عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَقَدْ نَزَلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ، وَرَضَاعَةُ الْكَبِيرِ عَشْرًا، وَلَقَدْ كَانَ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي، فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ، دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا» .
قلت: هذا الخبر مما يتكأ عليه من يزعم نقص المصحف الذي بين أيدينا عن الوحي المحفوظ الموحى به للنبي

وهذا الخبر ضعيف الإسناد، وفي متنه نكارة. أخرجه أحمد: (6/269)، رقم: (26316)، وابن ماجه: (1944) ـ ومن طريقه الجورقاني في الأباطيل والمناكير (541) ـ وأبو يعلى: (4587، 4588) والطبراني في «الأوسط»: (7805)، والدارقطني: (4367)؛ من طريق محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، وعن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه قال: قالت عائشة. ورواية أحمد بدون ذكر طريق ابن القاسم، وعنده تصريح ابن إسحاق بالتحديث. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبد الرحمن بن القاسم إلا محمد بن إسحاق. ا.هـ .
ورواية ابن القاسم هذه: قد خولف فيها ابن إسحاق، خالفه حماد بن سلمة، فرواه عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عمرة عن عائشة، فزاد فيه عمرة، ورجح الدارقطني في العلل (15/ 153، س: 3913) رواية حماد، فعاد الإسناد بذلك إلى طريق عمرة، عن عائشة.
وهذا حديث ضعيف، لتفرد ابن إسحاق به، حتى وإن صرَّح بالتحديث، وذلك لأنه ليس ممن يُعتمد عليه في أحاديث الأحكام إذا انفرد، وفيما يلي بعض من كلام العلماء في ابن إسحاق في حديثه عامة، وفي هذا الحديث خاصة:
ـ أما عن أحاديثه في السنن والأحكام عامة:
فقال عبد الله بن أحمد بن حنبل ـ كما في «السير» (7/ 46) ـ : قيل لأبي: يُحتج به ـ يعني ابن اسحاق ـ قال: «لم يكن يحتج به في السنن».
ـ وقيل لأحمد ـ كما في السير (7/ 46) ـ : إذا انفرد ابن اسحاق بحديث تقبله؟ قال: «لا والله، إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد، ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا».
ـ وقال أحمد ـ كما في تاريخ ابن معين (3/ 247- رواية الدوري) ـ : «وأما ابن اسحاق فيكتب عنه هذه الأحاديث -يعني المغازي ونحوها-فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوماً هكذا- قال أحمد ابن حنبل-بيده وضم يديه وأقام الإبهامين».
ـ وقال الذهبي في «السير» (7/41): «وأما في أحاديث الأحكام فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن إلا فيما شذ فيه، فإنه يعد منكراً».
قلت (أحمد): وحديثه هنا يعتبر مما شذ فيه، ولذا أنكره العلماء، وفيما يلي توضيح ذلك:
قال الجورقاني: «هذا حديث باطل، تفرد به محمد بن إسحاق، وهو ضعيف الحديث، وفي إسناد هذا الحديث بعض الاضطراب. في خلاف ذلك».
ثم ساق الحديث من طريق مالك – وهو في الموطأ (2253- الأعظمي) ومن طريقه: الدارمي (2299) ومسلم (1452) وأبو داود (2062) والترمذي (1150) والنسائي (3307) – عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة قالت: كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن. ثم نسخن بخمس معلومات. فتوفي رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ، وهن مما يقرأ من القرآن.
قال الجورقاني: «هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم في الصحيح، عن يحيى بن يحيى، عن مالك، ومالك أثبت عند أصحاب الحديث من محمد بن إسحاق».
وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص: 443- 444): «فأما رضاع الكبير عشرا، فنراه غلطا من محمد بن إسحاق. ولا نأمن أيضا أن يكون الرجم الذي ذكر أنه في هذه الصحيفة، كان باطلا، لأن رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قد رجم ماعز بن مالك وغيره، قبل هذا الوقت، فكيف ينزل عليه مرة أخرى؟
ولأن مالك بن أنس، روى هذا الحديث بعينه، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة ـ

قال: «وألفاظ حديث مالك، خلاف ألفاظ حديث محمد بن إسحاق. ومالك أثبت عند أصحاب الحديث، من محمد بن إسحاق».
وقد أشار الدارقطني أيضا إلى خلاف ابن إسحاق في ألفاظ الحديث، حيث سئل عن الحديث – كما في علله (15/ 153، س: 3913) – من طريق عمرة عن عائشة، قالت: نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرم بهن، ثم صرن إلى خمس؛ فساق خلافا بين الرواة، ومنهم ابن إسحاق، ثم قال في نهايته: «وحدث محمد بن إسحاق لفظا آخر، وهو: عن عائشة؛ لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشرا، فلما مات رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تشاغلنا بموته، فدخل داجن فأكلها».
فتبين من خلال هذه النقولات: أن قصة رضاع الكبير لا علاقة لها بالحديث، وكذلك قصة الرجم، وربما دخل على ابن إسحاق بعض الأحاديث على بعض، وقد يكون مما دخل عليه أيضا: قصة الداجن التي ذكرت في حديث الإفك. فجمع ابن إسحاق ذلك كله في حديث واحد، وجاء بهذا التخليط، والله أعلم.
وعلى كل حال: فإذا كان ابن إسحاق ليس ممن يعتمد عليه في أحاديث الأحكام – كما تقدَّم في كلام أحمد- فمن باب أولى ألا يعتمد عليه فيما فيه شبهات وتشكيك في القرآن خاصمة مع المخالفة المذكورة، والله أعلم.
وانظر زيادة على ما تقدَّم: ما ذكره البيهقي في «معرفة السنن»: (11/ 261)، وما ذكره الشيخ الجديع في حاشية كتابه «المقدمات الأساسية في علوم القرآن»، ص: (173- 177).
تعليق