قال ابن الجوزي -

وإني لأتامل بعض من يتزيا بالفقر والتصوف ، وهو يلبس ثيابًا لا تساوي دينارًا ، وعنده المال الكثير ، وقد أمرح نفسه في المطاعم الشهية ، وهو عامل بمقتضى الكبر والتصدر ، فيتقرب إلى أرباب الدنيا ، ويستزري أرباب العلم ، ويزور أولئك دونهم ؛ وإنما يرد ما يعطى ليشيع له اسم زاهدٍ ، فتراه يربي الناموس ، وهو في احتياله كثعلب ، وفي نهوضه إلى أغراضه في الباطن كلب شري .
فأقول : سبحان الله ! ما يزهد إلا الثياب ! أترى ما سمع قول النبي -

وأعوذ بالله من رؤية النفس ورؤية الخلق ؛ فإن من رأى نفسه ، تكبر ، والمتكبر أحمق ؛ لأنه ما من شيء يتكبر به إلا ولغيره أكثر منه ؛ ومن راءى الخلق ، عبدهم وهو لا يعلم !
فأما العامل لله سبحانة وتعالى ، فهو بعيد من الخلق ؛ فإن تقربوا إليه ، ستر حاله بما يوجب بعدهم عنه .
( صيد الخاطر ، ص 291 ، 292 ) .