بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى : ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ﴾ (الاسراء:16)
قرر ابن القيم أن الأمر في قول الله تعالى هنا : ﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ هو الأمر الكوني القدري، لا الأمر الشرعي ، وبيّن أن هذا التفسير أرجح من تفسير من فسّر الآية بقوله : "أمرنا مترفيها بالطاعة ، ففسقوا" من وجوه كثيرة .
قال
وهو يذكر الأمثلة من القرآن على الأمر الكوني :
( وقوله: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ﴾ ، فهذا أمر تقدير كوني لا أمر ديني شرعي ؛ فإن الله لا يأمر بالفحشاء . والمعنى : قضينا ذلك وقدرناه .
وقالت طائفة : بل هو أمر ديني . والمعنى : أمرناهم بالطاعة فخالفونا وفسقوا .
والقول الأول أرجح لوجوه :
أحدها : أن الإضمار على خلاف الأصل ؛ فلا يصار إليه إلا إذا لم يمكن تصحيح الكلام بدونه .
الثاني : أن ذلك يستلزم إضمارين ، أحدهما : أمرناهم بطاعتنا ، والثاني : فخالفونا أو عصونا ، ونحو ذلك .
الثالث : أن ما بعد الفاء في مثل هذا التركيب هو المأمور به نفسه ، كقولك : أمرته ففعل ، وأمرته فقام ، وأمرته فركب ؛ لا يفهم المخاطب غير هذا .
الرابع : أنه سبحانه جعل سبب هلاك القرية أمره المذكور . ومن المعلوم أن أمره بالطاعة والتوحيد لا يصلح أن يكون سبب الهلاك ، بل هو سبب للنجاة والفوز.
فإن قيل : أمره بالطاعة مع الفسق هو سبب الهلاك .
قيل : هذا يبطل بالوجه الخامس : وهو أن هذا الأمر لا يختص بالمترفين ، بل هو سبحانه يأمر بطاعته واتباع رسله المترفين وغيرهم ؛ فلا يصح تخصيص الأمر بالطاعة للمترفين .
يوضحه الوجه السادس : أن الأمر لو كان بالطاعة لكان هو نفس إرسال رسله إليهم . ومعلوم أنه لا يحسن أن يقال : أرسلنا رسلنا إلى مترفيها ففسقوا فيها ؛ فإن الإرسال لو كان إلى المترفين لقال من عداهم : نحن لم يرسل إلينا .
السابع : أن إرادة الله سبحانه لإهلاك القرية إنما يكون بعد إرسال الرسل إليهم وتكذيبهم ، وإلا فقبل ذلك هو لا يريد إهلاكهم ، لأنهم معذورون بغفلتهم وعدم بلوغ الرسالة إليهم ، قال تعالى : ﴿ ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ﴾ (الأنعام:131) ، فإذا أرسل الرسل فكذبوهم أراد إهلاكها ، فأمر رؤساءها ومترفيها أمراً كونياً قدرياً – لا شرعياً دينياً - بالفسق في القرية ، فاجتمع على أهلها تكذيبُهم وفسقُ رؤسائهم ؛ فحينئذ جاءها أمر الله ، وحق عليها قوله بالإهلاك. )([1])
وقال في موضع آخر : ( ونظير هذا لفظ الأمر ؛ فإنه نوعان : أمر تكوين ، وأمر تشريع . والثاني قد يعصى ويخالف ، بخلاف الأول ، فقوله تعالى : ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ﴾ لا يناقض قوله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ﴾ (لأعراف : من الآية28) ، ولا حاجة إلى تكلف تقدير : أمرنا مترفيها بالطاعة فعصونا وفسقوا فيها ، بل الأمر ههنا أمر تكوين وتقدير ، لا أمر تشريع ، لوجوه :
أحدها : أن المستعمل في مثل هذا التركيب أن يكون ما بعد الفاء هو المأمور به ، كما تقول : أمرته فقام ، وأمرته فأكل ، كما لو صرح بلفظه : » أفعل « ، كقوله تعالى : ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ﴾(البقرة: من الآية34) ، وهذا كما تقول : دعوته فأقبل . وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ (الإسراء : من الآية52).
الثاني : أن الأمر بالطاعة لا يختص بالمترفين ؛ فلا يصح حمل الآية عليه ، بل تسقط فائدة ذكر المترفين ؛ فإن جميع المبعوث إليهم مأمورون بالطاعة فلا يصح أن يكون أمر المترفين علة إهلاك جميعهم .
الثالث : أن هذا النسق العجيب ، والتركيب البديع مقتضٍ ترتب ما بعد الفاء على ما قبلها ترتب المسبب على سببه ، والمعلول على علته ؛ ألا ترى أن الفسق علة » حق القول عليهم « ، و» حق القول عليهم « علة لتدميرهم ؛ فهكذا الأمر سبب لفسقهم ومقتض له ، وذلك هو أمر التكوين ، لا التشريع .
الرابع : أن إرادته سبحانه لإهلاكهم إنما كانت بعد معصيتهم ، ومخالفتهم لرسله ؛ فمعصيتهم ومخالفتهم قد تقدمت ، فأراد الله هلاكهم ، فعاقبهم بأن قدر عليهم الأعمال التي يتحتم معها هلاكهم ....)([2])
[align=center]الدراسة :[/align]
تضمن كلام ابن القيم السابق قولين في المراد بقول الله U : ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ﴾ ، وهما :
القول الأول : أمرنا المترفين أمراً كونياً قدرياً بالفسق ، أي : قضينا ذلك ، وقدرناه عليهم.
القول الثاني : أمرنا مترفيهم بالطاعة ، فعصونا وفسقوا ، فحق عليهم القول ، فدمرناهم تدميراً .
وقد رجح القول الأول من عدة وجوه – كما سبق - .
والأقوال المشهورة في المراد بـ » أَمَرنا « هنا ثلاثة أقوال ([3]):
القول الأول منها : أنه من الأمر ، وفي الكلام إضمار ، تقديره : أمرنا مترفيها بالطاعة ، ففسقوا . وهذا القول مروي عن ابن عباس ([4])، وسعيد بن جبير ([5]). قال الزجاج : ( ومثله في الكلام : أمرتك فعصيتني ؛ فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر .)([6])
القول الثاني : كثَّرنا يقال : أمرت الشيء وآمرته ، أي: كثَّرته . وهو قول أبي عبيدة([7])، وابن قتيبة ([8]). ويؤيد هذا القول قراءة : ﴿ آمَرنا ﴾([9]). وبهذا المعنى رويت الأقوال في تفسير الآية عن ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، وابن زيد .([10])
القول الثالث : أنَّ معنى أَمرنا : أمّرنا ، يقال : أَمَرْت الرجل ، بمعنى : أمّرته . والمعنى : سلّطنا مترفيها بالإمارة . ويؤيد هذا القول قراءة : » أَمَّرنا «([11]) ، وعلى هذه القراءة جاء تفسير ابن عباس ، حيث قال : » أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا « سلطنا أشرارها فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بالعذاب ، وهو قوله : ﴿ وكذلكَ جَعَلنا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها ﴾( الأنعام :123) .([12])
ومثله قول مجاهد : بعثنا ([13]) ، وقول الربيع بن أنس : سلّطنا .([14])
وأما موقف أئمة التفسير من هذه الأقول ؛ فيتضح من خلال هذا العرض :
بدأ ابن جرير في تفسيره لهذه الآية بذكر القراءات التي قرئ بها قول الله U : ﴿ أَمَرْنَا ﴾، ثم ذكر معنى الآية على كل قراءة . وقد ذكر الأقوال الثلاثة السابقة ، ووجه كل قول منها ، وذكر من قال بكل قول من أهل التأويل ، وأهل اللغة .
وقد ختم ذلك ببيان موقفه من تلك القراءات ، وتلك الأقوال ، فرجح قراءة جمهور القراء المشهورة ، وبيّن أنها أولى القراءات بالصواب ، ورجّح القول الأول من الأقوال الثلاثة السابقة في معنى الآية قائلاً : ( وإذا كان ذلك هو الأولى بالصواب بالقراءة ، فأولى التأويلات به تأويل من تأوّله : أمرنا أهلها بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها ، فحقّ عليهم القول ؛ لأن الأغلب من معنى »أمرنا« : الأمر الذي هو خلاف النهي دون غيره ، وتوجيه معاني كلام الله جلّ ثناؤه إلى الأشهر الأعرف من معانيه ، أولى ما وجد إليه سبيل من غيره . )([15])
وكذلك ابن عطية ، والقرطبي ؛ ذكرا الأقوال الثلاثة السابقة ، ونقلا القراءات التي قرئ بها هنا ، وذكرا التوجيه المناسب لكل قراءة ، ومعنى الآية على كل قول ، إلا أنهما لم يذكرا ترجيحاً أو اختياراً ، واكتفيا بعرض تلك الأقوال كاحتمالات لا مانع من قبولها كلها .([16])
وذكر الرازي قولين في معنى : ﴿ أَمَرْنَا ﴾ :
الأول : أنه المراد به الأمر بالفعل . ثم في المأمور به قولان : أشهرهما أنه أمرٌ بالطاعة - كما في القول الأول من الأقوال الثلاثة السابقة - . والقول الثاني : أن المأمور به الفسق – كما هو قول الزمخشري ([17])- . وقد بيّن الرازي بطلان هذا القول ، واستغرب اختيار الزمخشري له ، ثم قال : ( فثبت أن الحق ما ذكره الكل ، وهو أن المعنى : أمرناهم بالأعمال الصالحة - وهي الإيمان والطاعة - ، والقوم خالفوا ذلك الأمر عناداً ، وأقدموا على الفسق .)
والقول الثاني في معنى ﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ : أكثرنا فساقها . ثم بيّن وجه هذا القول ، ولم يبين موقفه منه .([18])
وتوسع أبو حيان في ذكر القراءات ، والأقوال التي قيلت في توجيهها ، ونقل الكثير من أقوال من سبقه في ذلك ، مع تعليقات واستدراكات ، أكثرها على كلام الزمخشري فيما ذكره في تفسيره للآية .
ومما ذكره أبو حيان من أحكام ، وتعليقات :
· الظاهر على القراءة المشهورة أن » أمرنا « من الأمر الذي هو ضد النهي .
· علّق على ما ذكره الزمخشري من كون القول الذي اختاره لا يحتاج إلى تقدير محذوف ، بخلاف القول المشهور الذي يحتاج الكلام فيه إلى تقدير محذوف لا دليل عليه ، ثم قوله : ( لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز ) ؛ علق عليه بقوله : ( وقوله "لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز" تعليلٌ لا يصح فيما نحن بسبيله بل ثَمَّ ما يدل على حذفه .
· في هذه الآية يستدل على المحذوف بنقيضه ، ودلالة النقيض على النقيض كدلالة النظير على النظير .
وبقية ما ذكره وافق فيه ابنَ عطية ، والقرطبي من حيث عدم بيان موقفه منه ، واقتصاره على النقل ، والتعليق .([19])
وتميّز ابن كثير بذكر القول الذي رجحه ابن القيم ، مع الأقوال الثلاثة الأخرى التي نقلها المفسرون ، إلا أنه لم يذكر ترجيحاً ولا اختياراً . وقد يؤخذ من طريقته في عرضه للأقوال ميلُه إلى القول الذي رجحه ابن القيم ؛ لأنه بدأ به ، وذكر الأقوال الأخرى بصيغ تدل التضعيف ، مثل : » قيل « ، » وقد يحتمل « .([20])
وأما ابن عاشور فلم يذكر أقوالاً في معنى الآية ، واقتصر في تفسيره لها على القول الأول من الأقوال الثلاثة المشهورة ، فقال : ( ومتعلق ﴿ أَمْرُنَا ﴾ محذوف ، أي : أمرناهم بما نأمرهم به ، أي بعثنا إليهم الرسول وأمرناهم بما نأمرهم على لسان رسولهم فعصوا الرسول ، وفسقوا في قريتهم . ) .
ومما نبّه إليه في سياق تفسيره للآية : سبب تخصيص المترفين بالأمر ؛ فقد ذكر علة هذا التخصيص بقوله : ( وتعليق الأمر بخصوص المترفين مع أن الرسل يخاطبون جميع الناس ؛ لأن عصيانهم الأمرَ الموجه إليهم هو سبب فسقهم وفسق بقية قومهم ؛ إذ هم قادة العامة ، وزعماء الكفر ؛ فالخطاب في الأكثر يتوجه إليهم ، فإذا فسقوا عن الأمر اتبعهم الدهماء ، فعم الفسق أو غلب على القرية ، فاستحقت الهلاك . ) ([21])
وبعد هذا العرض يتبين أن القول الذي رجحه ابن القيم غير معروف عند أكثر المفسرين ، بل لم أرَ من ذكره قبله منهم ، وأول من رأيته ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية فقد أشار إليه في أكثر من موضع ، وفي أحدها حكم عليه بأنه أظهر القولين في تفسير هذه الآية ، ولم يزد على ذلك .([22])
وقد ذكر الشنقيطي أشهر الأقوال في تفسير هذه الآية ، وعدّ منها القول الذي رجحه ابن القيم ، ثم رجح القول الأول من الأقوال الثلاثة السابق ذكرها في أول الدراسة ، وذكر أنه الصواب الذي دلّ عليه القرآن ، وعليه جمهور العلماء . قال : ( وهذا القول الصحيح في الآية جار على الأسلوب العربي المألوف ، من قولهم : "أمرته فعصاني" ، أي أمرته بالطاعة فعصى . وليس المعنى : أمرته بالعصيان كما لا يخفى .)([23])
[align=center]النتيجة : [/align]
الأقوال الثلاثة المشهورة في تفسير الآية كلها صحيحة مقبولة ، ولا تعارض بينها ؛ فالمختار حمل الآية عليها جميعاً ، ويكون المعنى : إذا أراد الله إهلاك قرية – لعلمه السابق أنهم يكفرون – كثّر مترفيها ، وجعلهم أمراء متسلطين ، وأمرهم على لسان رسله والدعاة إلى دينه بالطاعة فعصوا ، فتكون المعصية والفسوق غالبين ؛ فإذا تحققت هذه المور مجتمعة حق عليها القول ، فدمرها الله تعالى تدميراً .([24])
وجميل ما قاله ابن العربي بعد ذكره لهذه الأقوال الثلاثة : ( والقول فيها من كل جهة متقارب متداخل .)([25])
وأما القول الذي رجحه ابن القيم فيبقى قولاً محدثاً في تفسير الآية ، ليس له فيه سلف من أئمة التفسير المتقدمين فيما أعلم ؛ ففي النفس منه شيء .
وكل الوجوه التي ذكرها لا تكفي لترجيحه ؛ لأنها وجوه اجتهادية غير مسلمة . وقد ورد في سياق كلام المفسرين المذكور في أثناء الدراسة الجواب عن أكثرها .
تنبيه : من قواعد التفسير : ( إذا تكلم أحد من المتأخرين في معنى آية من القرآن قد تقدم كلام المتقدمين فيها ، فخرج عن قولهم لم يلتفت إلى قوله ، ولم يعدّ خلافاً .)([26])
وعبر بعضهم عن هذه القاعدة بقوله : ( إذا اختلف السلف في تفسير الآية على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث يخرج عن قولهم .)([27])
وقد بيّن ابن القيم سبب رد القود المحدث بقوله : ( إحداث القول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والأئمة على خلافه يستلزم أحد أمرين : إما أن يكون خطأً في نفسه ، أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأً ؛ ولا يشك عاقل أنه أولى بالغلط والخطأ من قول السلف.)([28])
والقول المحدث يُرد إذا كان يلزم منه ردّ أقوال السلف ، وأما إذا كانت الآية تحتمله مع أقوال السلف ، وهو غير مخالف لها ؛ فلا وجه لرده ، ولا مانع من قبوله إذا كان صحيحاً في نفسه .
التعليقات والحواشي : --------------------------------------------------------------------------------
([1] ) شفاء العليل 2/769-771 ، وبدائع التفسير 3/75-76 .
([2] ) شفاء العليل 1/190-191.
([3] ) انظرها في زاد المسير 5/18-19 .
([4] ) أخرج قوله ابن جرير 14/527 .
([5] ) أخرجه قوله ابن جرير 14/528 .
([6] ) معاني القرآن وإعرابه 3/232 .
([7] ) انظر مجاز القرآن 1/372-373 .
([8] ) انظر تفسير غريب القرآن ص252 .
([9] ) قراءة عشرية متواترة ، قرأ بها يعقوب كما في النشر 2/306 ، ورويت عن نافع ، وابن كثير كما في معاني القراءات للأزهري 2/89 .
([10] ) انظر أقوالهم في تفسير ابن جرير 14/ 530-532 .
([11] ) قراءة شاذة قرأ بها ابن عباس بخلاف ، وأبو عثمان النهدي ، وأبو العالية بخلاف ، ورويت عن أبي عمرو والسدي وعاصم كلهم بخلاف . انظر المحتسب 2/16 . وعزاها في السبعة ص 379 إلى أبي عمرو من رواية أبي العباس الليثي المعروف بخَتَن ليث. وهي مروية عن ابن كثير كذلك كما في معاني القراءات للأزهري 2/89 .
([12] ) أخرجه ابن جرير 14/ 529 بإسناد جيد كما في التفسير الصحيح للدكتور حكمت بن بشير 3/236 .
([13] ) أخرجه ابن جرير 14/ 529-530 بإسناد صحيح كما في التفسير الصحيح للدكتور حكمت بن بشير 3/236 .
([14] ) أخرجه ابن جرير 14/529 .
([15] ) انظر جامع البيان 14/527-532 .
([16] ) انظر المحرر الوجيز 9/39-43 ، الجامع لأحكام القرآن 10/232-234 .
([17] ) انظر قوله في تفسيره الكشاف 2/354-355 .
([18] ) انظر التفسير الكبير 20/139-140 .
([19] ) انظر البحر المحيط 7/24-27 .
([20] ) انظر تفسير القرآن العظيم 5/2079 .
([21] ) انظر التحرير والتنوير 15/53-55 .
([22] ) انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/151 .
([23] ) انظر أضواء البيان 3/441-445 .
([24] ) انظر القراءات وأثرها في التفسير والأحكام للدكتور محمد بن عمر بازمول 2/589-590 .
([25] ) أحكام القرآن 3/183 .
([26] ) كتاب الناسخ والمنسوخ في كتاب الله U للنحاس 2/328-329 .
([27] ) انظر تفصيل هذه القاعدة في كتاب قواعد التفسير للدكتور خالد السبت 1/200-205 .
([28] ) مختصر الصواعق المرسلة 3/892 .
قال الله تعالى : ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ﴾ (الاسراء:16)
قرر ابن القيم أن الأمر في قول الله تعالى هنا : ﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ هو الأمر الكوني القدري، لا الأمر الشرعي ، وبيّن أن هذا التفسير أرجح من تفسير من فسّر الآية بقوله : "أمرنا مترفيها بالطاعة ، ففسقوا" من وجوه كثيرة .
قال

( وقوله: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ﴾ ، فهذا أمر تقدير كوني لا أمر ديني شرعي ؛ فإن الله لا يأمر بالفحشاء . والمعنى : قضينا ذلك وقدرناه .
وقالت طائفة : بل هو أمر ديني . والمعنى : أمرناهم بالطاعة فخالفونا وفسقوا .
والقول الأول أرجح لوجوه :
أحدها : أن الإضمار على خلاف الأصل ؛ فلا يصار إليه إلا إذا لم يمكن تصحيح الكلام بدونه .
الثاني : أن ذلك يستلزم إضمارين ، أحدهما : أمرناهم بطاعتنا ، والثاني : فخالفونا أو عصونا ، ونحو ذلك .
الثالث : أن ما بعد الفاء في مثل هذا التركيب هو المأمور به نفسه ، كقولك : أمرته ففعل ، وأمرته فقام ، وأمرته فركب ؛ لا يفهم المخاطب غير هذا .
الرابع : أنه سبحانه جعل سبب هلاك القرية أمره المذكور . ومن المعلوم أن أمره بالطاعة والتوحيد لا يصلح أن يكون سبب الهلاك ، بل هو سبب للنجاة والفوز.
فإن قيل : أمره بالطاعة مع الفسق هو سبب الهلاك .
قيل : هذا يبطل بالوجه الخامس : وهو أن هذا الأمر لا يختص بالمترفين ، بل هو سبحانه يأمر بطاعته واتباع رسله المترفين وغيرهم ؛ فلا يصح تخصيص الأمر بالطاعة للمترفين .
يوضحه الوجه السادس : أن الأمر لو كان بالطاعة لكان هو نفس إرسال رسله إليهم . ومعلوم أنه لا يحسن أن يقال : أرسلنا رسلنا إلى مترفيها ففسقوا فيها ؛ فإن الإرسال لو كان إلى المترفين لقال من عداهم : نحن لم يرسل إلينا .
السابع : أن إرادة الله سبحانه لإهلاك القرية إنما يكون بعد إرسال الرسل إليهم وتكذيبهم ، وإلا فقبل ذلك هو لا يريد إهلاكهم ، لأنهم معذورون بغفلتهم وعدم بلوغ الرسالة إليهم ، قال تعالى : ﴿ ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ﴾ (الأنعام:131) ، فإذا أرسل الرسل فكذبوهم أراد إهلاكها ، فأمر رؤساءها ومترفيها أمراً كونياً قدرياً – لا شرعياً دينياً - بالفسق في القرية ، فاجتمع على أهلها تكذيبُهم وفسقُ رؤسائهم ؛ فحينئذ جاءها أمر الله ، وحق عليها قوله بالإهلاك. )([1])
وقال في موضع آخر : ( ونظير هذا لفظ الأمر ؛ فإنه نوعان : أمر تكوين ، وأمر تشريع . والثاني قد يعصى ويخالف ، بخلاف الأول ، فقوله تعالى : ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ﴾ لا يناقض قوله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ﴾ (لأعراف : من الآية28) ، ولا حاجة إلى تكلف تقدير : أمرنا مترفيها بالطاعة فعصونا وفسقوا فيها ، بل الأمر ههنا أمر تكوين وتقدير ، لا أمر تشريع ، لوجوه :
أحدها : أن المستعمل في مثل هذا التركيب أن يكون ما بعد الفاء هو المأمور به ، كما تقول : أمرته فقام ، وأمرته فأكل ، كما لو صرح بلفظه : » أفعل « ، كقوله تعالى : ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ﴾(البقرة: من الآية34) ، وهذا كما تقول : دعوته فأقبل . وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ (الإسراء : من الآية52).
الثاني : أن الأمر بالطاعة لا يختص بالمترفين ؛ فلا يصح حمل الآية عليه ، بل تسقط فائدة ذكر المترفين ؛ فإن جميع المبعوث إليهم مأمورون بالطاعة فلا يصح أن يكون أمر المترفين علة إهلاك جميعهم .
الثالث : أن هذا النسق العجيب ، والتركيب البديع مقتضٍ ترتب ما بعد الفاء على ما قبلها ترتب المسبب على سببه ، والمعلول على علته ؛ ألا ترى أن الفسق علة » حق القول عليهم « ، و» حق القول عليهم « علة لتدميرهم ؛ فهكذا الأمر سبب لفسقهم ومقتض له ، وذلك هو أمر التكوين ، لا التشريع .
الرابع : أن إرادته سبحانه لإهلاكهم إنما كانت بعد معصيتهم ، ومخالفتهم لرسله ؛ فمعصيتهم ومخالفتهم قد تقدمت ، فأراد الله هلاكهم ، فعاقبهم بأن قدر عليهم الأعمال التي يتحتم معها هلاكهم ....)([2])
[align=center]الدراسة :[/align]
تضمن كلام ابن القيم السابق قولين في المراد بقول الله U : ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ﴾ ، وهما :
القول الأول : أمرنا المترفين أمراً كونياً قدرياً بالفسق ، أي : قضينا ذلك ، وقدرناه عليهم.
القول الثاني : أمرنا مترفيهم بالطاعة ، فعصونا وفسقوا ، فحق عليهم القول ، فدمرناهم تدميراً .
وقد رجح القول الأول من عدة وجوه – كما سبق - .
والأقوال المشهورة في المراد بـ » أَمَرنا « هنا ثلاثة أقوال ([3]):
القول الأول منها : أنه من الأمر ، وفي الكلام إضمار ، تقديره : أمرنا مترفيها بالطاعة ، ففسقوا . وهذا القول مروي عن ابن عباس ([4])، وسعيد بن جبير ([5]). قال الزجاج : ( ومثله في الكلام : أمرتك فعصيتني ؛ فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر .)([6])
القول الثاني : كثَّرنا يقال : أمرت الشيء وآمرته ، أي: كثَّرته . وهو قول أبي عبيدة([7])، وابن قتيبة ([8]). ويؤيد هذا القول قراءة : ﴿ آمَرنا ﴾([9]). وبهذا المعنى رويت الأقوال في تفسير الآية عن ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، وابن زيد .([10])
القول الثالث : أنَّ معنى أَمرنا : أمّرنا ، يقال : أَمَرْت الرجل ، بمعنى : أمّرته . والمعنى : سلّطنا مترفيها بالإمارة . ويؤيد هذا القول قراءة : » أَمَّرنا «([11]) ، وعلى هذه القراءة جاء تفسير ابن عباس ، حيث قال : » أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا « سلطنا أشرارها فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بالعذاب ، وهو قوله : ﴿ وكذلكَ جَعَلنا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها ﴾( الأنعام :123) .([12])
ومثله قول مجاهد : بعثنا ([13]) ، وقول الربيع بن أنس : سلّطنا .([14])
وأما موقف أئمة التفسير من هذه الأقول ؛ فيتضح من خلال هذا العرض :
بدأ ابن جرير في تفسيره لهذه الآية بذكر القراءات التي قرئ بها قول الله U : ﴿ أَمَرْنَا ﴾، ثم ذكر معنى الآية على كل قراءة . وقد ذكر الأقوال الثلاثة السابقة ، ووجه كل قول منها ، وذكر من قال بكل قول من أهل التأويل ، وأهل اللغة .
وقد ختم ذلك ببيان موقفه من تلك القراءات ، وتلك الأقوال ، فرجح قراءة جمهور القراء المشهورة ، وبيّن أنها أولى القراءات بالصواب ، ورجّح القول الأول من الأقوال الثلاثة السابقة في معنى الآية قائلاً : ( وإذا كان ذلك هو الأولى بالصواب بالقراءة ، فأولى التأويلات به تأويل من تأوّله : أمرنا أهلها بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها ، فحقّ عليهم القول ؛ لأن الأغلب من معنى »أمرنا« : الأمر الذي هو خلاف النهي دون غيره ، وتوجيه معاني كلام الله جلّ ثناؤه إلى الأشهر الأعرف من معانيه ، أولى ما وجد إليه سبيل من غيره . )([15])
وكذلك ابن عطية ، والقرطبي ؛ ذكرا الأقوال الثلاثة السابقة ، ونقلا القراءات التي قرئ بها هنا ، وذكرا التوجيه المناسب لكل قراءة ، ومعنى الآية على كل قول ، إلا أنهما لم يذكرا ترجيحاً أو اختياراً ، واكتفيا بعرض تلك الأقوال كاحتمالات لا مانع من قبولها كلها .([16])
وذكر الرازي قولين في معنى : ﴿ أَمَرْنَا ﴾ :
الأول : أنه المراد به الأمر بالفعل . ثم في المأمور به قولان : أشهرهما أنه أمرٌ بالطاعة - كما في القول الأول من الأقوال الثلاثة السابقة - . والقول الثاني : أن المأمور به الفسق – كما هو قول الزمخشري ([17])- . وقد بيّن الرازي بطلان هذا القول ، واستغرب اختيار الزمخشري له ، ثم قال : ( فثبت أن الحق ما ذكره الكل ، وهو أن المعنى : أمرناهم بالأعمال الصالحة - وهي الإيمان والطاعة - ، والقوم خالفوا ذلك الأمر عناداً ، وأقدموا على الفسق .)
والقول الثاني في معنى ﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ : أكثرنا فساقها . ثم بيّن وجه هذا القول ، ولم يبين موقفه منه .([18])
وتوسع أبو حيان في ذكر القراءات ، والأقوال التي قيلت في توجيهها ، ونقل الكثير من أقوال من سبقه في ذلك ، مع تعليقات واستدراكات ، أكثرها على كلام الزمخشري فيما ذكره في تفسيره للآية .
ومما ذكره أبو حيان من أحكام ، وتعليقات :
· الظاهر على القراءة المشهورة أن » أمرنا « من الأمر الذي هو ضد النهي .
· علّق على ما ذكره الزمخشري من كون القول الذي اختاره لا يحتاج إلى تقدير محذوف ، بخلاف القول المشهور الذي يحتاج الكلام فيه إلى تقدير محذوف لا دليل عليه ، ثم قوله : ( لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز ) ؛ علق عليه بقوله : ( وقوله "لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز" تعليلٌ لا يصح فيما نحن بسبيله بل ثَمَّ ما يدل على حذفه .
· في هذه الآية يستدل على المحذوف بنقيضه ، ودلالة النقيض على النقيض كدلالة النظير على النظير .
وبقية ما ذكره وافق فيه ابنَ عطية ، والقرطبي من حيث عدم بيان موقفه منه ، واقتصاره على النقل ، والتعليق .([19])
وتميّز ابن كثير بذكر القول الذي رجحه ابن القيم ، مع الأقوال الثلاثة الأخرى التي نقلها المفسرون ، إلا أنه لم يذكر ترجيحاً ولا اختياراً . وقد يؤخذ من طريقته في عرضه للأقوال ميلُه إلى القول الذي رجحه ابن القيم ؛ لأنه بدأ به ، وذكر الأقوال الأخرى بصيغ تدل التضعيف ، مثل : » قيل « ، » وقد يحتمل « .([20])
وأما ابن عاشور فلم يذكر أقوالاً في معنى الآية ، واقتصر في تفسيره لها على القول الأول من الأقوال الثلاثة المشهورة ، فقال : ( ومتعلق ﴿ أَمْرُنَا ﴾ محذوف ، أي : أمرناهم بما نأمرهم به ، أي بعثنا إليهم الرسول وأمرناهم بما نأمرهم على لسان رسولهم فعصوا الرسول ، وفسقوا في قريتهم . ) .
ومما نبّه إليه في سياق تفسيره للآية : سبب تخصيص المترفين بالأمر ؛ فقد ذكر علة هذا التخصيص بقوله : ( وتعليق الأمر بخصوص المترفين مع أن الرسل يخاطبون جميع الناس ؛ لأن عصيانهم الأمرَ الموجه إليهم هو سبب فسقهم وفسق بقية قومهم ؛ إذ هم قادة العامة ، وزعماء الكفر ؛ فالخطاب في الأكثر يتوجه إليهم ، فإذا فسقوا عن الأمر اتبعهم الدهماء ، فعم الفسق أو غلب على القرية ، فاستحقت الهلاك . ) ([21])
وبعد هذا العرض يتبين أن القول الذي رجحه ابن القيم غير معروف عند أكثر المفسرين ، بل لم أرَ من ذكره قبله منهم ، وأول من رأيته ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية فقد أشار إليه في أكثر من موضع ، وفي أحدها حكم عليه بأنه أظهر القولين في تفسير هذه الآية ، ولم يزد على ذلك .([22])
وقد ذكر الشنقيطي أشهر الأقوال في تفسير هذه الآية ، وعدّ منها القول الذي رجحه ابن القيم ، ثم رجح القول الأول من الأقوال الثلاثة السابق ذكرها في أول الدراسة ، وذكر أنه الصواب الذي دلّ عليه القرآن ، وعليه جمهور العلماء . قال : ( وهذا القول الصحيح في الآية جار على الأسلوب العربي المألوف ، من قولهم : "أمرته فعصاني" ، أي أمرته بالطاعة فعصى . وليس المعنى : أمرته بالعصيان كما لا يخفى .)([23])
[align=center]النتيجة : [/align]
الأقوال الثلاثة المشهورة في تفسير الآية كلها صحيحة مقبولة ، ولا تعارض بينها ؛ فالمختار حمل الآية عليها جميعاً ، ويكون المعنى : إذا أراد الله إهلاك قرية – لعلمه السابق أنهم يكفرون – كثّر مترفيها ، وجعلهم أمراء متسلطين ، وأمرهم على لسان رسله والدعاة إلى دينه بالطاعة فعصوا ، فتكون المعصية والفسوق غالبين ؛ فإذا تحققت هذه المور مجتمعة حق عليها القول ، فدمرها الله تعالى تدميراً .([24])
وجميل ما قاله ابن العربي بعد ذكره لهذه الأقوال الثلاثة : ( والقول فيها من كل جهة متقارب متداخل .)([25])
وأما القول الذي رجحه ابن القيم فيبقى قولاً محدثاً في تفسير الآية ، ليس له فيه سلف من أئمة التفسير المتقدمين فيما أعلم ؛ ففي النفس منه شيء .
وكل الوجوه التي ذكرها لا تكفي لترجيحه ؛ لأنها وجوه اجتهادية غير مسلمة . وقد ورد في سياق كلام المفسرين المذكور في أثناء الدراسة الجواب عن أكثرها .
تنبيه : من قواعد التفسير : ( إذا تكلم أحد من المتأخرين في معنى آية من القرآن قد تقدم كلام المتقدمين فيها ، فخرج عن قولهم لم يلتفت إلى قوله ، ولم يعدّ خلافاً .)([26])
وعبر بعضهم عن هذه القاعدة بقوله : ( إذا اختلف السلف في تفسير الآية على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث يخرج عن قولهم .)([27])
وقد بيّن ابن القيم سبب رد القود المحدث بقوله : ( إحداث القول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والأئمة على خلافه يستلزم أحد أمرين : إما أن يكون خطأً في نفسه ، أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأً ؛ ولا يشك عاقل أنه أولى بالغلط والخطأ من قول السلف.)([28])
والقول المحدث يُرد إذا كان يلزم منه ردّ أقوال السلف ، وأما إذا كانت الآية تحتمله مع أقوال السلف ، وهو غير مخالف لها ؛ فلا وجه لرده ، ولا مانع من قبوله إذا كان صحيحاً في نفسه .
التعليقات والحواشي : --------------------------------------------------------------------------------
([1] ) شفاء العليل 2/769-771 ، وبدائع التفسير 3/75-76 .
([2] ) شفاء العليل 1/190-191.
([3] ) انظرها في زاد المسير 5/18-19 .
([4] ) أخرج قوله ابن جرير 14/527 .
([5] ) أخرجه قوله ابن جرير 14/528 .
([6] ) معاني القرآن وإعرابه 3/232 .
([7] ) انظر مجاز القرآن 1/372-373 .
([8] ) انظر تفسير غريب القرآن ص252 .
([9] ) قراءة عشرية متواترة ، قرأ بها يعقوب كما في النشر 2/306 ، ورويت عن نافع ، وابن كثير كما في معاني القراءات للأزهري 2/89 .
([10] ) انظر أقوالهم في تفسير ابن جرير 14/ 530-532 .
([11] ) قراءة شاذة قرأ بها ابن عباس بخلاف ، وأبو عثمان النهدي ، وأبو العالية بخلاف ، ورويت عن أبي عمرو والسدي وعاصم كلهم بخلاف . انظر المحتسب 2/16 . وعزاها في السبعة ص 379 إلى أبي عمرو من رواية أبي العباس الليثي المعروف بخَتَن ليث. وهي مروية عن ابن كثير كذلك كما في معاني القراءات للأزهري 2/89 .
([12] ) أخرجه ابن جرير 14/ 529 بإسناد جيد كما في التفسير الصحيح للدكتور حكمت بن بشير 3/236 .
([13] ) أخرجه ابن جرير 14/ 529-530 بإسناد صحيح كما في التفسير الصحيح للدكتور حكمت بن بشير 3/236 .
([14] ) أخرجه ابن جرير 14/529 .
([15] ) انظر جامع البيان 14/527-532 .
([16] ) انظر المحرر الوجيز 9/39-43 ، الجامع لأحكام القرآن 10/232-234 .
([17] ) انظر قوله في تفسيره الكشاف 2/354-355 .
([18] ) انظر التفسير الكبير 20/139-140 .
([19] ) انظر البحر المحيط 7/24-27 .
([20] ) انظر تفسير القرآن العظيم 5/2079 .
([21] ) انظر التحرير والتنوير 15/53-55 .
([22] ) انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/151 .
([23] ) انظر أضواء البيان 3/441-445 .
([24] ) انظر القراءات وأثرها في التفسير والأحكام للدكتور محمد بن عمر بازمول 2/589-590 .
([25] ) أحكام القرآن 3/183 .
([26] ) كتاب الناسخ والمنسوخ في كتاب الله U للنحاس 2/328-329 .
([27] ) انظر تفصيل هذه القاعدة في كتاب قواعد التفسير للدكتور خالد السبت 1/200-205 .
([28] ) مختصر الصواعق المرسلة 3/892 .
تعليق