(الدليل المبين على المقاربة بين القراء والمحدثين )
مقدمة
الحمد لله الذي أنزل الكتاب على نبيه الأمين،ويسره للذكر فقال ولقد يسرنا القرآن للذكر .. وأصلي وأسلم على أفضل الخلق محمد بن عبد الله،أرسله الله رحمة للعالمين ومبلغا للدين ..فأتم الله به النعمة على العالمين، ثم أثني بالصلاة والسلام على آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحبه الغر الميامين، وعلى من تبعهم، وسار على نهجهم إلى يوم الدين وبعد: فقد اطلعت على مشاركة أخي الدكتور أحمد الضاوي حفظه الله،وعنوانها: (القراءات القرآنية ومنهج المحدثين في التوثيق)، وأسجل بهذه المناسبة شكري وتقديري له على طرحه المنهجي الدقيق والواقعي والمتوازن، والذي قال في بعضه: (( كنا نأمل أن يُعنى الإخوة الكرام باكتشافعناصر التقاء القراءات و منهج المحدثين في التوثيق ، لنبين بالبرهان العلمي أن القراءات القرآنية موثقة توثيقا علميا يندر أن تجد نصا يمتاز بذلك. كما كان الهدف أن نبين أن المنظومة الإسلامية شاملة ومتكاملة ، وهو عنصر قوة المنظومة الإسلامية في مختلف تجلياتها ، إننا إذ نقوم بذلك نقدم الدليل العلمي على وثوقية النص القرآني لمن يحتاج لدليل ، وتزكية لإيمان المؤمنين حيث يصبح إيمانهم مؤسسا على العلم و المعرفة، فذلك التحصين العقدي، وعمل العلماء في هذا الاتجاه صيانة للمبتدئين ، ودعم للمؤمنين ، ودفع للمبطلين، وقربة لله رب العالمين)) .
كما أشكر إخواني من أهل القرآن والقراءات وعلومها،أولئك الأفاضل الذين ورد فيهم قوله
((إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه))،صحيح البخاري، فهم من تصدروا لإقراء القرآن وقراءاته المتواترة سبعية كانت أوعشرية من لدن القرون الأولى وحتى عصرنا اليوم فكان لهم الفضل والشرف المزيد.
*وفي طليعة ماأبشر به إخواني المحتشدين على مائدة القرآن الكريم في هذه الملتقى المبارك عثوري على الدليل الصريح الذي يؤكد نجاح مااستغرقنا فيه جهودنا وأوقاتنا بالتعليق والتوجيه والمداخلة فيه لنفي أو إثبات إمكانية المقاربة بين القراء، والمحدثين في أسانيدهم وقواعدهم ومصطلحاتهم وتراجمهم.
*وحين فزت بهذا الدليل هذه الليلة ولله الحمد حيث طالعته عند الإمام البقاعي الشافعي
،في كتابه الضوابط والإشارات لأجزاء علم القراءات،فرحت فرحا شديدا بشيئين ، فرحي بوجود الكتاب بعد أن فقدته بين الكتب،وفرحي بهذا الدليل النفيس.
*وإليكم إخواني الكرام هذا الدليل،الذي سأبدأ به ثم ألخص بعض ماذكره الإخوة أثناء مداخلاتهم في المشاركة من نفي لهذه المسألة الهامة ذات الاتصال بعلماء الحديث ومصطلحاتهم وتراجمهم.
*وقد قسمته إلى قسمين وخاتمة فيها بعض المطالب والتوصيات:
1- قسم فيه الدليل على العلاقة والمؤخاة الشديدة بين العلمين ومصطلحاتهم.
2- قسم فيه جملة من أدلة نفي بها بعض المداخلين هذه المقاربة .
(1)الدليل على العلاقة والمؤخاة الشديدة بين العلمين ومصطلحاتهم:
يقول الإمام البقاعي الشافعي
،في كتابه الضوابط والإشارات لأجزاء علم القراءات" (( الكلام في علم القراءات ينحصر في وسائل ومقاصد،من ضمن الوسائل سبعة أجزاء أولها السند،وعلم العربية،والوقف والابتداء،والفواصل ومرسوم الخط،والاستعاذة والتكبير، وتنحصر المقاصد في جزاين الأصول والفرش)). بتصرف بسيط /21.
وقال أيضا : ((الإسناد وهو أعظم مدارات هذا الفن والمعول عليه فيه))./24.
وقال كذلك شارحا وسيلة الإسناد عند القراء: ((بيان توقف العلم عليها أما على الإسناد فلأن القراءة سنة متبعة ونقل محض،فلابد في إثباتها من صحتها،ولاطريق إلى ذلك إلا بالإسناد، وستأتي الإشارة إليه من كلام شيخنا علامة زمانه شمس الدين ابي الخير محمد بن محمد ... بن الجزري
..نظما ونثرا،ولاريب أن ذلك يتوقف على علم الحديث)) السابق/31.
قلت :يقصد بالنظم قوله فكل ماوافق وجه نحوي...
وبالنثرقوله في النشر : كل قراءة وافقت العربية ولوبوجه ...
وقال شارحاً هذه المؤاخاة الشديدة : ((فقد عُلم بذلك أن هذا العلم شديد المؤاخاة لعلمي الحديث والعربية من عرفه دونهما ،أو دون أحدهما لم يكن منه على بصيرة في جميع أمره،وقد كنت قلت هذا بحثا،ثم ظهر لي بالنقل به عن أعظم التابعين لهؤلاء الأئمة، أول من جمع قراءاتهم في كتاب وهو الإمام الكبير مقرئ الآفاق أبوبكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد البغدادي قال الإمام الحافظ الكبير أبوالقاسم عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي المعروف بأبي شامة في كتابه المرشد الوجيز ....قال الإمام أبوبكر بن مجاهد وحملة القرآن متفاضلون في حمله ،ونقلة الحروف منازل في نقل حروفه ....البصير بعيب القراءة المنتقد للآثار فذلك الإمام الذي يفزع إليه حفاظ القرآن ..فإن قيل: قد أمن ماذكر من المحذور بضبط القراءات وإيداعها في الكتب المصنفات،قلت: إن سلم ذلك في الحروف لم يسلم فيما يتعلق بهيئاتها وصفاتها، هذه الجيم لم تأخذ عن أحد يقيم لفظها على ماينبغي إلا ابن الجزري
وذلك أنها ..))السابق/25/36.
بعد هذا الدليل الصريح بالإضافة إلى الأدلة التي سبق أن قدمها بعض الإخوة المداخلين يتأكد المقصد الذي أثارته هذه المشاركة الناجحة.
وأضيف هنا أنني قلت ماقلته قبل هذا في مداخلتي في هذه المشاركة، وذلك قبل أن أعثر على نص هذا العالم الجليل المقري تلميذ ابن الجزري فالحمد لله على أولا وآخراً.
2-قسم فيه جملة من أدلة نفي بها بعض المداخلين لهذه المقاربة .
نفى بعض الإخوة الكرام خلال قراءتهم لهذه المشاركة هذه المقاربة،وقد افترض بعضهم جدلا عدة افتراضات منها:
- أن هذالتقريب سينتج عنه ردّ (بعض الطرق المقروء بها)، وكذلك أنّ التعامل مع رجال الحديث يختلف تماما عنه مع القراء، وأن أحاديث الكتب الستة فيها الصحيح الضعيف، باتفاق العلماء، وأن بعض حالات معرفة درجة الرواة فتحت باب تضعيف أحاديث الصحيحين، فنتج عن ذلك الجرأة،وفتح باب فتنة جرت على الأمة ويلات كانت في غنى عنها.
كما افترض كذلك أن هذا قد يوصلنا إلى الحكم على بعض الطرق بما يؤدي إلى التوقف عن القبول لبعض ما اتفقت الأمة على صحته، فنكون قد خرقنا إجماعا سبق،كما افترض أنّه ليس لنا اليوم أن نضيف صحة القراءة بأي كتاب آخر فأسانيد القراءة بها لم تتصل إن لم تكن من الشاطبية والدرة أو أصول النشر بل من الطرق التي اختارها الإمام ابن الجزري الخ .
- وآخر افترض أن باب تصحيح وتضعيف الأحاديث والاجتهاد فيه لا زال مفتوحاً حيث هناك الكثير من الأحاديث التي تحتاج إلى نظر في أسانيدها ومتنها ، ولأجل ذلك فإنّ مجال الاجتهاد فيها لا يزال قائماً ، بخلاف القراءات القرءانية التي يُقرأ بها اليوم فهي محصورة ومصادرها كذلك وهي الشاطبية والدرة والطيبة وطرق هذه المصادر هي كذلك محصورة ومذكورة في كتاب النشر وهي في الجملة متواترة،كما افترض بهذا الذي ذكره أن التقارب لا يؤدي إلى نتيجة إيجابية لما سبق من البيان لأنّ الأهداف تتغاير فعلوم الحديث هدفها صيانة السنة النبوية من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ومساحة هذا الهدف لا تزال لكثرة الأحاديث النبوية التي تحتاج إلى نظر بخلاف القراءات التي يُقرأ بها الآن فإنها متواترة لا تحتاج إلى إعادة النظر في صحتها لأنّ المساحة محدودة ومحصورة بالصحيح المتواتر الذي لا يترك مجالا للاجتهاد والتصحيح إلاّ إذا كان من باب التأكيد والبيان.
وآخر تساءل هل هذا العمل سَيُسقِط بعض الطرق أو الروايات التي يُقرأ بها اليوم ، مع العلم أنّ دراسة علم الحديث فائدته عموماً هو صيانة السنة النبوية من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ومجال ذلك لا يزال مفتوحاً.
وآخرقال عن طريقة التعامل مع السند في حالة التقارب: فهل هناك قراءة رُدت بسبب ضعف في السند ـ أي في أحد القراء ـ ؟؟ هل هناك من رد قراءة بسبب فسق قارئ ؟؟
أم أنهم يردون القراءة بسبب انفراد الراوي ومخالفته لسائر من في عصره ؟؟
أم أن مسألة السند مسألة زائدة علي الموضوع ، والأصل الشهرة والاستفاضة . ؟؟
وكيف هي مدرسة ابن الجزري؟ وكيف نوجه اشتراط ابن الجزري التواتر أولا ثم اشتراطه صحة السند كيف نفهم هذا التحول..الخ، وإذا قلنا بوجودها فأين أمثلة هذا التوثيق؟ كيف يمكن تطبيقها؟ وإلا ستصبح المسألة نظرية فقط ، دون أن تحل قضية من القضايا ، لأن المسألة عند القراء أصبحت مقطوعة ، ولا يخرق هذا إلا بمثال ، وفي حدود بحثه لم يجد ذلك الخ.
وبعضهم أضاف بقوله: وما نقلتموه عن تجريح حفص وعدم قبول هؤلاء القراء لجرح المحدثين لأكبر دليل علي عدم التفاتهم لهذا الأمر ، ومع ما ذكرتُه للسيوطي . (( بل وانتشار قراءة حفص في الآفاق ـ وهو ضعيف عند المحدثين ـ لأبلغ رد على المحدثين بأن أصولكم لا تسير علينا معشر القراء ، وأما ما ذكرتموه من قضية الاشتراك بين القراء والمحدثين في قضيتي " البسملة والتكبير " فالأمر أن المحدثين تناولوا القضية من الجهة الحديثية حيث اعتمدوا علي تتبع الأحاديث الخاصة بالمسألتين . والتكبير ليس من القرآن باتفاق ، والبسملة علي الراجح عند القراء فكلٌ أخذ المسألة من جانبه . ولو وردت من جهة القراءة فقط ما تدخل المحدثون ،فوضع أسس في القراءة شئ يكاد يكون مستحيلا إلا أن يكون كليات ))،
وآخر ((أضاف أن الأسلم أن نأخذ بما هو مقروء اليوم واشتهر بين القراء سواء كانت موافقة للنصوص أم لا ، ولا نخلط بين علم القرآن والقراءات وبين المحدثين أو النحاة أو غيرهم فالقراء والمحدثون يكادون يشتركون فقط في أسماء المصطلحات ، ويختلفون في طريقة تطبيقها عمليا.
خاتمة:
أخيراً أجد من المناسب أن أختم بمطالب وتوصيات هامة هي:
- ينبغي على المحدثين إعطاء خصوصية لدروس القراءات القرآنية وتوضيح قواعدها والمصطلحات المشتركة بينهما،والتأليف فيها ليستفيد منها الباحثون والطلاب في علم القراءات.
- يجب على القراء الاحتكام أولا إلى قواعد علم القراءات ومقرراته التي لا يمكن أن ينضبط إلا بها سواء كانت مشتركة مع أصول المحديثين أم غيرهم، فالقاعدة: أنه لا يعرف القراءة ووجوهها إلا أهلها ، وغيرهم لا يعرفون أصلها ، فضلا عن توافرها ... فتواترها عندهم خاص بهم ، وهكذا أرباب العلوم في اصطلاحات لهم تتواتر عندهم .
- الحاجة ماسة لجمع قواعد ومصطلحات القراء وتوضيحها بعد توثيقها من مراجع أخرى كمصطلح الحديث وكتب قواعد المحدثين وكتب التراجم وكتب التاريخ،لتكون في متناول أيدي الطلاب والباحثين والمختصين.
- الحاجة ماسة إلى تأسيس رابطة للمتخصصين لدراسة طريقة آداء بعض الأوجه الآدائية، والاتفاق على طريقة لآدائها أثناء دروس الإقراء، وتأليف كتب لتراجم القراء في كل عصر حتى لاينقطع اتصال السند، وإقامة دروس مكثفة لتوزيع الطرق على الكتب في الكلمات الواردة بالقراءات العشر من طريقي الطيبة والنشر،وإشاعة دروس القراءات بالسبع والعشر الصغرى والكبرى وتبسيط دروسها وتسهيل إجازة طلابها.
- والحاجة ماسة لإقامة دراسات علمية في شرط السند عند القراء على انفراد وتقييم ماورد فيه على هذا الأساس.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مقدمة
الحمد لله الذي أنزل الكتاب على نبيه الأمين،ويسره للذكر فقال ولقد يسرنا القرآن للذكر .. وأصلي وأسلم على أفضل الخلق محمد بن عبد الله،أرسله الله رحمة للعالمين ومبلغا للدين ..فأتم الله به النعمة على العالمين، ثم أثني بالصلاة والسلام على آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحبه الغر الميامين، وعلى من تبعهم، وسار على نهجهم إلى يوم الدين وبعد: فقد اطلعت على مشاركة أخي الدكتور أحمد الضاوي حفظه الله،وعنوانها: (القراءات القرآنية ومنهج المحدثين في التوثيق)، وأسجل بهذه المناسبة شكري وتقديري له على طرحه المنهجي الدقيق والواقعي والمتوازن، والذي قال في بعضه: (( كنا نأمل أن يُعنى الإخوة الكرام باكتشافعناصر التقاء القراءات و منهج المحدثين في التوثيق ، لنبين بالبرهان العلمي أن القراءات القرآنية موثقة توثيقا علميا يندر أن تجد نصا يمتاز بذلك. كما كان الهدف أن نبين أن المنظومة الإسلامية شاملة ومتكاملة ، وهو عنصر قوة المنظومة الإسلامية في مختلف تجلياتها ، إننا إذ نقوم بذلك نقدم الدليل العلمي على وثوقية النص القرآني لمن يحتاج لدليل ، وتزكية لإيمان المؤمنين حيث يصبح إيمانهم مؤسسا على العلم و المعرفة، فذلك التحصين العقدي، وعمل العلماء في هذا الاتجاه صيانة للمبتدئين ، ودعم للمؤمنين ، ودفع للمبطلين، وقربة لله رب العالمين)) .
كما أشكر إخواني من أهل القرآن والقراءات وعلومها،أولئك الأفاضل الذين ورد فيهم قوله

*وفي طليعة ماأبشر به إخواني المحتشدين على مائدة القرآن الكريم في هذه الملتقى المبارك عثوري على الدليل الصريح الذي يؤكد نجاح مااستغرقنا فيه جهودنا وأوقاتنا بالتعليق والتوجيه والمداخلة فيه لنفي أو إثبات إمكانية المقاربة بين القراء، والمحدثين في أسانيدهم وقواعدهم ومصطلحاتهم وتراجمهم.
*وحين فزت بهذا الدليل هذه الليلة ولله الحمد حيث طالعته عند الإمام البقاعي الشافعي

*وإليكم إخواني الكرام هذا الدليل،الذي سأبدأ به ثم ألخص بعض ماذكره الإخوة أثناء مداخلاتهم في المشاركة من نفي لهذه المسألة الهامة ذات الاتصال بعلماء الحديث ومصطلحاتهم وتراجمهم.
*وقد قسمته إلى قسمين وخاتمة فيها بعض المطالب والتوصيات:
1- قسم فيه الدليل على العلاقة والمؤخاة الشديدة بين العلمين ومصطلحاتهم.
2- قسم فيه جملة من أدلة نفي بها بعض المداخلين هذه المقاربة .
(1)الدليل على العلاقة والمؤخاة الشديدة بين العلمين ومصطلحاتهم:
يقول الإمام البقاعي الشافعي

وقال أيضا : ((الإسناد وهو أعظم مدارات هذا الفن والمعول عليه فيه))./24.
وقال كذلك شارحا وسيلة الإسناد عند القراء: ((بيان توقف العلم عليها أما على الإسناد فلأن القراءة سنة متبعة ونقل محض،فلابد في إثباتها من صحتها،ولاطريق إلى ذلك إلا بالإسناد، وستأتي الإشارة إليه من كلام شيخنا علامة زمانه شمس الدين ابي الخير محمد بن محمد ... بن الجزري

قلت :يقصد بالنظم قوله فكل ماوافق وجه نحوي...
وبالنثرقوله في النشر : كل قراءة وافقت العربية ولوبوجه ...
وقال شارحاً هذه المؤاخاة الشديدة : ((فقد عُلم بذلك أن هذا العلم شديد المؤاخاة لعلمي الحديث والعربية من عرفه دونهما ،أو دون أحدهما لم يكن منه على بصيرة في جميع أمره،وقد كنت قلت هذا بحثا،ثم ظهر لي بالنقل به عن أعظم التابعين لهؤلاء الأئمة، أول من جمع قراءاتهم في كتاب وهو الإمام الكبير مقرئ الآفاق أبوبكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد البغدادي قال الإمام الحافظ الكبير أبوالقاسم عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي المعروف بأبي شامة في كتابه المرشد الوجيز ....قال الإمام أبوبكر بن مجاهد وحملة القرآن متفاضلون في حمله ،ونقلة الحروف منازل في نقل حروفه ....البصير بعيب القراءة المنتقد للآثار فذلك الإمام الذي يفزع إليه حفاظ القرآن ..فإن قيل: قد أمن ماذكر من المحذور بضبط القراءات وإيداعها في الكتب المصنفات،قلت: إن سلم ذلك في الحروف لم يسلم فيما يتعلق بهيئاتها وصفاتها، هذه الجيم لم تأخذ عن أحد يقيم لفظها على ماينبغي إلا ابن الجزري

بعد هذا الدليل الصريح بالإضافة إلى الأدلة التي سبق أن قدمها بعض الإخوة المداخلين يتأكد المقصد الذي أثارته هذه المشاركة الناجحة.
وأضيف هنا أنني قلت ماقلته قبل هذا في مداخلتي في هذه المشاركة، وذلك قبل أن أعثر على نص هذا العالم الجليل المقري تلميذ ابن الجزري فالحمد لله على أولا وآخراً.
2-قسم فيه جملة من أدلة نفي بها بعض المداخلين لهذه المقاربة .
نفى بعض الإخوة الكرام خلال قراءتهم لهذه المشاركة هذه المقاربة،وقد افترض بعضهم جدلا عدة افتراضات منها:
- أن هذالتقريب سينتج عنه ردّ (بعض الطرق المقروء بها)، وكذلك أنّ التعامل مع رجال الحديث يختلف تماما عنه مع القراء، وأن أحاديث الكتب الستة فيها الصحيح الضعيف، باتفاق العلماء، وأن بعض حالات معرفة درجة الرواة فتحت باب تضعيف أحاديث الصحيحين، فنتج عن ذلك الجرأة،وفتح باب فتنة جرت على الأمة ويلات كانت في غنى عنها.
كما افترض كذلك أن هذا قد يوصلنا إلى الحكم على بعض الطرق بما يؤدي إلى التوقف عن القبول لبعض ما اتفقت الأمة على صحته، فنكون قد خرقنا إجماعا سبق،كما افترض أنّه ليس لنا اليوم أن نضيف صحة القراءة بأي كتاب آخر فأسانيد القراءة بها لم تتصل إن لم تكن من الشاطبية والدرة أو أصول النشر بل من الطرق التي اختارها الإمام ابن الجزري الخ .
- وآخر افترض أن باب تصحيح وتضعيف الأحاديث والاجتهاد فيه لا زال مفتوحاً حيث هناك الكثير من الأحاديث التي تحتاج إلى نظر في أسانيدها ومتنها ، ولأجل ذلك فإنّ مجال الاجتهاد فيها لا يزال قائماً ، بخلاف القراءات القرءانية التي يُقرأ بها اليوم فهي محصورة ومصادرها كذلك وهي الشاطبية والدرة والطيبة وطرق هذه المصادر هي كذلك محصورة ومذكورة في كتاب النشر وهي في الجملة متواترة،كما افترض بهذا الذي ذكره أن التقارب لا يؤدي إلى نتيجة إيجابية لما سبق من البيان لأنّ الأهداف تتغاير فعلوم الحديث هدفها صيانة السنة النبوية من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ومساحة هذا الهدف لا تزال لكثرة الأحاديث النبوية التي تحتاج إلى نظر بخلاف القراءات التي يُقرأ بها الآن فإنها متواترة لا تحتاج إلى إعادة النظر في صحتها لأنّ المساحة محدودة ومحصورة بالصحيح المتواتر الذي لا يترك مجالا للاجتهاد والتصحيح إلاّ إذا كان من باب التأكيد والبيان.
وآخر تساءل هل هذا العمل سَيُسقِط بعض الطرق أو الروايات التي يُقرأ بها اليوم ، مع العلم أنّ دراسة علم الحديث فائدته عموماً هو صيانة السنة النبوية من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ومجال ذلك لا يزال مفتوحاً.
وآخرقال عن طريقة التعامل مع السند في حالة التقارب: فهل هناك قراءة رُدت بسبب ضعف في السند ـ أي في أحد القراء ـ ؟؟ هل هناك من رد قراءة بسبب فسق قارئ ؟؟
أم أنهم يردون القراءة بسبب انفراد الراوي ومخالفته لسائر من في عصره ؟؟
أم أن مسألة السند مسألة زائدة علي الموضوع ، والأصل الشهرة والاستفاضة . ؟؟
وكيف هي مدرسة ابن الجزري؟ وكيف نوجه اشتراط ابن الجزري التواتر أولا ثم اشتراطه صحة السند كيف نفهم هذا التحول..الخ، وإذا قلنا بوجودها فأين أمثلة هذا التوثيق؟ كيف يمكن تطبيقها؟ وإلا ستصبح المسألة نظرية فقط ، دون أن تحل قضية من القضايا ، لأن المسألة عند القراء أصبحت مقطوعة ، ولا يخرق هذا إلا بمثال ، وفي حدود بحثه لم يجد ذلك الخ.
وبعضهم أضاف بقوله: وما نقلتموه عن تجريح حفص وعدم قبول هؤلاء القراء لجرح المحدثين لأكبر دليل علي عدم التفاتهم لهذا الأمر ، ومع ما ذكرتُه للسيوطي . (( بل وانتشار قراءة حفص في الآفاق ـ وهو ضعيف عند المحدثين ـ لأبلغ رد على المحدثين بأن أصولكم لا تسير علينا معشر القراء ، وأما ما ذكرتموه من قضية الاشتراك بين القراء والمحدثين في قضيتي " البسملة والتكبير " فالأمر أن المحدثين تناولوا القضية من الجهة الحديثية حيث اعتمدوا علي تتبع الأحاديث الخاصة بالمسألتين . والتكبير ليس من القرآن باتفاق ، والبسملة علي الراجح عند القراء فكلٌ أخذ المسألة من جانبه . ولو وردت من جهة القراءة فقط ما تدخل المحدثون ،فوضع أسس في القراءة شئ يكاد يكون مستحيلا إلا أن يكون كليات ))،
وآخر ((أضاف أن الأسلم أن نأخذ بما هو مقروء اليوم واشتهر بين القراء سواء كانت موافقة للنصوص أم لا ، ولا نخلط بين علم القرآن والقراءات وبين المحدثين أو النحاة أو غيرهم فالقراء والمحدثون يكادون يشتركون فقط في أسماء المصطلحات ، ويختلفون في طريقة تطبيقها عمليا.
خاتمة:
أخيراً أجد من المناسب أن أختم بمطالب وتوصيات هامة هي:
- ينبغي على المحدثين إعطاء خصوصية لدروس القراءات القرآنية وتوضيح قواعدها والمصطلحات المشتركة بينهما،والتأليف فيها ليستفيد منها الباحثون والطلاب في علم القراءات.
- يجب على القراء الاحتكام أولا إلى قواعد علم القراءات ومقرراته التي لا يمكن أن ينضبط إلا بها سواء كانت مشتركة مع أصول المحديثين أم غيرهم، فالقاعدة: أنه لا يعرف القراءة ووجوهها إلا أهلها ، وغيرهم لا يعرفون أصلها ، فضلا عن توافرها ... فتواترها عندهم خاص بهم ، وهكذا أرباب العلوم في اصطلاحات لهم تتواتر عندهم .
- الحاجة ماسة لجمع قواعد ومصطلحات القراء وتوضيحها بعد توثيقها من مراجع أخرى كمصطلح الحديث وكتب قواعد المحدثين وكتب التراجم وكتب التاريخ،لتكون في متناول أيدي الطلاب والباحثين والمختصين.
- الحاجة ماسة إلى تأسيس رابطة للمتخصصين لدراسة طريقة آداء بعض الأوجه الآدائية، والاتفاق على طريقة لآدائها أثناء دروس الإقراء، وتأليف كتب لتراجم القراء في كل عصر حتى لاينقطع اتصال السند، وإقامة دروس مكثفة لتوزيع الطرق على الكتب في الكلمات الواردة بالقراءات العشر من طريقي الطيبة والنشر،وإشاعة دروس القراءات بالسبع والعشر الصغرى والكبرى وتبسيط دروسها وتسهيل إجازة طلابها.
- والحاجة ماسة لإقامة دراسات علمية في شرط السند عند القراء على انفراد وتقييم ماورد فيه على هذا الأساس.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تعليق