المراد بالرأي ها هنا الاجتهاد ؛ فإن كان الاجتهاد بعيدًا عن الجهالة والضلالة ، فالتفسير به جائز إذا لم يكن في القرآن أو السنة أو أقوال الصحابة ما يفسره ؛ وإلا فمذموم ؛ فالتفسير بالرأي الجائز يجب أن يلاحظ فيه الاعتماد على ما نقل عن الرسول e وأصحابه y ، مما ينير السبيل للمفسر برأيه ، وأن يكون صاحبه عارفًا بقوانين اللغة ، خبيرًا بأساليبها ؛ وأن يكون بصيرًا بعلوم القرآن وأصول الشريعة ، حتى ينزل كلام الله على المعروف من تشريعه .
وهذا هو النوع الأول من التفسير بالمعقول ( بالرأي ) ؛ وهو جائز مقبول ، وقد ورد عن السلف بعض من هذا التفسير ، عندما لم يجدوا في القرآن والسنة ما يفسروا به الآي .
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس -

والشاهد من الأثر ، قوله : ( وتفسير تعلمه العلماء ) ، فإنه يدخل فيه اجتهادهم في التفسير .
قال الزركشي -

وأما ما يعلمه العلماء ، ويرجع إلى اجتهادهم ، فهو الذي يغلب عليه إطلاق التأويل ، وذلك كاستنباط الأحكام ، وبيان المجمل ، وتخصيص العموم ، وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدًا ، فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه ، وعليهم اعتماد الشواهد والدلائل دون مجرد الرأي [2] .
وأما النوع الثاني : وهو التفسير بمجرد الرأي ؛ دونما نظر إلى ما جاء في القرآن ، أو السنة ، أو أقوال الصحابة والتابعين في ذلك ؛ ومن غير أن يحصل المتكلم في التفسير العلوم التي يجوز معها التفسير ؛ فمثل هذا غير مقبول ، وهو قول على الله تعالى بغير علم ، يأثم صاحبه .
ونقل السيوطي عن ابن النقيب قوله : جملة ما تحصل في معنى التفسير بالرأي خمسة ، أقوال :
أحدها : التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير ؛ الثاني : تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله ؛ الثالث : التفسير المقرر للمذهب الفاسد ، بأن يجعل المذهب أصلا ، والتفسير تابعًا ، فيرد إليه بأي طريق أمكن ، وإن كان ضعيفًا ؛ الرابع : التفسير بأن مراد الله كذا على القطع من غير دليل ؛ الخامس : التفسير بالاستحسان والهوى [3] .
وهذه الأنواع كلها مردودة على أصحابها .
[1] - تفسير ابن جرير : 1 / 75 - تحقيق أحمد ومحمود شاكر – مؤسسة الرسالة ؛ وانظر ( تفسير ابن كثير ) : 1 / 14 - دار طيبة .
[2] - انظر ( البرهان ) : 2 / 74 ، وما بعدها ، باختصار وتصرف .
[3] - انظر الإتقان : 2 / 482 .