تجربتي: بالصيام بالماء فقط (15 يوم بدون طعام)..
رغبت أن أشارككم تجربة شخصية خضتها لمدة 15 يوماً، أسجل فيها بعض ملاحظاتي، حول الصيام المتواصل (غير المنقطع)، والإكتفاء بالماء فيما يدخل إلى الجسم. وهو ما يعرف بالإنجليزية ب Water fasting
وارغب التنبيه لمن لا يعرفني،
بأني لست طبيباً
ولكني أنقل مشاهدات شخصية.


من مُنطلق (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، ولتعميم الفائدة، فإني اسجل هذه التجربة، باختصار شديد، لأن الناس لا تعرف أهميتها. ولن اتكلم عن التأصيل الشرعي، هذا أتركه لمناسبة اخرى ربما..
الصيام بشكل عام معروف بين كل الديانات والشعوب، وتختلف صوره، من مثل صيام المسلمين من الفجر إلى الليل، ومن الصيام عن أنواع من الأطعمة، أو الصيام بالعصائر الطبيعية، وما سوف أتكلم عنه يسمى الصيام بالماء، وهو معروف لدى المسيحية واليهودية، ويعتبرونه الصيام الذي صامه موسى، وحتى عيسى
، وهو الصيام المتواصل دون تناول أي طعام لمدة اربعين يوماً. وهذا الصيام هو أقوى هذه الانواع وأكثرها فاعلية، وبعض المتدينين منهم يصومونه حتى الآن، وحتى ان بوذا كان يأخذ نفسه بمجاهدات للنفس، من مثل هذا النوع، وكذلك يفعله بعض المتصوفة، ولقد فعله الشيخ الألباني.

أهم احتجاج يطرأ على بال من لا يعرف هذا الصيام، بأنه مضر بالصحة، وقد يؤدي إلى المجاعة، ويعتقد أن الجسم لا يستغني عن الاملاح والمعادن، أو أن الإنسان من الممكن ان يموت لو صام أيام طويلة عن الأكل، ولكن بناء على المشاهدة، فإن الامر مختلف تماماً لما هو شائع (فكثيراً مما هو شائع عادة ما يكون خطأ ، لان الناس تجنح إلى التقليد، والتسليم والقبول دون مدارسة وبحث).
الصيام بالماء هو في الحقيقة عظيم الفائدة، ولا يصدقها إلا من خاض غمار هذه التجربة. وتزداد الفائدة وتتعاظم كلما طال الصيام، فعادة يصوم الناس 14 يوماً أو 21 أو 30 ، والبعض يصوم الصيام الديني ب 40 يوماً. أنا شخصياً صمت 15 يوما.
الجسم خلال الصيام يأخذ فترة نقاهة من المجهود الذي يبذله في هضم الطعام الذي نتناوله يوميا، حيث أن 80% من طاقة الجسم تتوجه إلى هضم الطعام وتصريفية، فتخيل أن هذه النسبة الكبيرة من الطاقة تصبح (مُجَّهة) لأمور أخرى، فيبدأ الجسم باستغلال الطاقته في ترتيب (شؤون البيت الداخلي)، فيعمل على تنظيف وتصليح لكل الامور العالقة التي لم يكن (متفرغا) لأن يعملها وهو مشغول وبشكل مستمر في السابق (خصوصا مع حجم كميات الطعام التي نأكلها سواء صحية ام غير صحية). فالسموم الكثيرة المتجمعة، تسبب مع الوقت اضرار بالغة (وسراطانات)، ونقص في طاقة الجسم، فالجسم في الصيام يقوم بما يعرف باسم التخلص من السموم Detoxification ، وسوف تُصدم بكم هو (حكيم وعاقل ومُنسجم مع نفسه!) هذا الجسم الذي وهبنا إياه الله سبحانه.
الصيام الطويل عملية ضرورية –في ظني- من وقت إلى آخر، فالجسم يقوم بالرجوع إلى (الملفات القديمة) ويحل إشكالياتها، فمثلا إذا كانت هناك جروح أو كسور أو آلام في الرقبة او الظهر، أو ضعف في البصر أو خلل في وظائف بعض الأجهزة والأعضاء، فإنه يوجه طاقته لها، وفقاً لبرنامج من (الاولويات) يقدرها الجسم بنفسه. فتحدث عملية (تصليح) كاملة للجسم، ويكون عمقها بقدر طول أيام الصيام، فالجسم يجدد نفسه تلقائياً.
ما هي المراحل التي يمر بها الجسم في الصيام؟
-بعد الإنقطاع عن الطعام في الأيام الثلاثة الأولى، يقوم باستهلاك السكريات المخزنة في العضلات والانسجة، فتظهر علامات الصيام المعروفة التي نعرفها، من صداع أو إرهاق، أو عدم قدرة على التركيز، وجفاف للحلق... وهي أعراض الصيام المعهودة.
- بعد اليوم الرابع، ينفذ مخزون السكريات، فيتحول الجسم إلى حرق الدهون المخزنة، وهذه الدهون من أفضل أنواع الطاقة، فيحس الصائم بأن أعراض الجوع قد بدأت تختفي أو حتى اختفت، وكذلك بقية الأعراض الجانبية المصاحبة ، تقل بشكل كبير، ويبدأ الإحساس بنوع من النشاط، وازدياد القدرة على التركيز. مع بقاء الإحساس ب (شهوة الطعام)، فالشهوة مختلفة عن الجوع الحقيقي. ويجب عدم التفكير وتخيل الطعام، فتلقائياً يبدا العقل (بالرضى بالنصيب) ويقنع، بأنه لا مجال للأكل!
-بعد اليوم الخامس تبدأ حالة الإستقرار في استهلاك الطاقة، مع وجود بعض الإرهاق أحياناً خلال اليوم، وهذا يعتمد على طبيعة نوعية حياة الشخص، وكمية السموم الموجودة في جسمه، فإذا كان يعيش على الشوكلاته والمشروبات الغازية والكافيين، ومكدونلدز...، فإن كل هذه السموم تكون مخزنة، وتبدأ عملية التنظيف تأخذ مجراها. فاللسان يكون شديد البياض مع وجود طبقة بشكل الفراء عليه، وكذلك التبرز (أكرمك الله) يكون له مواصفات مختلفة.. ولكن مع الوقت تتخفي رائحة الجسم...
-تستمر عملية التنظيف، وعدم الاحساس بالجوع، إلى أن تستهلك الدهون، ويبدأ الجسم بأخذ الطاقة من استهلاك العضلات، وفي بداية هذه المرحلة يرجع الإحساس بالجوع، وهذه قد تأتي بعد مرور 40 يوم أو 50 أو حتى أكثر، يعتمد هذا هلى جسم الإنسان. وحينها يجب إنهاء الصيام والعودة للطعام... بشكل تدريجي.
أهم فوائد هذه التجرية
-أهم فائدة على الإطلاق في رأيي، هي شعور العودة إلى الذات، والإحساس بالنفس، والمراقبة الذاتية، وتلمُس معاني قد تكون غائبة تماما عنا عندما نكون مستغرقين بمتع الحياة والتي من أهمها الطعام. هو باختصار الإحساس بمعنى التقوى الحقيقي. الإحساس بالقيم الجميلة والعليا في الحياة. هذا الشعور أخبر به كل من خاض التجربة، حتى لو كان الصيام قصيراً (7 أيام مثلاً).
-يكاد يكون هناك إجماع في كل ما اطلعت عليه، بأن هذا النوع من الصيام هو العلاج الناجع لبعض الأمور الدائمة، مثل ارتفاع ضغط الدم، والسكري (من النوع الأول)، الأكزيما والحساسية، والبواسير، إلتهاب المفاصل..، فكل من جرب حدثت معه فروق صحية هائلة بعد التجرية.
- نقص كبير للوزن، فإذا كنت سميناً، فمالك إلا الصيام، فالجسم في خلال 40 يوم ينقص منه ما لا يقل عن 25 كيلوجرام (وهذا مُجرَّب)، يستعيد جزء منها بعد العودة للطعام (تقريباً من 4 إلى 5 كيلو)، ولكن متوسط الخسارة يزيد عن 20 كيلو. أنا خسرت تقريباً 10 كيلوغرام في 15 يوماً.
-تحسن الجلد، وإشراقة الوجه، وحدة البصر، ورهافة السمع والشم، تصبح أفضل بكثير.
-بصيامي المتواضع لمدة 15 يوم، أحسست أني صغرت على الأقل بضع أعوام. وعندما تشاهد صور من صام لفترات اطول تحس بأنهم بشر مختلفين بالرغم من أعمارعم المتقدمة.
-سوف تستغرب من مستوى الطاقة في الجسم، وسوف تلاحظ حجم الأعمال (فكرياً أو حركياً) التي تنجزها خلال الصيام، مع الانتباه لضرورة عدم القيام بأي مجهود رياضي.
-سوف تستغرب من التحسن النفسي (خصوصاً إذا كنت تعاني من أعراض اكتئابية أو حزن)، والشعور بالإنجاز، والقدرة على التحمل، واحترام الذات، والرضى النفسي... كله ترتفع.
-بعد التجرية يصبح للطعام في حياتك شأناً آخر، فبعد أن تصوم لفترة طويلة، تصبح رشفة الشوربة أو كأس العصير، من متع الجنة، تحس بشعور من الإنبساط أو السعادة لا يكاد يوصف، كما هو إحساسك بلقاء حبيب غاب لسنين وظهر معانقاً لك على حين غرة! نحن لا نستمتع بالطعام، لا نعرف قيمته، وأصبحنا نأكل من باب تأدية الواجب والطقوس. مأجمل نعمة الطعام بمذاقات مختلفة، فعلاقتك تتحسن مع أنواع الأطعمة.
أكاد أجزم بأن هذا النوع من الصيام لو داوم عليه الإنسان وبشكل دوري كل سنة مره على الأقل.. لما احتاج أن يزور طبيب! وهي تجربة تستحق التأمل والتجريب.
باختصار شديد هذا الصيام ( يجعلك إنساناً مختلفاً).
هذه بعض مشاهدات من تجربة لطيفة ومفيده خضتها.. أحببت ان أشرككم بها. وإذا كان لديكم اسئلة فحياكم الله.
شكراً على القراءة.
نضال
تعليق