...إذاً فالحكم التحريم!
وسؤالنا لهم:
ماذا إذا ظهر المسلسل سليماً وأميناً من حيث الرواية التاريخية كما حصل في مسلسلات أخرى، وماذا إذا ظهر فيه تعظيم الفاروق وإجلاله رضي الله عنه؟ وهذا هو الأصل لأسباب منها:
أن أهل العلم الذين عُرض عليهم السيناريو مؤتمنون
ولا يمكن الطعن في أمانتهم حاشاهم وقد شهدوا بسلامته التاريخية، والموضوع ليس موضوع اجتهاد في حكم فقهي حتى يُخالفوا فيه أو يوافقوا عليه وإنما هو موضوع أمانة...ومنهم جبال متخصصون في التاريخ كالدكتور أكرم ضياء العمري وموسوعيين في هذا الميدان كالدكتور الصلابي، ثم إنهم قد عرضت عليهم الحلقة الأولى وأجازوها... والمتوقع أن تسير على غرارها بقية الحلقات... وفوق هذا فإن شخصية عمر شخصية مشتهرة لايكاد يخفى على أغلب المسلمين فيها التلاعب، والتزوير فيها مفضوح؟ ثم ما مصلحة المنتجين - لو كان مقصدهم تجارياً - أن يَسْقطوا في عين المسلمين ويخسروا تجارتهم... فالتاجر الذكي هو من يراعي أذواق زبائنه ...
ثم إن هذا هو الفاروق الذي يبقى فرقاناً إلى يوم القيامة بين الحق والباطل
، وما فحوى مطلب الثورات الحديثة خاصة إلا غايتين قد قالهما عمر رضي الله عنه:
الغاية الأولى:
الحريات ونبذ الظلم وهو ماجمعه عمر بقوله: ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ).
الغاية الثانية:
حسن توزيع الثروات وهو ما جمعه بقوله: ( من أين لك هذا ).
والأمر يطول في هذا وبغض النظر عن ثمرات الثورات الحديثة هذه!
ثم إن ردّة فعل الناس بالتزوير على عمر سوف تكون بمقدار محبته في قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
والعجب
من آخرين يستدلون على تحريم مسلسل الفاروق على فرض سلامته بأن هذا تمثيل، وكونه تمثيل أمر كاف في تحريمه لأن مبناه على الكذب!
والجواب:
هل قال أحد من الممثلين أو غيرهم أنه هو الفاروق الحقيقي...! أليس هم يكتبون عند عرض المسلسل عبارة يقرؤها كل أحد: تمثيل فلان؟!
ألم يتمثل كعب بن زهير في مقدمة قصيدة البردة دور المحب لسعاد، بل صَوّر سعاد تصويراً جسدياً دقيقاً على خلاف في ثبوت البيتين، ومع هذا تبقى المقدمة كلها في سعاد... فهل نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا التمثيل؟! فهذه المعرفة العرفية بأن هذا تمثيل وتصوير أغنت عن البيان، وأما إن كان ذلك حقيقة فهو أصعب!
والعجب
من آخرين يعرضون لقطات على الهواتف والمواقع لبعض الممثلين في مسلسلات أخرى يظهروا فيها أخاطائهم وشناعاتهم، وخطئهم في قراءة القرآن...ليبْنوا على ذلك حرمة عرض مسلسل عمر!
والجواب:
على فرض سلامة مسلسل عمر فماذا ستقولون، أليس الحكم يدور مع علته؟! أجيبوا! هل ستخلطون الجميع وتعممون الحكم والله سبحانه يقول: (( قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) المائدة:١٠٠ أم سترجعون عن قولكم بعد كل هذا الإيغال؟!
والعجب
كيف ينكر هذا المسلسل أكثر أهل العلم حرباً للشيعة وردَّاً عليهم، ولو سئل أحدهم: من أسعد الناس بإيقاف مسلسل عمر؟ لقالوا: الشيعة! بينما جعل الله إغاضة العدو غاية وقربة فقال سبحانه: (( وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ))لتوبة: ١٢٠
والعجب
كذلك كيف يعرض البعض لقطات خارجية للمثلين فيها ما فيها من خوارم المروءة وما إلى ذلك، ليبْنوا على أن هؤلاء لايجوز الأخذ عنهم ، ولايليق أن يمثلوا دور الفاروق!
والجواب:
افرض أكثر من هذا ... افرض أن هذا الممثل فاسق بل افرض أنه مجاهر وفاجر... ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) البخاري- الفتح 6 (3062) واللفظ له. ومسلم (111).
وهل مثّل أحدٌ دور عمر المختار مثل أنتوني كوين النصراني
؟! ألم يذكر الله سبحانه أن الحمير تحمل أسفاراً ومنها أسفارٌ مباركة ينتفع بها المؤمنون، وعديم الفقه يحمل العلم للفقيه كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ( فرب حامل فقه غير فقيه) ابن ماجة (230) واللفظ له، قال محقق جامع الأصول (1/ 265، 266) : الحديث رواه البزار بإسناد حسن. وأخرجه أحمد في المسند (5/ 183) وغيره من حديث زيد بن ثابت. وإسناده صحيح .
والذي يمثل دور عمر هو ثامر إسماعيل
وهو كما علمت لم يمثل أي دور سابق تحاشياً لأي نقدٍ من هذه الجهة، وهو طالب جامعي موهوب كما يصفه أهل الميدان...
ثم أليس الممثل مجرد موصل وناقل
... فما يضير الموضوع إذا كان الناقل أميناً، ألم يقرر النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة أعظم آية في القرآن بينما الذي بلغ أبا هريرة بفضيلتها تلك شيطان مارق في صورة حيوان كما في قصة الجني سارق تمر الصدقة: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله: (صدقك وهو كذوب) البخاري- الفتح 6 (3275) ،وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه: ( صدق الخبيث) رواه ابن حبان (784).
فليكن الممثل كذوباً كيفما يشاء فالمهم أنه (صدقك )، ثم أيهما خير: أن تأتي برجل مسلم قليل الخبرة وهو من الصالحين ومحتسب، أو تأتي بمحترف يأخذ أُجرته العالية ويعطي للشخصية التي يمثلها أحسن مايستطيع حتى كأنه يتقمصها تقمصاً... فيكون له أحسن الأثر في إيصال الرسالة، وأبلغ الأثر في معايشة المشاهدين حتى لكأنه طوى الزمان بين أيديهم ونقلهم إلى موقع الحدث الأول وزمانه وظرفه؟ والجواب: لاشك أن الإتقان في الثاني أعظم، وميدان الدعوة بالإحسان والإتقان أولى.
إن حياة عمر رضي الله عنه أحق بالإحسان
والإتقان ... بل الجيل والأمة والدنيا أحوج ماتكون لعمر الآن، والعدو أحوج ما يكون لعلاج بعمر رضي الله عنه...وبالإتقان تصبح هذه الشخصية هي مَثَل لصغار هذا الجيل...وهي مبعث غيرة الكبار، وهي حديث مجلسهم، وسبب لإنكار المنكرات في مجتمعاتهم لعظيم قوة عمر وعظيم عدله في مقابل الأرض التي ملئت اليوم ظلماً وجوراً، وبقاء بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة (اللهم انصر الإسلام بعمر بن الخطاب).
إن هذا الجيل ليس بالسذاجة التي يختلط عليه فيها عمر الفاروق رضي الله عنه بالممثل فلان الفلاني، بل الجيل يعرف هؤلاء الممثلين جيداً، ويعرف أدوار الممثلين في أفلامهم ومسلسلاتهم المختلفة، هذا وهو لم ير هؤلاء الممثلين بنفس هيئة عمر، ولن يراه كذلك في حياته... فمن أين يأتي التخوف وهو يوقن بأن هذا ليس عمر رضي الله عنه؟! ومن قال:إننا نراهن على صلاح الممثلين أو تقواهم؟ لكن لكم أن تسئلوا كم هو الفارق العظيم بين معرفة الناس بشخصية عمر المختار وجهاده قبل أن يعرض الفلم، وبعدما عرض؟! وإن على من يقول: إن في هذا تقليل من شخصية عمر رضي الله عنه... أن يعلم أن الحقيقة معكوسة عنده عن الواقع، بل سوف يُكّون تساؤلاً واحداً يردده الجميع عند إعجابه بشخصية عمر هو : كيف بعمر الحقيقي إذن؟
وإن الدراسات لتدل على إن الإعجاب عادة يدفع المعجبين إلى مزيد من البحث
والسؤال والقراءة... وذلك مايدفعهم هنا بإذن الله إلى إعادة التفكير، ويثري عقولهم نحو مزيد من التعظيم ومزيد من المعايشة... ومزيد من الترضي عليه، ومزيد من إرغام أنوف الفرس عباد النار...ومزيد من تعظيم القرآن وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ربّاهم، والذي الفاروق وكل الصحابة إنما يقتدون به صلى الله عليه وسلم.
وإن الأثر الذي يتركه المسلسل النظيف
يزيد ربما على العديد من الخطب والكتب والمحاضرات المسموعة وخصوصاً في نفس الصغير، وكم فعل فلم محمد الفاتح وهو فلم كرتوني وكذا فلم عمر المختار في نفوس أبناء الأمة الأفاعيل، وأحيوا الغيرة على الدين...فكيف بالفاروق إذا سَلِمَ المسلسل بإذن الله.
إن الدفاع بمثل هذا المسلسل عن شخصية عمر
إن كان سليماً إن شاء الله ينسف جبال الزور المجوسي، ويكشف جرمهم، وإنه لأكبر بكثير من ندوات ومحاضرات مخصصة للإجابة عليهم... فضلاً عن الفارق الهائل في سعة الإنتشار وأعداد المتابعين ونوعياتهم.
ولك أن تتصور اجتماع الأسر وتفاعلهم أثناء المسلسل
، وكثرة حواراتهم وبحثهم، وهكذا المجالس، والاتصالات، والرسائل الهاتفية، وما إلى ذلك.
ولك أن تتصور ماذا سيضع مسلسل عمر رضي الله عنه في أبناء الشيعة المتابعين في بيوتهم
كما لك أن تتصور شدة الصراع في بيوتهم للحيلولة بين الأبناء ورؤية هذا المسلسل، وشدة الفتاوى المحرمة لمن يشاهده من قبل مراجعهم.
والعجب
من آخرين يريدون القطع بكل طريق إلى تكذيب المسلسل سلفاً فيقول: إن الحدث كله لايتجاوز نصف ساعة فكيف يصبح ثلاثين حلقة!
ولا أدري كيف أُلطِّف الجواب: لكن: ألا نفرِّق بين ذات الحدث ووصف الحدث؟! وهل كانت حياة عمر نصف ساعة؟!
ألم تزد خلافته على العقد من الزمان؟ وهل أحداث عمر كانت مقتصرة على ذاته أو بحدود شخصه أو زمانه؟
إن سقوط الحجر في الحوض الكبير شيئ ووصفه ووصف تردداته وأمواجه وما إلى ذلك شيئ آخر.
وإن من عظيم بلاغة من سلف أن تجد تحليل عباراته في الرواية تحتاج إلى إسهاب وتطويل وتمثيل وإيضاح حتى تدرك بعض المقصود.
وما أسهل أن يقول قائل مثل هذا لكنك تجده هو وغيره من الخطباء والمحاضرين يقيم خطبة جمعة كاملة على حدث أو حديث فيجعل له مقدمات وتهيئات وما إلى ذلك قبل أن يسوق الحدث...ولعل الحدث كله لايستغرق دقيقة، لكنه بما يوظف لخدمته وبيانه يصل إلى عشرة أضعاف أو أكثر.
ياعباد الله! ألا نفرق بين العبارة الخادمة للموضوع المهيئة للنفوس، الجانية للثمار وبين ذات الحدث...ألا نقرأ القصة الواحدة في القرآن...وكيف نوع الله سبحانه طريقة قصها في سور مختلفة... ألم يكن الحدث واحداً والقصة واحدة.
ورحم الله محمد أحمد باشميل ومن سار على دربه في كتابه أجزاء كبيره من التاريخ الإسلامي بشكل مسرحيات.
والعجب
من غيورين آخرين... يحتجون بتحريم هذا المسلسل بغيرة عمرعلى عِرضه! وأن المسلسل يظهر صورة عاتكة زوجته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم غض بصره عن زوجة عمر من الحور العين حين دخل الجنة!
فإن الجواب:
هل قال أحدٌ أن هذه هي عاتكة الحقيقية...ما الضير إذا كانت ممثلة محتشمة، ألم يكتب عند كل حلقة بالخط الواضح: الممثلة الفلانية تمثل دور عاتكة!
ولعل متحمس يقول : هل ترضى ذلك لعرضك؟
والجواب:إذا كان في ذلك نصرة للحق ونشر الدين، وإزهاق الباطل، فهو والله واجب ولا أملك أن أرضى أولا أرضى، كيف إذا كان عرضي نفسه هو من يجب عليه شرعاً أن يدعو إلى الله ويظهر في كل ميدان إن كان يستطيع - يقتضي فيه الظهور شرعاً!
يخطأ من يحجم المسألة في شخصيات! إنه عمل...ودعوة ...ونصرة...وما نحن فيه إلا حملته.
وكل واحدٍ له دور في العلم والدعوة أو القيادة في هذه الأمة يتمنى من يسخره الله ممن ينشر هذا الدين عن طريق الكتابة أو المسرحيات أو المسلسلات والأفلام ولو بتمثيل دوره ودور أهله مادام ذلك سليماً ومؤثراً، بل هو من امتداد ذكره في الآخرين، ومن الصدقة الجارية التي لا يغبط أحد عليها كما صاحبها من دون الآخرين.
ثم إذا جاز تمثيل دور عمر من هذا الباب وبهذه الشروط - أفلا يجوز تمثيل دور عاتكة...أقول هذا على فرض سلامته إن شاء الله.
قليلاً من التروي أيها العلماء المباركون
... كثير من الرفق في هذا الجيل...كثير من الشكر لنعمة العلم الحديث ووسائله ... أتحسبون أن هذا الجيل يقرأ... أو أنه قد قرأ عن عمر... والله لئن كان المسلسل سليماً ليبنين عمر رجالاً جبالاً في أعماق هذا الجيل، وفي تصرفاته فوراً في نفس الأيام التي يعرض فيها المسلسل فضلاً عن قادم حياة الجيل بإذن الله.
وقبل الختام أجيبوا
بوضوح ماذا تقولون لو كان هذا المسلسل سليماً وترجم إلى لغات أجنبية ودخل الناس بسببه الإسلام ...فهل ستحرمون إعادة عرضه عليهم إذا استفتيتم بذلك؟
إذاً كيف تحولون بين الأمة وبين قدواتها، وقد أصبحت هذه هي الوسيلة الشائعة الذائعة... والسوق الرابحة والرسالة الفاعلة في الجيل؟!
وهل تبليغ رسالة الإسلام لغير المسلمين بأولى من إعادة الأقربين من أهل وأبناء إلى الإسلام؟!.
كيف وفيه بإذن الله هداية أناس ترددوا كثيراً ولُبس عليهم كثيراً في شخص عمر خاصة..؟
كيف إذا أصبح سبباً لهداية أولادنا... ونرى بأنفسنا أثره عليهم؟
كيف ومالا يحصى من القلوب والألسنة ستهتف بإذن الله طوال تلك الأيام: رضي الله عنك ياعمر؟!
إن صناعة القدوة بمشهد تمثيلي سليم
مؤثر يصنع جيلاً مؤثراً مغيراً، بل إن الإكثار من العمل الإعلامي التاريخي السليم نصرة في ميدان الصراع الأوسع والأكبر...وحقيقته صراع في النفوس لإستعادة مقام القدوة المسلوب تحت أرجل المعتدين على أمتنا!
وأخيراً فإن العجيب
: كيف يستند البعض على تحريم المسلسل تمثلاً ومتابعةً بسد باب الذرائع فيقول: إن هذا يدعو إلى تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم، وأن من يقول بجواز هذا لابد أن يقول بجواز هذا ؟!
والجواب:
لايقول بجواز هذا عالم أبداً... وذلك لأن الله قطع تمثل الشيطان به صلى الله عليه وسلم حتى في المنام فكيف يجيزه مسلم في اليقظة، فقال صلى الله عليه وسلم: ( من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي)رواه البخاري- انظر الفتح 12 (6994) . ومسلم برقم (2266)، ثم إن أي حركة أو سكون لرسول الله تعتبر تشريعاً حتى لو كانت رمشة عين فهل يستطيع ممثل أن يضبط هذا، ومن يبلغ هذه الدقة ...؟!
بل إن تمثيل حركات النبي صلى الله عليه وسلم أمر يتعلق بالعقيدة أحياناً، فالخطأ هنا ربما أدخل صاحبه إلى الكفر والعياذ بالله! وليس هذا لأحدٍ إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم...فمخالفة الصحابة لهدية وعدمها سواء...أما الخلفاء فالأمر خاص بما استقر على أنه سنة عندهم، وأما ماخولفوا فيه فالحجة فيه للدليل، وما من أحدٍ من أهل السنة نسب العصمة للخلفاء رضي الله عنهم... حتى تكون كل جزئية تشريع مما قصد به التشريع!
وكم أتمنى على كل من يتكفل بمثل هذا العمل أن يأخذ من احتياطات الإجلال والتبجيل ما يحفظ لقدواتنا ربانيتها وإمامتها...بل عليهم أن يحتاطوا حتى في إبعاد أي مناظر مخلة أثناء عرض المسلسل وقبله وبعده...
وأحسب أنهم سيجدون- بعد هذا العمل - كثيراً من هؤلاء الغيورين قد تحولوا معهم... كيف وهؤلاء العلماء ما عارضوهم إلا غيرة على دينهم لظن معين، ورأوا الثمار فإذا انتفى ذاك الظن تحولت الغيرة معكم لله وحده وسابقوكم إلى مثله.
فاتقوا في دعوة الله ... الله الله في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يا أهل العلم :
إن في هذه الأصوات المباركة المطالبة بإيقاف مسلسل عمر لأسباب كذا وكذا من الخير ما فيها ... ففيها عنوان غيرة ووفاء، وفيها تحذير لكل مخطأ ومتهاون، وفيها إحياء ضوابط في ميدان الأصل فيه الإنفلات...ومع هذا يجب أن نعلم أن منهجية الضوابط وحدها ليست بمنهج ولا تصنع منهجاً، إنما هي أشبه بالأرصفة أو الحواجز الحديدية أو الإسمنتية على جنبات الطريق فيها نفع كبير لكنها ليست هي الطريق، كما أن قلع الحواجز عن الطريق إضرار ودمار! ضعوا الضوابط الشرعية، وراعوا الطفرة العلمية، والوسائل المرئية، وراعوا هذا الجيل الذي لن يتخل عن هذه الوسائل ، وما منا من أحدٍ إلا وعنده من أهله وربما في بيته مثال على هذا الجيل والأجهزة الحديثة.
راعوهم قبل أن ينفتلوا من كل الضوابط، ويكسروا كل القيود، وينفروا ممن لم يعش ظرفهم ويفهم نفسياتهم والمؤثرات فيهم...ويهرعوا مقتدين بأئمة الملاهي والملاعب والعقائد الأخرى ولسان حالهم يقول: لو فهم هؤلاء العلماء الغيورين مايصنع العمل التمثيلي النظيف في نفوسنا، وفي تغيير أحوالنا، وتزكية هممنا، وإثارة الحياء والنخوة فينا لرغبونا بالمتابعة وربما ألزمونا بها.
إن على أي مسلم يدرك خطئاً في حق الفاروق رضي الله عنه أن يبلغهم به أولاً بأولٍ وهكذا إذا وجد نفعاً ...لنصنع من الجيل جيلاً آمراً ناهياً متفاعلاً غير غافل، وليعلم الجميع أن لهذا الدين حراساً وعلى الخير نصراء.
لا تحسبوا أن المحاسَبْ هو من قال بالجواز رغم اشتراطه السلامة...بل المحاسب من منع باسم الإسلام نوعاً من دعوة الله ولادليل عنده، فضيق على الجيل حتى انفلت ...!

المحاسب من كان سبباً في ظهور غير الإسلام على الإسلام في هذا الميدان!

المحاسب من منع بلوغ فضائل عمر والصحابة رضوان الله عليهم بالوسائل المرغوبة والمنتشرة في هذا العصر لأهله وصد بفتواه عن هذا السبيل العظيم... وبقي يناديهم على وسائله القديمة وقد تجاوزها الزمن!

كما لا تحسبوا أن من أفتى بالتحريم بأحرص على الجيل ممن أفتى بالجواز بشرط السلامة!

وكفى المرأ شهاده ببراءة أن يقف في وجه الأخوة الأكثر والأشهر مع أنهم الأقرب، ولست أنا ممن يحجم عن الكتابة في هذا خشية أن يخذله القائمون على المسلسل...احتياطاً لنفسه لا للإسلام...وإلا فنحن لم نستشر في الأمر ابتداء ولم يؤخذ رأينا انتهاء...إنما هو الجيل الذي يتنازعه طرفان.
بل أقول بكل وضوح: يجب أن يكون المسلسل كذا وكذا من السلامة والمستوى...فإن خدعنا ولم يكن كما يجب فعلينا أن نبلغ الأمل المنشود في المستوى الإعلامي... وسيلة دعوة إلى الله نافذة المفعول في الجيل تعمل عمل السحر في الهنود كما يقول غاندي عن شعر إقبال، وأقول بكل وضوح: عمل كبير مثل هذا لابد أن تقع فيه أخطاء ومخالفات...
لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع إرسال المعلمين للناس بعدما قتل القراء في الرجيع.
أقول هذا مؤكداً على أن مبنى ما قلت هو سلامة المسلسل وغيره... وإلا فأنا أول الواقفين ضده، ثم أول الداعين إلى اختراق هذا الميدان بأعمال كبيرة وكثيرة سليمة...
دعوة إلى الله وانقاذاً للجيل، ومغالبة للخبث الإعلامي الكثير حتى هزيمته، وإبلاغاً لغير المسلمين رسالة الإسلام الواضحة، وأداء هذا العمل وأمثاله بالأمانة مع الإتقان خير من أن يسبقنا إلى الجيل الأعداء فيمثلون القدوات وقد دسوا السم في الدسم فيتشربها الجيل فيصعب علينا اقتلاعه بعد تمكنه...
إن هجران هذا الميدان لهو من تقصيرنا وهو من غربة الإسلام، وإن مطالبتنا الجيل بالقراءة مطالبة مشروعة لكنها غير مسموعة.
يا أيها العلماء والدعاة المكرمون:
إننا لا نتحدث عن حلقة علم هنا وهناك وأكرم بحلقات العلم، إنما نتحدث عن مجلس يومي يعقد أعداد من يحضره كل يوم ما بين 25 إلى 50 مليون شخص ... وهم أعداد المتابعين في العالم العربي لساعة الذروة في رمضان!
فاللهم ألف على نصرة دينك قلوبنا، وألهمنا رشدنا، واهدنا سبل السلام، هذا والله أعلم،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتبه:
توفيق بن خلف بن عبد الله الرفاعي
 
عودة
أعلى