• إعـــــــلان

    تقليص
    لا يوجد إعلان حتى الآن.

    php

    تقليص

    X
     
    • تصفية - فلترة
    • الوقت
    • عرض
    إلغاء تحديد الكل
    مشاركات جديدة

    • الفاتحة الحادية عشر... وتأملات أخرى في الفواتح

      الفاتحة الحادية عشر... وتأملات أخرى في الفواتح

      اعتنى أهل القرآن بفواتح السوروعملوا على بيان خصائصها وأنواعها ، وقد جعلها صاحب (البرهان) علما مستقلا ضمن علوم القرآن ورتبه سابعا تحت عنوانُ:
      النَّوْعُ السَّابِعُ: فِي أَسْرَارِ الْفَوَاتِحِ وَالسُّوَرِ
      وذكره قبل علم المكي والمدني وقبل علم نزوله وجمعه....
      أما صاحب (الإتقان) فقد جعله في المرتبة الستين تحت عنوانُ:
      النوع الستون في فواتح السور

      قال الزركشي (المتوفى: 794هـ)
      وقد افتح سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كِتَابَهُ الْعَزِيزَ بِعَشَرَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْكَلَامِ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنَ السُّوَرِ عَنْهَا....

      ثم ترجم لها على النحو التالي:
      1- الاستفتاح بالثناء
      2- الاستفتاح بحروف التهجي
      3- الاستفتاح بالنداء
      4- الاستفتاح بالجمل الخبرية
      5- الاستفتاح بالقسم
      6- الاستفتاح بالشرط
      7- الاستفتاح بالأمر
      8- الاستفتاح بالاستفهام
      9- الاستفتاح بالدعاء
      10- الاستفتاح بالتعليل
      قال الزركشي:
      هَكَذَا جَمَعَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ الْمَقْدِسِيُّ ....
      وَنُظِمَ ذَلِكَ فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ:
      أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ سُبْحَانَهُ بِثُبُو ... تِ الْمَدْحِ وَالسَّلْبِ لَمَّا اسْتَفْتَحَ السُّوَرَا
      وَالْأَمْرُ شَرْطُ الندا التعليل والقسم الدعا حُرُوفُ التَّهَجِّي اسْتَفْهِمِ الْخَبَرَا

      قال السيوطي(المتوفى: 911هـ)
      أَفْرَدَهَا بِالتَّأْلِيفِ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ "الْخَوَاطِرَ السَّوَانِحَ فِي أَسْرَارِ الْفَوَاتِحِ" وَأَنَا أُلَخِّصُ هُنَا مَا ذَكَرَهُ مَعَ زَوَائِدَ مِنْ غَيْرِهِ.
      ثم ذكر ما أورده الزركشي.

      غني عن البيان أن أية سورة لا بد أن يندرج مفتتحها في نوع من الأنواع العشرة المعدودة لكن يمكن للسورة الواحدة أن تندرج في أكثر من نوع بحسب الاعتبار فمفتتح سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى-مثلا- يَدْخُلُ في الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وفي قِسْمِ الْأَمْرِأَيْضًا .


      .....ثم ظهر لي أن هناك فاتحة قد تكون متداركة هي:
      11- الاستفتاح بالحوار
      وهي فاتحة سورة النبأ...
      عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ [النبأ :1- 3]

      اعلم أن الحوار نوعان:
      1-حوار مسرود غير مباشر ينقله طرف ثالث هو واسطة بين المتحاورين والمتلقي، ومن علاماته تصدير الحوار بقال ومشتقاتها ونظائرها( قالا، قيل، قالت ،أجاب، صاح ،تساءل، ردوا قائلين.. الخ... )
      2- حوار مباشر حي بلا واسطة ومن علاماته الترقيمية شرطة(-) تستخدم في أول السطر في حال المحاورة بين متحاورين؛ للاستغناء عن تكرار اسميهما...كما تجد في نصوص المسرحية المكتوبة- لا المشخصة- فأسماء المتحاورين لا تنتمي إلى الحوار ،ولا محل لها من الإعراب، إنما هي تنبيهات خارجية ليعلم المتلقي من المتكلم ،فلا عين لها ولا أثر عندما تكون المسرحية مشخصة ...لعدم الحاجة إليها.
      وهذا مثال توضيحي من التنزيل:
      وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا
      قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ
      قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 247]
      فهذا حوار مسرود من النوع الأول ولكي نجعله من الحوار المباشر يتعين طي الجمل المنبهة على المتحاورين وهي ثلاث جمل:
      وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ،
      قَالُوا،
      قَالَ.
      فيعود الحوار - في غير القرآن - هكذا:
      - إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا
      - أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ
      - إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.
      فهذا حوار محض....وهو ما وجدناه في مفتتج سورة النبأ...فهناك سائل يسأل ومجيب يجيب دون أي تنبيه عن السائل أو المجيب...ولو شئنا نقل النص وفق اصطلاحات الترقيم المتعارف عليها اليوم لكان هكذا:

      -عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ؟
      -عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ!

      ولا نرى داعيا لتعيين السائل أو المجيب وهل هما اثنان أم شخص منفرد يقوم بدور السائل والمجيب معا...فهذا بحث هامشي قد يصرف الذهن عن تذوق بلاغة الآيات التى تقدم ( مشهدا) لا ( تقريرا) :
      فالقوم قد علا عنهم اللغط،وكثرمنهم التساؤل بصورة غير معتادة ،لدرجة أن أي مار بهم يستوقفه إفراطهم في التساؤل فيثير في نفسه الفضول البشري المشروع:
      -عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ؟
      فالبلاغة هنا في عدم التعيين لأن كل تعيين تخصيص ومقصود الآيات التعميم فالسؤال -عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ؟ سيصدر عن أي كان بالنظر إلى ما يمليه حال القوم....
      ثم يأتي الجواب:
      -عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ!
      وهو جواب بديع يتضمن سخرية مبطنة وتبكيتا خفيا .التقدير:
      إن كنتم مختلفين فما جدوى التساؤل!
      وانظر إلى سمو بلاغة التنزيل عندما خالف فعبر بالفعل والاسم:
      يَتَسَاءَلُونَ.... فعل متجدد
      مُخْتَلِفُونَ ....اسم دال على الثبات...
      الاختلاف أصيل فيهم لا يقبل التغيير، والتساؤلات المتجددة والمتكررة لن تأتي إلا بإجابات معروفة عندهم ،وقد اختلفوا فيها أصلاومنطلقا، فما وجه التساؤل إن لم يكونوا سفهاء...
      فتلحظ هذا التدرج البياني الثلاثي البليغ:
      1-أمر يخرج عن العادة يثير الفضول.
      -عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ؟
      2-تسفيه مبطن
      -عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ!
      3- ثم الزجر الصريح والوعيد الأكيد
      كَلَّا سَيَعْلَمُونَ .ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ [النبأ : 5]









    • #2
      مفتاح التدبر السؤال...فإذا كان السؤال ذكيا حصيفا انبثقت الفائدة من الآية عاجلا أو آجلا ...وقد دل القرآن نفسه على أهمية السؤال في استكناه المعاني:

      لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ [يوسف : 7]

      وهذا القرآن -الذي حث على التدبر- جعل التدبرميسورا من خلال دفع الذهن للسؤال دفعا، وله في ذلك مسالك منها :
      تأسيس عادة تعبيرية تراها مطردة ثم تتخلف في موضع أو موضعين...
      فلا شك أن هذا يوجب السؤال لماذا .ولا شك أن استحضار الذهن لكل المواضع ومراعاة التماثل والتباين سيفجر العيون المخفية في الآيات.

      ونقدم هنا مثالا توضيحيا من "المسبحات "الست في المفصل، ونعرض هذه المجموعة الشريفة حسب ترتيبها في المصحف الكريم:

      الحديد:
      سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6) [الحديد : 1 - 6]
      الحشر:
      سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) [الحشر : 1 - 2]
      الصف:
      سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) [الصف : 1 - 2] :
      الجمعة:
      يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) [الجمعة : 1 - 2]
      التغابن:
      يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4) [التغابن : 1 - 4]
      الأعلى:
      سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) [الأعلى : 1 - 5]

      جرت العادة في هذه الفواتح بالاسترسال في ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله: فبعد آية الافتتاح المتضمنة للتسبيح إخبارا أو أمرا...تجد في الآية الموالية الأحالة على الذات العلية بواسطة الضمير (هُوَ) أو الموصول (الَّذِي) أوهما معا :
      في سورة الحديد
      يرد الضمير هُوَ ست مرات بعد الافتتاح ...
      في سورة الحشر
      هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ...
      في سورة الجمعة
      هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ....
      في سورة التغابن
      هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ...
      في سورة الأعلى
      الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى....
      ثم يأتي السؤال الذي لا محيص عنه:
      لماذا انفردت سورة الصف بعدم الاسترسال في الثناء على رب العالمين...؟بل نجد - على غير المتوقع- نداء المؤمنين لتبكيتهم :
      يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف : 2]
      هنا سر بلاغي كبير:
      المعهود أن قطع العادة المطردة لا تحدث إلا لمستجد خطير أو لمستعجل من الأمر جلل (كما تجد في نشرات الأخبارمثلا حين تقطع عادة البث بالاشارة إلى ما يسمونه خبرعاجل فكأن هذا الخبر لا يحتمل التأجيل فلا بد من بثه ولو لم يكن الموضع موضعه...فيكتسب الخبربذلك أهمية كبرى ..)
      هذا "التبئير"البلاغي....بمعنى جعل موضوع الكلام محل تنبيه وتشديد( كما يكتب المقال مثلا بنمط موحد من الحروف حتى إذا وصلت إلى موضع تريد التنبيه عليه أكثر عمدت إلى كتابته بنمط مختلف أو بلون مغاير.... )
      التبكيت شديد :
      يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف : 2]
      وأشد :
      كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف : 3]
      والثالثة أكبر:
      ليس هناك أشرف من الثناء على الذات العلية وذكر الاسماء والصفات...وهنا موضعها المعتاد لكن قطع الاسترسال لتبئير الحدث الخطير!!
      هذا ما ظهر لي ....ولا شك أن هناك أحسن وأفضل....ويبقى مفتاح التدبر دائما السؤال:
      لماذا قال هنا ولم يقل هناك؟







      تعليق


      • #3
        3-
        يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التحريم : 1]

        الافتتاحية تضمنت شيئا من الشدة ،
        فهي أشد من افتتاحية سورة "الصف" على اعتبار أن العتاب في تلك مسبوقة بمقدمة وفي هذه مباشرمباغت ،
        وهي أشد من عتاب سورة "عبس "على اعتبار أن تلك تحاشت المواجهة بآلية الالتفات –على مذهب السكاكي- أما هذه فقد نادت ونبهت وواجهت بدون مواربة..فضلا على أن موضوع العتاب في عبس يمس فقط أخلاق منهج الدعوة أما تحريم ما أحل الله فهو أخطر من ذلك بمراحل!

        ونحن نرى أن طرح الموضوع نفسه - ثم بهذه الشدة - يقطع أن هذا وحي من عند الله ستخضع له رقبة كل من تدبر الأمر مع شيء من العقل وبعض التجرد من الهوى...وإلا كيف سيرد المتعنت على ما يلي:
        هل يعقل أن يفضح العاقل نفسه ويكشف عما جرى في بيته مع أزواجه هكذا من تلقاء نفسه ومن غير ضغط خارجي معتبر!
        هل ينشر العاقل غسيله الداخلي على الجماهير،وفيهم المنافق المتربص والكتابي الحاقد والمشرك الموتور...!
        أما كان للعاقل أن يحل أزمته الداخلية – وهي هينة على كل حال - بطريقة غير الوحي الذي سيتلى إلى يوم القيامة... !
        وكيف سيكون حاله وحال أزواجه وهم يسمعون المنافقين يرددون السورة في دروب المدينة وغيرها نكاية وإيذاء... !
        لو كان هذا العاقل يفتري على الله من أجل مجد شخصي أو زعامة قومية فكيف يعرض حياته الحميمية على الناس طواعية ، وقد علمنا أن الشأن الحميمي هو عقدة الزعماء والمشاهير ونقطة ضعفهم، فكم من عظيم عملاق سقط بسبب" تسريب" عن حياته الشخصية ،والمنافسون يتكالبون على مثل هذه التسريبات - افتراء أو تلفيقا أو شراء أوتجسسا -لإسقاط عدوهم بعدما أعيتهم الوسائل الأخرى... فهل يتوقعون يوما أن يهب لهم عدوهم على طبق من ذهب وبالمجان ما لا سبيل لهم إليه !
        ثم إن فضيحة أزواجه ستمس أيضا آباءهن وهم أصفياؤه وأحب أصحابه الذين لن يترددوا في التضحية بدمائهم من أجله...فهل سيجعلهم العاقل تلوكهم ألسنة السفهاء والذليلين والأعداء...أما كان له أن يستدعيهم في مجلس عائلي ثم تحل المشكلة – إن كانت مشكلة - بهدوء فلا أحد سمع ولا أحد درى...لكنه فضل الضجيج وجعل قصته الشخصية منشورة على الناس ليس في بلدته فقط بل في كل الأرض وليس في زمنه فقط بل إلى الأبد.!
        لاجواب عن كل هذا إلا القول إن هذا وحي يوحى منفصل عن شخصية المبلغ وجبلته وطبيعته البشرية....


        (ننشر هذه الفقرة ضمن موضوع الافتتاحيات كما ننشرها مستقلة في المنتدى بعنوان : سورة التحريم وحي إلهي قطعا)



        تعليق


        • #4
          4-
          الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) [البقرة : 1 - 2]

          عندما يتلو المرء هذا الافتتاح يعد ثماني كلمات بحسب الرسم ،ولكن لو شاء أن يعد الجمل المكونة له لأخذه العجب ذلك لأن مرونة التركيب تسمح بتعدد الاحتمالات، فالافتتاح :
          جملة واحدة -إن شئت-

          أو جملتان
          أوثلاث جمل
          أو أربع...
          (ونقصد بالجملة التركيب التام المستقل الذي لا محل له من الإعراب)

          1- احتمال أن يكون التركيب رباعيا :

          الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ - لَا رَيْبَ فِيهِ - هُدًى لِلْمُتَّقِينَ .

          الم - لا يعربها كثير من النحاة والمفسرين ويفوضون معناها.

          ذَلِكَ الْكِتَابُ –جملة اسمية تامة، الكتاب ليس نعتا ولا بدلا بل خبر الإشارة ، واللام إما لاستحقاق الكمال وإما عهدية ، فالتقدير على الأول: ذلك الكتاب الذي يستحق أن يسمى كتابا لا غيره مما حرف واختلط فيه الباطل بالحق ، وعلى الثاني: ذلك الكتاب الموعود بنزوله.

          لَا رَيْبَ فِيهِ – جملة أخرى تامة ، لا محل لها من الاعراب

          هُدًى لِلْمُتَّقِينَ : جملة اسمية تامة، لا محل لها من الاعراب ، محذوفة المبتدإ - كما في الكلام الفصيح وفي مواضع كثيرة من التنزيل- يمكن تقديره (هو هدى للمتقين).

          2- الاحتمال الثاني أن يكون التركيب رباعيا مع فصل عبارة (فيه ) عن الجملة الثالثة وإلحاقها بالجملة الرابعة.
          الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ - لَا رَيْبَ – فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ .
          خبر لا محذوف ، وهذا شائع فصيح كما يقال لابأس ، لا مناص، لا ضير... وغيرها .

          فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ : جملة مستقلة تامة ، الفرق بين هذا الاحتمال وسابقه أن الهدى إما متضمن في الكتاب، أو أن الكتاب هو نفسه الهدى...والمعنيان صحيحان فلك أن تقول ألتمس الهدى في القرآن ، ولك أن تقول اتخذ القرآن هاديا.

          3-الاحتمال الثاث أن يكون التركيب ثلاثيا:

          الم ذَلِكَ الْكِتَابُ - لَا رَيْبَ فِيهِ – هُدًى لِلْمُتَّقِينَ .

          الم ذَلِكَ الْكِتَابُ جملة مستقلة ( الم) مركب ابتدائي و(ذلك الكتاب) مركب خبري بمعنى أن الكتاب لا يتكون إلا من هذه الحروف فأتوا بمثله إن استطعتم!

          لَا رَيْبَ فِيهِ : جملة مستأنفة مستقلة

          هُدًى لِلْمُتَّقِينَ : جملة مستأنفة مستقلة كذلك.

          4-الاحتمال الرابع أن يكون التركيب ثلاثيا مع فصل عبارة (فيه ) عن الجملة الثانية وإلحاقها بالجملة الثالثة كما قدرنا في الوجه الرباعي من قبل

          الم ذَلِكَ الْكِتَابُ - لَا رَيْبَ– فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ .

          5- الاحتمال الخامس أن يكون التركيب ثنائيا وهنا احتمال وجهين فرعيين

          الم ذَلِكَ الْكِتَابُ - لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ .
          نفي الريب إما عن الكتاب فتكون (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) حالا...وإما عن تضمنه للهدى. فيكون التقدير هذه الحروف وأمثالها هي الكتاب ولا شك فيه في حال كونه هدى للمتقين، أو يكون التقدير هذه الحروف وأمثالها هي الكتاب ولا شك أن فيه هدى للمتقين ولا يزيد غير المتقين إلا ضلالا.

          (لنلحظ كيف اختار القرآن كلمة هدى المقصورة كي لا تظهر علامة الإعراب على آخرها فيتسع المعنى فلك تقدير الرفع وغيره!َ)

          6-الاحتمال السادس أن يكون التركيب أحاديا أي جملة واحدة

          الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ .

          (الم) مبتدأ (ذلك الكتاب ) مركب خبري أول (لا ريب فيه) مركب خبري ثان (هدى للمتقين ) مركب خبري ثالث أو حال .

          هذا هو القرآن تبدو الجملة فيه عادية مألوفة حتى إذا تدبرتها تعجبت: أنى يجتمع كل هذا في هذا الحيز الضيق!!




          تعليق


          • #5
            5-
            ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ . بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق]

            هذه الافتتاحية العجيبة جاءت موسومة ببلاغة الحذف...
            1- حذف المقسم عليه
            2- حذف المضروب عنه
            3-حذف المستفهَم – أو المتعجَب – منه

            ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ
            القرآن مقسم به، ولا تصلح جملة الإضراب أن تكون مقسما عليه ، لذا تحرى المفسرون جواب القسم في الآيات الموالية... وقد ضعف ابن حيان كل المقترحات المتعلقة بجواب مذكور ورجح أنه محذوف وَتَقْدِيرُهُ: أَنَّكَ جِئْتَهُمْ مُنْذِرًا بِالْبَعْثِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا. بَلْ عَجِبُوا.
            وحق لابن حيان أن يضعفها ،لأن للقسم وجهين بلاغي و حجاجي:
            فعلى الأول يكون القسم توكيدا ، فلا يصح أن يؤكد المبهم ، أو الشيء الذي لم يتمثل بعد في ذهنك ، أوالمنفصل البعيد بحيث ينشغل ذهن المتلقي بمعاني أجنبية، كما لا يصح أن يكون المؤكد مختلفا فيه- وهذا ما ورد عن المفسرين ونقله عنهم ابن حيان- فكيف يتحقق توكيد المضبب والمحاط بالغبش!
            وعلى الثاني يكون الأمر أدهى...فالقسم هنا أكثر من توكيد، بل هو بينة وبرهان. ومن المعلوم في الشرع – وفي العرف أيضا- أن اليمين في قوة الدليل المادي..فلا يعقل أن يحلف المرء للحاكم عن قضية وهو لم يتصورها بعد...فاليمين يجب أن تقترن بالدعوى ، ومن سخافة العقول أن يقسم المتهم على أمر فلا يبينه مباشرة بل يسترسل في كلام كثير ثم يقول للحكام اختاروا من كلامي هذا ما ترونه مناسبا لما أقسم عليه!!
            غير أننا قد نخالف ابن حيان، فلا نرى المقسم عليه محذوفا بل نرى عدولا عن القسم نفسه، وهذا أبلغ وأليق بأسلوب القرآن لما يحمل من تبكيت شديد للمخاطبين...وهذا مثل لبيان ذلك :
            هب أنك تريد إقناع شاك بقضية ، فتشرع في القسم لكنك تقدر في نفسك أن هذا المخاطب قلبه متحجر لن ينفع معه قسم أو غيره فتضن بوقتك وتعدل عن قسمك وتلغيه كأنه لم يكن...
            والفرق بين الحذف والعدول أن القسم واقع ،جوابه مقدر، أما القسم المعدول عنه فهو ملغى أصلا ولم يقع.... فمثال الحذف - في عرف الكتابة والخط -أن تكتب المقسم به وتترك بعده نقطا ليضع المتلقي مكانها ما يراه مناسبا ،أما العدول فتكتب المقسم به ثم تشطبه بخط وفي هذه الحالة لا يقدر المتلقي أي مقسم عليه فلا يعقل تقدير فرع لأصل غير موجود!

            العدول عن القسم تبكيت وشهادة أن هؤلاء قد طبع على قلوبهم ولن يؤثر فيهم أي دليل ولو كان هذا الدليل قسما من رب العالمين نفسه!
            وبناء على هذا التأويل نزعم أن الإضراب في مطلع السورة ليس إضرابا عن جزء مقدر في حيز القسم ولكنه إضراب عن القسم ذاته...ويبقى تقديرالجمهورمع ذلك احتمالا واردا كما صاغه ابن حيان: أَنَّكَ جِئْتَهُمْ مُنْذِرًا بِالْبَعْثِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا، بَلْ عَجِبُوا.
            وبحسب هذا التقدير سيتضمن مطلع السورة وجها بديعا جدا يتمثل في حذف شيء واحد أوطيه ثلاث مرات...
            فالبعث هو المحذوف في جواب القسم: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ[ لتبعثن].
            وهو نفسه المحذوف في أسلوب الإضراب: جِئْتَهُمْ مُنْذِرًا بِالْبَعْثِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا، بَلْ عَجِبُوا.
            وهو نفسه المحذوف في استفهام التعجب: أَ [نبعث] إِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ.

            والله أعلم.


            تعليق

            20,536
            الاعــضـــاء
            235,771
            الـمــواضـيــع
            44,212
            الــمــشـــاركـــات
            يعمل...
            X