قال شيخ الإسلام ابن تيمية –

فأما الأولي ، فالمؤمن والكافر والمنافق مشتركون في جنسها ، ثم يعلم أن قاعدة التنعيم بها ليس هو حقيقة واحدة مستوية في بنى آدم ، بل هم متفاوتون في قدرها ووصفها تفاوتًا عظيمًا ، فإن من الناس من يتنعم بنوع من الأطعمة والأشربة الذي يتأذي بها غيره ، إما لاعتياده ببلده ، وإما لموافقته مزاجه ، وإما لغير ذلك .
ومن الناس من يتنعم بنوع من المناكح لا يحبها غيره ، كمن سكن البلاد الجنوبية ، فإنه يتنعم بنكاح السمر ، ومن سكن البلاد الشمالية فإنه يتنعم بنكاح البيض .
وكذلك اللباس والمساكن ، فإن أقوامًا يتنعمون من البرد بما يتأذي به غيرهم ، وأقواما يتنعمون من المساكن بما يتأذي به غيرهم ، بحسب العادة والطباع .
وكذلك الأزمنة ، فإنه في الشتاء يتنعم الإنسان بالحر ، وفي الصيف يتنعم بالبرد ؛ وأصل ذلك أن التنعم في الدنيا بحسب الحاجة إليها ، والانتفاع بها ، فكل ما كانت الحاجة أقوي والمنفعة أكثر كان التنعم واللذة أكمل ، والله قد أباح للمؤمنين الطيبات .
فالذين يقتصدون في المآكل نعيمهم بها أكثر من نعيم المسرفين فيها ، فإن أولئك إذا أدمنوها وألفوها لا يبقي لهذا عندهم كبير لذة ، مع أنهم قد لا يصبرون عنها ، وتكثر أمراضهم بسببها .
وأما الدين فجماعه شيئان : تصديق الخبر ، وطاعة الأمر .
ومعلوم أن التنعم بالخبر بحسب شرفه وصدقه ، والمؤمن معه من الخبر الصادق عن الله ، وعن مخلوقاته ، ما ليس مع غيره ؛ فهو من أعظم الناس نعيمًا بذلك ، بخلاف من يكثر في أخبارهم الكذب .
وأما طاعة الأمر ، فإن من كان ما يؤمر به صلاحًا وعدلًا ونافعًا ، يكون تنعمه به أعظم من تنعم من يؤمر بما ليس بصلاح ولا عدل ولا نافع .
وهذا من الفرق بين الحق والباطل ، فإن الله سبحانه يقول في كتابه :



