.بسم الله الرحمن الرحيم
يقول جل في علاه وتعالى في سماه عن يحيى
:"وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)"-مريم-.
وفي نفس السورة يقول جل جلاه حكاية عن عيسى
:" وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)-مريم.
فلماذا ذكر السلام على يحيى منكرا وعلى عيسى معرفا؟
وقد ظهر لي من الأجوبة ما يلي-والعلم عند الله-:
1- قد يقال أنه لا فرق لأن النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق، فكأنه أطلق السلام عن كل قيد.
بل إن من أهل الأصول من ذهب إلى أن النكرة في سياق الإثبات إذا كانت للامتنان أفادت العموم، كقوله تعالى: "فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)"-الرحمن-.
وظاهر أن السلام في قوله تعالى (وسلام عليه) للامتنان، فيعم كل سلام.
وفي قوله تعالى عن عيسى (والسلام علي)، فالألف واللام هنا للاستغراق والعموم فشملت كلمة (السلام) كل سلام([1]).
2- معلوم أن عيسى
تكلم وهو في المهد بين يدي مريم
في مواجهة قومها من بني إسرائيل، وقد افتتح كلامه بقوله:
إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا
، ثم ختم ما منّ الله عليه به من الصفات وما تفضل عليه به من الخصال بقوله:
وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا
، فناسب المقام الإتيان بكلمة السلام معرفا ليعلموا أنه
مسلّم من ربه في كل أحواله وجميع أطواره، كما قال العلامة السعدي
تعالى:" أي: من فضل ربي وكرمه، حصلت لي السلامة يوم ولادتي، ويوم موتي، ويوم بعثي، من الشر والشيطان والعقوبة، وذلك يقتضي سلامته من الأهوال، ودار الفجار، وأنه من أهل دار السلام، فهذه معجزة عظيمة، وبرهان باهر، على أنه رسول الله، وعبد الله حقا."-فتح الرحمن:492-.
بخلاف يحيى
فالمتكلم هو الله جل شأنه وعز سلطانه، فالإتيان بالنكرة يحقق المقصود وكيف لا والامتنان من الرب المعبود – سبحانه -.
وبعد كتابتي لهذه الكلمات، بحثت في كتب التفسير، لعلي أجد أجوبة أخرى، فألفيت الآتي:
- يقول العلامة زكريا الأنصاري
:" قاله هنا في قصة يحيى منكرا، وقاله بعد قصة عيسى"والسلام علي يوم ولدت" معرفا، لأن الأول من الله والقليل منه كثير، والثاني من عيسى، وأل للاستغراق أو للعهد، كما في قوله تعالى:"كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول" أي: ذلك السلام الموجه إلى يحيى موجه إلي."([2]).
- يقول العلامة ابن عاشور عليه رحمة الغفور:"وجيء بالسَّلامُ هنا معرّفاً باللام الدالة على الجنس مبالغة في تعلّق السلام به حتى كان جنس السلام بأجمعه عليه . وهذا مؤذن بتفضيله على يحيى إذ قيل في شأنه (وسَلام عليه يومُ ولد) ( مريم : 15 ) ، وذلك هو الفرق بين المعرّف بلام الجنس وبين النكرة .
ويجوز جعل اللام للعهد ، أي سلام إليه ، وهو كناية عن تكريم الله عبده بالثناء عليه في الملأ الأعلى وبالأمر بكرامته."([3]).
- يقول الإمام الزجاج
تعالى: ذكر السلام قبل هذا بغير ألف ولام فحسن في الثانية ذكر الألف واللام.-نقله الإمام القرطبي في جامعه-([4]).
- يقول الإمام الألوسي
تعالى:" وسلام يحيى
قيل لكونه من قول الله تعالى أرجح من هذا السلام لكونه من قول عيسى
وقيل هذا أرجح لما فيه من إقامة الله تعالى إياه في ذلك مقام نفسه مع إفادة اختصاص جميع السلام به
فتأمل."([5]).
- يقول الإمام ابن الجوزي:" فان قيل لم ذكر هاهنا السلام بألف ولام وذكره في قصة يحيى بلا ألف ولام فعنه جوابان:
أحدهما أنه لما جرى ذكر السلام قبل هذا الموضع بغير ألف ولام كان الأحسن أن يرد ثانية بألف ولام هذا قول الزجاج([6]).
وقد اعترض على هذا القول فقيل كيف يجوز أن يعطف هذا وهو قول عيسى على الأول وهو قول الله عز و جل.
وقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال عيسى إنما يتعلم من ربه فيجوز أن يكون سمع قول الله في يحيى فبنى عليه وألصقه بنفسه ويجوز أن يكون الله عز و جل عرف السلام الثاني لأنه أتى بعد سلام قد ذكره وأجراه عليه غير قاصد به اتباع اللفظ المحكي لأن المتكلم له أن يغير بعض الكلام الذي يحكيه فيقول قال عبد الله أنا رجل منصف يريد قال لي عبد الله أنت رجل منصف.
والجواب الثاني أن سلاما والسلام لغتان بمعنى واحد ذكره ابن الأنباري."([7]).
- وفي مناقشته لمسألة السلام ذكر الإمام الرازي
تعالى خلاف العلماء في مسألة التنكير والتعريف، وهذا نص كلامه:" واختلفوا في سائر المواضع أن التنكير أفضل أم التعريف ؟
فقيل التنكير أفضل ، ويدل عليه وجوه : الأول : أن لفظ السلام على سبيل التنكير كثير في القرآن فكان أفضل. الثاني : أن كل ما ورد من الله والملائكة والمؤمنين فقد ورد بلفظ التنكير على ما عددناه في الآيات ، وأما بالألف واللام فإنما ورد في تسليم الإنسان على نفسه قال موسى صلى الله عليه وسلّم :
وَالسَّلَـامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى
(طه : 47) وقال عيسى عليه الصلاة والسلام :
وَالسَّلَـامُ عَلَى
(مريم : 33) والثالث : وهو المعنى المعقول أن لفظ السلام بالألف واللام يدل على أصل الماهية ، والتنكير يدل على أصل الماهية مع وصف الكمال ، فكان هذا أولى."([8]).
- وأختم بأثر ذكره الإمام الرازي
تعالى في مفاتيحه([9]):"روى بعضهم عن عيسى
أنه قال ليحيى أنت خير مني سلم الله عليك وسلمت على نفسي وأجاب الحسن فقال : إن تسليمه على نفسه بتسليم الله عليه."([10]).
والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
([1] ) فكلمة (السلام) وإن كانت مفردة لكنها بسبب دخول الألف واللام عليها صارت عامة لكل أنواع السلام، كقوله تعالى:"والعصر إن الإنسان لفي خسر".
([2] )فتح الرحمن بكشف ما التبس من القرآن الكريم:306.
([3] ) التحرير والتنوير:16/101-.
([4] ) جامع الأحكام:
([5] ) روح المعاني:16/91.
([6] ) وقد سبق ذكره.
([7] ) زاد المسير:5/230.
([8] ) مفاتيح الغيب:10/169.
([9] ) والله أعلم بصحته.
([10] ) مفاتيح الغيب:21/184.
(وَسَلَامٌ عَلَيْهِ) (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ):
يقول جل في علاه وتعالى في سماه عن يحيى

وفي نفس السورة يقول جل جلاه حكاية عن عيسى

فلماذا ذكر السلام على يحيى منكرا وعلى عيسى معرفا؟
وقد ظهر لي من الأجوبة ما يلي-والعلم عند الله-:
1- قد يقال أنه لا فرق لأن النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق، فكأنه أطلق السلام عن كل قيد.
بل إن من أهل الأصول من ذهب إلى أن النكرة في سياق الإثبات إذا كانت للامتنان أفادت العموم، كقوله تعالى: "فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)"-الرحمن-.
وظاهر أن السلام في قوله تعالى (وسلام عليه) للامتنان، فيعم كل سلام.
وفي قوله تعالى عن عيسى (والسلام علي)، فالألف واللام هنا للاستغراق والعموم فشملت كلمة (السلام) كل سلام([1]).
2- معلوم أن عيسى








بخلاف يحيى

وبعد كتابتي لهذه الكلمات، بحثت في كتب التفسير، لعلي أجد أجوبة أخرى، فألفيت الآتي:
- يقول العلامة زكريا الأنصاري

- يقول العلامة ابن عاشور عليه رحمة الغفور:"وجيء بالسَّلامُ هنا معرّفاً باللام الدالة على الجنس مبالغة في تعلّق السلام به حتى كان جنس السلام بأجمعه عليه . وهذا مؤذن بتفضيله على يحيى إذ قيل في شأنه (وسَلام عليه يومُ ولد) ( مريم : 15 ) ، وذلك هو الفرق بين المعرّف بلام الجنس وبين النكرة .
ويجوز جعل اللام للعهد ، أي سلام إليه ، وهو كناية عن تكريم الله عبده بالثناء عليه في الملأ الأعلى وبالأمر بكرامته."([3]).
- يقول الإمام الزجاج

- يقول الإمام الألوسي




- يقول الإمام ابن الجوزي:" فان قيل لم ذكر هاهنا السلام بألف ولام وذكره في قصة يحيى بلا ألف ولام فعنه جوابان:
أحدهما أنه لما جرى ذكر السلام قبل هذا الموضع بغير ألف ولام كان الأحسن أن يرد ثانية بألف ولام هذا قول الزجاج([6]).
وقد اعترض على هذا القول فقيل كيف يجوز أن يعطف هذا وهو قول عيسى على الأول وهو قول الله عز و جل.
وقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال عيسى إنما يتعلم من ربه فيجوز أن يكون سمع قول الله في يحيى فبنى عليه وألصقه بنفسه ويجوز أن يكون الله عز و جل عرف السلام الثاني لأنه أتى بعد سلام قد ذكره وأجراه عليه غير قاصد به اتباع اللفظ المحكي لأن المتكلم له أن يغير بعض الكلام الذي يحكيه فيقول قال عبد الله أنا رجل منصف يريد قال لي عبد الله أنت رجل منصف.
والجواب الثاني أن سلاما والسلام لغتان بمعنى واحد ذكره ابن الأنباري."([7]).
- وفي مناقشته لمسألة السلام ذكر الإمام الرازي

فقيل التنكير أفضل ، ويدل عليه وجوه : الأول : أن لفظ السلام على سبيل التنكير كثير في القرآن فكان أفضل. الثاني : أن كل ما ورد من الله والملائكة والمؤمنين فقد ورد بلفظ التنكير على ما عددناه في الآيات ، وأما بالألف واللام فإنما ورد في تسليم الإنسان على نفسه قال موسى صلى الله عليه وسلّم :




- وأختم بأثر ذكره الإمام الرازي


والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
([1] ) فكلمة (السلام) وإن كانت مفردة لكنها بسبب دخول الألف واللام عليها صارت عامة لكل أنواع السلام، كقوله تعالى:"والعصر إن الإنسان لفي خسر".
([2] )فتح الرحمن بكشف ما التبس من القرآن الكريم:306.
([3] ) التحرير والتنوير:16/101-.
([4] ) جامع الأحكام:
([5] ) روح المعاني:16/91.
([6] ) وقد سبق ذكره.
([7] ) زاد المسير:5/230.
([8] ) مفاتيح الغيب:10/169.
([9] ) والله أعلم بصحته.
([10] ) مفاتيح الغيب:21/184.
تعليق